حب الأوطان ومكانة فلسطين في الإسلام
الحمد الذي شرع الجهاد وأوجبه، وخلق العطاء والتضحية ومجدهما، وخلق الجبن والبخل وذمهما، والصلاة والسلام على قائدنا وحبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد
توطئة
لاشك أن أول حب وأوجبه هو حب الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم، والحب لأجلهما والبغض لأجلهما، ولكن الله تعالى جعل كذلك حب الأوطان فطرة وغريزة تسكن القلوب وتداعب النفوس. فتطمئن النفوس السوية السليمة وتفرح لنزولها وتنفر وتحزن وتتألم لفراقها، حتى أن الله تعالى قرن حب النفس بحب الوطن، فقال في كتابه العزيز: “وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ”.
ولأن للأوطان مكانة في النفوس والمشاعر قرن الله تعالى المقاتلة في الدين مع الإخراج من الأوطان، فقال: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ”. وما هذا إلّا لعظم مصيبة الخروج من الأوطان والهجرة قهرًا على يد الظالمين أو الغزاة المعتدين.
ولقد قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ”.
ومعلوم أن استقرار الوطن عامل أساسي للاستقرار النفسي ونقائه، وهو الأهم بعد رسوخ التوحيد وثباته في قلب المسلم، ففيه يُقيم دينه و يحافظ على نفسه ودمائه، وفيه يحفظ أهله من الفساد والضياع.
فلسطين المباركة ومكانتها في قلوب المسلمين
فكيف عندما يكون الوطن هو فلسطين التي باركها الله تعالى من فوق سبع سماوات وفيها القدس الشريف والأقصى ؟
والذي قال الله تعالى مُبارِكًا إياها: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”.
لذلك ستظل فلسطين تسكن قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته ومقدساته، وستظل قلب نابض يتشوق للدفاع عنها كل مؤمن حر كريم عزيز.
ولقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن عظم مكانة ورفعة المسجد الأقصى الشامخ في عرينها، حيث قال: “لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى”. فهنيئًا لمن شدّ الرحال إلى الأرض المباركة فلسطين، قاصدًا المسجد الأقصى.
قرن حزين مضى على احتلال فلسطين
مضى قرن حزين من الزمان ولازال الاحتلال الصهيوني جاثم على أرضنا الفلسطينية المباركة ويدنس القدس قلبها الطاهر المبارك ويعيث فيها فسادًا وإفسادًا، ولم يكن ليتمكن من ذلك لولا أن مجرمي العالم وقفوا خلفه وناصروه ظلمًا وعدوانًا، كما أن معظم الأمة تركوا الجهاد ولم يقوموا بالنصرة والمؤازرة بالشكل والمستوى المطلوب.
تمضي الأيام وفي أحشائها ألم كثير تسلل إلى قلوبنا بسبب فقداننا كثير من الأحبة الأعزاء الذين قضوا دفاعًا عن دينهم ووطنهم الحبيب، وبسبب ما يلاقيه أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال من منع للحرية إلى الضغوط النفسية والجسدية، وبسبب أنَّات الثكالى وآهات الجرحى، وبسبب فقداننا لحريتنا في بلادنا التي باركها الله ..إلخ.
تمضي الأيام ولازالت تضحياتنا المباركة تتسابق سراعًا دفاعًا عن ديننا ووطننا الحبيب المبارك.
تمضي الأيام مثقلة بالجراحات والآلام، لكننا وبالرغم من ذلك لازلنا وسنظل ثابتون ثبات الجبال في سبيل ربنا وتحرير ديارنا.
تمضي الأيام مثقلة بالآلام والمآسي ولكن ما يصبّرنا ويواسينا ويسلينا هو أن ذلك كله لن يضيع أجره عند الله الذي أعد لعباده المجاهدين المرابطين جنات عرضها السموات والأرض وأن ما عند الله خير وأبقى، كما أن الله سينصرنا حتمًا ولو بعد حين، فإن لم يكن النصر على أيدينا فسيكون على أيدي أبنائنا، فالله لا يخلف الميعاد.
فلسطين إسلامية وستبقى كذلك
إن أرضًا بناها الأجداد وباركها الله وشَرّفها الإسلام لم ولن تكون يومًا للصهاينة الأنجاس، حتى وإن فرضوا وجودهم فيها بقوة السلاح ومناصرة رؤوس الصهيوصليبية الإجرامية وعملائهم الأنذال.
فها هو الاحتلال الغاشم والذي حتى اللحظة لم ينعم في فلسطين باستقرار كامل لأن شعبنا الفلسطيني البطل لازال يطارده ويداهم مدنه ويزلزلها من حين لآخر.
وهذا دليل على إصرار شعبنا على تحرير دياره من الصهاينة الأنجاس ودليل كذلك على أن الصهاينة عاجزون عن تحصيل الأمن والأمان والاستقرار، بالرغم من قوتهم النووية والالكترونية و أن معهم مفسدو العالم ومجرميه.
النصر قادم بإذن الله، وعد الله لا يخلفه
وأخيرًا، ستمضى الأيام الحزينة وستحل الأيام السعيدة، وسينعم شعبنا المعطاء بالأمن والأمان، وسيكسر قيود السجّان ويهدم السدود ويفتح الحدود، طالما أنه متمسك بدينه ويرفض الظلم الواقع عليه ويأبى العيش تحت وطأة الاحتلال وسطوته.
ولذا فإن شعبنا الفلسطيني على موعد مع عودة الحياة الكريمة والسعيدة حياة الحرية والعز إلى ربوع وطنه. والله غالب على أمره وإن كره ذلك المحتلون وأذنابهم من المثبطين المنهزمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه/ الباحث في الشئون الشرعية والسياسية
تيسير محمد تربان
فلسطين – غزة
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)