حقائق حول ساحة القتال وساحة التفاوض
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مجلة الصمود الإسلامية / السنة الرابعة عشرة – العدد ( 157 ) | رجب 1440 هـ / مارس 2019 م .
22/03/2019
حقائق حول ساحة القتال وساحة التفاوض
– الحق أخلى مكانه للقوة ، التى أصبحت الحقيقة الوحيدة المعترف بها فى عالم اليوم .
– التفاوض المنفرد لا يعيد الحقوق . فالقوة ضرورية لإقناع الظالم أن هناك حقوقا يجب أن تُحْتَرَم.
– التفاوض يعكس موازين القوة فى ساحة القتال . والمُفَاوِض الماهر يمكنه الحصول على أكثر من ذلك ، وفقا لشروط .. فما هى ؟؟.
– ساحة القتال وطاولة التفاوض مترابطتان . وموازين التفاوض تتغير بتقلب موازين الصراع على الأرض .
– لا يمكن لطرف أن يقاتل نيابة عن طرف آخر . ولا يمكن أن يتولى التفاوض غير من قاتل معارك الأرض من أصحاب الحق الأصليين.
– التفاوض يُظْهِرْ الفرق بين ( الحرب بالأصالة ) و( الحرب بالوكالة ) ، وبين “المجاهد الحقيقى” و”المُرْتَزَقْ ” .
– لا يمكن الحديث عن السلام قبل إستعادة الحقوق ، وإلا كان نفاقاً وعوناً للظالمين .
– لدى القائد العسكرى وقائد التفاوض ، تأتى المهارة أولا ، قبل الإمكانات المادية المتاحة.
– القائد العسكرى يتخلص من الإشتباك إذا كانت شروط النصر غير متوفرة . وقائد التفاوض يتخلص من طاولة التفاوض إذا كانت شروط التفاوض غير مواتية . فالقتال والتفاوض فى حاجة إلى ظروف مناسبة .
– خطأ عسكرى واحد فى الحرب قد يطيح بنتائج معركة واحدة . وفى التفاوض فإن خطأ واحدا قد يطيح بثمار الحرب كلها .
تحميل مجلة الصمود عدد 157 : اضغط هنا
التفاوض هو جزء من العمل السياسى ، الذى هو إمتداد للعمل القتالى ومكملاً له لكن بوسائل سلمية. فإذا كانت الحرب هى محاولة لإقناع الخصم بالإستجابة لمطالبنا مستخدمين معه منطق القوة ، فإن المفاوضات هى محاولة لإقناعة مستخدمين قوة المنطق.
وغالبا لا يكتسب المنطق قدرة على الإقناع إلا بعد إستخدام القوة أولا. فالمنطق المسالم منفردا، ومهما كانت صحته ، لا يقنع اللصوص بإعادة الحقوق إلى أصحابها. حتى أصبح شائعا بين الأمم أن ما يمتلكه أى طرف من الحقوق يتناسب طرديا مع ما يمتلكه من قوة . وتَمَكَنْ ذلك الإعتقاد من النفوس حتى أخلى الحق مكانه للقوة ، لتصبح القوة هى الحق ، وهى الحقيقة الوحيدة فى حياة البشر اليوم .
– لهذا لا يمكن الحصول على الحقوق بالتفاوض وحده. إذ لابد من إستخدام القوة حتى يعترف العدو أن هناك حق ينبغى الإعتراف به والخضوع له . عندها يصبح التفاوض مجديا ومشروعا .
– التفاوض يعكس الموازين فى ساحة القتال . فكل طرف يحصل على تأثير فوق طاولة التفاوض يعادل ماله من قدرة تأثير فوق ساحة القتال . بمعنى أن الطرف المنتصر فى ساحة القتال يذهب إلى طاولة التفاوض كى يحصل على ثمار إنتصاره. أما المنهزم فعليه أن يدفع ضرائب الهزيمة .
فإذا كانت النتيجة على أرض المعركة غير محسومة ، فإن طاولة التفاوض هى ساحة للإتفاق على توزيع الغنائم والمغارم بما يتناسب مع موازين القوى على الأرض ، بصرف النظر عن من له حق فى ماذا.
حرب فوق طاولة التفاوض :
– لا يتم كل ذلك بصورة تلقائية ، لأن العمل التفاوضى هو أيضا معركة . والمفاوض الأكثر مهارة وموهبة وعزيمة قد يتمكن من الحصول على أكثر مما تتيحة له موازين القوى فى ميدان المعركة المسلحة .
لهذا فإن ساحة المعركة التفاوضية مليئة بالخدع والكمائن ، وتشتمل على عمليات هجوم وأخرى للدفاع . وقد تشمل على الإستعانة بحلفاء داخليين أو خارجيين . لذا وجب الإنتباه إلى أى ظرف سياسى طارئ قد يغير الموازين فوق طاولة التفاوض ، أو تطور عسكرى قد يغير موازين القوى فوق ساحة القتال فتتأثر عملية التفاوض على الفور.( لاحظ مثلا عملية الهجوم الساحق على قاعدة شورآب الجوية فى هلمند أثناء إحتدام التفاوض فى الدوحة). فالطاولة والميدان مترابطان، يؤثر كل منهما على الآخر، وهما متحدان فى الغاية.
لهذا قد يتعجل أحد الأطراف المتفاوضة التوصل إلى إتفاق خشية من ظروف داخلية فى بلده قد تكون فى غير صالحه . وبالعكس قد يعمد طرف إلى المماطلة والتسويف ، إما طمعا فى تطورات قادمة قد تفيد موقفه التفاوضى أو تضر بموقف خصمه { مثلا يتعجل الأمريكى الوصول إلى إتفاق فى مباحثات الدوحة / أو حتى وقف مؤقت لإطلاق النار/ قبل فصل الربيع حيث يشن مجاهدو طالبان هجومهم السنوى ، الذى يتوقع أن يكون أعنف من كل ما سبقه ، بحيث تعتبر عملية شورآب الساحقة مجرد دفعة صغيرة تحت الحساب } . وقد يسعى أحد الأطراف إلى إرهاق أعصاب الخصم واستنزافه معنويا (بالحملات الدعائية العنيفة وذلك نقطة قوة لدى الأمريكيين وحلفائهم ). أو ترقباً لتصدع صفوف الطرف الآخر بالخلاف والشقاق أو بالوعد والوعيد ، أو بحرف التفاوض عن مساراته الأصلية صوب قضايا ومشاكل ثانوية ، بحيث يصبح جلاء المحتلين عن البلاد أحد الإهتمامات التى يسبقها الكثير من القضايا الثانوية).
– القادة البارعون فى التفاوض يكونون مُسْتَهدَفين مثلما يُستَهدَف قادة المعارك البارعين ، إما بالقتل أو بالإختطاف ،أو بث الفرقة فيما ينهم ، أو بإستمالة من يمكن إستمالته منهم بإغراءات المال والسلطة أو بمكاسب للحزب أو للمنطقة.
– كما أنه لا يوجد طرف يقاتل نيابة عن طرف آخر ، فإنه لا يجوز أن يتفاوض طرف لم يقاتل نيابة عن طرف آخر تحمل أهوال المعارك . فالتفاوض يتولاه أصحاب الحق الأصليين الذين خاضوا معارك السلاح على الأرض . وذلك معيار أساسى للتمييز بين “المجاهد” و “المرتزق” ، كما أنه فرق بين ” الحرب بالوكالة” وبين”الحرب بالأصالة”. فالمجاهد هو من يتولى عملية التفاوض وإقرار المصير السياسى لقضيته ولا يترك ذلك الحق لجهة ــ أو دولة أخرى ـ مهما كانت صديقة أو حليفة. فالتفاوض هو عملية “جَنْى ثمار الحرب” و”رسم صورة المستقبل” ، والمجاهد لا يترك تلك الميزات لأى طرف آخر.
الحق فوق السلام :
( فلا تَهِنوا وتدعوا إلى السَلْم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتِرَكم أعمالكم)ــ 135 سورة محمد ــ التفاوض لدى المجاهد صاحب الحق ، لايهدف أبدا إلى إقرار السلام كأولوية مطلقة ، بل يهدف أولا إلى إقرار الحقوق المشروعة وإزالة الإحتلال ، واستعادة الأرض المغتصبة ، والثروات المنهوبة ، وإقرار الشريعة الدينية ، وتأكيد الهوية الثقافية المعرضة للزوال أو الإستبدال . فالحرب هى نتيجة للظلم الواقع ، والسلام هو قرين لإحقاق الحق المنشود. فأى حديث عن السلام قبل إقرار الحق وإعادة الحقوق إلى أصحابها هو نفاق ودعوة إلى الإستسلام لخدمة المعتدين الظالمين . ولن يعيش ذلك السلام المخادع طويلا ، فهو موعد مؤجل لحرب قادمة لا محالة.
المهارة أهم من الإمكانات :
– يمكن للقائد العسكرى الماهر أن يحقق إنتصارات فى المعارك أكبر بكثير من الإمكانات المادية المتاحة بين يديه . يرجع ذلك إلى مهارته العسكرية ، وقوة معنوياته ، وإيمان جنوده وإستعدادهم للتضحية مع قناعتهم بجداره القائد .
يمكن أن يحدث شئ مشابه فى عملية التفاوض ، أى إحراز نتائج أفضل مما هو متاح من قوة على أرض المعركة ، وذلك عن طريق إقناع العدو بأن الموقف كله على وشك أن يتغير إلى غير مصلحته مالم يبادر إلى الموافقه على ما هو متاح له الآن . فيسرع إلى الموافقه على أقل مما يستحقة بحكم قوتة العسكرية على الأرض .
والعكس أيضا صحيح أى أن القائد السياسى المفاوض إذا كانت تنقصه الجدارة ، فيمكن أن يخسر فى معركة التفاوض الكثير من الحقوق التى كانت متاحة له بحكم قوته على أرض المعركة .
– القائد العسكرى الناجح يعمل على توفير شروط النجاح قبل الشروع بالقتال فى أى معركة. فإذا وجد أن الشروط غير متوفرة للنجاح فإنه لا يخوض المعركة ، ويعمل على التخلص منها إذا فرضت عليه. ولا يَقْبَل بخوض غمارها إلا فى الظروف القاهرة حين تكون المعركة حتمية لا محالة . وحتى عندئذ يظل القائد يتابع إمكانية الإنتصار من خلال أى جزئية مواتية تظهر له على غير إنتظار خلال القتال . فهناك دوما إمكانية للنصر فى ظل أى ظروف. هذه القاعدة يمكن تطبيقها على العمل السياسى التفاوضى . فلا نبدأ التفاوض إلا إذا توفرت شروط نجاحه أو كان النجاح هو الإحتمال الأرجح.
تحميل مجلة الصمود عدد 157 : اضغط هنا
الخطأ غير مسموح فى التفاوض :
– خطأ واحد فى الحرب قد يغير مصير المعركة ، وفى التفاوض فإن خطأ واحد قد يطيح بنتائج الحرب كلها . لذا فإن عملية التفاوض أكثر حساسية وخطورة من أى معركة عسكرية ، وينبغى ألا يتصدى لها غير الأفزاز من المفاوضين ذوى الخلفية العسكرية المتينة. فالتفاوض معركة مهارة وبصيرة ومعنويات ، وقوة أعصاب ، وليست أبدا خفة يد أو براعة خطابية.
وكذلك إمكانية الخسارة تظل ماثله فوق الرؤوس مهما كانت الظروف مواتيه والعمل العسكرى ناجح . فنتيجة المعركة لا تظهر إلا مع النهاية الكاملة للقتال وإستسلام العدو أو فراره خارج ساحة المعارك.
ساحة التفاوض الملغومة :
– قد تصبح شروط ميدان المعركة مواتية لعملية التفاوض حيث الطرف الجهادى هو المنتصر أو صاحب الكفة العليا والمبادرة فى ميدان القتال . ولكن ظروف أجراء عملية التفاوض غير متوفرة بشكل مناسب للخروج بالنتائج الصحيحة . كأن يكون مكان التفاوض غير محايد ، وتحت سلطة حكومة معادية أو عميلة للعدو . أو يكون الوسطاء منحازون للعدو ويعملون لمصلحته سراً وجهراً ، ويعملون كقوة ضغط على المفاوض الجهادى كى يقبل بشروط عدوه ، ويتنازل عن حقوقه التى أتيح له الوصول إليها طبقا لنتائج ساحة القتال وموازين القوة فيها .
( يجب أن يتوازن تمثيل الطرفين فى جلسات التفاوض . قد يكون التمثيل على مستوى رؤساء الوفود أو وزراء الخارجية . ولكن فى مقابل رئيس المكتب السياسى لحركة طالبان / وهى درجة تعادل وزير خارجية/ أرسلت أمريكا السيد “زلماى” الذى هو مجرد “زَلَمَة” لشركة “يونيكال” النفطية الأمريكية ، وموظف درجة ثالثة ــ أو مجرد مستشار موسمى بالقطعة لدى وزارة الخارجية الأمريكية . وفى ذلك غطرسة مرفوضة. لهذا رفض السيد (الملا برادر) رئاسة الوفد المفاوض أثناء الجلسات ، واكتفى بالمتابعة عن كثب).
وهكذا قد يجد المفاوض الجهادى نفسه يخوض معركته التفاوضية فى مناخ غير صديق وفوق أرض ملغومة سياسيا . ولكن تظل إمكانية النجاح فى العملية التفاوضية قائمة ضمن خيارات منها :
1 ـ الإستفادة من أى ظروف مستجدة على ساحة الصراع العسكرى .
2 ـ إلغاء عملية التفاوض والعودة إلى ساحة المعركة إنتظارا لظروف تفاوضية أفضل والحصول على ساحة تفاوضية أكثر حيادا.
3 ـ مواصلة القتال حتى يصاب العدو باليأس فينسحب بلا تفاوض معلنا أنه قد إنتصر فى الحرب ، لذا فإنه (ينسحب بكرامة!!) كما فعل الأمريكيون لتغطية هزيمتهم المهينة فى فيتنام. وسمعنا مؤخرا عضوان فى مجلس الشيوخ الأمريكى (أو الكونجرس) يطالبان بوضع قانون ينص على أن بلادهم قد إنتصرت فى أفغانستان(!!) . وفى ذلك إشارة إيجابية جدا ، فهو دليل على إمكانية إنسحابهم بلا قيد أو شرط ، تحت غطاء الإنتصار طبقا لقانون صادر عن الكونجرس الأمريكى (!!) .
4 ـ الشرائط السياسية فى المنطقة المحيطة بأفغانستان بدأت تتحول لصالح الإمارة الإسلامية وحركة طالبان . وسوف يؤدى ذلك إلى تحسين المناخ التفاوضى مستقبلا. كما ينعكس إيجابيا على ساحة المعركة ، خاصة فى مجال التسليح وتحديث التجهيزات القتالية للمجاهدين . إذن فالرهان على المستقبل القريب أفضل من المضى فى عملية تفاوض ملغومة . وعلى أى حال العدو سوف ينسحب حتما بإتفاق أو بدون إتفاق . وانسحابه بدون إتفاق خير من إلزام المجاهدين بشروط /تحت مسمى ضمانات/ تكبلهم مستقبلا وتضعهم تحت رحمة العدو سواء فى سياستهم الداخلية أو فى تحركهم الخارجى سياسيا واقتصاديا.
– الوقت يعمل لصالح المجاهدين على مستوى العمليات العسكرية وعلى مستوى العمل السياسى . ويعمل عكس مصالح العدو فى نواحى كثيرة حتى داخل صفوفه التى تتفسخ بإستمرار مع إنحدار معنويات قواته ، وتزايد التأييد الشعبى الإيجابى لمجاهدى طالبان . كما يعمل ضد مصالح العدو فى المستوى الإقليمى وعلى مستوى العالم . حيث الولايات المتحدة منشغلة بمحاربة العالم أجمع تجاريا وسياسيا تحت شعار نازى هو (أمريكا أولا)، الذى وسع قاعدة عداء الشعوب والحكومات لها . وهى مهددة بإنفجار إجتماعى داخلى سيأتى حتما فى وقت ما ، وكلما تأخر كان أشد دماراً . ورئيس الدولة الأمريكية وصفة أقرب مساعدوه بالجنون والعنصرية والكذب وارتكاب مخالفات جسيمة للقانون والدستور قبل وبعد توليه الرئاسة . كما أنه لا يحظى بإحترام أو ثقة أحد داخل أمريكا أو خارجها ، سوى العنصريين القتلة فى الداخل ، وإسرائيل فى الخارج وخلفها قطيع من سقط المتاع ، ومن كلاب الصيد وأبقار الحليب.
(وإن غدا لناظره قريب ) .
تحميل مجلة الصمود عدد 157 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
22/02/2019