أفيون أفغانستان تحت أضواء مضللة
نقلا عن موقع الحوار المتمدن 22/12/2018
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
أفيون أفغانستان تحت أضواء مُضَلِّلَة
– علم الأفيون السياسى
– فى أفغانستان ، قوانين الإقتصاد تسير عكس السير
– أسباب إنخفاض الإنتاج
– أفيون السياسة الدولية
– إقتلاع أعواد الخشخاش
– توزيع حصص الأفيون والهيروين
– أسعار الأفيون داخل أفغانستان
– أين أسعار أفيون كابول ؟
تقرير سنوى عن أفيون أفغانستان يصدره مكتب للأمم المتحدة للمخدرات والجريمة UNODC ، يتميز بالمتابعة الشاملة على قدر ما تسمح به ظروف الحرب والسياسة ـ كون الأفيون يخضع للتوجيه السياسى ومصالح الولايات المتحدة ــ فموضوع المخدرات هو من أكثر المواضيع حساسية ، ويتعلق بأهم الموارد المالية للإمبراطورية الأمريكية ، وبالتالى فهو أحد المفاتيح الأساسية لقراراتها فى السياسة والحرب .
لذلك فالتقرير المذكور يراعى تلك المصالح ، فيحجب أكثر الحقائق ، والباقى يضع لها تأويلات مضللة تأخذ القارئ والمتابع إلى متاهات بعيدة.
علم الأفيون السياسى :
تسير إستراتيجية حركة طالبان فى عكس إتجاه إستراتيجية المحتل ، أدراكا منها أن المخدرات كانت الدافع الأول لعدوان الجيش الأمريكى خاصة بعد أن منعت الحركة زراعة الأفيون فى مناطق سيطرتها خلال فترة حكمها القصيرة لأفغانستان ، فكان عام 2001 هو أقل الأعوام إنتاجياً للأفيون بمحصول قدره 185 طن ــ معظمها من إنتاج مناطق لم تكن خاضعة لسلطة طالبان ـ بعد أن كان الإنتاج فى الأعوام السابقة يتخطى 3500 طن . هذا النقص الهائل فى الإنتاج حَفَّز الجيش الأمريكى على الحركة السريعة ، فأعاد زراعة الأفيون بتصاعد خيالى. وقال الأمريكيون أنهم لم يحضروا إلى أفغانستان لمكافحة زراعة المخدرات ، بل لمكافحة الإرهاب (!!) . ولكنهم عندما إفتقدوا تواجد تنظيم القاعدة فى أفغانستان إستوردوا داعش من شتى الأرجاء ، وصنعت لهم باكستان جيشا داعشيا من بقايا بلطجية معسكرات المهاجرين فى بيشاور. فعاشت زراعة الأفيون وصناعة الهيرويين جنبا إلى جنب مع صناعة الإرهاب الداعشى ، أزهى عصورها فى ظل الإحتلال الأمريكى .
تقرير مكتب المخدرات والجريمة للأمم المتحدة UNODC ، إلى جانب المعلومات المنقوصة، يعطى تفسيرات مضللة أو على الأقل مربكة للغاية ..ومن أمثلة ذلك :
فى أفغانستان ، قوانين الإقتصاد تسير عكس السير :
أول معلومة مربكة يسوقها تقرير(عام 2018 ) ، مع تفسيرها الأشد إرباكا .. تقول :
إن كمية الأفيون المنتج هذا العام “2018” فى أفغانستان وصلت إلى 7200 طن ، بنقص حوالى “11ــ %” عن محصول العام الماضى 2017 الذى بلغ (10000 طن) . وحسب قانون العرض والطلب فمن المفروض أن يرتفع السعر ولكن التقرير يفاجئنا بأن السعر إنخفض بنسبة ” ــ 42 %” . فهل تغيرت قوانين الإقتصاد؟؟، أم أن أفغانستان المحتلة هى مكان خارج القوانين؟؟ . كنا فى أنتظار أن يبشر التقرير العالم بأن إنخفاض المعروض من الأفيون أدى إلى إرتفاع أسعاره وبالتالى أسعار الهيرويين .
وحتى يتخلص (تقرير الجريمة والمخدرات) من المأزق قال إن سبب تراجع زراعة الأفيون هو تراجع الأسعار . وهو عذر أقبح من ذنب ، لأن أسعار العام الماضى(2017 ) كانت مرتفعة ، فمتى ظهر دليل على أن الأسعار سوف تنخفض فى عام “2018” حتى يتراجع الفلاحين عن الزراعة ؟ .. لم يوجد أى مؤشر على ذلك، لأن إتجاه الأسعار نحو أو الإنخفاض أو الإرتفاع يظهر مع إقتراب جنى المحصول . عندها يعمل قانون العرض والطلب . فإن كان المعروض كبيرا ، توجهت الأسعار نحو الإنخفاض ، والعكس صحيح .
يمكن أن نقدم تعليلا أكثر واقعية لظاهرة إنخفاض السعر الأفيون رغم إنخفاض الإنتاج .
أسباب إنخفاض الإنتاج :
تقديرات (مكتب الجريمة) غير دقيقة بالمرة من حيث قياس كمية الإنتاج . فالمكتب المذكور فى تقرير عام 2016 قال أن معظم مناطق زراعة الأفيون موجودة فى مناطق مصنفة على أنها (خطر) أو (خطر جدا) حسب قسم تابع للأمم المتحدة يسمى قسم الأمن والسلام (!!) ـ {وهذه ليست نكته !! قسم للأمن والسلام فى الأمم المتحدة .. هكذا !! } .
فالمناطق المحررة تتوسع فى كل أفغانستان ، خاصة المناطق التى ركز الإحتلال فيها زراعة الأفيون حتى يتمكن من حراستها والدفاع عنها بسهولة .
واقعيا هناك 70% أو أكثر من أراضى أفغانستان محررة (وليس 50% كما يروج الإحتلال). والباقى من الأرض تنساب فيه قوات طالبان إلى أن تصل إلى مقار القيادات العليا فى كابول . وتتحكم فى معظم مسار الحياة المدنية من تحت الأرض ، وأحيانا من فوقها، فى ظهور شبه علنى ولكنه محسوب بدقة. يقول قسم(الأمن والسلام) فى الأمم المتحدة ، أن تلك الأراضى المصنفة خطر وخطر جدا لا يمكن أن تصلها الأمم المتحدة أوهيئات الإغاثة . ولكنه لم يذكر أن قوات الإحتلال لا يمكنها ذلك أيضا إلا بسلاح الطيران ، أو حملات أرضية جوية قصيرة وخاطفة ، وبلا نتائج فى موازين الأرض . فكيف يمكن قياس كمية الإنتاج؟؟.
سيقولون : بالأقمار الصناعية. ولكن تلك تقديرات غير دقيقة على غير ما يحاول أن يوحى به مكتب الجريمة ، مقدما أرقاما كأرقام متوسطة ، لأرقام عليا وأخرى دنيا إمعانا ، فى إيهامنا بدقتة وحيادية أرقامة ، التى هى فى معظمها غير موثوقة ، إما لأنها مختلقة بالكامل ، أو لأنها (معدَّلة سياسياً) وفقاً لأهداف الإحتلال .
يقول مكتب (الجريمة والمخدرات) أن من أسباب إنخفاض إنتاج الأفيون قلة أمطار هذا العام. صحيح أن منسوب الأمطار قد إنخفض ولكن إلى أى درجة؟؟ .
فجداول المكتب ورسوماته البيانية ، تقول أن إنتاج هذا العام(2018) هو ثالث أعلى محصول منذ عام 2014 ـ وحسب أرقام المكتب المذكور فإن إنتاج أفغانستان من الأفيون فى السنوات المزدهرة الأخيرة هى كالتالى: (عام2014) 4420 طن ـ (عام2017) 5158 طن ــ (عام2018) 4391 طن.
ولماذا شهدت محافظة كابول(المركزالسياسى للإحتلال وحكومته المحلية) إرتفاعا فى محصول الأفيون؟؟ . فهل لديها أمطار خاصة بها ؟. ولماذا إرتفع محصول القطاع الشمالى الشرقى من البلد رغم قلة الأمطار؟.
مكتب (المخدرات والجريمة) لا يتطرق مطلقا إلى عنصر السياسة العالمية وتأثيرها على أسعار وإنتاج الأفيون فى أفغانستان . كما لا يتطرق بالطبع إلى موضوع العلاقة بين الأفيون وكل من السياسة الداخلية والعمليات العسكرية للإحتلال فى أفغانستان.
– فعندما يُقارِن عامنا الحالى(2018) فإنه يرجع فقط إلى عام2014 قائلا أنه ثالث أعلى محصول فى تلك السنوات الأربع . ولكن عودة بالمقارنات إلى أعوام سابقة حتى عام 2008 ـ (أنظر صفحة 47 من التقرير المذكور) نجد أن عام 2018 عاما وفير المحصول . العائدات إنخفضت ، و لكن بالمقارنة نجدها أفضل من سنوات عديدة مضت .
أفيون السياسة الدولية :
بعض السنوات كانت منتعشة جدا من حيث الإنتاج والأسعار، مثل عام 2011 (هل يذكر أحد أحداث الربيع العربى!! ). فى الأزمات الدولية الكبرى وطبقا لبيانات مكتب الجريمة نلاحظ أن أسعار الهيروين إنخفضت ، وتوفر فى أسواق دول لها تأثير كبير أو مباشر فيما يجرى دوليا من كوارث مثل الأسواق الأمريكية والأوروبية وأسواق دول تعانى من زلازل سياسية وإقتصادية تهدد مصالح وخطط أمريكا . وأرقام عام 2001 خير دليل على ذلك {راجع كتاب حرب الأفيون الثالثة ، فالأرقام والجداول الموجودة به، كلها من مستقاه من”مكتب الجريمة” التابع للأمم المتحدة} . ورغم أن محصول أفيون 2001 كان هو الأدنى منذ عقود أو قرون ،إلا أن الهيروين توفر فى أسواق أمريكا وأوروبا عام2001 وإنخفض سعره؟؟ . هنا يظهر مصطلح(المخزون الإستراتيجى) . الذى بلغ الآن بالتأكيد مستويات غير متوقعة . وحسب تقدير روسى نشر عام 2010 فإن أمريكا تختزن 1200 طن من الأفيون تحسباً للطوارئ . ولعله يقصد الهيروين وليس الأفيون . لأن من يَخْتَزِن بشكل إستراتيجى يختزن مسحوق الهيروين لصغر حجمه وسهولة نقله وعظيم تأثيره وإرتفاع سعره . أما إختزان الأفيون فيكون لأهداف قريبة واحتياجات محلية أو إقليمية سريعة ، ( أى فى أفغانستان والدول المحيطة بها).
الآن فى عام 2018 لنا أن نتخيل مقدار التصاعد فى ذلك المخزون الذى لا يقل تدميرا للبشر عن المخزون الأمريكى من أسلحة الدمار الشامل .
فى هذا العام دلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة إستخدمت جزءا من ذلك المخزون لخفض أسعار الأفيون الخام الذى أصبح فى مقدار كبير منه خارج سيطرة إحتلالها العسكرى ، وعدم قدرتها على الوصول إليه عبر عملاء وسماسرة محليين ، لأن عقوبه هؤلاء من جانب حركة طالبان تتساوى مع عقوبة الجواسيس والخونة المتعاونين مع العدو .
وبالتالى بدأت الولايات المتحدة تسحب جزءا من مخزون الهيروين الإستراتيجى وتطرحه محليا داخل أفغانستان ليعطى إشارة (الوفرة) وبالتالى ينخفض السعر ، وينتهى إلى حد ما الرواج الذى أحدثه الإحتلال فى مناطق زراعة الأفيون حين رفع أسعاره فجأة إلى مستويات لم يحلم بها المزارعون الأفغان يوما . فقد كان دخلهم قبل الإحتلال يبلغ حوالى 90 مليون دولار. وفى سنوات الإحتلال “السعيدة” تعدى أحيانا المليار دولار أى أكثر من عشرة أضعاف ما كان قبل عام الإحتلال ، وذلك لشراء ولاء المزارعين الذين أفقرتهم حركة طالبان بمنعها زراعة الأفيون . ولكن ليست قوانين الإقتصاد هى فقط التى تسير عكس السير فى أفغانستان ، بل والقواعد الإجتماعية للإقتصاد أيضا . فمن كان يتصور أن مزارعى الأفيون ينقلبون على الإحتلال صاحب الفضل فى مئات ملايين الدولارات التى تنهمر فوق رؤوسهم مع قنابل الطائرات. وتلك بعض الألغاز الأفغانية .{ لعمرى إن ذلك لعجيب جدا !!.. فمازالت هناك بعض الشعوب لا تقبل بصفقات أمريكية كبري ، متعددة القرون ، لمقايضة أوطانها بمليارات الدولارات }.
ولا يتصورن أحد أن الحديث عن المليارات تعنى إرتفاعا فى مستوى معيشة الشعب المنكوب. فإحصاءات مكتب الأمم المتحدة للجريمة تقول أن أفغانستان هى الدولة الأفقر فى جنوب آسيا ، وأن 30% من سكانها يعيشون تحت مستوى الفقر ، والواقع أسوأ من ذلك .
هذا بينما تُظْهِر الأرقام الحكومية الأمريكية أنها تنفق سنويا 45 ملياردولار على حرب أفغانستان !! ليس لمصلحة الشعب الأفغانى بالطبع بل لنهب ثرواته من الأفيون إلى اليورانيوم.
قد تكون الأسباب الواقعية لإنخفاض أسعار الأفيون فى أفغانستان لهذا العام ترجع إلى :
1 ـ طرح جزء من المخزون الإستراتيجى للهيروين (والأفيون!!) فى الأسواق الأفغانية .
2 ـ عدم قدرة الإحتلال على الوصول إلى محصول الأفيون ، قلَّلَتَ كثيرا من القدرة الشرائية المتوفرة فى السوق ، فأصبحت متواضعة وقليلة الحيلة أمام محصول ضخم ، فإنخفضت الأسعار .
– يتنبأ مكتب الجريمة بإنخفاض أسعار الهيروين داخل أفغانستان . ولكن السوق الأفغانى المحلى لا يتجاوز 3 ملايين شخص فى أعلى تقديرات مكتب الجريمة ، فالسوق العالمى هو الأساس حيث يوجد 17 مليون متعاطى حسب إحصاءات 2016 . فعندما ينخفض محصول الأفيون فى أفغانستان يقل المعروض من الهيروين عالميا، وبالتالى ترتفع أسعاره ولا تنخفض كما يقول مكتب الجريمة . فلماذا يسير القانون معكوساً فى أفغانستان؟؟. فقط طرح جزء من المخزون الإستراتيجى الأمريكى من الهيرويين هو الذى يعكس الدورة فى السوق الأفغانى والعالمى، فبدلا من إرتفاع الأسعار تعود إلى النزول نتيجة زيادة المعروض . لا تفعل أمريكا ذلك حرصا على مصالح المدمنين حول العالم ، ولكن من أجل إحداث تأثير سياسى منشود داخل مجتمعات بعينها . وأيضا لمكافأة حكومات صديقة (بمنحها نسبة هيرويين كإسناد مالى) والإضرار بأخرى “مارقة” (تُستَنْزَف ثرواتها البشرية والمالية بتسريب الهيرويين إليها) .
إقتلاع أعواد الخشخاش :
من المفروض أنه أسلوب رئيسي فى مكافحة زراعة الأفيون . إذ تقوم حملات أمنية وعسكرية (بمداهمة) مزارع الأفيون لإقتلاع نباتات الخشخاش .
هذه مسئولية الحكومة المحلية ، وقد أعلن الإحتلال صراحة أنه غير معنى بمكافحة زراعة الأفيون، وأن (التفويض الدولى!!) الذى حصل عليه لايشمل ذلك ، بل يشمل مكافحة الإرهاب.
الحكومة المحلية ــ التى عينها الإحتلال ــ ترى أن عملية الإقتلاع هى إثبات لشرعيتها على مستوى العالم . ويدعم الإحتلال ذلك الإدعاء الكاذب لإنه يوفر مشروعية لتواجده العسكرى والأمنى. والنشرة التى يصدرها مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات UNODC ، تستخدم كافة وسائل التضليل العلمى والتكنولوجى لإيهام العالم بوجود حكومة (تكافح!!) المخدرات عبر عمليات إقتلاع هى سراب رقمى وتهويل علمى .
من ناحية الأرقام فإن القدرة على الإقتلاع تافهة للغاية لدرجة أنها تقاس أحيانا بعدد الشجيرات المقتلعة . أو بعدد الهكتارات التى لا تكاد تذكر بجانب المساحات المزروعة . ويدعم الإحتلال نشريات مكتب الجريمة بصور الأقمار الصناعية التى تثبت القيام بعملية (المقاومة) والإقتلاع. وإستخدام صور الأقمار الصناعية يكلف ماليا أضعاف ما تكلفه عملية الإقتلاع الصورية . المقارنة بين صور من القمر الصناعى مع أخرى فوتوغرافية لنفس المكان على الأرض ، يؤكد تفاهة النتائج و يكشف كمية المبالغات. ورغم ذلك لا يمكن تغطية حقيقة أنها عملية مكلفة جدا وعديمة التأثير .
تقول أرقام مكتب الجريمة والمخدرات UNODC ، أن حكومة كابول لم تَقُمْ بأى حملة “إقتلاع” فى هلمند ـ المحافظة الأعلى إنتاجا للأفيون فى أفغانستان ـ طوال السنوات الثلاث الأخيرة . “لماذا”؟؟ .. رغم وفرة القوات الأمريكية والحليفة فى أعلى تركيز لها داخل هلمند ، فإن سيطرتها على أرض هلمند / وما تسميه أمريكا بالقطاع الجنوبى/ لا تتناسب أبدا مع ذلك المجهود . إضافة إلى أنه تواجد مُحَاصَرْ ومُكبَّل إلى درجة كبيرة . وليس غريبا أن يصف الروس الحرب الأمريكية فى أفغانستان بأنها حرب يائسة . ونضيف بأنها حرب يائسة ومهينة ، قد تتحول إلى إنكفاء مصيرى فى المكانة والقدرة الأمريكية حول العالم .
ــ نسبة “الإقتلاع” تراجعت هذا العام 2018. وسبق لمكتب الجريمة أن أعلن فى عام 2016 عن تراجع الإقتلاع بنسبة ” ــ 91 % ” !! .
العام الحالى يعتبر الأضعف فى(عملية الإقتلاع) إذ تراجعت نسبته بمقدار ” ــ 46 %” عن العام السابق2017 . فأصبحت المساحة المقتلعة هذا العام 406 هكتار بعد أن كانت 750 هكتار فى عام2017 . وتمت عمليات الإقتلاع هذا العام فى 4 محافظات فقط فى مقابل 14 محافظة فى العام الماضى2017 . { تراجع عمليات الإقتلاع تصلح لأن تكون مؤشرا لتوسع الأرض المحررة ، مثلها مثل إنخفاض أسعار الأفيون بسبب عجز المحتل عن الوصول إلى المزارع أو التجار المحليين ،أى عجز الملياردير الأمريكى عن الشراء من السوق المحلى}.
“تقنيا” أتلفت الحكومة النباتات /كما تُتْلِفْ المواطن/ بواسطة (الضرب بالعصا!!)!!. فى ثلاث محافظات إستخدمت تِقَنيَّة العصا ، بينما إستخدم التراكتور لإتلاف المحصول فى محافظة واحدة .
{ غابت التكنولوجيا المتطورة عن برنامج مكافحة المخدرات فى أفغانستان المحتلة . بينما أثناء حكم حركة طالبان هدد الروس والبريطانيون ، ومن خلفهم الولايات المتحدة ، هددوا بإستخدام مادة كيماوية مستحدثة يمكن رشها من الجو فتبيد محصول الأفيون تماما . ليس مهم طبعا كم سيباد من الشعب الأفغانى فى ذلك الهجوم الكيماوى الدولى ، فتلك ليست مشكلة على الإطلاق . لأن الروس كما البريطانيين ، تاريخيا ، مارسوا فى حروب طاحنة وغير متكافئة متعة إبادة الأفغان . فأين تلك الإمكانات العلمية والتكنولوجية الآن ؟؟ ولماذا هددوا بها نظام طالبان ، ثم صمتوا عنها الآن فى عهد الإحتلال الأمريكى؟؟ . إنها ألغاز الهيرويين التى تنعش الذاكرة أو تميتها ، حسب الجرعات المكتسبة من دماء الأفغان } .
وحتى تتضح صورة المهزلة، فإن أرقام مكتب الجريمة تقول أن المساحة التى تم”إقتلاعها” فى كل البلد بلغت 406 هكتار من مساحة مزروعة مقدارها 263000 هكتار !! .
فهل تلك حقا عملية إقتلاع، أم هى مجرد إزالة للنباتات الضعيفة من أجل تحسين الإنتاج !! .
توزيع حصص الأفيون والهيروين :
تنبأ مكتب الجريمة (وربما قرر) أن نسبة توزيع إنتاج الأفيون لهذا العام 2018 ستكون كالتالى:
ـ 1400 طن كحد أعلى ، سوف تخصص لإحتياجات الإقليم (يعنى أفغانستان وما حولها من دول).
ـ 610 طن كحد أعلى، لإحتياجات صناعة الهيروين المُصَدَّر إلى الخارج . وتلك الكمية يتم تحويلها إلى هيروين نقى بنسبة 100% (ملاحظة : تلك نسبة لا تبلغها إلا معامل الجيش الأمريكى فى القواعد الجوية الأفغانية، خاصة فى قاعدة بجرام شمال كابول) فإذا أدت واجبها بما عُرِف عنها من تقنية عالية فسوف يحصل السوق العالمى على {250طن إلى 350طن} من بلورات الهيروين النقى .
يحتاط مكتب الجريمة ، ومن أجل الأمانة العلمية يقول أن كمية الهيروين والأفيون المذكورة أعلاه لا تصل كلها إلى الأسواق بسبب الخسائر والفاقد والمضبوطات خلال التحرك صوب البلد المستهدف . وهكذا يعانى الأمريكان للحصول على لقمة العيش كما تعانى باقى الشعوب الكادحة .
أسعار الأفيون داخل أفغانستان :
هذا العام 2018 هبطت أسعار الأفيون(الجاف) بنسبة “39 ــ %” ، فأصبح الثمن 94 دولار /كيلو جرام . بينما كان 155 دولار/كيلوجرام فى العام الماضى2017.
هنا أيضا يظهر ثقبا أسودا ـ كما فى الكثير من بنود التقرير. فبينما يهبط سعر الأفيون فى كل البلد بالنسبة المذكورة أى “39ـ %” نجد السعر حقق إرتفاعاً كبيرا مفاجئا فى منطقة يسميها التقرير بالقطاع الشمالى الشرقى الذى يشمل حسب تقسيمهم ثلاث محافظات هى (بدخشان ـ تاخارـ قُندُز) . وربما تساعدنا مميزاتها الجغرافية/ السياسية على الإقتراب من حل اللغز .
فالمحافظات الثلاثة تشترك مع جمهورية طاجيكستان (جمهورية سوفيتية سابقة) فى شواطئ نهر جيحون . وطرق تهريب المخدرات لا تواجه صعوبات يعتد بها فى طاجيكستان . ومنها يمكن الوصول بسهولة إلى الأراضى الروسية ثم باقى أوروبا شرقا وغربا .
فى تصريح روسى منذ سنوات جاء أن قيمة الهيروين القادم من أفغانستان إلى روسيا يعادل ثلاث مرات قيمة مبيعات روسيا من الأسلحة، التى هى ثانى مورد للميزانية الروسية بعد النفط والغاز . وبالأرقام قال الروس أن خط التهريب المار ببلادهم ينقل ما قيمته 17 مليار دولار من الهيروين ، 35% منه يدخل روسيا ولا يخرج .
لا شك أن وضع روسيا أفضل من وضع الولايات المتحدة التى تقول تقارير(من مكتب الجريمة) أنه فى عام 2009 إستهلك الأمريكيون هيروين بمبلغ 11,9 مليار دولار . ودخنوا حشيش بقيمة 11,5 مليار فى نفس العام .أى حوالى 4, 23 مليار دولار لزوم الكيف العالى .
ــ من طاجيكستان يمكن وصول الممنوعات الأفغانية إلى الصين . كما أن محافظة بدخشان المطلة على نهر جيحون لها منفذ ضيق مع الصين الشعبية عبر ممر واخان . ونفس المحافظة موضوعة فى مخططات داعش الأمريكى للعمل ضد الصين . وهناك تواجد داعشى غير محدد بدقة ، ومعظمه من مسلمى الإيجور فى الصين ، ولهم تنظيم داعشى يدعى الحزب الإسلامى التركستانى يحظى بدعم كامل ، أمريكى سعودى .
ــ وسؤالنا فى ذلك الإقليم الشمالى الشرقى( بدخشان ، تاخار، قندوز) هو عن سر إرتفاع أسعار الأفيون ( + 20 %) عكس باقى البلد التى تعانى من إنخفاض شامل فى الأسعار بمتوسط ( ــ 39 %). وكذلك يشهد إقليم السعادة الشمالى الشرقى قوة إنتاج فريدة للأرض (كجم أفيون لكل هكتار من الأرض) ،تقدر بحوالى (34%) كجم /هكتار، فى مقابل إنتاجية فى باقى البلد 24,4 % كجم / هكتار .
مكتب الجريمة يشير إلى اللغز ولكنه لا يقترح تفسيرا له، أو أنه يشير إلى الحل فى إتجاه مضلل.وعلى القارئ أن يظل يفكر ويفكر لعله يستنتج شيئا ، أو أن ينصرف وينسى الموضوع.
أين أسعار أفيون كابول ؟
لغز آخر يقترب من منطقة الخطر. جداول مكتب الجريمة تحتوى على سعرين للأفيون فى كل منطقة، أحدهما “سعر التاجر”ــ للأفيون الجاف ــ وآخر سعر المزرعة {أفيون المزرعة رطب غير جاف وهو أرخص سعراً} إلا فى محافظة كابول!! ، فهى خالية دوما من ذكر أى أرقام بدعوى أنها غير متوفرة!!. رغم أن مقر مكتب الجريمة موجود فى مدينة كابول العاصمة. فهل أسعار كابول سر عسكرى تخشى سلطات الإحتلال من البوح به ، وهل هو من أسرار الأمن القومى يخشون أن يتسرب إلى”أهل الشر” {الإصطلاح هنا مصدره جنرال مصر الأوحد ، وربما يعنى به حاسديه وعُزَّالِه من المعارضة غير الوطنية، و الإرهابيين!! } .
تغيير مدهش آخر فى كابول هو أرتفاع المساحة المزروعة بالأفيون بنسبة11+% ، عكس نسبة إنخفاض عامة فى المساحات المزروعة بالأفيون فى كل البلد متوسطها 20ــ % .
يقول مكتب الجريمة أن القطاع المركزى الذى يضم محافظتى كابول وغزنى ينتج فقط 20 طن من الأفيون !! . الغموض يحيط بالقطاع : من أول الشك فى كمية المحصول ، وصولا إلى السعر غير المعلن ، وارتفاع إنتاجية الهكتار رغم إدعاء الفقر المائى ، بما يوحى بأنها كمية من الأفيون مخصصة حصريا للإحتلال الأمريكى وليس للتجارة العامة.
رغم أن محافظة غزنى المشتركة مع كابول ضمن (القطاع المركزى ) تراجعت نسبة الزراعة فيها بنسبة ” ــ 64 %” . { التفسير الذى لن يتطرق إليه مكتب الجريمة هو أن معظم محافظة غزنى واقع فعليا تحت سيطرة طالبان ، الذين سيطروا على مدينة غزنى عاصمة الأقليم لمدة أسبوع فى الصيف الماضى، بتأييد شعبى كاسح ومتعدد المذاهب “سنة وشيعة” ، ثم غادروها ــ شكليا وليس فعليا لأنهم باقون ما بقىَّ السكان ــ غانمين كنوزا هائلة من أسلحة الجيش وقوات الأمن ، وأموال بالمليارات كانت مختزنة فى إدارات عسكرية، بينما الجنود لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر } .
ــ فما هو سر كابول الدفين فى غابة الهيروين التى ترعاها الولايات المتحدة؟؟ . هل تحتضن أرض محافظة كابول مزرعة أبحاث لتطوير البذور وإنتاج أفيون معدل وراثيا ؟؟ .أم لتطوير أفيون مخصص لبلاد الأعداء، فيقتل الشباب ويقعدهم بالأمراض المستعصية، فتحقق أمريكا على تلك الدول المارقة نصرا بلا حرب؟؟. وهناك فى الإقليم شواهد عملية وضحايا لأنواع من الهيرويين مثل هذه . وحول كابل العاصمة معتقلات وسجون سرية وعلنية توفر مددا بشريا لا ينفذ، للتجارب الحية والمجانية على “إرهابيين” من أبناء البلد المحتل .
للعلم : قاعدة بجرام الجوية ـ أهم مراكز تصنيع الهيروين فى العالم ـ تقع على بعد عدة كيلومترات فقط من العاصمة.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )