قراءة للقسم الثاني من كتاب : التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور
التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور
القسم الثاني
إعداد : جمعية مغاربة سوريا
القسم الثاني الأساليب الدفاعية
يرى الكاتب أن الحلول الدفاعية تتضمن دوما بذور المقاومة والتغيير. ولكن هذه البذور قد يطول بها العهد قبل أن تنبت، ويطول بها العهد أكثر فأكثر قبل أن تعطي ثمارها ،مما يبقي الإنسان المقهور في حالة مقاومة للتغيير . لذلك لابد من لجم فعالية هذه الحلول الدفاعية والوعي بها وبتغلغلها في الممارسة والنظرة إلى الوجود ،حتى يصل التغيير حد الفعالية المعقولة.
وكمحاولة دفاعية منه لتجنب ماتفرضه عليه حياة القهر هنالك وسائل يلجأ إليها الإنسان المقهور .
أولا : الإنكفاء على الذات. وهو رد فعل على تجاربه الفاشلة مع إحساس داخلي بالعجز وقلة حيلته، مما يجعله يحد من طموحاته وذلك بأن يتقبل مصيره غارقا في بؤسه الذي يتخذ طابعا قدريا تاركا للظروف تسيير حياته في كل تجاه ودون تجاه لايدري أين تستقر به الأمور .
ثانيا: الشك والحذرمن النظام وأدواته(شرطة.محاكم.قضاء .إدارة…) ويكون بتجنب الدخول في علاقة مباشرة معه، وسبب ذلك هو نتيجة التجارب المؤلمة التي خاضها الانسان المقهور ضده مما يجعله يتهرب من المشاركة في كل ماهو عام أو الإنخراط في نشاط قد يرتد على المجموع بشيء من الخير .
ثالثا: التبعية لرموز تذوذ عنه والإتكال عليها
– يعتبر الكاتب أن التمسك بالتقاليد والرجوع إلى الماضي من خصائص الإنسان المتخلف. يأتي ذلك من خلال شعوره بالعجز عن مجابهة تحديات الطبيعة والمتسلطين. وهي حالة قد لا تبدو على السطح في أول وهلة لكن حين يتعرض لمتسلط أجنبي يريد اجتياح كيانه يبرز الاحتماء والتشبت بالماضي كوظيفة دفاعية .
لهذا فالمتسلط الداخلي يشجع التقاليد(السلفية) وجانب من الدين، التي تدعو إلى تقبل الأمر الواقع تكرس مكانته وامتيازاته بإعطائها صبغة الأمر الطبيعي التي تحكم الحياة ولا مجال للشك فيها، بحيث تصرف الإنسان المقهورعن النهوض بواجب التغيير
مما يجعل الانسان المقهور يتنكر لحاضره الذي يشكل بالنسبة له مرآة تعكس له مأساته مما يدفعه للهروب نحو ماضيه المجيد ببطولاته وأمجاده والتمسك بتراثه غير أن هذا التمسك يطبعه الجمود مما يجعله ثابتا في موقعه، لأنه يفتقد المرونة ولا يراعي حركة التاريخ.
الذوبان في الجماعة
يميل الإنسان إلى الذوبان في الجماعة كحالة دفاعية كلما شعر بالتهديد للذات والمصير فينقسم له العالم إلى عالمين الخارج والداخل أما الخارج فهو مصدر الخطر والشر ويجب الحذر منه والموقف منه هو العنف أما الداخل مصدر الأمن والشعور بالإنتماء وتوجيه العواطف الإيجابية.
وبمقدار انغلاق الجماعة ترتفع درجة النرجسية بين افرادهاو تتضخم معها قيمة الجماعة حتى تصبح في الأخير القيمة المطلقة أو الوحيدة، ليصبح عند الفرد حالة من الاحساس بالمتعة والاعتزاز بالانتماء لها. لهذا فأكثر الأفراد ذوبانا في الجماعة وتعصبا لها هم في معظم الأحوال أشدهم عجزا عن الاستقلال والوصول إلى مكانة فردية وقيمة ذاتية تنبع من شخصيتهم.
كذللك العشيرة فهي طابع جماعي مغلق تتكون من أسرة عريضة وتلعب دور نفسي مهم للعناصر الضعيفة العاجزة عن التصدي للأخطار.
فهي أولا تقدم هوية أسرية لمن لا هوية مهنية أو علمية، ومصدر اعتزاز لمن عجز عن الحصول على مكانة مرموقة لذلك يحتل التكاثر والتناسل عند العشيرة أهمية مفرطة كنوع من أنواع الدفاع (كثرة الأولاد) في ما قد يخبئه المستقبل. فصبيانها أدوات لمزيد من القوة الانتاجية وبناتها أدوات للمصاهرة وإقامة التحالفات، هذه الوظائف تتحول الى قيمة وجودية وتصبح غاية ومظهرا من مظاهر الاعتزاز عند العشيرة من أجل التعويض عن المهانة الوجودية التي يرزخ تحتها الانسان المقهور ؛ الاعتزاز بالقدرة على الانجاب عوضا عن الإنجاز.
ومن الناحية النفسية فالعشيرة تقيم علاقة المحبة التملكية فهي تتفانى في خدمة ابنائها شريطة ان تحتفظ بسيطرة خفية عليهم ؛سيطرة الحب. إنها تقيدهم بواجب الوفاء وعرفان الجميل .فهي تتساهل في كل شيء عدا الاستقلال والتوجه نحوى التفرد.
إن الوظائف النفسية للعشيرة إضافة الى ظغوطها التملكية تشكل عقبة في وجه التغيير الاجتماعي لذلك فهي سهلة الاستيعاب من خلال تحويلها إلى أدوات تخدم مصالح المتنفذين خاصة في دول العالم الثالث.
الوضعية الإتكالية
وتتضح كما ذكر الكاتب في إسقاط الإنسان المقهور كل أعبائه على شخصية الزعيم أو المنقذ ووضع كل رجائه فيه، منتظرا الهناء والخير على يديه. مشكلة هذه الوضعية أن الإنسان المقهور لايعطي لنفسه دورا في السعي للخلاص سوى دور التابع .
الفصل السادس : التماهي بالمتسلط
التماهي بالمتسلط
وهو عملية إسقاط حيث يبالغ الإنسان المقهور في تقدير صفات المتسلط وإعجابه بها كما يبالغ في خشيته، مع رغبة دفينة في احتلال مقامه باعتباره الحالة الحياتية المثلى.
هذا المظهر من قلب الأدوار من خلال لعب دور المتسلط يمكن الإنسان المقهور من تصريف عدوانيته المتراكمة التي كانت تتوجه إلى ذاته عبر صبها نحو الخارج.
ومن مظاهرها: التعالي الذي يظهره الفقير تجاه الأفقر منه والبائس تجاه من هو أشد بؤسا منه. بهذا التعالي يحاول أن ينكر مهانته
الذاتية بصبها على الآخر.
ومن مظاهرها استعراض السلاح والقوة دونما حاجة إليها.
-التماهي بقيم المتسلط وأسلوبه الحياتي.
يبذل الإنسان المقهور عن طواعيةكل جهد ممكن بتبني أسلوب المتسلط في الحياة ويرى ذلك حلا لمأزقه الوجودي، والواقع أنه ضحية حرب نفسية دورها تحطيم قيمه الإجتماعية والحضارية تسعى إلى بخس وإزدراء كل مايمت إلى أصالته، في المقابل تزين وتمجد له كل قيم المتسلط سواء كان داخلي أو خارجي.
فمثلا الفلاح ليس أمامه من نموذج إلا أن يكون يوما ما مالكا كبيرا أو اقطاعيا تحوله من وضعية الراضخ الا وضعية المتسلط.
أما في المدينة فإن تطلعات الفئات الشعبية هو أن يتعلم أبناؤها ويحصلوا على وظائف للتخلص من شقاء الكدح.
وأقصى حالات التماهي بالمتسلط تاخذ شكل الاستلاب العقائدي ونقصد بذلك اعتناق قيم النظام والانظباط لخدمة مصالحه وصيانتها لذلك فهو يدعم هذه القيم بالترغيب أوالترهيب ويوحد بينها وبين الأخلاق ويماهيها بحسن السيرة والسلوك.
العنف
حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي، مع ترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناع الآخر لكي يعترف بقيمته وكيانه تصبح العدوانية والعنف هي لغة خطابه الأخيرة. وما دام هناك مأزق وجودي في مكان ما يمس القيمة الذاتية للإنسان ستجد العنف يكمن جنبه ولو اتخذ ألف وجه ولون واتجاه.
ومن حالات العدوانية،الشكل العدواني المقنع بمظهر من الإستكانة الخادعة. كذلك هناك حالة أخرى قد تنفجر وتجتاح بشكل مذهل كل القيود، مفاجأة بذلك حتى لأكثر الناس توقعا لها، وتحديدا تكون عند العناصر التي لم تكن تلفت الإنتباه.
لهذا فالإنسان المقهور في حالة تعبئة نفسية دائمة استعدادا للصراع، فلأقل الأسباب نجد العدوانية اللفظية تنفجر في سيل من الشتائم والسباب الذي قد يصل إلى التحدي والوعيد.
وضعية المرأة
تستخدم المرأة كوسيلة للتعويض عن المهانة التي يلقاها الرجل المقهور اجتماعيا، وذلك بأن يقضي على إمكانياتها الذهنية والإبداعية والإستقلالية المالية …، بدعوى قصورها وجهلها. ولكن الحقيقة هو أن الإنسان المقهور يحاول أن يتحرر من طاقة التبخيس الواقعة عليه في الخارج ليفرغه ويحمِّل مسؤليته على المرأة، من أجل أن يحقق لنفسه بعض التوازن .
أما سبب عاطفية المرأة الزائدة، فهو ثمرة مافرض عليها من تجهيل بسبب حرمانها من من فرص تنمية طاقتها الذهنية، وعدم تعليمها الكيفية والتدريب اللازم للسيطرة على الواقع، حيث وضعت موضع المحجور عليها، مما يؤدي بها إلى مسالك الشعوذة والتطير أمام غلق المجالات .
والرجل باعتباره كاسب الرزق والطرف الذي يجابه العالم الخارجي فلابد له من أن يعبأ ويشحن بقوة لا يتمتع بها واقعيا، والسبب لكي تتمكن الأسرة من الشعور بالإطمئنان بوجود سند قوي. لهذا فلابد من إسقاط الضعف والهوان على المرأة لتلعب دور المعبِّر عن المأساة العاجزة عن سيطرتها، محاولة أي المرأة دفعها بالتمني من ناحية أو الشتم وصب اللعنات من ناحية ثانية.
أما المرأة في فئة ذات الإمتياز فهي أداة دعاية لجاه أسرتها الجديدة من خلال استعراض ما أسرفت في الإنفاق ولا تختلف عن أختها في الوسط الكادح من حيث الإستيلاب.
كلمة أخيرة
يقول الله تعالى”وفي أنفسكم أفلا تبصرون”
نشكر متابعينا ونأمل في هذا الإختصار أن نلمس جانبا من الواقع نريد أن نستعرضه ، وذلك بالدعوة والسعي لامتلاك الأدوات اللازمة في تفكيك الكثير من الحالات عبر توسيع معارفنا وصقلها.
والله ولي التوفيق.
إعداد : جمعية مغاربة سوريا
تيليجرام ( جمعية مغاربة سوريا ) : @jam3iyat
المصدر :
مافا السياسي ( ادب المطاريد )