مقدمة :
فى شهر سبتمبر من عام 1991 ، نُشِرَ هذا المقال فى مجلة منبع الجهاد التى كان يصدرها مولوى جلال الدين حقانى من معهد منبع العلوم فى ميرانشاة . وقتها كان قد تبَقَّى حوالى نصف العام على فتح كابل (فبراير 1992) . ونشط معظم العالم لمحاصرة الإنتصار الإسلامى فى أفغانستان ، تقودهم أمريكا ومنظومتها الدولية ، من أمم متحدة ومجلس أمن وهيئات إغاثة دولية ، كما نشط حلفاؤها الإقليميون من الباكستان إلى السعودية وباقى منظومة العملاء الذين مازالوا ناشطين إلى الآن . ومعهم قادة الفساد والإنحراف فى أحزاب بيشاور الذين تجهزوا ، بل تسابقوا، سراً وعلنا ، لحجز مقاعد لهم فى الحكم القادم إلى كابل الذى رسمت ملامحة الولايات المتحدة على أساس أن يكون حكما مشتركا بين الإسلاميين “الحزبيين” عملاء أمريكا وبين الشيوعيين ، بشرط ألا ينفرد المجاهدون بالحكم ، بل يشارك معهم من إستدعوا جيوش الإحتلال وقاتلوا إلى جانبها . فيستوى فى الحكم المجاهد الذى بذل الدم والمال ، مع من إستدعى المحتل وقاتل إلى جانبه بالسلاح والميليشيات والجنود .
فهل يعيد التاريخ نفسه ؟؟ . أم أنها ظاهرة تتكرر إذا تكررت نفس الظروف؟؟.
أوشكت كابل أن تجيب على السؤال ، وأن تفتح أحضانها لأبنائها المجاهدين الفاتحين .
…………..
فوهة البندقية .. نبع السلام
( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم اعمالكم) .
إذا كان السلم يعنى : إقرار الظالم على ظلمه فهو مرفوض شرعا وعقلا . وقد مرت بالمسلمين فترة من الزمن أرغموا فيها على تجرع كأس المهانة والذل .
وقبلوا بظلم الكافرين لهم . لكن ذلك لا يعنى جواز التنازل التام لهؤلاء الكافرين وإقرارهم على ظلمهم وعقد سلم معهم هو فى حقيقته إستسلام وإهدار لحقوق المسلمين فى الدنيا ، بل وتفريطا فى الدين الذى إرتضاه لهم خالقهم .
فالسلم الحقيقى لا يكون إلا بإقرار الحق بمفهومه القرآنى الصحيح لا بمفهومات منحرفة إخترعتها مؤسسات الكفر كى تفرضها على الضعفاء كرها وبقوة السلاح . وما المؤسسات الدولية التى تحاول أن تغتصب لنفسها صفة الشرعية والقانون إلا إدوات فى أيدى الأقوياء الذى يفرضون شريعتهم الظالمة على الشعوب المستضعفة بقوة الإرهاب الدولى .
وأحرى بالمجاهدين والشعب الأفغانى بشكل خاص بعد أن منَّ الله عليهم بالنصر المؤزر على أكبر قوة ملحدة فى التاريخ ، ألا ينخدعوا بدعاوى السلام الزائف التى تروجها أبواق الكفر الظالمة كى تهضم حقوقهم وتترك بلادهم مستباحة للملحدين المارقين .
وبفضل الله ثم إيمان الشعب الأفغانى وبطولاته وتضحياته التى لا تحصى ، سقطت إمبراطورية الشر فى الإتحاد السوفياتى ، وتحررت شعوب فى قارات الدنيا كلها من نيران الشيوعية الملحدة، لكن إرادة الظلم والكفر الدولية تريد لهذا الشعب المجاهد أن يظل رازحاً تحت نيران الشيوعية فأى عدل وأى شريعة يدَّعونها لأنفسهم ؟؟ ونحن لا نعجب فى أن تتكاتف قوى الكفر الدولية كى تمنع الشعب الأفغانى المسلم من إقامة دولته الإسلامية المستقلة على أرض بلاده ولكننا نعجب لإناس من بنى جلدتنا ويدينون بما ندين به يسعَوْن جهدهم لإقرار شريعة الكفر على البلاد تحت دعوى السلام الزائفة .
فالذين خارت عزائمهم والذين يلهثون خلف بريق السلطة ولو بمشاركة الكافرين فيها ، وهؤلاء الذين يتمرغون على أعتاب القوى الكبرى بحثاً عن دور حقير يشترونه بثواب الآخرة ، كل هؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم .
فنحن على يقين من نصر الله لعباده المؤمنين المجاهدين وإن قل عددهم وعتادهم ، وحتى إن إجتمعت الدنيا عليهم ورمتهم عن يد واحدة .
أما عن السلام فى أفغانستان فشعبنا يعرف الطريق إليه جيدا .. الطريق إلى السلام ينبع من فوهة البندقية ويبدأ بخضوع الكافرين لحكم الله خضوعا تاما ، عندها فقط يبدأ السلام وتعود الطمأنينة كما كانت فى ربوع أفغانستان المسلمة .
أما التسليم للكافرين أو مقاسمتهم السلطة فإنه لن يكون إلا إذا تمكن الكافرون من إبادة شعبنا المسلم عن بكرة أبيه .
وحتى هذا لن يرهبنا فنحن نؤمن بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، فهل يتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ؟ .
فإلى بنو جلدتنا الذين يتمرغون على الأعتاب ، وإلى اللاهثين خلف سراب القوة والسلطة بأى شكل وتحت أى ظروف نقول لهؤلاء جميعا إن إخوانكم فى “خوست” “وتخار” قد عرفوا الطريق الصحيح وأجابوا على دعاوى التسليم بالشكل الملائم .
وهم الآن يدقون أبواب “جرديز” التى بدأت تترنح تحت وطأة ضرباتهم . وها هى “جلال آباد” تنتظر الفاتحين ومثلها “قندهار، وغزنى ، وهيرات “. أما كابل فهى لن تسلم قيادها إلا لمن يستحق .. لن تسلم “كابل” إلا لأبنائها الفاتحين الذين يقتحمون الأهوال ويصرعون الباطل الدولى تحت أسوارها العنيدة .
أما الذين تحملهم حراب الباطل وقوى الطاغوت الدولى إلى كراسى الحكم فإن شعبنا سيلقى بهم فى هاوية التاريخ ، حيث يرقد أسلافهم من “أمان الله” إلى “تراقى ” إلى “كارمل” .
فالشعب الذى حمل السلاح منذ أكثر من عقد من الزمان دفاعاً عن دينه لن يكون من السهل خداعه وسرقة إنتصاره قبل دقائق قليلة من حصوله عليه .
وكم من ظالمين ومارقين دفنهم الأفغان فى جبال الهندكوش !!.
وكم من نظام دولى كافر لفظ أنفاسه على أرضنا!! . وكم من قوة عظمى دخلت بلاد الأفغان ولم تخرج منها أبدا !! .
هناك دفنت جيوش الإمبراطورية البريطانية قبل أن تغيب عنها الشمس ، وهناك ضاع الجيش الأحمر وتحللت الأمبراطورية السوفيتية وضاعت شمسها إلى الأبد .
ولكن يبدو أنها لن تكون الإمبراطورية الأخيرة التى يقضى عليها أبطال الأفغان المجاهدين .
” وسيعلم الذين كفروا أى منقلب ينقلبون ” .
نقلا عن ( مجلة منبع الجهاد ) السنة الثانية – العدد13 / ربيع الأول 1412 هـ 1 سبتمبر 1991 م
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )