الثورات من الظواهر التي صاحبت الإنسانية في تاريخها الطويل، حيث عكست الأوضاع والظروف التي كانت ترزح تحتها هذه المجتمعات ودفعت بها إلى المطالبة بالتغيير بحثا عن واقع أفضل غير آبهة بما سيترتب عليه هذا التحول من تضحيات بشرية ومادية.
ومن الملاحظ أن سعي الشعوب في التغيير لا يأخذ صورة واحدة بل تتعدد ، لكن تظل العدالة وتحسين الأوضاع الداخلية وطرد المحتل هي الصورة المشتركة التي تجمعهم، ومن صور التغيير المعروفة والمتنوعة نجد:
– الثورة الشعبية السلمية العامة كالتي استهدفت ضبط نزاعات المماليك في عصر العز بن عبد السلام وقامت بتعبئة مصر لقتال المغول.
– الثورة الشعبية المسلحة العامة كالثورة البلشفية والفرنسية
– الثورة المسلحة طويلة الأمد حيث تؤول إلى اكتساح العاصمة قادمة من الأرياف كالثورة الكوبية 1959
– الاسلوب الذي يبدأ بحركة مقاومة للاحتلال ثم يتحول إلى ثورة شعبية مسلحة تستولي على السلطة كما حدث في فييتنام 1945
– حرب الغزو الخارجي بداية والانتهاء إلى حرب اهلية كالثورة الصينية 1929-1949
– التغيير التي يحدث من هرم السلطة ثم تكتسب الدعم الشعبي كثورة يوليو في مصر 1952
– ثورات انبثقت من البرلمان ثم تحولت إلى مسلحة كالثورة الأمريكية
– ثورات جاءت بها صناديق الاقتراع كثورة أليندي ف تشيلي.
و تبقى الثورات رغم فشلها ،مجالا للدراسة واستخلاص العبر وتلافي الأخطاء، خاصة أن الفشل هو ما صاحب أكثر الثورات في التاريخ إلا أن عدالة القضية لا يسلب منها هذا التوصيف كونها ثورة. وتتسم الثورات المنتصرة بمشترك عام يتمثل في عبورها بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة كالفوضى والثورة المضادة والانقسامات المذهبية والدينية والجهوية والقومية، فيتولد الاضطراب الأمني وتسوء الأوضاع المعيشية. فالحالات الانتقالية بعد الثورة الفرنسية والأمريكية والروسية كانت قاسية من جهة الوضع الانساني والحروب الأهلية والارتباك السياسي، وكمثال حروب الردة التي أعقبت فتح مكة، لهذا لا يجب اللجوء إلى ما يصاحب الفترة الانتقالية من محن للطعن في الثورة والتشكيك في ماهيتها.
وتشترك الثورات في تنوع الأطر والأشكال القيادية التي قادت الثورات في فترة اندلاعها كما في المرحلة الانتقالية( الزعيم أو الحزب القائد أو القادة المتكافئين). والتعدد الواسع لنماذج الثقافة والفكر والعقيدة لقادة الثورات، (عسكريين، فلاحين …)
والثورات لا تصلح للتقليد والمحاكاة بل يجب التقاط المنهجية في الوصول إلى التقدير الصحيح للموقف ومنه إلى طرح الخط السياسي الصحيح. لقد كانت المرجعية في النظرية الثورية(مقاومة، جهاد..) الأساس والقاعدة لكن وحدها لا تقرر النصر أو الهزيمة، فصحة التقدير للموقف العام وموازين القوى والخط العسكري والسياسي والفكري الصحيح هو الذي من شأنه تحقيق النصر.
لهذا يجب مراعات الشروط الحاكمة لتفادي الهزائم ولو كانت المرجعية تمثل الحق… فالمحافظة على المبدأ في الاتفاقيات لا يعني عدم المرونة في التكتيك التي توصل للأهداف. مع الاحتفاظ بأن يكون القرار الثوري داخليا وربط كل النشاطات برابطة واحدة…
إن الانتشار الواسع لحركة المقاومة والقيادة المباشرة والشرح الواضح لمسألة الاستقلال والتجاوب مع مطامح الشعب وآماله من شأنه أن يقوي الحركات الثورية حيث تصبح حركة جماهيرية حقيقية، مع اجتناب النظرة الضيقة واللاموضوعية بتشكيل جبهة موحدة تضم كافة مكونات الشعب تحت شعار التحرير من كل مظاهر التدخل الأجنبي، فهذه الوحدة الشعبية العريضة والسياسة الصحيحة والمثابرة على الحرب والاعتماد على الذات هي السبب في انتصار فيتنام على الاستعمار الفرنسي (ديان بيان فو) رغم الدعم البريطاني والأمريكي وما يصاحبه من دعوة التقسيم التي يجب رفضها إلا في حالة تيقننا بأننا سنوحد البلاد بعد خروج المحتل الاجنبي، أما التفاوض مع العدو أو رفضه فمرهون بالظروف، ومعياره هو تقريب انتصار الثورة في النهاية.
لهذا فالبرنامج الوطني يجب أن يكون موجودا باعتباره الرهان نحو توحيد جميع الطبقات والفئات الاجتماعية والقوميات والأحزاب السياسية والطوائف الدينية والشخصيات الوطنية من أجل إسقاط السيطرة الأجنبية وإقامة حكومة ائتلاف وطني مستقلة تسير نحو إعادة التوحيد السلمي للبلاد، مع ربط علاقات دبلوماسية بالبلدان الخارجية خاصة التي رافقتنا في المسار الثوري.
يلعب الوعي السياسي دورا حاسما في الصراعات، إذ يتيح للإنسان معرفة العدو وتحديد نقاط ضعفه وقوته ويدفعه إلى التمسك بفكرة الاستقلال وعدم الرضوخ لأي توجيهات تحيد عنه، وأهمية أن يتقرر الوضع الداخلي بعيدا عن أي اعتبارات خارجية بل الشعب وقيادته الثورية هي صاحبة القرار في ذلك، والسعي من القوى الثورية لبناء حكومة. كما يجب الاعتماد على النفس: (إطلاق مبادرات الشعب في حل كل المعضلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية) فهو شرط حاسم لانتصار الشعب على الاستعمار وعملائه، فالصراع بين الثورة والعدو صراع شديد التعقيد وشديد الحركة والتغيير بحاجة إلى خط سياسي صحيح في إدارة الصراع تكتيكيا واستراتيجيا من خلال تقدير صائب للوضع ولموازين القوة وطرح السياسات التي من شأنها كسب الحلفاء وعزل العدو.
دراسة التجارب الثورية يتطلب فهما أصيلا بعيدا عن التقليد والمحاكاة والتقاط الجوهر والتركيز على الوضع العام في البلاد ليكون بالإمكان تطبيق القوانين العامة فيها تطبيقا خلاقا، وطرح الخط السياسي الصحيح النابع من الظروف المعطاة في كل مرحلة، كما لايكفي رفع الشعارات وإعلان المرجعية(إسلامية…) لكي تفتح جميع الأبواب، فتبني المرجعية الإسلامية والاهتداء بها إن هو إلا الخطوة الأولى الأسهل، وما يزال الطريق طويلا ومعقدا يحتاج إلى الكثير من التدقيق والتحليل لمعرفة الموقف الصحيح تكتيكيا واستراتيجيا عند كل منعطف. فالاستعاضة عن الدقة في التحليل والاستنتاج عند اتخاذ أي موقف أو عند دراسة التجارب بالهروب إلى التعميمات كتفسير نهائي لكل معضلة من الاخطاء التي يجب تجنبها، وترك الشعارات البعيدة عن فهم الناس وعن واقعهم الملموس، بل يجب تحسس نبض الجماهير بحيث الابتداء بسماع مشاكله ثم الحديث معه بلغته بمحتوى ثوري يسير باتجاه الخط الاستراتيجي.
وللخروج من العزلة عن عموم الناس يجب معالجة قضايا الخلافات الدينية أو القومية أو العرقية والإقليمية بأساليب جديدة تنبع من دراسة موضوعية، والإبتعاد عن الأدلجة سواء مثلها حزب او جماعة لأن هذه الخلافات لها خطورة حاسمة على الثورة إذا لم توجد الأساليب الناجعة لحلها.
إن تجنب وإغفال مساعي الثورة المضادة في إفشال المسار هو بمعرفة تحركاتها لإفشال مناوراتها ويبقى أهم شيء عزلها في تكوين رأي عام محلي.
ختاما : إن جوهر الفكرة الأمبريالية هو إيجاد متنفس دستوري وشكلي وإصلاحي تحت قيادة موالية تتمتع بتأييد شعبي وعليها مظاهر المعارضة، ثم مفاوضتها لنيل استقلال صوري بينما تظل المصالح الاقتصادية الامبريالية على حالها، بل يزداد النهب الاقتصادي.ومن ثم ضم البلد المستقل إلى شبكة الأحلاف العسكرية لإحكام الطوق سياسيا وعسكريا.
إعداد : جمعية مغاربة سوريا
تيليجرام ( جمعية مغاربة سوريا ) : @jam3iyat
المصدر :
مافا السياسي ( ادب المطاريد )