نداء الفِطْرة وتأثير الإيديولوجيا
بعد سقوط الحكم الإسلامي وضعف المسلمين، أصبح الشباب في العالم الإسلامي يستوردون الأفكار كل منهم على حسب منهجه والطريقة التي اختارها سواءً ليعيش أو لِـيغَيِّر، وبسبب قلة أهل العلم العارفين المؤَصَّلين أو بالأحرى تهميشهم وكبحهم من أن يمارسوا دورهم التوعوي الإرشادي، ظهرت أفكار وإديولوجيات –ضمن الإطار الإسلامي نفسه- كانت سببا من أسباب تشويه صورة الإسلام لدى غالب المسلمين قبل غيرهم.
فجل شباب المسلمين أو كلهم تقريبا يعرفون الحلال من الحرام ويميزون بين الجيد والقبيح بين المرغوب والممنوع بغض النظر هل يرتكبون تلك الممنوعات أم لا، لكن يبقى الشيء المتفق عليه هو أنهم يميزون بين الصحيح والخطأ وإن ارتكبوا الخطأ.
لأَن الفطرة تضل تذكرهم إن خالفوها وترجعهم للجادَّة كلما انحرفوا عنها ، بسطاء في الأفكار سطحيين في فهم دينهم، لكن نفوسهم تضل تؤنبهم إن ارتكبوا الحرام، فإن سألت أي مسلم عن الكذب أو السرقة أو القتل أو غير ذلك من المنكرات يجيبك وبدون أي تفكير أنها حرام على الإطلاق وأن صاحبها ارتكب إثما كبيرا.
بالمقابل إن سألت نفس السؤال لشخص “مُؤدلج” أو متبعا فكرا ما أو منهجا معينا فإنه يأتي لك بتأويلات تنصر فكره وطريقته وإن خالفت الفطرة والعقل السليم، وممن استغل هذه التأويلات وتوسع في التبريرات هم الغلاة بغض النظر عن أسماء الجماعات، فالقتل ليس بتلك الصورة التي يستبشِعُها الغير المؤدلج، فهناك التترس والتَّوسعُ فيه، بحيث من الممكن أن يقتل عدوه في سوق مكتظ أو عند باب مسجد فيموت المعني بالقتل ومن بجانبه، بسبب الشظايا الناتجة عن الانفجار، إذ كل الاغتيالات غالبا ما تتم بعبوة ناسفة أو لاصقة، ولَمَّا تسأل الممنهج أو المؤدلج عن سبب اقتناعِه او تأييدِه، يجيبك بأدلة تعض عليها الأصابع من الغيض لِمَا ابتدعوه في دين الله، ليقتلوا من شاؤوا ويحيوا من شاؤوا.
فبسبب الانسلاخ من الفطرة والتقوقع داخل إيدولوجيا معينة وغلق الأعين والآذان على ما دونها من الأفكار والتجارب صار العالم الإسلامي يموج في بحر من الفتن سالت فيها دماء أبرياء وشاعت في كثير من البلدان الفوضى، فالصف الإسلامي أصبح متضعضعا إلى درجة أن يختلف ويتقاتل أصحاب الفكر نفسه بسبب اختلاف السياسة أو الرؤيا.
ففي سوريا والعراق خير مثال على ضياع الفطرة لكثير من المُؤدلجين، الشيء الذي نتج عنه اقتتال بين أصحاب المنهج الواحد والخندق الواحد، فأضروا بأنفسهم وأضروا بالناس وأَعطَوا صورةً مشوهة عن الإسلام المُقاوِم، وعن الإسلام العادل، الذي لا يظلم أحدًا، ولا يسفك دم معصوم أبدًا.
الدين فسيح والتغيير للأفضل آتٍ وإن تأخر، لكن الأهم من ذلك أن نتفطن للأفكار المنحرفة التي يبثها أعداء الإسلام وينفذها شباب الإسلام عن حسن نية، متأثرين بالضخ الإعلامي والفتاوى المدعومة، فالخطر الذي يمثله هؤلاء يؤخر التغيير، ويطيل في عمر الاحتلال الداخلي والخارجي.
فالفطرة تبقى خيرٌ وأفضل وأنبل من كثير من الإيدولوجيات أو بالأحرى المناهج التي اخترعتها العقول الناقصة والأفهام السقيمة، فلَأن تبقى على الفطرة لم تقتل مسلما بشبهة أو تخوض في مال حرام خير من أن “تتمنهج” وتقتل أطفالا أو نساء صادفهم القدر جنب عدوك لتقتل العدو والبريء بدون أن تفكر مليا، مخدرا عقلك بتفسيرات أنت الأول غير مقتنع بها.
فالحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن… والإيديولوجيا تُفسد الفطرة
بقلم :
عبد الله الإدريسي
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )