الضمانات المتوازية .. وتعويضات جرائم الحرب 1
نقلا عن موقع الحوار المتمدن 14/03/2019
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
الضمانات المتوازية .. وتعويضات جرائم الحرب.
المقترح الأمريكى ليس إتفاق سلام ، بل إعادة لتشكيل نموذج الحرب على أفغانستان .
( 1 من 2)
إقتراح الإتفاق المبدئى فى شهر يناير 2019 بين حركة طالبان والأمريكيين إحتوى على مبدأين أكدت عليهما المفاوضات طويلة المدى التى عقدت فى الدوحة لمدة 17 يوما من 25 فبراير إلى 12 مارس 2019 . المبدآن هما :
1 ـ خروج القوات المحتلة من أفغانستان .
2 ـ عدم إستخدام الأراضى الأفغانية لتوجيه الضرر لأحد .
ذلك الإجمال يخفى جبالا من التفاصيل التى شحنها الأمريكيون بجميع أنواع الشياطين .
فالرؤية الأمريكية لكلا المبدأين لا يفرغهما من محتواهما فقط ، بل يسير عمليا إلى عكس ما يمكن فهمه منهما للوهلة الأولى .
أمريكا والمبدأ الأول ـ المقصود من خروج القوات المحتلة :
فالقوات الأمريكية لا تنوى وقف الحرب فى أفغانستان حتى بعد سحب قواتها النظامية. وأقصى ما تفكر فيه هو تغيير استراتيجية الحرب ، واستخدام نموذج جديد للحرب على أفغانستان.
ـ القوات الخاصة الأمريكية تشكل الجزء الصغير جدا والفعال من مجموع جندى15000 يعملون فى أفغانستان مع قوات خاصة من الجيش الحكومى وبالتنسيق مع جيش ضخم من المقاتلين المرتزقة الموظفين فى شركات الملياردير الأمريكى (برنس) وشريكه (محمد بن زايد) ولى عهد أبوظبى ، وهى شركات وثيقة الصلة والتعاون مع مثيلاتها الإسرائيلية، وتحصل على عقود عمل فى اليمن وعدة دول عربية وأفريقية . وتحصل على مرتزقتها من حول العالم ، خاصة الدول التى شهدت حروبا محلية ، بما فيها الدول التى تقاتل تلك الجيوش فوق أراضيها مثل أفغانستان وكولومبيا واليمن ودول عربية أخرى. بالشكل المذكور أعلاه لا توجد ضرورة لباقى القوات الأمريكية سوى أنها مشغولة فى حماية قواعد ثابتة ضمن مهام مملة يمكن أن يضطلع بها الجيش الحكومى المحلى بتكلفة أرخص وبنفس المستوى المتدنى (يشهد على ذلك إجتياح طالبان لقاعدة شورآب الجوية ، خلال مفاوضات الدوحة ، وقتل عدد كبير من القوات الأمريكية من بينهم 15 طيارا غير الجرحى . ومن قبل ذلك إجتياح مدينة غزنى الكبيرة فى وسط البلاد، وقبلها مدينة قندوز شمالا، ومحاولات أخرى خطيرة على مدن أساسية).
واختارت شركات المرتزقة والقوات الخاصة الأمريكية نمطاً قتاليا قديما جديدا ـ هو الغارات المفاجئة (غالبا ليلية) على القرى بغرض إرهاب المدنيين وإحراج حركة طالبان وسحب تأييد المدنيين لها .
الجديد فى تلك الغارات هو الإسناد المكثف لسلاح الطيران . ليست فقط المروحيات والطائرات المقاتلة ، بل فى الأساس الطائرات عديمة الطيار(الدرون)، التى تجمع المعلومات ، وتغتال وتقصف ، وفق لائحة الأولويات المعروفة (أفراد ، مساجد ومدارس دينية، أسواق، بيوت، مستشفيات ، مزارعين ، سيارات مدنية ، ..)
والطائرات المقاتلة والقاذفة كثيرا ما تمارس نفس برامج الإرهاب والترويع منفردة ، بدون الحاجة إلى القوات الخاصة أو مرتزقة شركات(برنس/ بن زايد/ إسرائيل) .
ــ يماطل الأمريكيون فى الإنسحاب الكامل ، ويحاولون الإبقاء على تواجد ولو كان رمزيا لكى تحقق الرقابة والتوجيه على الأحداث فى العاصمة وباقى البلد فى الإطار الذى يضمن ديمومة المصالح الإقتصادية الأمريكية وعلى رأسها إنتاج الهيروين فى قاعدة بجرام الجوية وعدد من القواعد الجوية غيرها ، وحتى فى منشآت سرية جديدة فى أماكن معزولة من أفغانستان فى إحتياط مبكر لإحتمال الإنسحاب من بجرام ــ (وذلك عنوان لحديث آخر) ــ ثم مصالح الإحتكارات النفطية ومشاريعها الجيوسياسية وأشهرها خط أنابيب تابى للغاز المتوجه عبر باكستان إلى الهند ، وتفريعاته إلى ميناء “جوادر” على المحيط الهندى فى باكستان . وهو مشروع ذو أهمية جيوسياسية كبيرة ، وقد أصابته حركة طالبان بشلل كامل نتيجة سيطرتها على الأراضى اللازمة لتمريره . ذلك المشروع تحديدا يقف وراء إستماتة الأمريكيين على ضم طالبان إلى النظام القائم فى كابل للحصول على نموذج عراقى فى الحكم، يسمح لها بترسيخ وجودها العسكرى والسياسى وتمرير كافة المشاريع الإقتصادية والعبث بالجغرافيا السياسية للبلد والإقليم .
– إختصارا : ما يحدث هو إعادة تشكيل لملامح العدوان الأمريكى على أفغانستان . وفى حال أُرْغِمَتْ أمريكا على سحب قواتها فإن جيش من مرتزقة شركات (برنس/بن زايد/ إسرائيل) سيبقى بهدف دعم وتدريب وتسليح مليشيات الهيرويين التى ستنشأ فى أماكن التصنيع الجديدة التى مازالت سِرِّيَّة حتىى الآن . ( لا يوجد سر يعيش فى أفغانستان أكثر من عدة أيام أو عدة ساعات ، لأن الأماكن باتت معروفة وكذلك أسماء معظم أباطرة الهيرويين الجدد من سياسيين ـ بعضهم جهادى سابق فى حقبة السوفييت ـ ومن قبليين طموحين . بل أن خطوط الإسناد اللوجستى والمالى للمشروع كله باتت معلومة ). أمريكا تستفيد فى أفغانستان من تجربتها فى كولومبيا من حيث تشغيل عصابات الكوكايين هناك فى التهريب والزراعة والإقتال الداخلى ، وفى السياسة الداخلية أيضا .
ولمن لا يعرف فإن مكانة كولومبيا كمستعمرة أمريكية للكوكايين تعادل أو تشبة حالة أفغانستان فى ظل الإحتلال الأمريكى الآن كمستعمر هيرويين.
أمريكا والمبدأ الثانى :
ماذا يعنى التعهد بعدم إحداث ضرر لأمريكا وحلفائها ؟؟
تقديم حركة طالبان تعهدا لأمريكا ” وأصدقائها ” بعدم حدوث ضرر لهم إنطلاقا من الأراضى الأفغانية ، يعنى إعترافاً بدَورٍ لهم فى أحداث 11 سبتمبر ، وهو مالم يثبت . فأمريكا لم تقدم دليلا واحدا على ذلك غير إدعاءاتها المتبجحة بغرور الإستقواء .
أما عن وجود “بن لادن” فى أفغانستان ـ وهو الدليل الوحيد الذى تلوح به أمريكا حتى جعلته ذريعة للعدوان ـ فهو أمر قد تم نتيجة لإتفاق بين الأمريكيين والحكومة السودانية ، حسب إعتراف “قطبى المهدى” رئيس المخابرات السودانية فى ذلك الوقت ، والذى ذكر أن الأمريكيين علقواعلى نية حكومة السودان ترحيل بن لادن إلى جلال آباد قائلين : ( إن ذلك الإتفاق هو خَيْرٌ للسودان ولأمريكا ولأسامة بن لادن نفسه “!!” ) . ثم إن الأمريكيين عارضوا بشدة مغادرة بن لادن لأفغاستان فى بداية عام 2001 وكتبوا بلهفة عندما سمعوا بإعتزامه مغادرتها مع معاونيه، طالبين برجاء ألا تسمح حكومة الإمارة الإسلامية لأسامة بن لادن بأن يغادر أفغانستان لأن فى مغادرته تهديد لمصالح أمريكا وأصدقائها”!!” وفى بقائه خير لأفغانستان وللجميع “!!” ــ مرة أخرى كما قالوا للسودانيين من قبل ــ جاء ذلك فى رسالة سلموها لمندوب الإمارة فى إسلام آباد الذى حَوَّلَها بدوره إلى فرع وزارة الخارجية فى قندهار ، وقد أطلعنى عليها صديق وصلته الرسالة. ولعل الملا عبد السلام ضعيف ، المندوب السابق للإمارة فى باكستان ، يتذكر تلك الرسالة . وهو الآن عندهم تحت الإقامة الجبرية فى كابل .
إختصارا يمكن القول أن “بن لادن” كان تحت الإقامة الجبرية فى أفغانستان ، بأوامر أمريكية مشددة / تحقق مصالح الجميع/ حسب تعبيرهم المفضل الذى قالوه للسودانيين فى الخرطوم وللإمارة الإسلامية فى قندهار. وبعد ذلك شنوا عدوانهم الوحشى على أفغانستان بدعوى أن حكومتها إستضافت بن لادن الذى دبر ونفذ حادث سبتمبر فى 2001 (حسب أكاذيبهم لأن التدبير والتنفيذ كلاهما كان أمريكيا إسرائيليا حسب دلائل كثرا حاولوا طمسها ، ولكن عددا من الشجعان كشفوا منها ما يكفى لإدانة الإدارة الأمريكية ومحافظيها الجدد). ولا يمنع ذلك من إحتمال أن بعض العرب شاركوا “ببطولة” فى الضغط على بعض الأزرار لطبع بصماتهم فى مسرح الجريمة كى تستخدمها أمريكا كذريعة لغزو أفغانستان ثم العراق فى إطار حرب دينية شاملة على العرب والإسلام .
ــ والآن فإن الولايات المتحدة تتهم السعودية بتقديم دعم مالى ولوجستى لبعض رعاياها المتهمين بالمساهمة فى عملية سبتمبر. يفعلون ذلك ليس كذريعة لإحتلال السعودية ، فهى دولة محتلة منذ إنشائها كمستعمرة نفطية أمريكية ، ولكن يتهمونها كمقدمة للسطو على ما تبقى من مليارات المملكة المستباحة.
ومع ذلك ورغم تلك الغيرة على محاربة الإرهاب “الإسلامى” ، تحتفظ أمريكا ِوأوروبا فوق أراضيهما بقيادات العشرات من المجموعات الإرهابية التى إرتكبت ومازالت ترتكب فى بلادها جرائم موثقة. فمكافحة الإرهاب هو مجرد ذريعة إحتلالية ، تطبيق بانتقائية حسب المصالح الإقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة وأصدقائها .
– يتعهد المفاوض الأفغانى / فى المشروع المقترح للإتفاق/ بعدم إحداث ضرر ، لأمريكا وأصدقائها . وسيتحول ذلك فى حال إقراره إلى وثيقة دولية تستفيد منها أمريكا فى الهيمنة التامة على السياسة الخارجية لأفغانستان ، والتدخل فى شئونها الداخلية بإتهامات التحريض على العنف والكراهية . وسيجد علماء أفغانستان وخطباء مساجدها ، ومدارسها الدينية مطالبون “بتجديد خطابهم الدينى” ، بما يعنى فعليا تغيير ثوابت الإسلام واستبدالها بنصوص أخرى يختارها الأمريكيون والأوربيون . وسيجد الشعب الأفغانى نفسه فى مرمى الإتهامات والتشنيع والعقوبات الإقتصادية وربما الضربات العسكرية والإنقلابات على الطراز الفنزويلى.
– والأهم هو أن الإمارة الإسلامية ستجد نفسها ملزمة بضمان أمن إسرائيل ومراعاة مطالبها وملاحظاتها على سياسة الإمارة وعلاقاتها الخارجية أو إتصالها بأى شكل من الأشكال بقضية فلسطين . أى إبتعادها تماما عن فلسطين والمسجد الأقصى ، وعن الإختراق اليهودى لجزيرة العرب ومقدساتها ، وبعِيدَة عن مجرد الإهتمام بأى قضية إسلامية ، لأن معظم الدول التى تضطهد المسلمين إلى حد الإبادة والتشريد هم أصدقاء مقربون من الولايات المتحدة . أى أنهم حسب ذلك البند المقترح فى الإتفاقية هم دول وكيانات مقدسة لا ينبغى جرح شعورها وإلا أعتبر ذلك نقضاً للإتفاقية يستدعى أشد العقوبات الإقتصادية والعسكرية .
وربما تجد الإمارة نفسها مضطرة إلى مراجعة السفارة الأمريكية كل صباح لمعرفة آخر مستجدات قوائم الإرهاب الخاص بالجماعات والأفراد والدول الراعية للإرهاب وتلك الدول (المارقة) ، حتى تكون علاقاتها الخارجية متوافقة مع شرط عدم تشكيل خطر على أمريكا وأصدقائها .
– لقد شاركت ما يقرب من 50 دولة فى غزو أفغانستان مع الجيش الأمريكى . وهناك عدد من الدول ضعف ذلك الرقم هم أصدقاء لأمريكا ويشملهم بالتالى التعهد الأفغانى بالحماية من الضرر(!!). فأى إستقلال سيتبقى لأفغانستان وهناك أكثر من 100 دولة لها حقوق بالحماية يجب أن تكفلها لهم الإمارة الإسلامية ؟؟. وتأتى الولايات المتحدة وإسرائيل ودول حلف الناتو فى صدارة من يشملهم التعهد بحمايتهم من الضرر القادم من الأراضى الأفغانية !!.
– تلك ليست ضمانات سلام ، بل هى ضمانات لإستمرارية الإحتلال ، ودوام الحرب ولكن بصورة أخرى .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )