بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الرابعة عشرة – العدد ( 161) | ذو القعدة 1440 هـ / يوليو 2019 م .
19/07/2019
جلال الدين حقانى
العالم الفقية .. والمجاهد المجدد
( 11 )
في تقرير عن معركة خوست .. نشر في صحيفة الاتحاد الإماراتية ( 1985 ) :
– كيف بدأت الحملة العسكرية ضد باكتيا.. وكيف إنتهت؟ – تفاصيل وأسرار أضخم حملة يقوم بها السوفييت في أفغانستان؟ – قاعدة جاور الهدف الأول للحملة السوفييتية على خوست.
-الجنرال الدموي يعلن: سأشرب الشاي في (جاور) .
وحقاني يرد عليه : مكانين لن يدخلهما الشيوعيون (الجنة) و (جاور) .
– الشهيد فتح الله حقاني يقهر الجيش الأفغاني بواسطة دبابة صعد بها إلى جبل(جاور) .
تحميل مجلة الصمود عدد 160 : اضغط هنا
عدو التكنولوجيا:
الجمعة 12 يوليو 1985:
وصلت أمس إلى ميرانشاه مع عبدالرحمن وأبوحفص.. استطعنا توفيرثلاث قطع مخابرات لاسلكية صغيرة من نوع عتيق جداً. وجهاز تفجير عن بعد جرى تصنيعه محلياً في بشاور… وسنكون أول من يجربه ميدانياً. علمنا أن الوضع متوتر في خوست. وجرت معارك عديدة بين المجاهدين والقوات الشيوعية. ركبنا أحد السيارات التابعة لحقاني ومعنا الشيخ (محمد طالب) وآخرون في طريقنا إلى (ليجاه) لمقابلة حقاني والاتفاق معه على برنامج عملنا، الذي من المفروض أن يستمر كما كان. عند أول نقطة تفتيش على الطريق نحو الحدود، كان يقف شخص في حجم الديناصور من المخابرات الباكستانية، ومعه عدد من الزبانية من جواسيس منطقة القبائل.. كان في انتظار شيء معين… أوقف سيارتنا.. تحدث معنا فاكتشف أننا لسنا من البشتون أو الفرسوان (متكلمي الفارسية). والمشكلة الرئيسية كانت معي شخصياً بصفتي أشدهم جهلاً بتلك اللغات الحية.
أحد الزبانية نظر إلى السيارة فعرفني، وتذكرت وجهه.. أظنه كان مع المجاهدين في ليجاه منذ ثلاث سنوات. صاح عندما رأى وجهي (قسم بخدا دا عربيان دى)… أي أقسم بالله أن هذا عربي. سحبونا بعدها إلى مركز سري للاستخبارات داخل ميرانشاه فبقينا هناك لأكثر من ساعه وأصر مرافقونا الأفغان بأنني (تركماني) لا أعرف أي لغة في المنطقة هنا.. وأخيراً أطلقوا سراحي وواصلنا السير إلى ليجاه.. هناك كان حقاني مع بعثة تلفزيونية من كندا.
القوات الحكومية كانت محتشدة على أطراف الوادي . حقاني اشتبك معهم منذ يومين واستولى على أحد مراكزهم وأخذ منها أسيرا حكوميا. وفقد عشرشهداء وعشرين جريحاً.
اتفقنا معه على استئناف برنامجنا على المطار.
السبت 13 يوليو 1985:
نزلنا من ليجاه إلى جاور ثم إلى ميرانشاه وهناك كانت مفاجأة في انتظارنا.. طائرتان هيلوكبتر (مي/24) فرتا من خوست وهبطتا في مطار ميرانشاه. وكان يمكن رؤيتهما من الشارع المقابل لبيت حقاني حيث ينزل ضيوفه، وكانتا مغطتان بشباك تمويه وأغصان أشجار خوفاً من أن تأتي الطائرات الأفغانية لقصفها.
كنا في سرور لكون “عربات البطاطا” قد استسلمت أخيرا كما كنا نتنبأ لها. سمعنا أن حكمتيار ادعى أن الطيارين كانوا على ارتباط بجماعته، وبالتالي يطالب باستلام الطائرات وأطقمها. حضر حقاني من ليجاه ورفض ما قاله حكمتيار وطالب باستلام الطائرتين لكن حكومة باكستان نقلت الطائرات وأطقمها إلى إسلام آباد، كي تجري المخابرات الأمريكية فحوصاتها وتستجوب الطيارين!!.
سمعنا أن الدكتورعبدالله عزام كان قد احتجز في أحد نقاط التفتيش وهو قادم من بشاورأمس ومعه عشرة من العرب وقضوا ليلة في الحجز.. ولكن حقاني أرسل مندوبيه للإفراج عنهم…
وصل الدكتورعبدالله ومعه عالم من اليمن لا أذكر اسمه ، وفي الليل جلسنا خارج بيت حقاني هرباً من الحرارة.. ودارت بعض الأحاديث الممتعة، أهمها معضله ( هل يمكن للكافر أن يكون شجاعاً؟ ). كانت إجابة الدكتور عبد الله: نعم، والعالم اليمنى:لا. استمر الجدال فترة حتى حسمه حقانى بنظرية (شجاعة الحمار) التي كانت حلاُ وسطاً مقبولاً.
الخميس – يوليوـ 1985 :
وهذه ملاحظات كتبتها في ذلك اليوم:
– قام العدوّ بعمل جسرجوي فوق العادة خلال ثلاثة أيام (20-21-23يوليو) وبمتوسط 15 طائرة نقل كبيرة كل يوم.
– يقوم العدو بعملية استطلاع جوي لمدة سبع ساعات يوميا من الثامنة صباجاً وحتى الثالثة عصراً.
الاستنتاج:
يجري الآن الإعداد لبرنامج موسع ضد المجاهدين في خوست بعد تحديد مواقعهم وأسلحتهم بواسطة الاستطلاع الجوي، وغارات جس نبض بواسطة طائرات الهيلوكبتر والنفاثات (الجت) وسيزداد المجهود الجوي للعدو في الفترة القادمة بغرض تحطيم مراكز المجاهدين وتأمين المطار.
القوات التي وصلت حديثاً وكذلك الأسلحة، سوف تستخدم في هجمات معاكسة على المجاهدين في عدة مناطق خاصة حول المطار لتوسيع نطاق الأمن. وأيضاً ضد المجاهدين في الوادي (رجال حقاني لا يزالون في منطقة لاغوري).
السبت 20 يوليو 85 :
تحركنا لمباشرة عملنا..هالنا ما شاهدناه من صواريخ الهيلوكبتر المغروزة في الجبال و في الأرض. كنت مع عبدالرحمن في الساحة خلف جبل منان حين داهمتنا طائرة هيلوكبتر.. قفزنا في إحدى الحفر ويظهر أنها لم ترنا..ولكنها أفرغت حمولتها من الصواريخ في تلك الساحة بصلية واحدة.. ثم غادرت صوب المطار.. هل أصبحت منطقتنا مشبوهة إلى تلك الدرجة ؟؟.. أظنه كان إجراءاً احتياطياً، فلم يكرروا هذا العمل عندنا مرة أخرى.. بلا شك أن السوفييت سوف يفلسون إذا ظلوا يعملون على هذا المنوال. كنت مغرماً بقراءة تاريخ إنتاج قذائف العدو ومن شظايا صواريخ الهيلوكبترعرفت أن بعضها من صناعة نفس العام 1985 أسعدني ذلك لأنه يعني أن المخزون السوفيتي من تلك الذخائرقد انتهى، وأن الانتاج يخرج من المصانع إلى الجبهة مباشرة!!. إنهم سوف يفلسون بلا شك.. ولكن هل نجد يوماً إحصاءاً منشوراً عن عدد أطنان المتفجرات التي فجّرها السوفييت في بلاد الأفغان.. الأمل في ذلك ضعيف.. وأظن أنها أرقام مذهلة وغير مسبوقة في أي حرب مضت.
تحميل مجلة الصمود عدد 160 : اضغط هنا
الأربعاء أول أغسطس 1985 :
كنت فى الإمارات بينما جلال الدين حقانى و فتح الله حقاني كلاهما في الحج ولم أكن أعلم بذلك في وقتها،حتى تناقلت الوكالات أنباء الحمله السوفيتيه الواسعة على محافظة (باكتيا) ثم قرأت نبأ استشهاد مولوى أحمد جول في برقيات وكالات الأنباء. وكنت وقتها فى زياره لجريدة الفجر . حاولت الاتصال بجلال الدين حقانى من خلال مندوبه في أبو ظبي مولوي غازي مرجان. وكنا في حيرة هل هو في الحج أم في المعركة ؟ ولم يلبث أن وصلنا نبأ استشهاد مولوي فتح الله حقاني الذي التبس علينا اسمه مع إسم جلال الدين . فانتابنا هَمٌ شديد حتى كاد صديقى المنياوي أن ينهار من الحزن.
عدت بسرعة إلى إسلام آباد والمعركه تلملم أذيالها .. وتقابلت مع حقاني بعد انتهائها ثم زرت المنطقه وحصلت على التفاصيل ثم كتبت لجريدة الاتحاد التقرير التالي عن المعركة.
خوست/ مقبرة الجنرالات
الاتحاد أول صحيفة في العالم تحصل على تفاصيل أضخم حملة عسكرية في تاريخ أفغانستان
رسالة أفغانستان: تحقيق، وتصوير: مصطفى حامد
كانت أغرب حملة عسكرية في تاريخ الحرب الأفغانية..كما أنها كانت الأضخم بشهادة الجميع إنها حملة خوست التي كان من المفروض أن تنتهي بسيطرة القوات السوفييتية على ولاية باكتيا ومنافذها الحدودية، ومسالكها الجبلية التي تمر فيها أكثر من80% من إمدادات القتال في أفغانستان. والآن انتهت الحملة.. ولم تحقق شيء.. فكيف؟؟.. فما هي أسرار هذه الحملة التي وصفتها جميع مصادر المراقبين بأنها أشرس حملة قتال في تاريخ أفغانستان؟
لقد انفردت الاتحاد بنشر الخطوات الأولى التي مهدت لهذا الصدام.. وغطت جانباً من التطورات الأولية التي رسمت مسيرة هذا القتال.. ولكن جاء وقت لكي تكشف فيه بعض الأسرار التي لم يكن من المناسب أن تنشر في ذاك الوقت.. والآن توصلت (الاتحاد) إلى أدق تفاصيل وأسرار هذه الحملة. ونبدأ في نشر جانب من هذه الأسرار بقدر ما تسمح به ظروف المواجهة التي ما زالت قائمة رغم إنتهاء تلك الحملة التي بدأت في منتصف مايو وانتهت بنهاية شهر سبتمبر الماضي 1985 .
عام الحسم:
كان من المفروض أن يكون عام1984م,هو عام الحسم العسكري في أفغانستان. هكذا أعلن السوفييت بقوة على لسان الرئيس الأفغانى )بابراك كارمل(. وبدأ السوفييت يدفعون بفرقهم العسكرية لكي تأخذ على عاتقها تدمير مراكز تجمع المقاتلين الأفغان وقواعدهم. فقد السوفييت ثقتهم في الجيش الأفغاني رغم أن تعداده الذي تدنى إلى ثلاثين ألف جندي قد عاد وارتفع إلى ستين ألف. وتم تجديد الأسلحة القديمة واستبدالها بمعدات أحدث. ولكن الروح القتالية لدى الجنود كانت في تدهور مستمر. وحتى تنجح حملة واسعة كالتي يخطط لها السوفييت كان لا بد لهم من الاعتماد على قواتهم التي اكتفت منذ دخولها أفغانستان بحماية العاصمة كابول التي يخصص لها ثلث القوات السوفييتية تقريباً، وحماية طريق الإمدادات من الأراضي السوفييتية حتى كابول عبر ممر سالانج وهو طريق الإمداد الرئيسي لقواتهم. ثم حماية القواعد الرئيسية مثل قاعدة باجرام الجوية شمال كابول وقاعدة (شيندند) القريبة من هيرات، وغيرها. أما المشاركة في العمليات فقد احتفظ السوفييت لنفسهم بدور المستشارين العسكريين في كافة المستويات القيادية من قيادة الجيش إلى قيادة الفصائل الميدانية. هذا إلى جانب احتفاظهم بالدور الأساسي في السلاح الجوي العامل، مع اشتراك وحدات الكوماندوز السوفييتية في عمليات لها أهمية خاصة وعلى المناطق المجاورة للحدود السوفييتية.
حقاني في باكتيا :
في باكتيا تعيش عدد من أكثر القبائل الأفغانية شجاعة وبسالة في القتال ولكنها قبائل ترفض أي نوع من السيطرة غير القبلية، لهذا كانت وما تزال عملية تنظيمهاعسكرياً عملية شاقة. ولكن ظهور شخصية قائد عسكري فذ مثل جلال الدين حقاني هو في نفس الوقت من علماء الدين البارزين استحوذ على إعجاب تلك القبائل. فأصبح حقاني قادراً على تجميع معظم هذه القبائل في عمل عسكري واحد وعلى درجة من التنظيم لم تعهدها باكتيا من قبل. ولم تشهد باكتيا الصراعات الحزبية الدامية كما شهدتها مناطق أفغانية أخرى. لهذا توقف الإفساد الحزبي عند حده الأدنى في باكتيا. وبرز حول حقاني مجموعة من القادة العسكريين العلماء من خيرة قادة العمليات في البلاد من أمثال أحمد جول وفتح الله حقاني وبختر جان ومحمد حسن وغيرهم وقد استشهد أحمد جول وفتح الله في العمليات الأخيرة. كل هذا جعل الثقل المتجمع حول حقاني هو العقبة الرئيسية في إخضاع باكتيا ويضمن بقاء هذا الشريان مفتوحاً أمام قوافل المجاهدين. ولكن حقاني مثله كباقي القيادات الميدانية البارزة لم ينج من محاولات التحجيم أو (الإزاحة) من جانب زعامات(المهجر) في بشاور. لقد تعرض مسعود لعمليات قطع طرق الإمداد ليس فقط بواسطة القوات السوفييتية بل أيضاً بواسطة قوات حزبية مدعومة من بشاور. أما ذبيح الله ــ في مزارشريف فكانت طرق إمداده تمر عبر باكتيا بضمان جلال الدين حقاني الذي أنشأ مخازن تموينية خاصة بقوافل القائد (ذبيح الله) في مزار شريف. وكان الرجلان على معرفة وثيقة عبر تبادل الرسائل ولكنهما لم يتقابلا أبداً.. حتى اغتيل (ذبيح الله) على أيدي قوات حزبية.
تحميل مجلة الصمود عدد 160 : اضغط هنا
حصار اقتصادي:
لم يكن ممكناً لكي يتم تحجيم حقاني بأن تقطع خطوط إمداده بواسطة قوات حزبية. لأن حقاني هو الذي يمسك بين يديه بعصب الإمدادات لمعظم أنحاء البلاد. كما أن أي مغامرة لإزاحة حقاني بالطريقة التي أُزيح بها (ذبيح الله) ستهيج قبائل باكتيا ضد المعتدي ولن تجعله يطأ أرض أفغانستان مرة أخرى. لهذا كانت محاولات تحجيم حقاني تعتمد على سلاح الاقتصاد أو الحصار الاقتصادي.
فكانت تحبس عنه المساعدات بشتى السبل وكانت المساعدات القادمة من الخارج إلى بشاور لا تعرف طريقها إلى حقاني. فكان يلجأ لتمويل عملياته وإطعام رجاله إلى الاستدانة من تجار القبائل. ولكن إذا وصلت ديونه إلى رقم السبعة ملايين كانت تتوقف تلك التسهيلات (البنكية)، وبالتالي تخففت نشاطات حقاني تدريجياً إلى حدها الأدنى. وكانت تلك هي الطريقة الوحيدة أمام الحزبيين لتحجيم حقاني. وجاءت الحملة الأخيرة لتقلب ضمن أشياء كثيرة معادلة الحصار الاقتصادي، بل وضِعَتْ أحزاب بيشاور في دائرة الاتهام، وأصبح التخلص من تأثيراتها السلبية على الجهاد مطلباً دينياً وقومياً لدى المقاتلين الأفغان. ولا يكاد برنامج إصلاحي لتعديل الانحرافات الحادثة إلا ويحتوي على محاولات لتخطي الصيغة الحزبية الكريهة. ** القواعد والطرق إنجازين هامين لجلال الدين حقاني أكسبت المجاهدين في باكتيا مزايا استراتيجية على العدو..
وكان تدمير تلك الإنجازات على رأس أولويات الحملة الأخيرة، كما أفاد بذلك عضوين من كبار ضباط (خاد) جهاز الاستخبارات الأفغانية. وقعا أسيرين في عمليات المجاهدين على مدينة خوست.وأكد ذلك أيضاً ضباط عاملين في الجيش الأفغاني انضموا إلى المجاهدين أثناء تلك العمليات أيضاً. أول تلك القواعد المستهدفة كانت قاعدة (جاور) . وهي القاعدة التي زارتها صحيفة الاتحاد وتحدثت عنها في تاريخ (8/8/85) وبدون ذكر اسم القاعدة. ولم يقتصر الأمر على ضباط الاستخبارات أو ضباط الجيش بل أن رئيس الأركان الجنرال(شاه نواز تاناني) أثناء تواجده في خوست لقيادة العمليات أعلن بنفسه من إذاعة المدينة أنه سيشرب الشاي في قاعدة (جاور). وكان للجنرال سمعة عسكرية عالية فهو يحمل أوسمة التقدير من حكومة كابول وله خبرة واسعة في العمليات الكبيرة في هيرات وبانشير وكونار . وهي أهم الحملات في الحرب الأفغانية وكان للجنرال باع طويل فيها كرجل كفؤ وشجاع ودموي أيضاً. والغريب أنه من مواليد ولاية باكتيا التي جاء لكي يقهرها ويخضعها للسوفييت.
جاور و (الجنة) :
كان لتصريح (شاه نواز) في الإذاعة وقع سيء على نفوس القبائل وأدرك جلال الدين خطورة الحرب النفسية التي يشنها السوفييت والحكومة عبر إذاعتي خوست وكابول. لجلال الدين محطة إذاعة في (جاور) فأطلق رده المشهورعلى تصريحات رئيس الأركان. قال جلال الدين للمجاهدين إن الشيوعيين لن يدخلوا مكانين هما (جاور) و (الجنة)!!. أحبطت كلمات العالم البارز والقائد العسكري المشهور الحرب النفسية للجنرال شاه نواز وحكومة كابول. وذلك قبل أن تُحْسَم المعركة فوق جبال خوست. ولقاعدة (جاور) عدة نماذج نشرها حقاني في بكتيا واختيرت مواقعها بعناية , بحيث يصعب التأثيرعليها بالقصف الجوي حيث أنها عبارة عن كهوف ضخمة في الجبال.كذلك فإن اقتحامها عملية تستدعي قوات أرضية كثيفة ومعارك طويلة باهظة التكلفة في الأرواح والمعدات بالنسبة للمهاجمين.
وفي نفس الوقت فإن إغضاء الطرف عنها يكلف القوات الحكومية والسوفييتية الكثير. فهذه القواعد تختزن كميات كبيرة من المؤن والذخائر إلى جانب الخدمات الأساسية للمجاهدين مثل الخدمات الطبية والتدريب والتعليم والخدمات الإدارية. ويتفرع عن القاعدة نشاط عسكري يغطي مساحات واسعة حولها. وأحياناً تقدم خدماتها إلى محافظات مجاورة مثل لوجار وغازني وباكتيكا. إذن من غير المعقول أن تخضع باكتيا قبل تدمير هذه القواعد واحتلالها. وفي مقدمة هذه القواعد كانت قاعدة (جاور) القريبة من الحدود الباكستانية جنوب خوست وأيضاً لأنها تحتوي على محطة إذاعة يصل مداها إلى عمق أفغانستان.
الطرق .. والمفاجأة :
الطرق التي شقها المجاهدون كان لها تأثير جذري على سير المعارك. فقد ركز حقاني طوال سنوات ليس فقط على إنشاء القواعد الجبلية بل أيضاً في مد طرق جديدة بين الشعاب وبين القمم الجبلية بحيث تصلح لمرور الآليات. وبهذا أصبح في إمكان المجاهدين استخدام السيارات لنقل المؤن والعتاد حتى خطوط القتال القريبة من العدو وحتى قمم جبلية لم يكن يصلها في السابق غير البغال وبشق الأنفس. بل استطاع جلال الدين أن يفاجيء قوات الحكومة في موقع (ليجا) بأن تقدم بالدبابات لتظهر فجأة على يمين القوة في الوادي وتفتح نيرانها عليها فسبب ذلك إرباكاً ضخماً وتجمعت أكثر القوات المخصصة للدفاع عن خوست لتدافع عن (ليجاة) فإلتف رجال الدين برجاله من يمين القوات المتمركزة أمامه ليحتل مواقع في منتصف وادي خوست عند (لاغوراى) وخلف القوات المتمركزة ودمر عدة تجمعات للميليشيا وجنود الحكومة. وظلت القوات الحكومية في خوست تعاني من هذه الضربة حيث تمكن جلال الدين من عزل المراكز والحصون الحكومية في الطرف الغربي من الوادي وأصبح يضرب كل محاولة لتموينها. وظل الوضع هكذا حتى تقدمت القوات الحكومية من (جارديز) لتفك الحصار حول (خوست) التي وصلها أكثر من عشرة آلاف جندي إضافي فاضطر جلال الدين إلى سحب قواته مرة أخرى إلى المرتفعات حتى لا يتعرض للحصار والإبادة في الوادي المكشوف. { الانسحاب من الوادي المكشوف والعودة إلى الجبل تفاديًا للحصار مناورة عسكرية استخدها حقاني مرة أخرى أثناء هجومة على مدينة جرديز في عام 1991ـ كما سنرى ذلك فيما بعد}. وكان طول فترة بقائه في الوادي قد تحصن داخل مجاري السيل الجافة. والتي كان عمق بعضها يبلغ مترين أو أكثر وحولها بسرعة إلى تحصينات طبيعية وحَفَرَ في جدرانها المغارات وحولها المجاهدون إلى كمائن حصينة لم تؤثر فيها غارات الطيران أو القصف الصاروخي الشديد الذي انصب عليها.
دبابة فوق الجبل:
لقد ساهمت تلك الطرق في تحقيق مفاجأة تكتيكية أخرى كانت حاسمة في الدفاع عن قاعدة جاور. فقد اهتزت صفوف المجاهدين بعد استشهاد القائد المشهور مولوي أحمد جول بقذيفة هاون أثناء دفاعه عن جبال منطقة ليجاه التي حاولت الحكومة احتلالها والتقدم عبرها إلى حصن جاور. وكان زخم الهجوم السوفييتي والحكومي على أشده في ذلك الوقت. واعتمد السوفييت على كثافة نيران هائلة تصبها المدفعية من خوست فوق قمم الجبال. وبعد إسكات مصادر نيران المجاهدين تتقدم موجات كثيفة من المشاة لتحتل قمم الجبال وتظل هكذا تدريجياً حتى تصل إلى الهدف المنشود وهو قاعدة جاور في هذه الحالة. وبعد استشهاد مولوى أحمد جول، وهو من كبار مساعدي جلال الدين حقانى ومن أبرز قواده ، انهارت خطوط الدفاع عن ليجاه وتقهقر المجاهدون حتى قرب جاوربينما تقدم المشاة فوق قمم الجبال حتى صارت قوات الحكومة على بعد خمسة كيلومترات فقط من جاور .
عندها بادر فتح الله حقاني المساعد الأول لجلال الدين حقاني فأمر أحد الدبابات الموجودة في قاعدة جاور فصعدت فوق أحد القمم العالية حول القاعدة عبر طريق كان قد مهده المجاهدون. وفاجأت الدبابة القوات الحكومية بوابل من القذائف ففر الجنود الحكوميين تاركين قمم الجبال ولم يتوقف انسحابهم حتى وصلوا إلى قواعدهم في الوادي. وأسرع فتح الله حقاني ليطهر الجبال من الألغام التي بثتها الحكومة ويعيد تركيز رجاله وأسلحته عليها.
{ سوف نرى فيما يلي كيف سارت المعركة إلى نهايتها المحتومة}.
تحميل مجلة الصمود عدد 160 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )