التربية السياسية (4) : مفاهيم سياسية وتعريف بالسياسة الشرعية
سلسلة مقالات في التربية السياسية
المقال الرابع بعنوان: السياسة الشرعية وعلاقتها بالفكر السياسي
بقلم/ الدكتور محمد كامل شبير
السياسة الشرعية، هي عبارة عن مكونات وأحكام مرتبطة ارتباطاً وثيقًا، تهدف لإعلاء المصالح، وتجنب المفاسد؛ من خلال تفاعلات أحداث الواقع، ومنتجاته للمعطيات السياسية، وعليه فإن أحكام السياسة الشرعية هي: أحكام شريعة مزودة بفقه الواقع مع إدراك المعطيات السياسية… نتائجها مصلحة الأمة، والرصيد لها في دحر العدو والتمكين لها ، فمكونات النظام السياسي هي: (الثابت والمتحول والمتحرك)، والذي يؤدي إلى الفكر السياسي، والمتمثلة بالثابت (الشريعة) والمتحول (الواقع) والمتجول أو المتحرك(المعطيات السياسية)، الهدف منه المصلحة العليا العامة، ويقاس بإنشاء الخطة السياسية، والتي من أجلها يسوس السياسيون الأمر، فتتجلى الحكمة والمبادئ الإسلامية (الأخلاق) في ربط مكونات العملية، كفاصل لتحقيق مصلحة عامة، تضمن نتائج أفضل مما كان عليه حال الواقع، فالخروج عن استبعاد أي مكون من مكونات العملية السياسية المذكورة آنفاً، أو النظر للأهداف الشخصية، وترك الهدف العام كمصلحة جامعة وعامة، أو إتباع الهوا النفسي لتعصب قومي، أو قطري، أو قبلي، أو حزبي أو تنظيمي، يشكل عامل ضار بالقرار السياسي؛ لما ينتجه من الإضرار العام بمصلحة المجتمع، فيكون ارتكب مخالفة للسياسة الشرعية، والتي تسبب إعطاء فرصة للعدو من التمكن وبسط سيطرته أو من تفلت الشعب أو التابعين.
فالناظر اليوم في ما مر معنا من تعريفات ومن تفسير للسياسة؛ على أن تكون سياسة شرعية، هو الهدف منها إقامة العدل والإحسان بين الناس، والناظم بينهم أحكام الدين دون تجزئة، أو استبدال لهذا الدين، فهذه كانت في زمن الإمام وحالة الاستخلاف، لكننا اليوم نعاني من فهم يظهر حالة السياسة في غياب هذا الأمر (الدولة الإسلامية وإمامها)، وهنا يتجلى الفهم السياسي للمخاطر المحدقة بالأمة، والتي تستطيع أن تمتلك فهم سياسي يرقى لدحر العدو عن بلادنا، والذي يستهدف الإبقاء على حالة التشظي والتجزئة، لينال من الكيان الجامع للأمة، ويبقى على حالة التفرد، مما أنتج حالة الهيمنة والغطرسة والتبعية، ليمسي كل قطر على مصالحه الخاصة، ويقدمها على المصلحة العامة للمجموع العربي والإسلامي، مما أنتج مفسدة أكبر تتجلى في التغول للعدو، وصناعة نظام دولي، يشق الطريق على كل قطر منفصل عن باقي الأقطار العربية والإسلامية، ليحصل على استقلاليته، والإفلات من تحت قوانين النظام الدولي الجديد، والأخطر من ذلك، تجد القطر الواحد يدفع بكل مصالحه، لاسترضاء النظام الدولي الجديد، وذلك مقابل أن يبقي على حالة التفرد بحكمه على شعبه، وبذلك يكون قد أخل بشرعيته، والتي تستمد من الشريعة والإسلام الذي يحافظ على إزكاء فهم العمل السياسي، والذي يهدف إلى إعلاء قيمة مصلحة الأمة متجردة من الأهواء والمصالح القطرية… وهنا نجد أن الأقطار العربية والإسلامية، تستجدي القوى المهيمنة، ووصل الحال على أن تكون سياستهم مرتبطة بمصالح عدوهم، مما خلق حالة استنزاف لمقدرات أوطانهم، إن الفهم السياسي في عصرنا الحالي، يجب أن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأهدافنا؛ ومصلحة أمتنا، ومعرفة تفاصيل وخطط وأهداف العدو في النيل منا ومنها، والتي يتفق الجميع أن عدونا يستهدف تمزيقنا وتفريقنا؛ ليسهل عليه عملية التفرد، والعمل لحسابه، متجنباً إسقاط أئمة الأقطار، كما يعمل العدو لإزكاء حالة الوظيفية في المجتمع العربي والإسلامي للأقطار أو الجماعات، لينال من خلال العملية الوظيفية بسط أكثر لنفوذه، وأكثر تحكماً في مصادر ثرواتها ومقدراتها، والأخطر من ذلك بات المقرر للنظام السياسي، والذي صنع له أدواته لتحمي مصالحة في كل قطر من الأقطار العربية والإسلامية، من حكام مؤجرين يتقاضون رواتبهم من دماء شعوبهم باسم الرأسمالية، والحكم العسكري، وعليه استطاع العدو أن يستهدف النظام السياسي العام للأمة العربية والإسلامية، أن جعل المصلحة العامة ليست هي الدافع لبناء النظام السياسي العربي الإسلامي، إنما بنا نظاماً مجتزأً ومهترئاً، هدفه الحفاظ على المصلحة الشخصية للزمرة الحاكمة، مما جعل الهوى هو الهدف الرئيسي للأنظمة السياسية، وتهدف لسياسة برجماتية في المجتمعات العربية الإسلامية، لا ترقى للانفصال عن النظام الدولي الجديد، الذي يهدف للتحكم في مصائر الأقطار العربية، فتبقى رهينة المحاسبة القانونية الدولية، وهي من صياغته المحكمة، والتي لا تجعل أي قطر يفلت من أنياب قوانينه التي صنعت من أجل البقاء على هيمنته، والسيطرة على مقدرات الأمة العربية والإسلامية.
يقول ابن عقيل الحنبلي: السياسية ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول r ولا نزل به وحي، كما قلنا قبل ذلك، ومن أجل ذلك كان من المغالطة، أو الغلط ما يزعم بعض المخالفين من أنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فهذا القول فيه غلط وتغليط، وهو: “لا سياسة إلا ما وافق الشرع فيه غلط وتغليط”، إن أريد به أنه لا يعتبر من الشريعة الإسلامية شيء من الأحكام الجزئية التي يتحقق بها مصلحة، أو تندفع بها مفسدة، إلا إذا نطق به الشرع، ودلت عليه على اليقين نصوص من الكتاب، أو السنة، هذا يكون مرفوضًا، أما إذا كان معنى لا سياسة إلا ما وافق الشرع إذا كان معناها: أنه لا سياسة: أنه الموافقة للشرع أن تكون تلك الأحكام الجزئية متفقة مع روح الشريعة، ومبادئها الكلية، وأن تكون مع ذلك غير مناقضة لنصٍ من نصوصها التفصيلية، التي يراد بها التشريع العام؛ فالقول بأنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع قول صحيح ومستقيم، تؤيده الشريعة نفسها، ويشهد له عمل الصحابة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المجتهدين.
بقلم/ الدكتور محمد كامل شبير
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)