كيف ينحرف العمل الجهادى ؟؟.
البحث عن الطريق
( 3 من 3 )
بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مافا السياسي (ادب المطاريد) : www.mafa.world
تواجه أمتنا الإسلامية تحديات غير مسبوقة ، تجعلها على حافة الإنهيار، ومهددة بإستبدال دينها ( بشئ يشبه الإسلام ) يصنعه الأعداء.
ــ ومعلوم أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، ولا نجاة للمسلمين مما هم فيه إلا بالجهاد . وهناك طيف كبير من أنواع الجهاد الضرورية لكى تكون معارك السلاح ناجحة.
فالعلم الشرعى يمثل القاعدة الأساسية للجهاد المسلح . فإن كانت القاعدة الفقهية مختلة فسوف ينهار العمل الجهادى وينتكس ، بل قد يعطى عكس المطلوب منه كما نرى حاليا.
وهناك العلوم (الدنيوية) وهى أيضا طيف واسع من العلوم لابد منها لبناء المجاهد والإنسان المسلم عموما . وهناك الإنتاج بأنواعه والتطور العلمى والتقنى فى كافة المجالات . فتضييق الفجوة المعرفية التى تفصلنا عن العصر ، ليست من الكماليات وغالبا ما تكون فاصلة على أرض المعركة .
ــ كما أن التصدى لقيادة عمل جهادى ، أو لقيادة مجتمع مسلم أو دولة مسلمة ، بلا ذخيرة كافية من المعرفة السياسية ، هو فشل مؤكد وسقوط حتمى فى يد الأعداء مهما كانت نتائج الميدان مبهرة وفى صالح المسلمين .
ــ والإقتصاد من التحديات العظمى . ويكاد أن يكون هو السلاح الرئيسى الذى يطحن به أعداء البشرية المجتمعات والدول . وبدون بناء كتلة إسلامية واسعة متعاونة إقتصاديا للنجاة من شبكة الإقتصاد الصهيونى الدولى ، فسوف يضيع الإستقلال وتنحرف الثقافات حتى الثقافة الدينية نفسها . لهذا لا بد أن يكون العمل الإسلامى وحدوى الطابع ـ أمميا ـ وليس وطنيا مغلقاً ولا طائفيا أو مذهبيا .
فبدون الوحدة لن يكون هناك دفاع عسكرى كفء ، ولا إستعادة للأراضى المحتلة أوالمقدسات. ولن يوجد إقتصاد يحفظ كرامة المسلم ودينه وإستقلاله وحريته.
بهذه الكتابات ، وغيرها الكثير من مساهمات لشخصيات إسلامية شتى ذات رؤى قيمة ومتنوعة ، نحاول البحث عن مخرج من الهاوية ، أو الخروج من النفق المظلم الذى إنحشرنا فيه . فإذا كان العمل الجهادى عليلا فكيف يمكن لأمتنا النجاة؟؟ .
فتجاربنا الإسلامية فى كافة الميادين ، خاصة ميادين الجهاد، فيها الكثير من الدروس المفيدة فيما نحن بصدده من تحديد الإنحراف وتصويب المسار. ناهيك عن تجارب الأمم والشعوب الأخرى التى يجب دراستها بإهتمام وتمعن .
ــ فالمسألة ليست نقدا لمجرد النقد ، بل نقد بهدف الإكتشاف والتصحيح . وليست تحميلا ظالما للمسئولة لهدف إنتقامى، بل تبصرة بمواطن الضعف والخلل ومصادرالإنحراف.
ــ نتكلم عن تجربة العرب فى أفغانستان ، وتطوراتها الفكرية والعملية ، بدءا من تجربة بن لادن (رمز الجهاد العربى فى أفغانستان) وصولا إلى خطاب والزرقاوى والبغدادى (أى من الشيشان وصولا إلى سوريا). ومن السلفية الجهادية (فى أفغانستان) التى تطورت إلى الوهابية الجهادية ثم الفوضوية القتالية وصولا إلى الداعشية . ثم نسأل هل آن لهذا الإنحدار أن يتوقف؟؟. وما هى الأسباب التى أدت إلى كل هذا الإنحراف؟؟. وما هى العوامل الداخلية التى أدت إليه ؟؟ ، وما هى التأثيرات الخارجية؟؟.
ــ إذن نحن بصدد نقد الذاتى لتحرك جهادى جمعتنا الأحداث ، بل والمعارك أحيانا ، بعدد من أهم قياداته ورموزه الذين هم فى معظمهم أفضل الأصدقاء والإخوة ، بل هم القدوة خلقاً وسلوكاً وتديناً . ولا أظن أنه يمكن تعويضهم كأصدقاء بأى حال .
ــ فلماذا لا نتحدث ـ كما يقول أحد الإخوة فى رسالة له ـ عن { المجازر ومصائب الشيعة وفصائلهم من فاطميين وأحزاب قاسم سليمانى المسلحة والطائفية من مصاصى دماء العراق وسوريا وأفغانستان}؟؟.
فأقول له: ذلك لأننا بصدد عملية بحث فى مسيرتنا الجهادية (الخاصة) بما لها وما عليها ، فى عملية نقد ذاتى كما ذكرنا ، سعيا نحو تصحيح المسار الجهادى كله . وللخروج به من الصراع الطائفى والمذهبى والتدمير الذاتى للأمة ، ليعود كما كان تاريخيا ، جهادا إسلاميا تؤديه الأمة ، دفاعا عن دينها وأرواحها وبلادها ومصالحها ، وقبل ذلك طاعة لخالقها الذى فرض عليها الجهاد تكريماً لها وحفاظاً على عزتها. فلسنا بصدد إتهام الآخرين أو تعداد أخطائهم، أو التراشق معهم بالإتهامات ، بل يجب البحث عن وسائل لتوحيد الصفوف ، والتوجه نحو جهاد فعال ضد الأعداء الحقيقيين للأمة ، ضمن بنيان إسلامى مرصوص ومتلاحم بقوة.
فإذا حددنا مواضع الخلل (عندنا) ثم قررنا أن نوحد الصفوف ، عندها فلنجلس مع التيارات الجهادية الأخرى ، ولنبحث عن مواضع الخلل المشتركة لتحديد المسئوليات وإعادة تصويب المسار الجماعى ، ونخرج من دائرة الصراع الداخلى الذى دمر الأمة وكان خير معين لأعدائها.
ــ إذن غالب حديثنا يخص حركتنا (السلفية الجهادية) وما إرتكبته من أخطاء خلال مراحل تطورها فى مسيرتها ، من أفغانستان وصولا إلى سوريا ، مرورا بمواقع عربية وإسلامية عديدة . لنصلح طبيعة جهادنا ، ثم نلتقى مع باقى المسارات الإسلامية على أسس صحيحة نرجو أن نهتدى إليها . مع التسليم بأن الكثير من المآسى قد حدثت على كلا الجانبين . وتلك هى طبيعة الفتنة الملعونة.. فمن الذى أيقظها ؟؟.
والذى يزرع الشوك يحصد الحنظل … فمن منا زرع الورد؟؟ .
نحن فى حاجة إلى ركيزة فقهية للجهاد ، مبنية على المذاهب الإسلامية الأربعة ، وبعيدة عن الشطط الوهابى أو الجمود السلفى . فى حاجة إلى مرجعية فقهية من العلماء ، المستقلين عن الحكومات ونفوذها المالى والسياسى . تلك المرجعية تتميز بالمتانة العلمية والأخلاقية والماضى الجهادى .
ــ العلم السياسى ، مع أساسيات الفهم الإقتصادى، روافد هامة للغاية من أجل دقة وموضوعية الفتوى الدينية ، نظرا لخطورة الإقتصاد والسياسة فى مسيرة الدول وحياة الأفراد فى العالم المعاصر. ومن غير المتصور وجود فتوى دينية ذات قيمة ولا تضع فى إعتبارها تلك العوامل الحيوية المؤثرة فى حياة البشر. فجزء صغير من الفتوى موجود فى باطن الكتب ، ولكن معظمها موجود فى الواقع المعقد والتشابك والمتطور دوما وبسرعة خاطفة. وهذا يجعل مهمة العلماء فى الإفتاء عسيرة جدا، وربما تحتاج إلى أجهزة متعاونة ومتكاملة ومتخصصة للحصول على فتوى دقيقة. واضح أن ذلك لا ترتبطه أى صلة بما يحدث حاليا داخل الجماعات الإسلامية من إستخراج الفتاوى من بطون الكتب القديمة.
ــ ونعلم القول المأثور (كاد الفقر أن يكون كفرا). وقال آخرون أن الفقر هو أبشع أنواع الإرهاب ، وأكبر إهدار لآدمية البشر. ومعلوم أن غالبية المسلمين يعانون من الفقر المدقع. إن الحفاظ على حياة المسلمين ودينهم وعقائدهم وسلامة مجتمعاتهم يتطلب معالجة معضلة الإقتصاد بشكل صحيح.
والأمر هنا لا يتعلق بضخامة الثروات بقدر ما يتعلق بعدالة التوزيع وكفاءة الإدارة والشفافية والمساواة فى تحمل الأعباء وعدم إحتكار الثروة أو السلطة. وإلا فأى كلام عن مجتمع مسلم أو دولة مسلمة سيكون أقرب إلى اللغو الفارغ ، مهما كانت كمية التدين المظهرى التى تغطى سطح ذلك المجتمع.
توحيد المسلمين غاية عليا لكل تحرك إسلامى ، والبدء بتوحيد صفوف المجاهدين هو البداية الطبيعية . وتوحيد المسلمين فى مجالات الفهم المشترك للإسلام ، وتوحيد مواقفهم الجماعية إزاء أعدائهم للحصول على حرياتهم وإستقلالهم وسلامة أراضيهم وثرواتهم الطبيعية . وتوحيد رؤاهم المشتركة فى السياسة والإقتصاد ، النابعة من معتقداتهم وحرصهم على العدالة والمساواة بين البشر(كلكم لآدم وآدم من تراب).
العمل على إيجاد هيئة قيادية عليا للعمل الإسلامى عامة ، والجهادى بوجه خاص / ليست حزبية ولا قومية ولا طائفية / تشرف على نشاط الإفتاء، ووضع السياسات وتحديد الأولويات ، وتوجيه الجهود وتدبير الموارد وتحشيد الطاقات.
فمن الواضح إفتقار العمل الإسلامى عامة والجهادى بشكل خاص إلى القيادة المركزية ، وبالتالى وقوعه فريسة لتنظيمات إحترافية ذات منحى إلى التربح الإقتصادى والإنتهازية السياسية. أو مجموعات (المراهقة الجهادية) من المغامرين الفوضويين المفتقرين إلى الخبرة والمعارف الضرورية ، فينتهى بهم المطاف لأن يكونوا مطية للأعداء يستخدمونهم ضد شعوبهم وضد أمتهم ، ثم يتخلصون منهم فور إستنفاذ الفائدة منهم .
تنظيم عمل المتطوعين الإسلاميين فى الجبهات الجهادية خارج أوطانهم الأصلية ، لتلافى ما حدث من سلبيات خطيرة ظهرت فى التجارب السابقة . مع الحفاظ على ميزات ومعانى الإخوة الإسلامية والأمة الواحدة ، وتبادل الخبرات وسد فجوات العجز لدى المجاهدين المحليين . مع تأمين عمليات الإمداد والتموين والإخلاء والحماية.
الإهتمام بتثقيف المجاهد بالعديد من المعارف الرصينة ، الدينية والتاريخية والسياسية والإقتصادية والعسكرية . وإشراكه فى البحث والحوار المعمق ، والبعد عن المهاترات المجدبة والصياح العصبى. وتحصينه بالمعارف الضرورية التى تعصمه من الإنجراف خلف السيل الإعلامى الذى يسلطه الأعداء على عقول المسلمين. وتقليل الإعتماد على الخطاب السطحى والإنفعالى الهادف إلى التعبئة والإستقطاب على حساب الإدراك الصحيح والتدبر. والتركيز على معانى الأمة الواحدة بعيدا عن التعصب التنطيمى أوالمذهبى أو القومى. والإهتمام بترتيب الأولويات بشكل صحيح ، وتبنى القضايا الكبرى للأمة . وإحياء معانى الإنحياز إلى الحق والعدالة والكرامة الإنسانية بأوسع معانيها لجميع البشر، بل والدفاع عنها قولا وفعلا بكافة السبل والقوة المتاحة.
ــ هذا ما أردت أن أختم به تلك المجموعة من المقالات المعنونة ( كيف ينحرف العمل الجهادى؟؟) . ولا شك أن هناك الكثيرين ممن لديهم وجهات نظر أخرى يمكن أن تثرى هذا النقاش وتضيف إليه ما هو أفضل .
التفكير ينبغى أن يسبق العمل ، فإذا إنتهينا من عملية البحث والتفكير، فمن الضرورى أن تبدأ مرحلة العمل ، ولعل البعض قد بدأ ذلك بالفعل ، بل قطع فيه أشواطا لا بأس بها. وفى ذلك فليتسابق المسلمون .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مافا السياسي (ادب المطاريد)
جزاك الله خير و بارك الله في جهودك
أسال الله لك التوفيق دائما وان يجمعنا على الود والإخاء والمحبة