الموبقات الأمريكية الخمسة وكمين المفاوضات المخادعة
نقلا عن موقع الحوار المتمدن 14/02/2019
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
الموبقات الأمريكية الخمسة وكمين المفاوضات المخادعة
رغم هزيمة أمريكا فى حربها العدوانية على أفغانستان، تريد تحويلها إلى نصر كامل بواسطة الخداع السياسى ، وبمفاوضات مخادعة منذ تسميتها الأولى وقبل أن يبدأ أى تفاوض .فأسموها “مفاوضات سلام” طرفاها نظام كابل وحركة طالبان ، أما الإحتلال فهو خارج أى نقاش ، مع أنه أصل المشكلة والمتسبب فى الحرب ، ولكنه بخفة يد المخادع المحترف وضع نفسه فى موضع صانع السلام والوسيط النزيه بين الأفغان المتصارعين .
ــ تسعى أمريكا بإستماته ، ومعها حلفاؤها النفطيون ، إلى إرغام حركة طالبان بالغواية المالية تارة وبالغدر لتفتيت الصفوف تارة آخرى ، كى ينخرطوا فى نظام كابول كحزب سياسى منزوع السلاح . فى هذه الحالة تفوز أمريكا بجميع الجوائز الكبرى التى أستهدفتها من الحرب وهى تمرير خط أنابيب آسيا الوسطى (تابى) الذى يحول أفغانستان إلى مستعمرة نفطية ، وبقاء بجرام على ما هى عليه ، أى بقاء أفغانستان كمستعمرة هيرويين .
وتحت إدارة المخابرات الأمريكية تتحول أفغانستان إلى دولة الموبقات الخمسة :
1 ـ تتحول إلى مستعمرة نفطية على الطراز العربى بتمرير خط أنابيب (تابى) من آسيا الوسطى إلى باكستان . وهو المشروع النفطى الأمريكى /الأوروبى الذى لا يخدم سوى المستعمرين وشركاتهم النفطية إقتصاديا واستراتيجيا .
2 ـ تتحول إلى مستعمرة هيروين تجلب مئات المليارات للخزينة الأمريكية ، وتفرض الفقر والإدمان على الشعب الأفغانى، كما تفرض عليه نظام حكم قائم على شريعة (ديموقراطية الهيروين) بديلا عن شريعة الإسلام التى يدين بها الشعب .
3 ـ تحويل قاعدة بجرام الجوية إلى عاصمة فعلية لأفغانستان ــ وعاصمة للعالم فى صناعة الهيروين ــ وعاصمة مسلحة نوويا تحميها جيوش المرتزقة الدوليون( شركة الهند الشرقية الحديثة) المتجسدة فى قوات الملياردير ” برنس” مؤسس بلاك ووتر ومشتقاتها.
4 ـ تحويل أفغانستان إلى عاصمة غسيل الأموال فى العالم ـ كنتيجة منطقية لكونها عاصمة العالم فى إنتاج الهيروين . وفى هذا الصدد يعتبر “بنك كابول” الذى يديره آل كرزاى، يعتبر معجزة إقتصادية أنجزتها أمريكا لخدمة (صناعة غسيل الأموال) حول العالم . ولذلك البنك الأخطبوط ، وارتباطاته الدولية حديث مشوق يحتاج إلى تفصيل مستقل .
5 ـ توطين داعش فى أفغانستان إلى جانب جيش الملياردير (برنس) على جميع الحالات ، سواء حققت أمريكا حلم الإنتصار الكامل فى الحرب بنزع سلاح طالبان وإستيعابها ضمن حكومة كابل ، أو إذا سقط النظام وتولت حركة طالبان الحكم . فى هذه الحالة الأخيرة ستعيد أمريكا التوزيع الجغرافى لصناعة الهيروين . للإنتقال بها من المركزية المفرطة فى(بجرام) إلى ” لا مركزية” مرنة فى بؤر مسلحة موزعة ، تحميها قوات برنس والدواعش وميليشيات محلية .
فى الحالة الأولى تظل مهام داعش على ما هى عليه ، فى ممارسة برامج التخريب الداخلى بالتفجيرات المعتادة ضد المدنيين والأهداف الدينية ، مع تهديد دول الجوار من الصين شرقا حتى إيران غربا ، ومن دول آسيا الوسطى وروسيا الإتحادية شمالا حتى الهند جنوبا .
كيفية مواجهة الموبقات الأمريكية الخمسة :
1ـ يجب ألا تتحول أفغانستان إلى مستعمرة أمريكية من أى نوع ، لا مستعمرة نفطية ولا مستعمرة هيروين ، ولا مقر دائم للمرتزقة الدوليين ، من جيش “برنس” إلى عصابات داعش المندمجة بها .
فذلك تهديد خطير لأمن جميع دول المنطقة ، وبما أن حركة طالبان فى صدارة التصدى المسلح لتلك الأخطار ، فإن من واجب الدول الأساسية الواقعة فى دائرة الخطر أن تساند حركة طالبان سياسيا وتسليحيا كنوع من دفاع تلك الدول عن نفسها ، ودفاعا عن مستقبل النظام الأسيوى الدولى القادم الذى تحاول الولايات المتحدة تلغيم مساره بشتى الوسائل ، التى منها إدخال افغانستان فى النفق المظلم القائم على تلك الموبقات الخمسة.
2 ـ تحويل أفغانستان إلى مستعمرة هيرويين هو العمود الفقرى للموبقات الخمسة. وقد تحقق ذلك إلى درجة معينة منذ العام الأول للإحتلال . وهذا يستدعى تكاتف دول الإقليم للتصدى له ومنعه، وذلك بدعم المقاومة الجهادية الى تقودها حركة طالبان ضد الإحتلال . فتلك المقاومة لابد من دعمها ماديا ومعنويا بإعتبارها تعبر عن رفض دول آسيا لحملة تخريب كبرى تقوم بها الولايات المتحدة ضد مستقبل القارة وأمن شعوبها.
3 ـ ومعلوم أن المقاومة الشعبية الجهادية التى تقودها حركة طالبان هى التى تتصدى للقوات الأمريكية (فى المرحلة الراهنة) ثم لقوات مرتزقة “برنس” فى حال إنتقالها إلى الخطة البديلة لإعادة إنتشار صناعة الهيروين وتنظيم القوات التى تحميه أى قوات”برنس” والدواعش والميليشيات المحلية المشتراه بعائدات الهيروين .
الخطوة الأساسية لمقاومة الإحتلال الأمريكى الآن ، ثم ميليشيات الهيرويين مستقبلا، هو دعم حركة طالبان تسليحيا للإرتقاء بالمستوى التكنولوجى لأسلحتها، لمقاومة أحدث جيوش العالم المزودة بأسلحة فضائية يجرى تجربتها وتطويرها على حساب أرواح الأفغان .
الأساس الراسخ لمقاومة برنامج(مستعمرة الهيروين) الأمريكى هو تنفيذ
برنامج للسيطرة على الأفيون يحقق عدة إشتراطات جوهرية .. منها :
1 ـ مصالح المزارع الأفغانى المتورط إجباريا فى تلك العاهة بضغط من قوى دولية جبارة ، ترفض خروجه من ذلك الطوق الذى راكم عليه الفقر مع الديون الربوية التى يعجز عن سدادها على مدار السنين .
2 ـ علاج الهيكلية المريضة للإقتصاد الأفغانى غير المنتج ، القائم على محصول واحد هو الأفيون ، ثم الريع الناتج عن الفتات التى يدفعه لصوص الثروات الطبيعية والمنجمية التى تنهبها شركات كبرى ـ ودول عظمى ـ وسماسرة مجرمون .
3 ـ التخلص من (صناعة غسيل الأموال ) المرتبطة عضويا(بصناعة الهيروين)، وإنشاء نظام بنكى جديد ـ غير ربوى ـ يرعى نظام تبادل تجارى مع دول الإقليم قائم على العملات المحلية مع نظام مقايضة ، لتلافى الإعتماد على الدولار أو اليورو، أى عملات الدول الإستعمارية المعتدية على أفغانستان والتى تفرض المجاعات على الشعوب تحت مسمى “العقوبات” الإقتصادية والمالية . وأن يرعى البنك مشاريع مشتركة بين أفغانستان ودول الإقليم على أساس (المضاربة) أى المشاركة فى الربح أو الخسارة ، وليس النظام الربوى الذى يفرض نسبة ربح ثابتة وعالية على الطرف الأضعف ، وتوريطه فى عبودية القروض الأبدية مستحيلة السداد التى وقعت فيها معظم البشرية لصالح البنوك الدولية (اليهودية) .
4 ـ تطبيق حل إقليمى شامل لمشكلة الأفيون ـ بمراعاة ما سبق ذكره من مواصفات ـ وذلك بإنشاء شركة صناعة دوائية عملاقة مهمتها الأساسية صناعة الأدوية التى يدخل الأفيون فى صناعتها ـ وتشمل جميع المسكنات المعروفة . تساهم الدول الأساسية فى الإقليم فى ذلك المشروع وتتقاسم الرباح حسب مقدار مساهمتها فى رأس المال . لهذا يشترط ألا تقل نسبة مساهمة أفغانستان فى المشروع عن 60% ، تشمل ثمن الأرض المقام عليها المشروع وثمن الأفيون الخام الداخل فى الصناعة .
أن تكتفى الدول المشاركة فى المشروع بمنتجات ذلك المصنع فى إستهلاكها المحلى . وذلك مقدار هائل يكفى لقيام صناعة دوائية مزدهرة ـ إلى جانب ذلك تقوم الشركة بمجهودات لتوزيع منتجاتها على النطاق الدولى وبأسعار تنافسية ، وذلك ممكن نتيجة لوفرة محصول الأفيون، حتى مع دفع أسعار عادلة ومجزية للمزارعين .
يمكن أن تتمتع الدول المشاركة فى المشروع بأفضلية مشاركة مع حكومة طالبان فى مشاريع منجمية ومشاريع كبرى فى مجال التصنيع والزراعة وتنمية الثروة المائية وإعادة إحياء الغابات ، وذلك لتحديث هيكلية الإقتصاد الأفغانى ، واستيعاب الأيدى العاملة من شباب البلاد .
وأن تخضع زراعة الأفيون لإعتبارات منها:
1 ـ دورة زراعة تضمن راحة الأرض والمحافظة على خصوبتها وإتاحة الفرصة لإنتاج محاصيل غذائية مثل القمح والخضروات والفاكهة .
2 ـ عدالة فى توزيع عائدات الزراعة التى سترتفع كثيرا نتيجة فرض سعر عادل للمنتج . مع تداول الزراعة بين مناطق مختلفة . وإنقاذ المزارعين من التعاملات الربوية ، ومساعدتهم فى قضاء ديونهم المتراكمة .
3 ـ تحديد المساحات المرخص بزراعتها بمحصول الخشخاش كل عام . بحيث تكفى لإحتياج (المصنع الإقليمى للدواء) ، مع إضافة إلى أى طلبيات من محصول الأفيون حسب إحتياجات الشركات الدولية المعتمدة . ويتم الإعلان مسبقا عن المساحات المقررة للزراعة ومناطق وجودها . وعدم السماح بتجاوز تلك النسب .
ــ والمساحات الزائدة بشكل غير قانونى تفرض عليها غرامات مرتفعة ، ثم يعرض إنتاجها للبيع العلنى فى حال ظهور مشترى خارجى تتوفر فيه المواصفات القانونية .
ــ يعتبر تصنيع الهيروين جناية عظمى ، تقابلها عقوبات مغلظة . وتحرق المادة المضبوطة على الفور .
الضحية .. والجلاد :
يدعى المفاوض الأمريكى أنه فى حاجة إلى تعهد من حركة طالبان بعدم تحويل الأراضى الأفغانية إلى ملاذ آمن لإرهابيين يهددون منه الأراضى الأمريكية . وهكذا يتصنع الجلاد أنه هو الضحية ، وأن الضحية هى التى ذبحته .
فمَنْ مِنْ المجموعات التى تتهمها أمريكا بالإرهاب لم تدعمه أمريكا يوما بشتى أنواع الدعم ؟. وبعضها صناعة أمريكية خالصة . بل أن داعش ـ عميد الإرهاب فى عالم اليوم ـ يعمل جهارا مع القوات الأمريكية والحكومية فى أفغانستان . والمرتزقة الدوليون من جيش الملياردير “برنس” يفتكون يوميا بالمدنيين لإرغام حركة طالبان على التنازل المهين وقبول الهزيمة السياسية فى حرب ربحتها الحركة فى ميادين المعارك ، بعد بذل أنهار من دماء الشهداء . تلك الحرب الوحشية التى تستهدف المدنيين فى الأساس ، هل هى إرهاب أم حرب عادلة ؟؟.
هل جيش المجرمين بقيادة المجرم الدولى”برنس” هو جيش من المقاتلين من أجل الحرية والديموقراطية؟؟ ، أم هو جيش يحارب من أجل حرية صناعة وترويج الهيرويين حول العالم ، ولأجل حرية الشركات الأمريكية فى نهب نفط العالم وإفقار الشعوب وتحويل أوطانها إلى مستعمرات للنفط أو الهيرويين ؟؟. وفى الأخير من هو الضحية ومن هو الجلاد ؟؟ ومن يجب عليه أن يقدم الضمانات إلى الآخر : جيوش الإحتلال الأمريكى ؟؟ أم الشعب الأفغانى الذى يدافع عن وطنه ودينه وحقوقه جميعا وفى مقدمتها حقه فى الحياة ؟؟ .
القانون الأفغانى : نحن باقون والمستعمر إلى زوال :
ما أسرع أن يتفق الأفغان مع بعضهم البعض ، إذا رفع عنهم التدخل الخارجى . لهذا من المستحيل أن تحل المشكلة بين النظام الفاسد وبين الشعب بقيادة حركة طالبان ، إلا بعد إنسحاب قوات الغزاة ومرتزقتهم وإرهابييهم . ولكن المحتل الأمريكى يريد مُصالحَة تضمن مَصالحَه وليس مَصالح الأفغان . متجاهلا أن الإحتلال مرض زائل لا محالة لأن الجسد الأفغانى يطرده ويقضى عليه ، ويبقى الأفغان معاً لبناء بلادهم وتحقيق مصالح شعبهم .
قصة واقعية تدل على ذلك المعنى العميق . تقول القصة أنه فى أحد القرى هناك شابان يافعان ، أحدهما مجاهد فى حركة طالبان والآخر جندى فى جيش الحكومة العميلة . وإذا تصادف وجود الشابان معا فى القرية فإن كل منهما يصعد بسلاحه إلى سطح بيته ويتبادلان إطلاق النار حتى تنتهى إجازتهما ويعود كل منهما إلى جبهته . إجتمع كبراء القرية لحل المشكلة المزمنة التى تهدد سلامة السكان وسلامة الشابين اليافعين . فقال لهما الكبراء فى جلسة صلح : ( نحن جميعا مسلمون ونحن جميعا أفغان وجيران جيلا بعد جيل ، وهؤلاء الأجانب الذين يحتلون بلادنا سوف يرحلون حتما كما رحل الذين من قبلهم ، فعلى أى شئ تتقاتلان وأنتما أصحاب هذه الأرض وبينكم ما بينكم من روابط ؟؟). إقتنع الشابان وتصالحا على أساس ميثاق كبراء القرية .
ومن الواضح أن شيئا مثل ذلك يدور حاليا فى أفغانستان . فالشباب يتصالحون على ميثاق كبراء أفغانستان ، القائل : (نحن مسلمون وأفغان وباقون فى هذه الأرض والمحتلون إلى زوال) . كثيرون نظموا أوضاعهم المستقبلية مع حركة طالبان على هذا الأساس . وهذا يفسر عصبية القيادة الحكومية العليا وطردها للعديد من كبار الموظفين والجنرالات . وعمليا تجرى عملية تجريف للنظام الحاكم ، فصار هيكلا فارغا غير مترابط .
فى هدؤ .. أوشك الأفغان على إتمام تصالحهم وفق ميثاقهم الدينى والتاريخى ، ولكن المحتل مازال يتوهم الفوز سياسيا فى حرب خسرها فى ميادين القتال .
لقد فاز الأفغان فى الحرب وفى السياسة ، وعلى الإحتلال وجيوشه أن يرحلوا إلى غير رجعة.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )