الدين في نظرة علي شريعتي
الدين في نظرة علي شريعتي
إعداد : جمعية مغاربة سوريا
شكل الحضور الدائم والمستمر للدين في جميع أطوار المجتمع الإنساني الأساس الذي انطلق منه المفكر” علي شريعتي” في كتابه “دين ضد الدين” في كشف أن مصطلحات من قبيل (الكفر)و الشرك)باعتباره غيابا للدين لا تعبرعن واقع موضوعي، فلقد حاول صقل هذه المفاهيم والانتقال من مستوى الدين واللادين إلى مستوى الدين الحق والدين الزائف، فالعالم الذي لا يعيش إلا في كنف الحضارات الدينية لكون الدين بعد أساسي في نشوء الحضارة والمدنيات في مواجهة أساسية بين دين ودين، حيث لم تكن بين الدين واللادين.
يهدف علي شريعتي من خلال هذا التحديد المفاهيمي إلى وضع مقدمة ينطلق من خلالها في مُعالجة الإشكالية الكُبرى، والتي تتجلى أساساً في كون النقد الغربي للأديان الذي نتجت عنه موجة معاداة الدين ومناهضته في القرنين الماضين لم تكن سوى مظهر من مظاهر عدم قدرة المفكر الغربي على التمييز بين شكلين من الدين يختلفان أشد الاختلاف. إنّ الدين الحق حسب تصور علي شريعتي هو دين التوحيد وعبادة الله، وهو في صراع دائم ومستمر مع دين الشرك، ويعرض لذلك نموذجاً لصراع موسى مع كل من السامري وبلعم بن باعورا، وصراع عيسى مع الفريسيين، وصراع نبي الإسلام ﷺ مع مشركي مكة.
يرفض “شريعتي” القول بأن الدين كان دائما في صراع ضد الكفر ويعتبر هذه القناعة غير صحيحة استنادا للمسار التاريخي للإنسان، اذ توصل أن العدو المناوئ للدين السائد هو الدين( لكم دينكم ولي دين)، لأن المجتمعات البشرية في جميع مراحلها لم تخل من دين الى درجة أن المظهر الخارجي للمدن يعكس حقيقة الوضع الروحي للمجتمع الموجود فيه.حيث يخلص إلى افتراض مبرر ديني وعقيدي لوجود مدينة أو نشوء كيان حضاري.
-يرى أن ما نفهمه اليوم من كلمة (الكفر) من عدم الاعتقاد بما وراء المحسوسات والله والمعاد والغيب والمقدسات ليس له واقع موضوعي، لأن البشر يشتركون في الإيمان بهذه الاصول العامة، وأما اعتبار الكفر اليوم بمعنى اللادين فهو أمر مستحدث يعود إلى القرون الثلاث الاخيرة حيث تم تصديره إلى الشرق كبضاعة فكرية ، إذ أصبح على ضوئه الكفر عدم الاعتقاد بالله وبكل ما وراء الطبيعة والعالم الأخر.
– يرى الدعوات الدينية سواء على صعيد تاريخ الاديان الإبراهيمية أو على صعيد المذاهب الغربية والشرقية أنها تظهر على رغم وجود الديانة السابقة لها بل لمواجهتها، وأن أتباع الديانة السابقة أول من يشنون الحرب على القادم الجديد. والوقوف إزاء هذا الأمر من شأنه أن يحل أهم المشكلات المعاصرة على صعيد إصدار الأحكام، كالتي تقضي بأن الدين يتنافى مع الحضارة والتقدم وحرية الشعوب، ويرى الكاتب أن هذا الحكم ليس صحيحا من جهتين : الأولى عدم الفرز بين الدينين وتخيل المواجهة بين الدين واللادين و من جهة ثانية لم يدركوا النمط الاخر القائم من الدين، فعمموا الحكم على الدين بمطلق أشكاله كما هو واضح في تاريخ الغرب مع الكنيسة.
– يشير شريعتي إلى نقطة مهمة في في استخدامه لمصطلحات متداولة بيننا ولكنه يعني بها معنى اخر، وهذه المصطلحات هي : (الكفر والشرك وعبادة الأوثان): فيذهب إلى أن الكفر انطلاقا من اللغة هو الستر والتغطية، فليس الكفر تغطية الدين باللادين بل تغطيته بدين آخر، أما المشرك ففي نظره هو إنسان متدين وإن أخطأ الهدف من حيث المصداق وسلك طريقا مغلوطا لكون المشرك يعتقد بوجود معبود بل أكثر من معبود ويؤمن بعبوديته له وتاثيره في مصيره ومصير العالم، فالدين الغلط شيئ واللادين شيء آخر، وعليه فالشرك أقدم أنواع الاديان في حياة المجتمعات البشرية، كما يذهب أن عبادة الأوثان ليست إلا لونا من الوان الشرك فالإسلام لم يقم لمواجهة خصوص هذا النمط من الشرك.
– من الوهم تصور دين الشرك في شكل واحد هو عبادة الأصنام، إذ أن قوله تعالى (أتعبدون ما تنحتون) يستبطن الرد على هذا التوهم، فالبشرية في تاريخها الطويل لم تقتصر علن نحت الصخر وعبادته بل نحتت أمورا مادية وغير مادية ثم تعلقت بها إلى حد العبادة.
– الاعتقاد البشري التوحيدي يمثل ميلا فطريا نحو عبادة القوة الواحدة والإيمان بالقداسة على حد تعبير” دوركهايم” أو الإيمان بالغيب بتعبير القرآن ويستدل على فطرية هذا الاعتقاد كونه شعور دائم وشامل لجميع الأفراد لجميع الأزمان .
– يتميز دين التوحيد بالطابع النقدي الثوري وذلك في مقابل الطابع التبريري الذي يشكل السمة الأكثر بروزا من بين السمات الأخرى لدين الشرك بمفهومه الأوسع، فيرى أن الدين الثوري يغذي معتنقيه برؤية نقدية حيال ما يحيط بهم ويكسب الشعور بالمسؤولية وتفادي تبرير الوضع القائم دينيا، حيث أن الأديان التوحيدية في مراحلها الأولى تتسم بطابع الرفض للوضع القائم ونزعة تمرد وثورة على الفساد والجور: فموسى عليه السلام قام ثائرا في وجه قارون أكبر رأسمالي وبلعم بن باعوراء ممثل لأكبر شخصية دينية انحرافية وفرعون الذي بيده القدرة السياسية لذلك العصر.
– يرى شريعتي أن ماهية الدين التبريري( الشرك) تكمن في سعيه إلى تبرير الوضع القائم عبر ترويج المعتقدات ذات الصلة بالمغيبات والسعي إلى تحريف الاعتقاد بالمعاد والمقدسات وتشويه المبادئ الدينية لإقناع الناس في كون الوضع الذي يعيشونه هو الأمثل الذي يجب أن يرضوا به لكونه المظهر لإرادة الله والمصير المحتوم.
– يستطيع بعض الناس الحصول على امتيازات اقتصادية واجتماعية على حساب الأخرين بالقوة لكنهم يخفقون في المحافظة عليها فيتدخل على إثر ذلك الدين (الشرك) لإقناع الناس بأن الوضع تجسيد للمشيئة الإلهية، كما يقوم بتكريس التمييز والاختلاف الطبقي.كما يرى أن الانبياء وقفوا بحزم بوجه الاديان التي بررت عبر التاريخ الوضع المهيمن على حياة المجتمعات في القرون الخالية من الناحية الاقتصادية والأخلاقية والفكرية، و أن العامل الجذري الذي يبتني عليه دين الشرك هو الاقتصاد الذي يقوم على أساس تملك فئة قليلة من الناس وحرمان الأكثرية وهذا العامل يحتاج للدين لديمومته وتبرير بقائه.
– إن أخطر مسار تاريخي ينتهجه الشرك هو التخفي وراء نقاب التوحيد، حيث ألحق هذا أفدح الخسائر بكيان الإنسانية ووجه الحقيقة على مر التاريخ. كما يقرر أن الدين التبريري والتخديري لا يهتم بأمور الناس. وهو الذي حكم المجتمعات البشرية عبر التاريخ وهذا ما دفع الكثير إلى ربط الدين بأنه وليد الخوف والإقطاع، لأنهم لم يعرفوا الدين حق معرفته لكونهم لم يتخصصوا في معرفة الدين بل كان حقلهم التاريخ وكل من يراجع التاريخ تتجلى له هذه الحقيقة في كل الأديان سواء تلك التي حكمت باسم التوحيد أو تلك التي حكمت باسم الشرك.
– يرى الكاتب أن الأديان الإبراهيمية كانت تلبي جميع حوائج الانسان الفسلفية والنفسية والاجتماعية، وقد تصدى انبياء هذه الأديان لجميع القوى الحاكمة سواء المادية منها أو الاجتماعية أو المعنوية وحطموا جميع الأصنام سواء المنطقية-كما يسميها “فرانسيس بيكون”- أو الأصنام المجسمة أو الأخرى الاقتصادية منها والمادية ونهضوا بمسؤولية تغيير الوضع الموجود إلى العدالة والقسط.
– يدقق شريعتي على مقصوده من لفظ الشرك في اصطلاحه من أنه ليس عبادة الأصنام أو الأشجار بل المقصود في كلامه عنه هو الشعور الديني لدى الناس والذي كان لعبة بيد الملأ والمترفين الذين حكموا المجتمعات عبر التاريخ الطويل، وعلى ضوئه فما قاله المفكرون في القرنين الأخيرين من أن الدين كان عاملا في تثبيت القيد والذلة، لأنهم يرونه عائقا أمام التطور والرقي والحرية غير أنهم بسعيهم تخليص الناس من هذه الأخطاء والتخذير أخطأوا في التقييم ومكمن الخطا أنهم نسبوا إلى الدين كل شيء يرونه في التاريخ.
– يرى أن على المفكرين والعلماء الاستمرار في محاربة الدين من أجل إحياء الدين وتثبيته والوصول بالناس الى النضج والوجدان الديني اليقظ، حتى يدركوا التناقض بين دين التوحيد ودين عبادة الطاغوت وتمييز دين الشرك المتوشح بوشاح التوحيد للوصول الى دين ليس وليد الجهل أو الخوف: كالذين يستغيثون بالله وقت الاحساس بالغرق مثلا ثم إذا نجاهم رجعوا إلى ما كانوا عليه.
– يرى أن الحكومة الدينية هي التي يحل فيها رجال الدين محل رجال السياسة، فهي حكومة رجال الدين على الشعب، وفي هذه الحال لن يتسنى للناس إبداء رأيهم أو الانتقاد أو الاعتراض لأنهم بذلك يعترضون على رجال هم بمثابة خلفاء الله وظله في الأرض القائمون بتتنفيذ أوامره، مما يؤسس لأشد أنواع الاستبداد، فالإسلام لايمكن إثارة هذا الأمر فيه بالمعنى الذي ساد في الغرب المسيحي لعدم وجود رجال دين بالمعنى الموجود في الأديان الأخرى.
– لفت الكاتب الانتباه إلى المأساة والألم التي كانت تقاسيها طبقات العبيد في عملية تشييد الحضارات والمآثر التي نفخر بها نحن اليوم ونعتبرها مما خلده التاريخ للدلالة على رقي الإنسان: الأهرامات نموذجا…
– ينتقد شريعتي التقليد والتعصب للآراء، ويذكر أن القيمة الفكرية ل ماركس تكمن في سعيه إلى معرفة الحركة التي ينتمي إليها والهدف الذي كان يؤمن به، حيث عمد ماركس إلى كتابة التاريخ لصالح هذه الحركة وقام بتجهيزها بالفلسفة والمنطق وعلمي الاقتصاد والاجتماع ومنح الطبقة العاملة التي كان يشعر بالمسؤولية اتجاهها وعيا طبقيا وسلاحا ايديولوجيا يمكنها من البقاء والاستمرار في طريقها. وكان ماركس يرى الدين في وجه البابا ويعتقد أن دور الدين في المجتمع ليس باكثر من الدور الذي لعبته الكنائس في القرون الوسطى، والسر في ذلك أنه لم يكن يرى سوى الأديان الحاكمة على التاريخ، فقد كان يرى دين موسى في حكم(الحاخامات والأحبار) ورسالة عيسى في حكم الكنائس والإسلام في سياسة الملوك والتشيع العلوي من خلال الحكم الصفوي، وتقليده في ذلك ضرب من التقليد المذموم الذي يقفز على الحقائق ويسلب القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
– يرى أن الدين شعور ينبثق عن وعي الانسان ومعرفته بنفسه إذ يدعوه إلى الكمال عن طريق تقديس القيم السامية التي تجتمع بدورها في إطار التوحيد الذي يعد أكثر الأطر الدينية شمولا في معبود واحد هو الله تعالى،كما يجب على المفكرين في العالم الاسلامي في رأيه التخلص من نتائج النزاع الفكري بين البابا( توظيف الدين للمصالح الضيقة) وماركس (نفي الدين بحجة كونه لعبة في يد الأمراء ورجال الدين للتخذير) وربط أهدافنا في العدالة ومناهضة الاستعمار والرأسمالية برسالة التوحيد التي ناهضت الشر بكل أشكاله الفكرية والقومية والطبقية.
– يرى أن الاشتراكية الحقيقية القادرة على صنع مجتمع عار عن الطبقات لا يمكن لها أن تتحقق إلا عن طريق الدين لأن الناس ما لم يتربوا تربية أخلاقية صحيحة تمكنهم من إيثار حقوقهم للوصول إلى العدالة الاجتماعية فستظل الطبقية، كما أن الدين لا يمكن أن يتحقق قبل أن يتخلص المجتمع من قيود الطمع والاستغلال والفواصل الطبقية.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات…..
إعداد : جمعية مغاربة سوريا
تيليجرام ( جمعية مغاربة سوريا ) : @jam3iyat
المصدر :
مافا السياسي ( ادب المطاريد )