المدنيون وحرب المدن / طالبان ـ إيران ـ السلفية الجهادية (2من2)
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
نقلا عن مجلة الصمود الاسلامية / السنة الثالثة عشرة – العدد 145 | رجب 1439 هـ / مارس 2018 م .
طالبان ـ إيران ـ السلفية الجهادية (2من2)
دراسة فى أنواع الثورات وتحدياتها :
المدنيون وحرب المدن
– أساليب تزييف الثورات الشعبية والإنتفاضات المسلحة .
– مخاطر التحول من الثورة السلمية إلى المسار العسكرى .. وبالعكس .
– حركة طالبان حركة إسلامية شاملة ، ليست طائفية ولا شعوبية . نجحت فى حشر الولايات المتحدة فى مأزق تاريخى لم يسبق لها المرور بمثله .
– إذا حصلت حركة طالبان على صواريخ مضادة للطائرات ، فكم يوما سيبقى الأمريكيون فى أفغانستان ؟؟.
– فى تجديد غير مسبوق فى حروب العصابات: عند تدخل طيران دولة عظمى فى الصراع المباشر .. حركة طالبان تعثر على الحل البديل للإستيلاء على المدن.
تحميل مجلة الصمود عدد 145 : اضغط هنا
تزييف الثورات :
معلوم أن وسائل التغيير الجذرى فى أوضاع المجتمع لها سبيلان أساسيان هما :
1 ــ الثورة الشعبية .
2 ــ حرب العصابات .
( ونحن فى غنى عن تكرار القول بأن الإنقلاب العسكرى ليس سوى تجديد لصياغة الحكم المستبد الفاسد . فالجش هو الركيزة الأولى للأنظمة المستبدة العميلة للأجنبى . ولتغيير تلك الطبيعة القاتلة يجب تغيير الجيش نفسه وإنشاء جيش جديد موال للشعب وأهداف ثورته. ونفس الشئ يقال عن أجهزة الأمن والإستخبارات ).
كُتِبَ الكثيرعن هذين النوعين من التغيير الجذرى/ من اقع التجارب الكبرى الناجحة/ فى محاولة لإستنتاج القوانين الخاصة بكل منهما .
– ونلاحظ أن المعسكر الدولى الإمبريالى عالج مشكلة التغيير الجذرى فى البلاد المتخلفة والساعية نحو التحرر من سيطرته ، فابتكر نسخة مزورة من وسائل التغيير الجذرى تلك ، بحيث لا تصل إلى غايتها المنشودة بإحداث التغيير السياسى والإقتصادى والإجتماعى فى الدول الثائرة . بل ينتج عنها عكس ما كان متوقعا منها ، أى مزيد من المعاناة والتمزق والإنتكاس إلى حالة أشد بؤساً . والوقوع فى براثن أنظمة أشد قسوة وخضوعا للغرب الإمبريالى . مع أوضاع إقتصادية أسوأ ، بشركات عابرة للقارات تحكم قبضتها القوية على جميع مصادر الثروات الأساسية وتغرق الشعب فى ديون يستحيل سدادها إلى الأبد .
تلك النسخ المزورة ــ والمدمرة ــ مأخوذة من الوسيلتان التقليديتان أى (الثورة الشعبية ـ وحرب العصابات ) .
– فتحولت الثورة الشعبية فى نسختها المزورة إلى ثورة ملونة . (جورجيا ـ أوكرانيا ).
– وتحولت حرب العصابات إلى حرب بالوكالة (الحرب ضد السوفييت خاصة على مستوى الأحزاب الأفغانية ـ الحرب الأهلية الأسبانية 1936 ـ حروب عديدة فى أمريكا الجنوبية ) .
– ثم الثورة الهجين ـ وهى الأشد فتكا ـ فعندما تفشل الثورة الملونة تتحول إلى حرب بالوكالة ، أى تمرد مسلح فوضوى ، يتبع بعض تكتيكات حرب العصابات بدعم خارجى فتكون خسائر الشعب ومعاناته مضاعفة. ( سوريا ـ ليبيا ـ الجزائر فى التسعينات).
أساسيات التغيير الشامل :
رغم المسارات المختلفة لكل من الثورة الشعبية وحرب العصابات فإن لهما أساسيات واحدة :
1 ــ عقيدة إيمانية راسخة ، وثقة فى الإنتصار .
2 ــ وجود نظرية للتغيير الشامل والجذرى فى المجتمع ، من النواحى الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية.
3 ــ القائد الذى يجسد نظرية التغيير ويمكنه المواءمة بين مقتضياتها وبين الظروف المتغيرة فى مراحل الثورة .
4 ـ التنظيم الثورى الذى يربط ما بين القائد والشعب ، ويقود الثورة فى مختلف الميادين، ويتحمل معظم تضحياتها . مؤمنا بعقائده ، واثقا فى قيادته .
5 ــ حاضنة شعبية مستعدة للتضحية ، مؤمنة ، واثقة فى التغيير ، واثقة فى القيادة الثورية ، محبة لكوادر الثورة العاملين فى خلايا المجتمع .
إستحالة التحول من صورة إلى أخرى :
طبيعة الثورة الشعبية تختلف جذريا عن طبيعة حرب العصابات . لذا فإن طبيعة الإعداد لأى منهما يختلف ، سواء عند إعداد الكوادر أو شحن وتنظيم القواعد الشعية ، أو التجهيزات المسبقة للحركة . كما أن تركيبة التنظيم الثورى تختلف جذريا فى الحالتين . لهذا يكون من المستحيل التحول من صورة إلى أخرى ، بإستخدام نفس الآليات التنظيمية والتعبئة الشعبية .
ــ وفى حالة فشل إحدى الطريقتين ، وإتخاذ قرار بالتحول إلى الصورة الأخرى (من الثورة الشعبية إلى حرب العصابات ) يلزم مرور زمن كاف لبناء كل شئ من جديد، قبل البدء بالصيغة الأخرى (من الثورة الشعبية إلى حرب العصابات .. أو العكس) .
ــ مع العلم أن حرب العصابات يمكنها تدبير إنتفاضات ثورية محدودة جدا فى المدن لإضعاف النظام وتشتيت قواه ، وإثارة الحماس الشعبى . بدون التخلى عن أسلوب حرب العصابات كمسار رئيسى . مع مراعاة رد الفعل العسكرى على تلك المظاهرات الشعبية (تجربة هيرات فى أفغانستان عام 1979 والرد العنيف الذى أدى إلى إستشهاد 30,000 مواطن أفغانى).
وبالمثل ، فالثورة الشعبية قد تستعين بضربات مسلحة محدودة فى المناطق النائية ، أو حتى فى المدن . وغالبا ما تكون عمليات إغتيال مدروسة أو عمليات تخريب ذات دلالة سياسية.
بداية مختلفة ، ومسار جغرافى متعاكس :
تبدأ الثورة الشعبية من المدن الكبرى وخاصة العاصمة ، ثم تمتد بالتدريج إلى الأرياف والمناطق البعيدة . بينما حرب العصابات تأخذ مسارا معاكسا : إذ تبدأ فى أشد المناطق وعورة من الجبال والغابات والصحارى ومناطق المستنقعات ، وأثناء تقدمها تتجه نحو الريف ثم المدن الصغيرة ، ثم العاصمة فى نهاية المطاف . ونلاحظ أن المسار متضاد فى الحالتين :
فشعار الثورة الشعبية هو : { من المدينة إلى الريف والجبل } .
وشعار حرب العصابات هو : { من الجبال إلى الريف والمدينة } .
الإختلاف فى إستراتيجية الإنتصار :
الثورة الشعبية تهدف إلى إحداث شلل فى أجهزه النظام بحيث يعجز عن إدارة البلاد. فتستولى الثورة على الحكم . وتبادر( كما هو الحال أيضا عند إنتصار حرب العصابات) بعملية تطهير آثار النظام السابق من سياسات وعناصر ، وبناء أجهزتها الجديدة وفق مبادئ ثورتها ، خاصة الأجهزة المسلحة من جيش وشرطة وإستخبارات ، وإعلام وتعليم ، مع ضرورة تغيير بنية الإقتصاد بما يتناسب مع رؤية الثورة ونظامها الإجتماعى الجديد .
بالطبع يتغير المسار السياسى للبلد ، بما يحقق الإستقلال وسلامة أراضى الوطن واسترداد حقوقه ، والتعاون خارجيا مع الدول التى هى أقرب إلى تفهم النظام الجديد والتعامل الإيجابى معه .
– يلاحظ أن الثورة الشعبية السلمية (الإنتفاضة) عند إستيلائها على السلطة تكون أجهزة الدولة سليمة ولكنها فاقدة المعنويات والثقة بالنفس. وقاعدة الإقتصاد والبنية التحتية سليمة والخسائر بشكل عام محدودة.
– ما سبق معاكس لما تكون عليه الحال فى حروب العصابات التى تعتمد على تحطيم قوة الجيش والأمن تدريجيا عبر قتال طويل . كما أن البنية التحتية تتأثر بشدة نتيجة للعمليات العسكرية ، وبالتالى خسائر الإقتصاد تكون فادحة ، وأيضا الخسائر فى أرواح المدنيين نتيجة سياسات العدو الوحشية ، الهادفة إلى منع الشعب من دعم الثوار .
فإحدى القواعد العامة لحرب العصابات تقول { إن الشعب هو البحر والثوار هم الأسماك التى تسبح فيه} . وذلك للدلالة على حتمية الإرتباط والتواجد المادى للثوار فى أوساط الشعب ، وعدم الإنعزال عنه ، لا شعوريا ولا ماديا . فمن الشعب تأتى كافة أنواع القوة المطلوبة للمضى بالصراع حتى نقطة الإنتصار. فالثورة المسلحة تنجح إذا كانت تعبر عن آمال الشعب.
– يجب ملاحظة أن هذه القاعدة صحيحة أيضا فى حالة الثورات الشعبية( الإنتفاضة) ، بل هى الفيصل ليس فقط بين النجاح والفشل ، بل الفيصل بين الثورة الشعبية الحقيقية ، والثورة المزيفة والمسماه الثورات الملونة والتى وصلت إلى البلاد العربية تحت إسم (الربيع العربى) سئ الذكر والذى إنحدر بحالة الشعوب إلى الدرك الأسفل .
بين الثورة الحقيقية والثورة الملونة :
– من الفروق الجوهرية أن مطالب الثورة (الإنتفاضة) الحقيقية لها طابع جذرى يمتد إلى جميع مفاصل الحياة . بينما الثورات الملونة تتبنى إصلاحات جزئية تتعلق ببعض الحريات الشخصية والإنفتاح الإقتصادى والسياسى ، بينما فى الإقتصاد بالكاد تطرقت إليه ، وعلى أساس الوصفة الغربية للدول المتخلفة إلى الأبد ، أى الإعتماد على السياحة والإستثمار الخارجى والقروض ، بدلا من الإعتماد على الموارد الذاتية وبناء إقتصاد إنتاجى حقيقى .
مسار تلك الثورات يتطابق بالكامل مع فلسفة النظم الغربية ، لذا ينتهى بها المطاف إلى تبعية كاملة للغرب وتفريط كامل فى الثروات وضياع القرار السياسى والسيادة الوطنية .
– نلاحظ أن دول الغرب صفقت طربا لثورات الربيع العربى وتفاخرت بأنها ثورات ليبرالية صديقة للغرب. فقيادات تلك الثورات وجهوا خطابهم السياسي إلى دول الغرب أكثر من توجيهه إلى شعوبهم . وكانت القيادات تسعى إلى الحصول على رضا الغرب وتأييده أكثر من إعتمادها هلى تعبئة الشعب وحشده من أجل إحداث تغيير حقيقى .
– الغرب يستخدم الثورات الملونة لقلب أنظمة الحكم المعادية ــ أو تلك المنتهية الصلاحية ــ أو لإحداث تغييرات كبيرة فى وقت قصير بواسطة قوى عميلة نشطة وطموحة وقاسية . أو لإستباق ثورات حقيقية محتملة ، فتأتى الثورة الملونة (المزيفة) كضربة إجهاضية تمنع حدوث الثورة الحقيقة وتقطع الطريق عليها . وقديما كان الإنقلاب العسكرى يؤدى تلك المهمة الإجهاضية (إنقلاب العسكرى الأول فى مصر عام 1952) ، وما زال يؤدى نفس الدور حسب توافر الظروف . وقد رأينا أن الإنقلاب العسكرى الثانى فى مصر( عام 2013) وقد جاء تاليا للثورة الملونة ، من أجل إكمال ما فشلت فى تحقيقة قيادة الإخوان الضعيفة والمهترئة .
تحميل مجلة الصمود عدد 145 : اضغط هنا
بين حرب التحرير .. والحرب بالوكالة :
حرب التحرير هى ثورة شعبية مسلحة ذات أساليب عسكرية تأخذ شكل (حرب العصابات) . هذا المنحى العسكري الصعب للثورة تفرضه عدة عوامل هى :
1 ـ إستحالة أى سبيل آخر للتغيير ، وتيقن الشعب من ذلك .
2 ـ جغرافية البلاد تساعد على نشؤ حرب عصابات ناجحة .
3 ـ جاهزية الشعب للقتال طويل المدى ، مع تحمل كافة تكاليفه وتبعاته .
4 ـ من الأفضل (وليس من المحتم) وجود جوار صديق للثورة . ومن الأفضل أن تكون بداية الثورة قريبة من ذلك الجوار .
تعدد التنظيمات .. فى الثورة وحروب التحرير(العصابات) :
تعدد التنظيمات يتسبب فى تشتيت قوى الشعب ، ويؤدى إلى فشل الثورة الشعبية السلمية أو حرب التحرير(حروب العصابات) فى تحقيق أهدافهما والإنحراف عن المسار ونشوب حروب داخلية.
– كعلاج مؤقت تلجأ الأحزاب المختلفة إلى عقد تحالف فيما بينها على شكل جبهة: (جبهة التحرير الجزائرية ـ منظمة التحرير الفلسطنية ـ الإتحاد الإسلامى لمجاهدى أفغانستان ) .
وبينما إستطاع الجزائريون الإحتفاظ بجبهتهم حتى حققت هدفها من التحرير، فإن منظمة التحرير فشلت فى تحقيق الهدف منها ، وكانت مجرد ستار للتدخل العربى فى شئون الفلسطينين لإفشال نضالهم .
والإتحاد الإسلامى لمجاهدى أفغانستان ، تحول إلى مجرد حزب عادى مثل باقى الأحزاب الفاسدة. والتى إجتمعت على شئ واحد بعد دخولها إلى كابول وهو الحرب الأهلية المدمرة ، وإنشاء نظام فاسد خاضع لقوى خارجية متعددة ، ومنع ثورة الأفغان الجهادية من تحقيق شعارها بإقامة دولة إسلامية .
– بالنسبة لتعدد التنظيمات خلال الثورات الشعبية ، ومخاطر تعدد التنظيمات فيها تحضرنا التجربة المصرية ، فحين سقط رأس النظام ، لجأ العسكر(المجلس العسكرى الحاكم) إلى حيلة بسيطة وهى فتح الباب لتشكيل الأحزاب . فتكون خلال فترة قصيرة للغاية حوالى مئة حزب سياسى . فتفرق الناس فى الشوارع شيعا وأحزابا إلى أن إستعاد الجيش زمام السلطة بشكل مباشر أشد قمعا وفسادا . وحتى اليوم لم يجتمع الناس على رأى حول سبل الخلاص . فقد فشلت الثورة ومضى زمانها وكل ما تبقى منها هو الأحزاب المتنازعة !!.
– نتيجة لهذا التشرذم فى قوى الشعب الثائر سواء بإنتفاضة شعبية أو قتال مسلح ، فإن الباب يكون مفتوحاً على مصراعيه للتدخل الخارجى ، ويبحث كل طرف محلى عن داعم خارجى ، بما فى ذلك النظام الحاكم نفسه . فتتحول البلد الى ساحة صراع بين قوى خارجية متنافسة ، وتتحول جماعات الثوار ، وحتى النظام نفسه ، إلى مجرد “بغال تحميل” لقوى خارجية. (أنظر الحال فى مصر بعد نجاح الإنقلاب العسكرى ، حيث هرب الإسلاميون إلى قطر وتركيا ، وهرب المعارضون العلمانيون إلى أوروبا وأمريكا ، بينما ذهب النظام إلى إسرائيل ودول الخليج الأخرى ) . ويمكن الإعتبار بالأحوال فى العراق وسوريا ، فكل تشرذم أخذ خريطة الإنتماء الأيدولوجى والسياسى الخاص به ــ وفى كل الأحوال كانت الشعوب هى الخاسر الأكبر ، وتمزقت الدول مع أمل ضعيف جدا فى التماسك مرة أخرى .
لماذا تأكل الثورة أبناءها ؟؟ .
إذا تمكنت التنظيمات والأحزاب من تشكيل جبهة مشتركة من أجل إسقاط نظام قائم أو إخراج محتل أجنبى ، فإن ساعة الوصول إلى السلطة ، تكون هى ساعة الفراق . فتتصارع القوى المختلفة وتتزاحم على غنائم السلطة من أجل تطبيق برنامجها الخاصة . فالذى يصل أولا إما لأنه الأكثر قوة ، أو لأنه كان الأسرع قفزا إلى كرسى الحكم نتيجة مصادفات معينة ، فإنه يدافع عن إمتيازه مستخدما أدوات الدولة فى إقصاء الآخرين بالعنف ، فتبدأ الصدامات والتصفيات . فيقال وقتها أن الثورة تأكل أولادها .
ومع هذا فإن الصدامات كثيرا ما تحدث قبل الإنتصار ويكون ذلك أوضح فى الثورة المسلحة نتيجة توافر الأسلحة بين الأيدى ، فيكون الحوار بالرصاص والمتفجرات . حدث هذا فى أفغانستان سابقا كما حدث فى سوريا والعراق ، وفى ليبيا واليمن .
فى مصر ، أكل الجيش جميع قوى إنتفاضة يناير وجميعهم إعتبروا الجيش أخاً أكبر وكيانا وطنيا مقدساً ، فسمح لهم الجيش بالعبث عدة أشهر ثم دمرهم جميعا ، منفردا بحكم يأمل أن يكون أبديا بعون إسرائيلى خليجى .
المدنيون فى ساحة الصراع :
الشعب (المدنيون) هو مادة الصراع . فهو منتج الحياة ومستخرج الثروات ومادة الجيوش .
فتتصارع الرؤى على الطريقة المثلى لإدارة شئونه إما لخدمته أو لاستغلاله واستعباده . تتنزل الديانات للهداية وتتصارع الأهواء على الإستئثار بالقوة السياسية والمالية .
قد يحاول الشعب فرض حقوقه بالثورة السلمية (إنتفاضة) أو بالثورة المسلحة (حرب عصابات) ، فإما أن ينجح ، أو أن يفشل فيستمر الصراع حتى لو تأجل النجاح إلى حين .
المدنيون فى الثورة الشعبية :
أى ثورة شعبية أو حرب تقليدية أو غير تقليدية يصاحبها حتما ضحايا من المدنين . والثورة الشعبية تكون عادة الأقل من حيث خسائر المدنيين ، فهى تستغرق فترة زمنية أقل ، ولا يعتمد فيها الثوار على إستخدام الأسلحة ـ إلا فيما ندرـ لأن سلاح الثوار هو العصيان المدنى والتجمع بالملايين فى ساحات المدن بهدف شل قدرة الحكومة على إدارة البلد ، ويعملون على إمتصاص هجمات الجيش والشرطة بالمراوغة والصمود وتحمل الخسائر بدون التورط فى مواجهات مسلحة كبيرة إلا قرب النهاية ، عند الإستيلاء على مقرات الجيش والشرطة والإدارات الحكومية وتطهيرها من العناصر التى لم تستسلم بعد .
وتلجأ ( الإنتفاضة) أثناء مسيرتها إلى تكوين وحدات صغيرة مسلحة لحراسة المنشآت الحيوية التى تم الإستيلاء عليها ، ولحفظ أمن المتظاهرين من هجمات البلطجية . وتسلح حرسها بالغنائم من الأسلحة . كما تنشئ وحدات حرس مسلحة فى الأماكن السكنية ، وعلى الطرقات العامة لحفظ الأمن من المجرمين والعصابات الإجرامية التى تديرها الدولة وتدفع لها بسخاء.
فى نهاية الثورة الشعبية السلمية (الإنتفاضة) يكون لدى قيادة الثورة نواة مسلحة تبنى حولها جيشها الجديد وأجهزتها الأمنية والإستخبارية على أنقاض الأجهزة الحكومية التى لا يجوز للثورة إستخدامها مرة أخرى كونها أجهزة قمع مهيأه نفسيا وعمليا على قمع الشعب وخيانة الوطن .
– بشكل عام فإن سلاح (الإنتفاضة) الشعبية هو التكتلات الكبرى من المدنيين ، الذين بتجمعهم وبتحركهم المدروس يشكلون سلاح (الإنتفاضة) الأول والأساسى .
أى بجملة واحدة : { الجماهير هى سلاح المواجهة فى الإنتفاضة الشعبية }.
وهدف السلطة الحاكمة فى حالة الإنتفاضة الشعبية هو : إرعاب الجماهير لصدها عن التجمع والتمرد ، فتواجههم بعنف مفرط منذ البداية . ولكن مع تعاظم الحشود وإصرارها تتفكك أجهزة القمع ثم تسقط السلطة الحاكمة.
المدنيون فى حروب العصابات ( حروب التحرير) :
حروب العصابات تختلف جذريا فى مسألة دور المدنيين فهم بالنسبة لها كالماء بالنسبة للسمك. فالجماهير هم الوسط الحيوى الذى يمد المقاتلين بوسائل الحياة والإستمرارية حتى النصر. فالماء ليس بسلاح حرب ، بل هو مجال للعيش يجب الحفاظ عليه وعدم تعريضه لأى مخاطر إذا أمكن ذلك . فالجماهير ليسوا (سلاحا) يستخدم فى معارك حروب العصابات ـ مثل ذلك الإستخدام الكارثى الذى حدث فى سوريا .
وبينما الثورة تدفع الناس إلى الشوارع من أجل المواجهة ، لأن قوة الجماهير فى كثره عددها . فثوار حروب التحرير يجنبون الجماهير حتى من مجرد إحتمال التعرض لعمل إنتقامى من جيش الإحتلال (الأجنبى أو الوطنى ) وميلشياته المسلحة . وسواء كان الشعب يعيش فى المناطق المحررة أو يعيش فى المناطق الخاضعة لسلطة الإحتلال ، فإن الثوار يحافظون على سلامتة ، ويتجنبون أى أضرار قد تلحق به ، بل قد يقومون بالدفاع عنه بالسلاح إذا أمكن ، أو الثأر لما لحق به من أضرار سببها الإحتلال . ويكون من أكبر مهام الثورة المسلحة هو الحفاظ على حياة مواطنيها وأمنهم وسبل عيشهم ، وقوة إرتباطهم بالثوار المجاهدين عن الطريق المعامله النظيفة العادلة.
وفى حروب التحرير يكون شعار (الصراع على عقول وقلوب الجماهير)هو الأوضح . وهو صراع يستخدم فيه النظام الحاكم كافة الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل تحقيق الفوز . فيستخدم قواة الناعمة كلها ، من إعلام ودعاية ومنابر الدعوة الدينية ، مع رشاوى إقتصادية وسياسية على شكل إصلاحات غير حقيقية ولكنها تعطى مجرد إنطباع شكلى بحدوث تغيير وأن النظام بدأ يتغير من تلقاء نفسه ، وأن الهدؤ والصبر كافيان لإصلاح سلمى بلا صدامات تؤذى الجميع .
ويستخدم نظام الإحتلال الوسائل القذرة لتشويه صورة الثوار ، فيقوم بعمليات قتل وسطو وقطع طرق وعمليات ذبح جماعية وتفجيرات فى أماكن مدنية مزدحمة ، وينسب تلك العمليات إلى الثوار وتقوم آلته الدعائية بالتهويل اللازم . وأصدقائه فى الخارج يروجون ويضخمون ويستخدمون المنابر الدولية لتشويه الثوار لكسب تأييد عالمى واسع لعمليات النظام ضد الشعب على إعتبار أنها أعمال ضد الإرهاب .
– من جانبهم يعمد الثوار إلى تجنيب السكان بطش جيش الإحتلال والجيش الحكومى وأعوانهما . فيبعدون مناطق عملياتهم ، وأماكن تجمعهم ، أو قواعدهم المؤقتة أو الدائمة ، عن القرى والمراكز المدنية قدر الإمكان حتى لا تتوجه إلى السكان ضربات إنتقاميه من العدو.
تحويل السكان إلى أداة ضغط على الثوار :
أصبحت تلك الاستراتيجية شائعة فى مواجهة حروب التحرير . وقد طورها الجيش النازى فى حربه ضد عصابات المقاومة الشعبية فى أوروبا . والجيوش الإستعمارية لكل من بريطانيا وفرنسا توسعت فيها كثيرا لقمع التمردات المسلحة المطالبة بالاستقلال فى مستعمراتها. والعصابات اليهودية فى فلسطين إستخدمتها بتوسع ضد السكان الفلسطينيين ، وكانت معتمدة رسميا ضمن استراتيجيتهم العسكرية . والأمريكيون فى فيتنام إستخدموا كل طاقتهم العلمية والتكنولوجية لضرب المدنيين أو حتى إبادتهم بالأسلحة الكيماوية التى تدمر كل شئ من إنسان ونبات ومازالت تلوث البيئة هناك حتى الآن . وقبل فيتنام قصفت أمريكا اليابان بالقنابل النووية حتى تهدم روح المقاومة لدى الشعب اليابانى .
والسوفييت فى أفغانستان دمروا البنية السكانية والإقتصادية وأرغموا أكثر من أربعة ملايين أفغانى على الهجرة من أوطانهم .
والأمريكيون إستخدموا فى أفغانستان جميع الأسلحة الحديثة المحرمة دوليا والتى كانت تستخدم للمرة الأولى ، من الغازات الكيماوية إلى قذائف اليورانيوم المخصب والمنضب ، وقنابل هى الأثقل فى العالم والتى بدأت من زنة ستة أطنان حتى وصلت إلى عشرة أطنان من المتفجرات المتطورة . ومنذ لحظات الحرب الأولى عمدت أمريكا إلى معاقبة السكان جماعيا بتدمير أى مركز سكانى تنشط قوات طالبان قريبا منه . وفى بداية الحرب طلب السكان من طالبان العمل بعيدا عن مناطقهم . والآن صار إستهداف المدنيين على قمة استراتيجية (ترامب) الجديدة حتى ينفض السكان عن تأييد طالبان ، ويتحولون من إداة دعم للثوار إلى أداة للضغط عليهم . ومعلوم أن الإحتلال الأمريكى فرض طوقا من الحصار والعزلة على شعب أفغانستان وحركة طالبان ولا يكاد يجرؤ أحد على تقديم الدعم لهم إلا بشق الأنفس . ولم تحظ الحركة حتى الآن بدعم رسمى من أى حكومة فى العالم ، نظرا للسطوة الأمريكية وقدرتها على تقديم الرشاوى الإقتصادية ، مع التلويح بالعقاب العسكرى المباشر أو غير المباشر . وحتى تعداد من قتلهم الأمريكيون أو من هجروهم من ديارهم فى مناطق إيواء داخلية ، غير معلوم بدقة . ويحظر على الصحافة التجول الحر أو الكتابه بعيدا عن الرقابة العسكرية الأمريكية وأجهزة الحكومة العميلة . لهذا تغيب صور المجازر الأمريكية عن أعين العالم ، وتغيب صور دمار البيوت والمزارع والمساجد .
– ويمكن إعتبار تعامل حركة طالبان مع المدنيين هو النموذج المثالى لكل ما هو معروف حتى الآن من تجارب فى حروب التحرير . فهى لم تستخدم مطلقا أسلوب الترهيب حتى تضمن الولاء . بل هى تضع مصالح المدنيين فى مقدمة الإعتبارات عند التخطيط العسكرى . لهذا نجحت فى تحطيم المشروع الأمريكى فى أفغانستان ، وهو فى طريقه لأن يصبح فشلا وسقوطا لمركزأمريكا الدولى كقوة أولى . فى تطبيق حديث للسقوط السوفيتى ، ولكنه سيكون أبعد أثرا فى شئون العالم .
– سياسات الإستعمار لمقاومة حروب التحرير تتلخص فى تجفيف الأنهار التى يعيش فيها الثوار . إما بإرغام السكان بالقوة والإغراء على العمل مع الإحتلال لطرد الثوار. وإذا تعذر ذلك فيعمد الإستعمار إلى تهجير السكان بعدة وسائل :
ـ إحراق المحاصيل وإتلاف الحقول وقنوات الرى .
ـ تدمير القرى وقتل السكان عشوائيا بالغارات الجوية أو الأرضية .
ـ تهجير السكان إلى الدول المجاورة أو إلى المدن الخاضعة للإحتلال بممارسة الإرهارب عليهم .
ـ حشد السكان فى معتقلات جماعية خلف الأسلاك الشائكة والحراسات العسكرية . وتركهم للموت البطئ بسؤ التغذية والأمراض .
فإذا جفت الأنهار ماتت الأسماك وإنتهت المقاومة . ولكن ماذا لو أن المقاومة وثوارها قاموا بتسميم الأنهار التى يعيشون فيها وأشعلوا فيها النيران ؟؟
يبدو هذا إفتراضا جنونيا غير أنه ما حدث بالفعل فى كل من العراق وسوريا .
المسئولية الأولى تقع على قيادة المقاومة . فالمقاومة العراقية الناجحة ضد الإحتلال الأمريكى ، تحولت إلى صراع طائفى على أيدى قيادات فاشلة ، وأحيانا عميلة لقوى خارجية. وفى سوريا حرفت المجموعات (الجهادية) القادمة من الخارج دفة صراع الشعب من أجل حقوق معيشية ، إلى الصراع الطائفى يستدعى القوى الإقليمية . وسريعا ما وصلت قوى دولية عديدة وساحة الصراع أصبحت دولية ، وهذا معناه خروج زمام السيطرة من أيدى القوى المحلية ، التى تحولت طاقاتها إلى الصراع الداخلى والدمار الذاتى للشعب وخراب مقدرات البلد ، بعد أن أصبح فريسة لصراعات خارجية لا تعنيه فى معظمها ، بل تعرض أمنه وثرواته وسلامة أراضيه لمخاطر كبرى فيتعرض للنهب والتقسيم ، وفقدان القيمة الجيوسياسية.
– القيادات الفاشلة ـ تتحول إلى قيادات فاسدة ـ بفعل الإرتباط المصيرى مع الخارج . ثم يزحف الفساد من الأعلى نحو الأسفل ، أى من القيادة إلى قواعدها المقاتلة . وطبيعى أن تحاول تلك القيادات التملص من المسئولية وإلقائها على أطراف محلية أو قوى خارجية متناسية أن الكارثة قد بدأت من عندها تحديدا ، وهى تتحمل المسئوليه كاملة .
فوجود قوة طائفية فى المجتمع ليست مبرراً لأن تتحول حركة المقاومة إلى الإتجاه الطائفى ، لأن ذلك يعكس مسارها ويحولها إلى قوة دمار للمجتمع وفشل مؤكد فى إكمال أهدافها الثورية التى قامت من أجلها .
ـ وإذا عدنا إلى أفغانستان لأخذ الأمثلة من التطبيق الجهادى لحركة طالبان ، فإن الحركة أثناء زحفها من قندهار صوب المدن الكبرى فى البلاد وصولا إلى العاصمة كابول ما بين عامى 1994 ـ 1996 قابلت قوى مضادة قاتلت حتى راية عرقية وأخرى حاولت إستنفار الخلاف المذهبى . ولم يدفع ذلك حركة طالبان إلى الطرف المضاد بتبنى موقفا عرقيا أو مذهبيا مضادا (كما فعلت قيادات عراقيه وسورية فيما بعد ) بل أصرت على طرح إسلامى شفاف ونقى يستوعب جميع العرقيات وجميع الإجتهادات المذهبية . فقاتلت من قاتلها ولم تغير ذلك المبدأ حتى الآن عند قتالها ضد الإحتلال الأمريكى المدعوم بحوالى خمسين دولة أخرى . وقد نجحت الحركة فى الوصول إلى السلطة عام 1996 بعد عامين فقط من القتال . وهى الآن نجحت فى حشر الولايات المتحدة فى مأزق تاريخى لم يمر بها قبل ذلك فى أى محنة سابقة .
فحركة طالبان حركة إسلامية شاملة ، وليست طائفية ولا شعوبية .
– ومن المرجح أنه لا توجد تجربة ثورية سبقت ثوار سوريا فى خطئهم التاريخى بالقتال من داخل المدن والتترس بسكانها . لذلك يتحملون الوزر الأكبر لهذه المأساة التى ترقى إلى درجة جريمة حرب من الطراز الأول .
ذلك رغم خلفيتهم السلفية ، وإدراكهم لحكم التترس بالمدنيين . عندما يحتمى بهم العدو ويتقدم صوب صفوف المسلمين ، حتى يتحرجوا من قتل إخوانهم فيحقق العدو إنتصاره .
فقد أفتى إبن تيمية بجواز قتل المسلمين الذين تترس بهم التتار . فإذا إنعكست الآية وتترس المسلمون بالمسلمين نجد أن موقف المجموعات الوهابية قد تبدل ، ويلقون بالمسئولية على أعدائهم مشهرين بهم وبوحشيتهم !! .
تحميل مجلة الصمود عدد 145 : اضغط هنا
خطر المجموعات الخارجية المسلحة :
للمتطوعين الإسلاميين مزايا كبيرة إذا عملوا ضمن شروط صحيحة ، وليس بفرض أنفسهم ورؤاهم المذهبية والعرقية والسياسية على أصحاب الأرض والقضية الأصليين . فالقيادة بادئ ذى بدء يجب أن تكون لأصحاب الأرض . والسبب بسيط للغاية وهو أن الشعب قام بالثورة سيرا خلف أبنائه الذين يعرفهم ويعرف أصولهم وتاريخهم . ولا يتبع أشخاص غريبين عنه ، ناهيك أن يكونوا عدوانيين ومخالفين فى كل شئ .
المجموعات الوهابية ، المغالية فى الدين ، تتطوع لهدف مبدئى لديها وهو مكافحة الشرك وإنحراف العقائد . وسريعا ما تفتى بأن تلك الموبقات موجودة فى أهل البلاد الذين ذهبوا لمساعدتهم ، فيتهمونهم بالشرك ، ويتوجهون لمقاتلتهم قبل التوجه إلى العدو الخارجى . وما من ساحة ذهب إليها هؤلاء الغلاة إلا وتحول إتجاه البنادق إلى صدور أهل البلاد أنفسهم قبل الأعداء الخارجيين أو الداخليين . (أنظر تجربة داعش فى كل مكان ذهبت إليه).
فى كل مكان يذهب إليه الغلاة ، يبدأون بالتبشر لأفكارهم داخل صفوف المجاهدين المحليين وبين السكان ، فتبدأ بذرة الشقاق وتتعدد التنظيمات حين يحاولون إلحاق المجاهدين المحليين فى صفوف التنظيم (أو التنظيمات) الوهابية الوافدة .
ومعلوم أن تعدد التنظيمات هو خطوة مؤكدة للإقتتال الداخلى قبل الإنتصارأو بعده . وهذا ما حدث فى افغانستان وقت الجهاد ضد السوفييت . ولولا حيوية القوى الإسلامية فى أفغانستان وتخطيها لعقبات الإنقسامات الحزبية لبقى السوفييت فى أفغانستان إلى الآن ، ولبقيت إمبراطوريتهم وتوسعت .
وعندما شكلت أمريكا وأعوانها “حكومة أحزاب المجاهدين” التى دخلت كابول بعد التحرير ، كانت رسالة تلك الحكومة هى إستكمال ما فشلت فيه أثناء مرحلة الجهاد ، بإسئناف القتال الداخلى ، وتقسيم البلاد تمهيدا لإحتلال خارجى قادم ، ولكن من جهة الغرب وليس الشرق .
ولكن حركة طالبان أفشلت المخطط وأقامت إمارتها الإسلامية ، رغما عن الأحزاب جميعا وفوق أنقاضها . فلم يتبق أى مخرج أمام الأمريكيين سوى الدخول المباشر فى حرب ضد الشعب الأفغانى لتغيير ثقافته ودينه والإستيلاء على ثروات بلاده .
وقادة الأحزاب الجهادية المنحرفة فى وقت السوفييت ، كشفوا أقنعتهم فظهرت وجهوهم الحقيقية . والآن هم أعمدة الحكومة العميلة فى كابول ، وأحدهم ومن داخل موقعه فى النظام القائم يشرف على مجهودات داعش فى تدمير أفغانستان وخدمة الإحتلال .
القتال بالمدنيين والإستهتار بسلامتهم :
فى أكثر من مكان ، فإن المجموعات الوهابية المسلحة ، القادمة من خارج البلاد لم تتحرج من التترس بالمدنين والقتال من داخل المدن . ولم تبال إطلاقا بسلامتهم ولا بأمنهم وأرزاقهم. فلديها الشجاعة لقتل كل كائن حى ، ولكن ليس لديها ما يكفى من الشجاعة الأدبية للإعتراف بالخطأ والإعتذار عنه وتحمل مسئوليته .
فقد غرهم الإسناد الدولى والإقليمى بالمال والسلاح ، والماكينات الدعائية الجبارة لدى حلفائهم ، فألقوا بتبعات جرائمهم على كاهل أعدائهم ، ولكن من أختار المدن كساحات قتال بأحدث الأسلحة هم هؤلاء الغلاة وليس أعدائهم .
وإذا عدنا إلى تجربة أفغانستان لأخذ الدروس من حركة طالبان نجد أنهم إلى الآن (مارس 2018) لم يحتفظوا بأى مدينة كبرى رغم أنهم فعلوا ذلك عدة مرات . ولكنهم أدركوا ضرر ذلك خاصة وأن سلاح الجو الأمريكى هو الذى يعمل فى سماء أفغانستان ، لحفظ نوع من التوازن يمنع طالبان من الإستيلاء على المدن ، حتى تبقى المدن فى يد أمريكا كورقة مساومة على وضع نهائى للحل .
تجديد غير مسبوق فى حروب العصابات :
– وفى تجديد غير مسبوق فى إستراتيجية حروب العصابات فى ظل تفوق كاسح لسلاح جوى لدولة كبرى ، وإستحالة الإستيلاء على المدن بدون أن يلحقها تدمير شامل من ذلك الطيران ، فقد عثرت حركة طالبان على حل مثالى لتلك المعضلة :
بأن تواجدت داخل المدن بشكل سرى ، واسع وعميق ، بدون الإستيلاء عليها . مع إثبات قدرتها على فعل ذلك ، بالضرب الموجع فى الأعصاب الحساسة للنظام الحاكم والإحتلال معا. ذلك هو الوضع فى عدد من المدن الأساسية وتجلى بشكل خاص فى العاصمة كابول ، مؤيدا بتصريح لقائد القوات الأمريكية فى أفغانستان ، يفيد بأن قواته محاصرة داخل كابول ولا تجرؤ على الحركة على الأرض ، وتعتمد على المروحيات فى تنقلاتها .
فهل هناك دليل على الهزيمة أكبر من ذلك ؟؟ .
فماذا لو حصلت حركة طالبان على صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف ؟؟ .. فكم يوما بعدها سيبقى الأمريكيون فى أفغانستان ؟؟ .
تحميل مجلة الصمود عدد 145 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )