ثورة شعب و ثوار ( مجاهدون ) مخترقون 1
ثورة شعب و ثوار ( مجاهدون ) مخترقون
(1)
الإنسان العاقل إذا عرض له أمر من الدنيا أو الآخرة تبين خلفياته وخلفيات من عرضه عليه وأهدافه مما عرض …وأسباب ذلك ومآله ونتائجه ثم قرر قبولا أو رفضا بعيدا عن العواطف والحماس والإندفاع….
وللأسف الشديد كان عكس ذلك حال كثير من أبناء المسلمين..وانا أحدهم.. سلموا عقولهم وقلوبهم لمن ظنوا أنهم أهل حل وعقد مستقلين عن التجاذب السياسي العفن…
كنا مثل جميع المسلمين نتابع أحداث الربيع العربي وميلانه تارة لصالح الثائرين وأخرى ضدهم. كل منا في موقعه ومجاله منا من كان في الدراسة ومنا من كان في عمله يعيله أهله ومن هم تحت مسؤوليته. مراقبين حال الثائرين وسائلين الله أن يمضيه (الربيع العربي ) على خير يرزق العباد خيره ويكفيهم شره وشر كل ذي شر..!
إستحر القتل والعنف في الثورة السورية اليتيمة وبلغت ذروتها وكادت الكفة تميل لصالح الشعب السوري الثائر رغم شدة المواجهة التي لم تحايد طفلا ولا شيخا ولا امرءة.
دفع المجتمع السوري ثمن مطالبته بالحرية والكرامة.
وكان ثمنا باهضا من آلاف الشهداء ومثلهم من المخطوفين والمعتقلين وأضعافهم من المهجرين والنازحين…. مأساة القرن كما وصفت …
حققت ثورة الشعب تقدما أذهل الجميع (بمعدات بسيطة وتقليدية جلها من خسائر النظام )وأضحى النصر قاب قوسين أو أدنى رغم شراسة المعركة مع الجيش المدعوم بميليشيات لبنانية (حزب الله ) وإيرانية. (خليط من الحرس الثوري وفصائل اخرى) .
أبلى الشعب السوري ذا النخوة والشهامة والإقدام بلاءا حسنا بصبر وجلد نسائه وأطفاله وشيوخه قبل شبابه وذلك لإيمانهم بعدالة قضيتهم ضد الظلم والإستبداد والجبروت والطغيان الذي وصل له النظام البعثي مع شعبه الأعزل الذي كانت تكفيه بعض التعديلات الفعلية في الدستور السوري مما يرفع الحيف عنهم…!
لا شك كلنا عشنا معهم الألم والأمل وهذا أقل مايمليه الضمير الإنساني وهذا ماتجسده مبادئ ديننا الحنيف… وهنا لابد من التأكيد أنني لا أخلع على ثورة الشعب ثوب القداسة وأعطاف العصمة ولا أصفهم منزهون لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون.
ولست أنكر بعض الموروثات والأمراض التي تلوثوا بها عقب نصف قرن من حكم البعث النصيري المفسد والمستبد. فالمستبدون الدكتاتوريون عادة مايبدؤن بتدمير عنصرين رئيسيين في المجتمعات التي يريدون تدجينها وسحق عناصر رقيها ومقاومتها وهما ( الدين والأخلاق ).!
فليس لمريض أن يتعافى من مصابه تماما المعافات في شهور أو بضعة سنين.! غير أنه يستطيع أن يتخلص من أكبر داء (فساد النظام ) و رأس المرض اذا ركز عليه بشكل مباشر ولم يشغل بغيره .! وكان هذا حال ثورة الشعب السوري بداية الأمر…!
ولكن للأسف غالبا ما يتم استخدام عواطف المسلمين ضد مصالحهم.! فكانت الدعوة العامة للمؤتمر الذي أقامه إتحاد علماء المسلمين 2013\6\13 برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي شافاه الله. بعد سنتين خلو من عمر ثورة الشعب السوري.!
حضره ممثلوا ما يزيد عن 76 رابطة أو منظمة إسلامية في العالم الإسلامي على رأسهم دعاة من السعودية والخليج ودول الشرق الأوسط والمغرب العربي. مثل الأخيرة مجموعة من دعاة السلفية الجهادية الذين كانوا حدثاء عهد بالسجون المغربية.!
أولهم الشيخ الحسن الكتاني من مدينة سلا والشيخ محمد الفيزازي من طنجة وآخرين من مدن أخرى لم يتصدروا الإعلام.! تمخض المؤتمر في وقت قياسي (ضمن سياق لايدل إلا على أنه “أمر دبر بليل” ) ليعلن عن بيان ختامي موجه بدرجة أولى للشعوب الإسلامية.!
“مفاده “وجوب النفير العام نصرة للشعب السوري جهادا في سبيل الله بالنفس والمال والسلاح” ثم بعض النقاط التالية مثل التوسل للمجتمع الدولي وفي مقدمته أمريكا لرفع الظلم عن الشعب السوري.! والدعوة إلى مقاطعة اقتصادية وسياسية للدول الداعمة للنظام السوري في مقدمتها إيران _ و روسيا _ و الصين.!
وحالهم المثل العربي القائل؛ المستجير بعمرو حال كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار… قدم لهذا البيان الختامي بمجموعة من الكلمات المقتضبة من مشايخ ودعاة يمثلون الحضور الكريم. والتي أقل ما توصف به أنها… تدعوا لتأجيج الطائفية بين السنة والشيعة… مما يجعل البلد عرضة للتقسيم والتمزيق على عدد الطوائف المتصارعة سنة +شيعة نصيرية +دروز + أكراد +نصارى… وتمررتحت الغطاء مشروع صهيوأمريكي بحت. سواء بقصد أو بدون قصد .!
طبعا سوق المشاركون لمخرجات المؤتمر إثر عودتهم إلى بلدانهم ثم أخلدوا للراحة بعد العناء ! وعلى حد علمي لم أسمع ولم تر عيني أحدهم نفر بنفسه وحمل السلاح ولا جاد بخالص أمواله .! لا من قريب ولا من بعيد ولسان حال الكثير منهم قول المتنبي؛ ماكل مايتمنى المرء يدركه * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .!
وذاع صيت ذلك البيان المفعم بالعاطفيات والسداجة السياسية مغامرا بأبناء الشعوب المتحمسة (إلى تحقيق مبدئ النصرة والمؤازرة الأخوية) فكان عدد الضحايا المغرر بهم يفوق عشرات الآلاف تحجب أعينهم العاطفة الخرقاء والأيديولوجية العوجاء .
السواد الأعظم منهم ينتسب للدول العربية توافدوا من دولهم الأصلية أو دول المهجر المقيمين فيها ومثلهم من الأعاجم من دول العالم وذلك بتسهيل ومساهمة متعمدة ومدروسة فيما يبدوا من الدول الإسلامية وغير الإسلامية للزج بهم في محرقة سوريا .!
و ياليت هؤلاء المشايخ والدعاة والعلماء وقفوا وقفة شبيهة بالأولى عندما رأوا أن الوجهة لم تكن صحيحة أو أنهم تورطوا وورطوا الشباب …فيما لا طائل من ورائه إلا مصالح العدا على أشلاء الضحايا مخلصي النوايا …فينادوا بوقف سيل الدماء او إنقاذ ما تيسر ممن علق فيما لا تحمد عقباه .!
بل جلهم إلا من رحم الله حالهم …صم بكم عمي… لماذا يا ترى! هل هذه هي أمانة العلماء والمشايخ المتحدثين بإسم الشعوب الإسلامية؟ بل بعضهم كان ولا يزال على نقيض المتوقع .! يدعوا الشباب على الثبات والرباط والجهاد بينما هم على الأريكة جنب زوجاتهم في رغد العيش وتحت سقف الأمن الوطني.!؟
ولما قام مجموعة من الشباب المغاربة بطرح مبادرة لحل ملف العودة لبلادهم بعد أن صدموا بحقيقة المؤامرة على دمائهم وتضحياتهم إنبرى لهم بعض مشايخ السلفية الجهادية أمثال الشيخ عمر الحدوشي حفظه الله يصفهم بالمسالمين للطواغيت والمنتكسين وغيره من الكلام الغير منضبط لاشرعا ولا عقلا ولم يكلف نفسه عناء التواصل معهم بشكل مباشر ليفهم وجهة نظرهم لعله يجدلهم عذرا او محملا كعادة قضاة الشريعة .!
وكذلك سلفه الشيخ الحسن الكتاني هداه الله يدعوا الشباب للثبات والمكوث في أرض ( الجهاد ) المحرقة التي خلف فيها المهاجرون آلاف النساء بلا معيل ولا كافي إلا الله سبحانه ثم بعض فتات الجمعيات الخيرية غير الإسلامية.!
والشيخ الفهيم الملقب ابو محمود الفلسطيني (التونسي الأصل) المقيم في لندن جوار بني الأصفر ! يصف أصحاب المبادرة بالمنحرفين المنتكسين وداعيا بأن يسجنوا او ينفوا من المحرر بلا خجل من حاله ولا وجل مما قد يترتب على كلامه من هدر الدماء والإعتداء وقد حصل.
متناس هموم الشباب وأخبار اللواتي قصصهن تدمي القلب الذي مات من كثرت الهموم والأحزان. على سبيل المثال إحداهن تعاقب عليها 7 أزواج كلما قتل او طلقها واحد إرتمت في حضن آخر بما تحمل وتنجب من أطفال بجنسيات مختلفة ولو وجدت أهل الخير غير الطامعين في المنفعة والمصلحة لما اطرت لذلك.!
وغيرهن من أسرى الحرب اللواتي صرن غنائم ( سبايا ) المعارك (العربيات والأعجميات عند قوات سوريا الديمقراطية و البيشمركا ) تباع إحداهن لمن يعتقها بآلاف الدولارات إن وجدت من يعتقها.! حتى صرن بضاعة تسام على غرف الدردشات ويتوسل بهن لجمع المساعدات التي لا تغن ولا تسمن من جوع …!
قد يقول أحدهم أنهن نساء دواعش ولا علاقة لنا بهن.! طيب وغيرهن اللواتي من غير داعش من عوائل وأسر لاتجد مصاريف عودتهم من الجهاد الذي أفتيتم ووقعتم عن الله بوجوبه على الحر والعبد والنساء والرجال حتى رأينا من النساء من هربن عن أزواجهن بدعوى انهم لا يريدوا النفير للجهاد.!
فنفرن بأنفسهن تاركين أطفالهن خلفهن لكي لا يكن من المنافقين الذين خذلوا الجهاد والنفير العام…؟! وغيرهن من العالقات وحدهن “بلا محرم” ومن هن رفقة أزواجهن لا يجدون تكلفة الرجوع (التي تحمر لها أنوف المشايخ ) لأوطانهن.
هؤلاء تحت مسؤولية من ياشيوخ السنة…لا عليكم لهن الله لن يضيعهن…؟! من المستفيد من حرق أبناء المسلمين في معارك مفتعلة لصالح الدول العظمى.!؟ هل عدم الخوض في الفتن واجتناب الدم الحرام أو المشبوه انتكاسة أم تولي يوم الزحف أم علامة على النفاق والفسوق.!؟
هذه الأعداد الضخمة من المتطوعين للجهاد في سوريا تقاسمتها فصائل الثوار المخترقة لمختلف الإستخبارت الدولية.! وكان للدولة الإسلامية(داعش) نصيب الأسد من ذلكم الشباب الذي حول (عن سبق إصرار وترصد ) خنجرا مسموما في خاصرة ثورة الشعب التي كادت أن ترفع لواء النصر “مجتمعة”على طاغية الشام .!
والجدير بالذكر ومما يثير حفيظة المتابع أنه ضمن المؤتمر آنف الذكر كان هناك عدد من الفاعلين ذكروا ونبهوا على أن هذه الإطلاقات قد تضر بثورة الشعب السوري… وانه يجب إستحضار التجربة الأفغانية وضحاياها ممن لوحقوا فيما بعد تحت مسمى الإرهاب و أكدوا أن الثورة لاينقصها العدد البشري أصلا وإنما هي في حاجة لدعم سياسي ولوجستي لاتضخيمها بمختلف الأفكار مما يجعلها عرضة للتشظي والتفرق..!
ولكن للأسف لم تؤخذ هذه النصائح والتحذيرات بعين الإعتبار وتم تجاهلها بشكل مريب .؟! في تصوري وماشهدته بنفسي فترة تواجدي في الثورة لمدة تقارب 6سنوات رأيت إختراق ثورة الشعب السوري ومحاولة إجهاضها على مرحلتين…
الأولى الثورة المضادة الظاهرة او العنيفة متمثلة في تنظيمات راديكالية مثل الدولة الإسلامية(داعش) وقوات سوريا الديمقراطية (pkk) هذا النوع ظاهر للعموم بفاعل الإعلام والأحداث المؤلمة التي بلغت كل حدب وصوب…
الثانية الثورة المضادة الناعمة او الخفية المتمثلة في الجماعات والتنظيمات الأقل راديكالية من التي سبق ذكرها او مايروج لها “بالمعتدلة” المتواجدة ضمن الثورة…!؟
وهذه محل نظرنا في الحلقة القادمة ان شاء الله.
بقلم/ زكرياء العزوزي
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)