مذبحة موسى قلعه، وصمة عار على جبين أدعياء حقوق الإنسان
مذبحة موسى قلعه، وصمة عار على جبين أدعياء حقوق الإنسان
أطفالٌ في سنّ الورود كانوا بهجة حيات آبائهم وأمهاتهم، كانوا فرحين جذلين، استحمّوا ولبسوا ملابسهم الجديدة، وزادت فرحة البنات بحناء العرس حيث نقشن ورسمن على أيديهنّ أجمل الرسومات والنقوش، وكان هؤلاء الأطفال يظنّون أنهم سيشاركون حفل عرس، يتمتعون ويرتعون ويلعبون فيه، يأكلون ويتلذذون من وليمة الزفاف، يجرون في الدار من هنا إلى هناك، يهتفون ويمرحون، يجرون مرّة إلى الدار التي فيها العريس والرجال وتارةً أخرى إلى الدار التي فيها العروسة والنساء، هذا ما كان يدور في خلد براعم حفل هلمند.
آهٍ يا الله … وفي غمضة العين تبّدلت الأفراح إلى كارثة ومشهدٍ أليم، مشهد مشحون بالرعب والدمار يوحي بأن “مذبحة” ارتكبت بقسوة، أطنان من الركام وأكوام من الحجارة والطين وبقع الدماء الجافة لا تزال شاهدة على تلك الجريمة الإنسانية التي ارتكبها أدعياء حقوق الإنسان.
حكاية دمار بدأت مساء الإثنين (۲۳ سبتمبر) عندما قصف جنود الاحتلال الأمريكي برفقة عملائهم من جنود وحدة (۰۳) العسكرية بمداهمة المدنيين وقصفهم في منطقتي “كونجك وشواروز” قرب سوق مديرية موسى قلعة بولاية هلمند.
ونتيجة هذه الجريمة الإنسانية استهدفت سيارة من نوع ميكروباص، وسيارتين من نوع كرولا بوكس لأهل العرس وهدمت ۶ منازل بالكامل، وبعد هذا القصف الهمجي والوحشي تصاعد اللهب وسحابة دخان عملاقة من بيوت المدنيين، لترتقي معها أرواح ۴۰ شهداء، معظمهم الأطفال والنساء.
دقائق قاسية مرت على المدنيين الأبرياء الذين ساهموا في هذا الحفل، فالحجارة وشظايا ونيران القنابل القاتلة كانت تتطاير في كل مكان، فيما كسا الدخان المنطقة برداء أسود قاتم، وتناثرت الأشلاء والدماء في كل مكان، لتقف تلك النقاط الحالكة شاهدة على قسوة الظلم والقهر.
الجميع كانوا يحاولون الهرب لكن إلى أين؟ لم يكن هناك أي مفر؛ فمن نجا من الموت كان مصيره الإصابة ومن لم يصب جسده كفاه هول مشهد أشلاء الشهداء والدماء تنزف من أجساد أطفال ورجال يركضون بلا وجهة ولا هدف.
بدا أن عقارب الساعة ثابتة لا تتحرك لتبدد ذلك المشهد الأليم، ومرت الثواني كدهر قبل أن تنقشع سحابة الدخان وتتكشف تفاصيل “المذبحة”.
ومعلوم أنّ هذه الحادثة ليست أولى الجرائم، فقد سبقتها مجازر تقشعر منها الجلود إلا أنّ هذه الأخيرة كانت مفجعة للغاية وفريدة في نوعها، ولكنها مع الأسف البالغ لم تحرّك ساكنًا، ولم تُثر هائجًا، ولم تبعث على الغضب والاستنكار، وأنّ هذه المجازر لن تتوقف مادام المارد الصليبي ملقٍ بكلكله الثقيل على بلاد الأفغان.
وفي وسع القارئ أن يعرف بأنّ الأمريكان إنما اقترفوا هذه الجريمة النكراء ولم يفرّقوا خلالها بين طفل رضيع وبراعم في سنّ الورود والنساء والعجائز بل قتلوا جميعهم، وهدفهم المشؤوم وراء هذه المجازر وتحديدًا مجزرة موسى قلعه إخضاع الأفغان وإجبارهم على الاستسلام، ولكنهم ما دروا بأنّ هذا الشعب الأبي لا يقبل الضيم والخور وعرف يقينًا منذ أول يومٍ دخل غمار المعارك وبدأ بالجهاد النقي الصافي أنّ فاتورة العزة والكرامة غالية، تكاليفها الدماء والجماجم والأشلاء ولكنّ الطغاة لايدرون أنّهم يلهبون بمثل هذه المجازر قلوب الشباب بنار الثأر، وإنّ نيران الشهيد صفي الله بن عبد الحميد من سكان ولاية لغمان التي أردت ۱۲ جنديًا أمريكيًا قتيلا في قاعدة قندهار الجوية، أوّل الغيث، وما ترونه في قادم الأيام أنكى وأمرّ ويسوءكم بإذن الله.
بقلم :
سعدالله البلوشي
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )