التربية السياسية (5) : مفاهيم سياسية وتعريف بالسياسة الشرعية
المقال الخامس من سلسلة التربية السياسية
المعادلة السياسية بين تغيب الفكرة عن الفكر السياسي
بقلم/ الدكتور محمد كامل شبير
الفكر السياسي، هو قدرة العقل لإيجاد نفسية عقلية، تتربى على طريقة الجمع للفكرة السياسية، واستخدام مكونات الفكر (عناصر الفكر السياسي)، والتي تشمل: الثابت والمتحول والمتحرك وربطهم بالفعل السياسي، وإنتاج التراكمية للفعل السياسي وهي الممارسة السياسية، إن الفكر السياسي قائم على معادلة حسابية سياسية، والتي تتكون من عملية تفعيل للفكرة؛ بهدف استنباط الصالح واستبعاد الفاسد، وهي تتألف من: التشخيص، والتحليل، والعلاج…، إن ما تمر به الأمة اليوم أقرب إلى الهرطقة السياسية، لفقدناه بوصلة الفكرة السياسية؛ والتي تؤدي إلى جمع طاقات الأمة العربية والإسلامية، على إنتاج فكر سياسي يجمع الأمة بطاقاتها وقدراتها؛ لإحداث ثورة سياسية تعتمد على فكرة موحدة، تكون هي الجامعة بين شعوب المسلمين.
إن غياب الإطار الجامع الفاعل للأمة العربية في لحمة واحدة، وامتلاكه لمفاعيل القوى وهو مقاومة الظلم والاستبداد، الناتج عن النظام الدولي الجديد، وتحقيق مصلحة الأمة من خلال إعلاء قيمة الهدف المتوج بالمصلحة العامة، وهي وحدتها لتمكينها بالوقوف كجبهة موحدة ضد أي قانون جائر وأي عمل عدوانى ضد أي قطر عربي إسلامي، هذا الغياب جعلها فريسة سهلة لأعدائها وعلى رأسهم النظام الدولي الجديد، والذي يترأسه المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة، والذي من كبرى أهدافه؛ إماهة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية، وجعله جزء لا يتجزأ من النسيج العربي والإسلامي، وبهذا يتحقق أطماع المشروع الصهيوني المارق في الأمة، والذي يعمل على تفرقها والنيل من وحدتها، ويبقيها أقطار تلعن بعضها بعض، ويلعب على مصالحها الفردية، وجعل أكبر أهداف الأقطار والأمصار الحفاظ على عروشهم وشرعياتهم، تارة بالديمقراطية الزائفة، وتارة بالانقلابات العسكرية، وتارة بالقتال الداخلي، ليؤدي بدورها وظائف أكبر مما نتوقع، إن عملية التشخيص المبكر؛ ستكون أهم خطوة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية المجيدة، ولو دققنا النظر وتركنا الطاقة العقلية التشخيصية تعمل وتفكر، واستخدمنا جميع أدوات التشخيص، لوجدنا أن النظام الدولي الجديد؛ هو أساس بعثرة وتفرقة الأمة، وذلك من خلال القوانين الدولية، هذا الجانب الأهم والأبرز في عملية التشخيص، كما أن القائمين على النظام الدولي الجديد، هم الذين صاغوا هذه القوانين لتحافظ على ميراثهم الدولي كزعامة، وأن يبقوا في دائرة تمثيل القوة الآمرة والناهية في بيت الطاعة الدولي هذا جانب ثان، ومن جانب آخر حافظوا على حق التدخل الدائم والمستمر في جميع أنحاء العالم، ليبسطوا هيمنتهم والاستحواذ على مقدرات الأمة …، وكذلك ليحققوا الهدف الأكبر وهو العلو الصهيوني في المنطقة، فالتشخيص سيقودنا إلى أن النظام الدولي الجديد؛ كأنما صيغ باحتراف من قبل صائغيه وذلك ليحققوا الهدف المذكور آنفاً.
لاحظنا من خلال التشخيص السابق أن النظام الدولي الجديد، لا يعمل لصالح العالم بأسره؛ وعلى رأسه الأمة العربية والإسلامية، وإنما يعمل من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدراتها، ولو ذهبنا لتحليل الوضع القائم في واقعنا المعاصر، لوجدنا أن الأمة العربية والإسلامية، لديها عنوانين رئيسيين تعمل كإطار جامع، وهما: جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولو بحثنا جيداً في أهدافهما، سنجد لديهم أهدافاً قيمة وثمينة، ولكن على أرض الواقع لا تمتلك قوة لتطبيقها، وأن مفاعيل القوى التي تستند عليها غير فاعلة، ومن ثم تكون أهدافها ذراً للرماد في عيون الشعوب، وذلك لأن النظام الدولي بسط قوته، وأفقدها دورها في الأمة، ومن ثم لا ترقى أن تكون سنداً رئيسياً لأي قضية عربية أو إسلامية.
لنمضي بتحليل الواقع قليلاً… ويتضمن التحليل بسؤالين، ما هو دور جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في ما حدث في الوطن العربي والإسلامي من أحداث؟ وما دورها في القضية الفلسطينية؟ الإجابة على السؤالين طبعاً؛ كان لها دوراً طفيفاً كعقد الاجتماعات، والشجب والاستنكار هذا أقصى ما تملك من قوة، وهذا دور مطلوب منهما حتى يخفف حدة توتر الشعوب اتجاه النظام الدولي الجديد، وما قامت به أمريكا في العراق؛ وروسيا في سوريا دليل على ضعف المنشود منهما…، كما أن واقع الأمة العربية والإسلامية، هو واقع التسابق للارتماء في أحضان النظام الدولي الجديد، وذلك بهدف حماية مملكاتهم وعروشهم…، إن ما يحدث من أحداث أليمة في الوطن العربي، يهدف إلى النيل من الوحدة الفعلية والحقيقة للأمة العربية والإسلامية، كما أن مفاعيل القوة باتت متناحرة في أهدافها الجيوسياسية، فالأمة بجمعها ووضوح هدفها السياسي، هي القادرة للوقوف ضد صلف النظام الدولي الجديد، لأن شرعيته على الأمة العربية غير صحيحة، وهو فاقد للشرعية التي أدت للوصاية الدولية على الحق العام للأمة العربية والإسلامية.
بعد عمليتي التشخيص والتحليل للوضع القائم، يسهل علينا كتابة العلاج والذي يتمثل في إنتاج فكر سياسي واعي وجامع، يؤسس لإسناد الأمة لمفاعيل قوية وحقيقة، تستهدف الإطاحة بالنظام الدولي الجديد؛ من خلال هدم أقوى مرتكزاته في المنطقة؛ الكيان الصهيوني العنصري الإحلالي على أرض فلسطين، وإفشال المخططات الناتجة عن الحركة الصهيونية، وهي المشروع الأساسي في إبقاء النظام الدولي الجديد كمهيمن رئيسي في المنطقة، فالنظام الدولي الجديد فاقد لشرعيته في أمتنا، وذلك لتعزيزه للفساد والظلم والاستبداد بل هو المستعمر الجديد بثوب القوانين الدولية.
إن القلم والورقة واستخدام الخطة في الفكر السياسي لمقارعة الخطة من قبل الأعداء، هي السمة التي ستميز المرحلة القادمة في تفعيل طاقات الأمة جمعاء، وهي التي ستحدث الفعل السياسي الذي سيرقى للمواجهة والمجابهة، والوقوف بصلابة أمام قوى الغازي على الأمة، ومن هنا ندعو جميع طاقات الأمة لتعزيز البنية الاتحادية في الفكر، والذي يبني الوعي الفكري الذي يجابه التحديات المفروضة على الأمة، ولتقف هذا الطاقات سداً منيعاً أمام فرض حالة التجزئة والتشظي للأوطان، والكل يسعى من خلال إدراك الهدف المنشود، ليراكم قوى الفعل السياسي لتصبح ممارسة سياسية وازنة في إسقاط قوانين وقواعد النظام الدولي الجديد، والذي يهدف إلى تعزيز القومية الصهيونية لأن تكون ضمن القوميات العالمية، وإيجاد راحة في إدماجها في الأمة العربية والإسلامية، والتي شاهدنا صورا منها في الأيام الأخيرة، ومن هنا أدعو لتكوين العصابات السياسية في الأمة لتعمل ضد المشروع الصهيوني، وهدم مشروع القومية اليهودية في منطقتنا العربية والإسلامية.
بقلم/ الدكتور محمد كامل شبير
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)