نظرة حول الداخل السوري
( الجزء الرابع )
فرض الوضع السوري ومجرياته على عموم الأمة والنخب تحديا كبيرا للخروج بمشروع بديل تسير على ضوئه جموع المسلمين في مسار التحرير الطويل والشاق لاسترداد حصونها الضائعة ومناطقها المحتلة خصوصا مسرى النبي الكريم “فلسطين”، بدلا من المشاهد المحبطة والأحداث المؤلمة وتضارب المشاريع المتعارضة التي تمخض عنها الصراع الدامي والحرب الأهلية في سوريا، والتي أبانت عن ثغرات خطيرة في جسم الأمة على مستوى التصور والممارسة.
ننطلق في مقالنا من مبدأ أن المسلمين هم حملة رسالة للانسانية وأصحاب مشروع كوني أساسه الرحمة (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين). كما ان الحالة التي عليها البشرية في زماننا تعكس وضعا ينم عن الابتعاد عن الحق ومقتضياته في زمن ساد فيه الباطل بأبشع صوره وأقبح عناوينه. هذا الحال يستوجب من المسلمين موقفا يتجسد فيه التلاقي والتكامل لاستئناف المسار الصحيح ومواجهة الأزمات التي تضغط على جسد الأمة بدأ من الأخطر منها الى اقلها خطرا (الأولويات).
لقد أدخلت المنطقة الاسلامية في مرحلة جديدة تحمل في طياتها كل الشرور والتهديدات لشعوبها بشتى انتماءاتهم، ضمن ما يعرف بحمى الحروب الداخلية على الأسس المذهبية والعرقية والدينية داخل الأمة -ليس بالمعنى الديني فقط بل بالمعنى الجغرافي” المواطنة” أبناء الوطن الواحد- سهل هذا السيناريو الذي ينم عن خلل كبير في التركيبة الاجتماعية للمنطقة جعلها قابلة لأن تكون على هذه الصورة من التمزق والكراهية والعداء لبعضها البعض.-سهل- مهمة الغزاة في الوصول الى أهدافهم الاستعمارية، حيث اصطلحوا اثر ذلك على فكرة ” تجميد الصراع” ما يعني سحب جنودهم لوجود البدائل التي تحقق ابعاد المشروع الصهيوأمريكي من أبناء الأمة بالمعنى العام( الذين يتقاسمون نفس القطر والبلد والمنطقة).
الحالة الكردية تمثل نموذجا في بحثها عن مشروع الفيدرالية الموهوم تحت كنف أمريكا، حيث تسبب الموقف الكردي في فتح ثغرة على شعوب المنطقة والمسلمين على عكس ما اخبرنا به التاريخ عن سلفهم “الناصر صلاح الدين الأيوبي” الذي اثر وحدة الامة على المشاريع القومية والتوجه بهم نحو استرجاع المقدسات”حطين” والأراضي التي سقطت في يد الصليبيين.
يسير مخطط التقسيم واذكاء الصراعات على الأسس المذهبية والعرقية في المنطقة بالتوازي مع محاصرة الخطاب الواعي على كل المستويات ومنع وصوله الى الناس، فهل السبب أن عقلية الأمة ليست مستعدة لاستيعاب هذا النوع من الخطاب أم أن هناك قوى خفية تلعب دورها في بناء جدار يمنع ذلك، والعمل على ملاحقته-الخطاب الواعي- وخنقه ف في كل الاتجاهات وتشويهه حتى لا يجد القابلية في نفوس الأخرين. يمكن القول أن استراتيجية الاعلام المضاد مع المشروع الاسلامي المتوازن والحضاري تكمن في: اقحامه في دائرة التكفير والتشويه لتوريطه. وافقاده المصداقية في الشارع كونه سيلعب دورا فاعلا مستقبلا في المنطقة في التوعية والحصانة.وايجاد قوى تحريضية على هذا الفكر لضربه في مهده قبل أن يستفحل وهذا دور المخابرات العالمية وأيديها…
تبقى فريضة الجهاد والاستمرار في خط المقاومة لطرد الغزاة وفق الضوابط الشرعية والتي لا تتعارض مع المبادئ الانسانية هي الأمانة التي يجب أن يتقاسم الجميع مسؤولية حملها بغض النظر عن انتمائهم وتوجههم طالما يعتبرون المنطقة والعالم الاسلامي وطنا لهم، وذلك بعيدا عن العنف الأعمى أو مشاريع خروج جزء من الأمة على الأمة على أي أساس كان، أو أن نصبح معاول هدم او ان ننجرف وراء تيارات التكفير والتفجير العشوائي.
يجب مناصرة المقاومة الشرعية في كل مكان وتأييدها ومناصرة أصحابها والدخول معهم لأن حصن الأمة في تبني المقاومة الشرعية.بالمقابل نقف على النقيض من تيارات التكفير الأعمى وممن امتطوا صهوة الجهاد لتنفيذ رؤيتهم الضيقة وممارسة اجتهاداتهم الخاطئة والحاق الأذى بالمقاومة الشرعية بسبب تصرفاتهم.
نحن مع الجهاد وضد الارهاب ومع بناء الانسان والاوطان جنبا الى جنب مع التكامل في طرح المشروع الاسلامي الحضاري الانساني الذي يركز على الجسد والروح والقلب والعقل. لنا خصوصيتنا بلا انغلاق، انفتاح على العصر الذي نعيشه بلا ذوبان، نرتبط بأصولنا وننفتح على عصورنا وأزماننا.
لقد أعطتنا الشريعة فرصة واسعة في تغيير الأدوات والصور على أن تبقى المضامين نفسها حسبما يصلح للزمان والمكان.
لا شك أن هذا النوع من المشاريع سيواجه من قبل المشروع الدولي على كافة الأصعدة فحينها لا يسعنا الا المواجهة والثبات.
ان جبهة العداء لأمتنا ومنطقتنا وشعوبنا لا تخاف من جماعات الغلو ولا يضايقها التنظيمات التي تحمل طابع التكفير والالغاء ولغة خطاب مواجهة العالم وحرب الانسانية: هذه المجموعات تدعم وتغذى من امريكا سواء علمت أم جهلت بسبب خيوط التواصل المتعددة…هذا النوع من المجموعات ضرورة حيوية لبقاء المشروع الصهيوامريكي -في وحشيته وهيمنته- حيث تعطي الأفعال التي تقوم بها الشرعية والمصداقية للهجمة الأمريكية على الاسلام والعروبة والخيرات والنفط: فهم فتوى المرور وجسر العبور الجيوش الاحتلال الامريكي في عالمنا الاسلامي، اذ تقوم-امريكا- بتضخيمهم وتزيد من حجمهم وتضفي عليهم الصفات الأسطورية ما يجعلهم أندادا حقيقيين لهم في عقل الشباب السطحي في ذهنه والمغرر به: وهذا لا يعني أنهم يمارسون العمالة المباشرة بل هم فيهم من الحماس والصصدق والعاطفة نحو أمتهم، لكن النظرة الضيقة السطحية في فهم ما يجري جعلت أمريكا قادرة على احتوائهم عن بعد وتوجيههم في مسار محدد والاستفادة منهم ومن افعالهم….والأمور ينظر اليها بنتائجها وما تؤول اليه.
بقلم: أديب أنور
المصدر :
مافا السياسي ( ادب المطاريد )