تأملات : كيف يفشل العمل الجهادى (1)
تأملات : كيف يفشل العمل الجهادى ؟؟
( 1 من 3 )
بقلم :مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مافا السياسي (ادب المطاريد) : www.mafa.world
لماذا يهزم التيار الجهادى فى كل المواجهات ؟؟.
هذا السؤال كرره العديد من الشباب ، خاصة بعد فشل ذلك التيار، معطيا أسوأ النتائج فى محنة (الربيع العربى) ، وتحديدا فى كل من العراق وسوريا وبشكل نموذجى . فزاد الأمتين العربية والإسلامية ضعفا وتراجعا ، حتى فقد ذلك التيار وأمته أى قدرة يحسب لها حساب لمواجهة اليهود فى فلسطين الذين إبتلعوا فعليا كل من مدينة القدس ومسجدها الأقصى . بل أن هؤلاء اليهود أصبحوا فى بلاد الحرمين بشكل شبه علنى تتكلم عنه إسرائيل بلا وجل ، فلا نجد حتى مجرد نفى من أولياء الأمر فى بلاد الحرمين الشريفين . جيش إسرائيل يعمل بتنسيق كبير مع جيش “المملكة” ، فى التدريب والإستخبارات وفى العمليات الجوية لقصف الشعب اليمنى ، وفى الحفاظ على أمن الملك داخل القصور متعاونا مع المخابرات الأمريكية ، فى خدمة (خادم الحرمين الشريفين وولى عهده الأمين .. جدا).
فلماذا كل هذه الهزائم؟؟.
يمكن تسطير كتب بكاملها للإجابة على هذا السؤال الصغير . إختصارا.. وسريعا ، نقول أننا أمة لا تقرأ حتى تاريخها القريب ولاتستفيد من عِبَرَه . أى أننا أمة بلا تاريخ . ومن لا تاريخ له ، فلا حاضر له ، ولا مستقبل ينتظره . ثم إننا فى خصومة مريرة مع التفكير ، وفى مصالحة أشد مرارة مع الكفير . أوتينا الجدل وحرمنا العمل . والدين الرحب الذى هو رحمة للعالمين تحول على أيدينا إلى سوط عذاب لكل البشر وأولهم المسلمين أنفسهم . فكل مشاكلنا العويصة نحيلها إلى أبحاث(فقهية) باردة ومعزولة تخوض بنا فى غمار التيه. وبدلا من أن يكتسب الفقه غنى بالواقع وإندفاعه ، نرى الفقه يحاول تكبيل ذلك الواقع وصبه فى قوالب إسمنتيه تفرض على المسلم أحد خيارات ثلاث : إما الجمود ، وإما الفتنة ، وإما التحلل من الدين كله . فيمضى الواقع بعيدا عنا ، ولكن فوق جثث أوطاننا ومقدساتنا ودماء أمتنا ، مدمرا أفضل ثروات المسلمين من شباب مخلص يتقد حماسا وفدائية ، سخره تجار الدماء وقودا لمعارك لا تخدم سوى أعداء المسلمين وناهبى أوطانهم وثرواتهم .
ثم نسأل عن هزائم المجاهدين فى كل مكان ؟؟.. إنها ليست كذلك إلا فى عالمنا العربى بسبب (وهابيتنا) التى أكلت الدين والمقدسات والأوطان .. وأخيرا تحالفت جهارا نهارا مع إسرائيل . وإلا فمجاهدينا ينتصرون فى أفغانستان الظافرة أبدا على جميع الغزاة ، وقريبا تخرج منها آخر الجنازات لآخر الإمبراطوريات وأكثرها وحشية منذ أن خلق الله الأرض وما عليها. وأفغانستان لها شأن كبير قادم مع الإسلام . نسأل الله أن يحفظ كل جهاد إسلامى ناجح من شر حركاتنا الجهادية العربية ، التى تحبط الجهاد أينما كان .
فهل قرأنا تجربتنا الجهادية فى أفغانستان ؟؟ وهى مازالت شاخصة ولم تندرس معالمها ؟؟. لو فعلنا لتجنبنا الكثير من النكبات العربية ، وحقنا الكثر من الدماء . هل نقرأ أم نظل فى ذات الإطار الذى يرانا عدونا اليهودى فيه ؟؟ حيث قال أحد جنرالاتهم الكبار : إن العرب لا يقرأون ، وإذا قرأوا فإنهم لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يعملون .
دعنا نكسر تلك القاعدة المشؤومة ، ولنقرأ سويا بعض أوراق تجربتنا الأفغانية ، وإنعكاستها فيما تلاها من تجارب جهادية فى العالم العربى خاصة فى العراق وسوريا .
عناوين الجزء الاول :
1- جماعة جلال آباد
– “مدرسة جلال آباد” أهم موروثات الحرب الأفغانية التى أثرت فى الجماعات الجهادية السلفية .
– تدنى الكفاءة وعدم الفعالية والفساد ، تسببت فى إنفصال “بن لادن” عن مكتب الخدمات مكونا
تنظيم القاعدة ـ كما إنفصل “أبو الحارث الأردنى” مكونا مجموعته فى خوست .
– الفساد تسبب فى نشؤ التنظيمات ثم إنشقاقها . ومجهودات الإصلاح ، ثم مقاومة محاولات الإصلاح ، كانت تؤدى إلى ظهور جماعات جديدة .
– تدفق المعونات أدى إلى الفساد والرغبة فى الإستقلالية ، وهو عامل مشترك بين الأزمتين الأفغانية والسورية .
– إمدادات المال والسلاح ، وتوفر ساحة للقتال ، تصنع الزعماء .
– إتاحة الفرصة للقتال أدت إلى زيادة فى التجنيد ، حتى أكثر من الشعارات الأيدلوجية .
– الزعيم بين المتطوعين هو من يعطى إنطباعاً بالكفاءة . وهذا أمر يتغير بسرعة بين العرب الأفغان.
– زعماء (مدرسة جلال آباد) معظمهم كانوا شبابا فى العشرينات ، وخبراتهم قليلة، مع فهم سياسى ضعيف . كانوا يعلمون شيئا عن القتال ، ولكن الحرب ليست قتالا فقط .
– ما كان الشباب ليتوقفوا عن القتال حتى ولو كانت الحرب فاشلة . ولن يقبلوا بقائد يرى غير ذلك.
– كان هناك الكثير من الشعارات البراقة ، والقليل من السياسة والتعليم السياسى .
– لم تكن هناك برامج حقيقية ، ولا استرتيجية فعالة ، ولا شئ حول التفكير العملى والسياسى .
– بين العرب فى أفغانستان كان لدينا الكثير من الجنود وصف ضباط ، ولكن لم يظهر أى جنرال .
– لم يكن هناك إنتباه إلى الاستراتيجية أو السياسة ، أو الجانب الإجتماعى للحرب ، الذى هو أكثر أهمية حتى من الجانب العسكرى .
– ظن العرب أن الهدف من الحرب هو الاستشهاد وليس الدفاع عن الوطن أو كسب الحرب .
– بحث الشباب عن المعجزات فى أرض الجهاد ، وعندما لم يجدوها عادوا إلى بيشاور غاضبين .
– فى السلفية يمكن لأى شخص أن يجد طريقة الدينى المستقل ، لذا يمكن أن يظهر القادة فى أى مكان ، فصارت القياده لدى العرب غير ثابتة .
– رأينا كيف رفضوا القيادات التاريخية : (عزام ، بن لادن) ، ومعظم التنظيمات تنشق وتنقسم .
– قبل حرب 2001 كان بن لادن يربح ، وهو الحصان الوحيد المتبقى على الساحة الجهادية العربية.
– أبوعبد الله أدار القاعدة كما أدار شركاته للمقاولات . فهو المالك الذى يحتاج إلى الإنجاز السريع . ولكن الحروب لا تدار هكذا . لأنها فى حاجة إلى تعاون الجميع وقناعة الناس بالذهاب إلى الحرب وتحمل تكاليفها.
– “خصخصة الجهاد” بدأت مع بن لادن . والآن تحول إلى ما يشبه الشركات الأمنية الدولية ، مثل (بلاك ووتر). وسوريا أصبحت مثالا واضحا .
– فى المجتمع الأفغانى يحترمون ويطيعون كبار السن ويتبعون قياداتهم . لذا مجتمعهم أكثر إستقرارا حتى أثناء الحرب . فالأفغان يرتبطون بالأرض والقبيلة ، بعكس العرب الغرباء المفتقرين إلى الكبراء.
– فقد العرب الأفغان إرتباطهم مع بلادهم وشعوبهم وليس مع أفغانستان فقط .
– مشكلة شائعة : عدم الكلام عن الأشياء السيئة أو السلبيات . فيظهر كل شئ فى حالة جيدة ومشرقة إلى أن تقع الكارثة .
الحوار الأخير فى كتاب” العرب فى حرب أفغانستان”ــ الصادر فى عام2005ــ كان تحت عنوان ” تأملات”، نقتبس منه عددا من الأفكار. و”مدرسة جلال آباد” من الأفكار الهامة التى وردت فى ثنايا ذلك الكتاب الذى كتبه مصطفى حامد بالإشتراك مع الدكتورة الإسترالية ” ليا فارال” .
قبل رحلة التأملات نعرض هذا التعريف بمدرسة جلال آباد. فماذا يعنى ذلك الإصطلاح ؟؟.
تعريف ــ مدرسة جلال آباد :
هى مدرسة المراهقة الجهادية العربية . تشكلت من مجموعات سلفية مسلحة غير منضبطة ، ومتمردة على أى نظام أو تنظيم أو قيادة . تسعى وراء (الحركة) ،أى المعركة ، ولا تفكر فى نتائج أى عمل مسلح (فكل شئ ممكن فى القتال ). ويناسبها أكثر المنحى الوهابى ( الذى يمكنه إمدادها بالمسوغ “الشرعى” لأى عمل كان . ويناسبها أثر التوجه التكفيرى الذى تؤسس له الوهابية بتوسعها فى تعريف (الكفر) و(البدعة) . وبالتالى يمكن إهدار دم من تشاء.
ظهرت تلك المدرسة فى معسكرات تدريب جلال آباد ، بعد إنسجاب بن لادن منها وفشل المجاهدين الأفغان ومعهم العرب فى محاولة فتح المدينة ، بعد خسائر كانت هى الأفدح لهم فى أى معركة خلال تلك الحرب .
من مدرسة جلال آباد تخرج قائد مجموعة الشيشان (خطاب) ، وقائد المجموعة التى عملت فى شرق آسيا لخطف الطائرات الأمريكية (أسامة أزمراى) ، والمجموعة(بقيادة خالد الشيخ) التى تبنت فكرة 11سبتمبر وقدمتها إلى القاعدة . وتأثر الزرقاوى بذلك التيار وصار من أعلامه رغم أنه لم يعرف عنه تواجدا فى جلال آباد .
إنتشرت روح (مدرسة جلال آباد) فى معظم العمل الجهادى السلفى خاصة بعد إحتلال أفغانستان ، حتى صارت هى المدرسة الرسمية لدى المجموعات السلفية القتالية . تلك المجموعات التى تطورت إلى الوهابية القتالية ثم التكفيرية القتالية ، ثم الفوضوية التكفيرية المقاتلة ، حتى وصلت الى قمة تطورها مع تنظيم (داعش) ، الذى صَدَّر بضاعته تلك حول العالم ، خاصة إلى أوروبا .
حول تلك النقطة الهامة المتعلقة بمدرسة جلال آباد ، وغيرها من محاور عمل المجاهدين العرب فى أفغانستان ، والتى أثرت بشدة فى تجارب قتالية جاءت فيما بعد ، ننقل أجزاء من الحوار المذكور.
فارال : رغم أن تواجد العرب الأفغان إنتهى تقنيا فى ذلك البلد منذ إنسحابهم من هناك فى عام 2001 ، فإن ميراث ذلك البقاء قد إستمر حتى اليوم . ويمكن رؤية ذلك فى عدد من التنظيمات السلفية الجهادية التى ظهرت خلال جهاد الأفغان ، والمشكلات التى شاركوا فيها فى مناطق آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط .
فى الواقع فإن مصير الكثير من تلك المجموعات وكذلك طبيعتها قد إرتبط بشكل فطرى بميراث العرب الأفغان كما يظهر بوضوح من التنافس بين القاعدة ومدرسة جلال آباد فى سوريا.
حتى الآن ، فإن أهمية الدور الهام الذى لعبة العرب الأفغان وميراثهم منذ الأحداث التى أعقبت 11ستبمبر ، وتأثيرها المستمر على أجواء الجهاديين ، كل ذلك تحجبه تلك الحكمة التقليدية وحالة الجمود التى تقول بأن كل مايلزم معرفته عن تاريخ العرب الأفغان قد تمت معرفته بالفعل . وكتابنا هذا أظهر أن القضية ليست كذلك ، لقد أوضح أن ليس فقط تاريخ العرب الأفغان مختلف كثيرا عما أوردته الحكمة التقليدية، ولكنه أوضح أيضا ما هو أعقد . أوضح أن ميراث ذلك التاريخ أعمق تأثيرا عما كان يفترض بشكل واسع .
عدم حل قضية العرب الأفغان ألقى أضواء جديدة على جذور نشأة طالبان ، على الرغم من أهميتها لذاتها والفائدة منها ، فإن تلك التفاصيل التاريخية لها علاقة كبيرة فى توضيح تطور الفهم لجهاد العرب الأفغان وكيف وضعنا سياقه .
ــ لا توجد فى مكان آخر أدلة أكثر ، تشير إلى التشابه بين التفاعلات التى أوجدت “جينات” حركة طالبان / ضمن مجهودات الإصلاح التى بذلها مولوى نصرالله منصور / وبين النقاشات من أجل بناء منظمة للعرب الأفغان تشرف على إمدادا+ت المؤن للمجاهدين الأفغان .
على الرغم من مجهودات الإصلاح التى قام بها مولوى منصور ، وتلك التى رسمت الخطوط لمنظمة عربية مطلوبة ( أدت فى النتيجة إلى ظهور مكتب الخدمات) ، إختلفت بشدة فى مجالاتها وفى ممارساتها المستهدفة . إلا أنه من الصادم أنهما جوبهتا بمقاومة مضادة منشأها هؤلاء الذين لا يهتمون بالإصلاح .
بالنسبة لمنصور فان القوة المناوئة للإصلاح نجحت فى حشد مجهودات أدت إلى استبعاده . بالنسبة للمبادرة العربية فقد بذلت مجهودات للتأثيرعلى كيفية تشغيل المنظمة وأبقاء العرب بعيدين عن الجبهات ، وتحجيم دورهم فى نطاق التمويل وإدارة الإمدادات من الخطوط الخلفية . الزيارات للجبهة ، خاصة من جانب العرب المؤثرين ، كانت ممنوعة أو تحت السيطرة ، فتؤدى إلى فقر فى الرؤية ، الذى عانى منها أيضا مكتب الخدمات الذى سقط ضحية للفساد / الشئ الأهم الذى جاء المكتب لمكافحته/ .
ــ نفس ديناميكية الإصلاح التى أوجدت طالبان ومكتب الخدمات فى بدايته يمكن ملاحظتها فى جينات إنشاء القاعدة . إنفصال بن لادن عن مكتب الخدمات عام 1986 حتى يبدأ مجهوداته الخاصة فى تمويل ودعم الأفغان كانت فى البداية بدوافع إصلاحية . زيارته للجبهة بعيدا عن السيطرة فى حال عدم تواجد أحد من القادة الأفغان هناك ، كانت أساسية فى إتخاذ قراره بالإنفصال عن مكتب الخدمات . فى الجبهة رأى بن لادن أن الأموال والإمدادات كانت لا تصل إلى غايتها المطلوبة ، ولكن مجهوداته من أجل إصلاج الموقف جوبهت أيضا بمقاومة .
ـ بينما إنفصال بن لادن عن مكتب الخدمات قد نسبت إلى سؤ الإمدادات والفساد الذى أصاب المكتب ، فإن روعة هذا العمل لم تكن موضع تقدير كامل ، هذا لأن مكتب الخدمات فى الأساس لم يكن مفهوما بأنه مجهود إصلاح لجهاد الأفغان ، بل كان ينظر إليه كنوع من تسهيل مشاركات العرب فى جهاد الأفغان .
لم يكن مكتب الخدمات قد أنشئ من أجل ذلك الغرض فقط ، ولكن الأهم كان إعتباره مجهودا إصلاحيا ضد فساد منظمات الأفغان ، وذلك يجعل إستسلامه للقصور الإدارى والفساد أمرا مدهشا أكثر من أى شئ آخر . وتسبب ذلك فى رؤية أكثر أهمية لقرار بن لادن الإنفصال عن مكتب الخدمات .
بن لادن لم يكن الشخصية الأساسية التى تركت مكتب الخدمات بسبب تدنى الكفاءة وعدم الفالية والفساد . كما لم تكن تلك هى المحاولة العربية الوحيدة لبدء الإصلاحات .
كما أن كتابنا يكشف العرض الذى أدى لاحقا إلى ظهور مكتب الخدمات بتهيئة من مصطفى حامد ومجموعة صغيرة من الأصدقاء .
واحد آخر من أصدقاء حامد هو أبو الحارث الأردنى بذل هو الآخر جهدا إصلاحيا ، تمثل فى إنشقاقه عن مكتب الخدمات وتكوين مجموعته العربية فى خوست .بينما مجموعتا بن لادن وأبوالحارث سلكتا طرقا مختلفة جدا ، فان السبب الأساسى لإنفصالهما كان واحدا وهو الفساد وانعدام الكفاءة.
وهذا يدل على أن تلك الديناميات التى بدت محصورة فى الماضى بالمجموعات الأفغانية ، مثل دور الفساد فى تشكيل المجموعات وتزايد المجموعات المنشقة ، توسعت فى الحقيقة . وبتفحص أدق ، كانت موجودة فى المجموعات العربية .
ظهرت إذن صورة أكثر إكتمالا لنشؤ التنظيمات فى جهاد الأفغان والعرب الأفغان ، وبواسطتها ، فإن الدور البارز للفساد ومجهودات الإصلاح المضادة له ، ثم المقاومة لتلك المجهودات، لعبت دورا فى تلك العملية(أى عملية نشؤ التنظيمات أو إنشقاقها).
تلك الرؤية الداخلية قد تكون قيمة لكيفية فهم الديناميات فى الأزمة السورية ، خاصة أن ما تزودنا به الصورة الكاملة وفهم المشكلة الأفغانية قد كشفت أنه ليس من الضرورى أن تكون طبيعة المشكلة أو المجموعة هى التى تحدد درجة الفساد القائم ، أو دورها فى تشكيل النشؤ التنظيمى والديناميات والتفاعل الداخلى للتنظيم .
ــ لتدفق المعونات الخارجية والمساعدات دوره كعامل حساس ، وهو الشئ المشترك فى الأزمتين الأفغانية والسورية ، خاصة وأن نفس اللاعبين قد إنخرطوا فى توزيع المعونات والمساعدات . الفساد ظهر كمشكلة منذ وقت مبكر ، حتى قبل أن يتزايد عدد المجموعات بشكل ملحوظ ، حين بدأ العون الخارجى .
فى السياق الأفغانى فإن ذلك قد يفسر لماذا لم تسقط القاعدة أو مجموعة أبو الحارث كضحايا للفساد ، ذلك لأن عملهما لا يتعلق بتوزيع المعونات ، وأنهم إنفصلوا لأجل العمل باستقلالية وفى سياق محدود وليس متسعاً .
ــ محاولة إيجاد رؤية أوسع فى تركيز إدارة المعونات ـ كما إنعكس فى المجهودات المتعددة لإيجاد كيان أفغانى مركزى لإستلام المعونات وتوزيعها ، أو لإيجاد منظمة عربية لمراقبة ذلك النشاط ـ كانت قليلة النتائج فى منع الفساد . وبدلا عن ذلك فإن الفساد تسلل إلى الكيانات الجديدة . تلك المحاولات ظهر أنها قد أدت إلى المزيد من الإنشقاقات ، وفى كل مرة وضعت فيها مبادرة للوحدة أو الإصلاح بواسطة إنشاء مجموعة جديدة ( سواء من العرب الأفغان أو من الأفغان ) فإن الإنشقاقات تظهر حتما .
بشكل عام تظهر الإنشقاقات كنتيجة لتلك المجهودات ـ ربما لأن بعض تلك الآليات التى أوجدت الفساد قد أثرت أيضا فى ممارسة القيادة ، خاصة بين العرب الأفغان . فالأموال والإمدادات والأسلحة ، بالإضافة إلى أن فرصة القتال ، ” تصنع” الزعماء .
ورغم أن ذلك قد يبدو تصريحا من السهل فهمه ، فى سياق كيف تم فهم جهاد العرب الأفغان ، ولكنه ليس كذلك . عادة ما تتم دراسة جهاد العرب الأفغان بمصطلحات أيدلوجية ، ونرى إنضمام الناس إلى الجهاد بسبب الأيدلوجية . أو بشكل أكثر تحديدا ، ينضمون إلى بن لادن أو عزام بسبب معتقداتهم أو دروسهم أو أفكارهم . ولكن ورغم أن القناعات الدينية يمكن أن تدفع الناس إلى التطوع للجهاد ، فإن الكثيرين ساروا خلف هذين القائدين ليس بسبب الأيدلوجيه ولكن بسبب الرغبة فى القتال ، وعزام وبن لادن يوفران أفضل الفرص لرؤية معركة .
ببساطة ضع على أرضية عملية موضوعات تملى وتفرض من يكونوا زعماء يتبعهم الرجال، وكيف تكونت المجموعات ثم تفككت. الزعيم من بين هؤلاء كان هو من يعطى الشعور بالكفاءة ، الأمر الذى يمكن أن يتبدل بسرعة فى أجواء العرب الأفغان .
الغالب الأعم أن الكفاءة كانت تفهم من جانب الشباب على ضوء الإنتصارات والمشاركة فى المعارك ، ومن لديه أفضل الفرص لرؤية المعركة . وهذا شئ فهمه بن لادن متأخراً بعد معركة جلال آباد ، عندما إنخفض تعداد القاعدة بشكل كبير حيث أنها لم تعد نشطة أو ناجحة ، ولا تعطى تلك الفرص .
أول إنصراف للشباب عن مكتب الخدمات وإلتحاق أتباعة بالقاعدة كان بعد إنتصار بن لادن فى جاجى . ويعزى إلى تلك الآلية أيضا نجاح أبو الحارث فى إجتذاب متطوعين فى أعقاب نشاطاته العسكرية الناجحة فى خوست .
كان السبب وضحا فى تغير مزاجية الشبان بعد هزيمة جلال آباد ، ورفضهم القيادة التاريخية ليس فقط لإبن لادن ولكن أيضا لعزام ، لأن كلا الرجلين نظر إليهما الكثير من الشباب كغير كفئين وكعقبات فى وجه إندفاع الشباب صوب القتال ، هذا رغما عن مشاركاتهما البارزة ، وفى حالة بن لادن هناك إنتصاره المشهور والكبير فى جاجى .
فى المناخ الذى أعقب هزيمة جلال آباد فى يوليو 1989 فإن تلك المساهمات لم يهتم بها الشباب . بن لادن إنسحب من جلال آباد . هو وعزام لم يعودا يدعمان إنخراطا إضافيا فى القتال من جانب العرب الأفغان . وفى النتيجه تطلع الشباب إلى مكان آخر فوجدوا ” قادة ” مازالوا يقاتلون أو يفكرون فى القتال ، فاتبعهم الشباب ، ورأوهم ليس فقط فعالين بل أيضا ملتزمين .
هؤلاء “القادة” وطدوا أنفسهم فى محيط جلال آباد ، وأنشأوا معسكراتهم الخاصة واتبعوا قاعدة (أى شئ ممكن) كوسيلة نحو المعركة . مدرسة ” كل شئ ممكن ” ولدت فى جلال آباد بعد الهزيمة ، ويمكن المجادلة بأنها فى الزمن الحاضر عادت كموجة ضخمة ، بل عادت كقوة مسيطرة فى أجواء السلفية الجهادية .
حامد : فى مدرسة جلال آباد ، حتى القيادات كانوا من صغار السن جدا ، وأكثرهم كانوا فى العشرينات من العمر . لم يكونوا فقط صغارا فى العمر بل أيضا فى الخبرة . وفهمهم السياسى كان ضعيفا . ذلك الفهم كان نادرا فى الوسط الإسلامى وخاصة بين الجهاديين ، ولكنه عمليا لم يكن موجودا بين شباب جلال آباد فقط . يعلمون شيئا عن القتال ، والحرب ليست القتال فقط . كثيرون لم يكونوا ذوى خبرة تكتيكية كما لم يكن لديهم فهم سياسى أو استراتيجى وتركيزهم الوحيد كان القتال . بالنسبة لهم كان الأمر كما قلت : ” أى شئ ممكن فى القتال” . ومازال الحال كذلك فى الأماكن التى تعمل فيها تلك المجموعات .
عندما تحقق أبو عبدالله من أنه إرتكب خطأ فى جلال آباد وأنها فى الحقيقة كانت فخاً للمجاهدين ، عندها إنسحب . كان الشباب غاضبين من قراره هذا ، وكانوا غاضبين من عزام الذى فى البداية شجع بشدة الإنخراط فى المعركة . ظن الشباب أن أبوعبدالله وعزام أصبحا ضعيفين وغير جديرين بالإستمرار ، وظن الشباب أنهم لو استمروا فى القتال فى جلال آباد فإنهم سوف يكسبون الحرب . ذلك لأنهم لا يفهمون الجانب العسكرى أو السياسى ، فهم يتجاهلون تلك العوامل . فى نفس الوقت قالوا : “إنها الحرب الصحيحة طبقا للشريعة” .
فى حقيقة ، كانوا ينظرون إلى إستمرار المعركة والقتال ، ولم يعترفوا بأن أبو عبدالله قد إتخذ القرار الصحيح بالإنسحاب من جلال آباد ، ومع ذلك إعتبروه ضعيفا لتركه ميدان المعركة ، وجادلوا قائلين بأن القتال ينبغى أن يستمر . رغم أن ذلك كان أمرا خاطئا جدا .
قلة خبرتهم بالحرب وبالسياسة جعلهم يفكرون بهذه الطريقة وجعلهم غاضبين ومصرين على الإستمرار فى جلال آباد . ما كانوا ليتوقفوا حتى ولو كانت حربا فاشلة ، ولن يقبلوا بأى قيادة ترضى بغير ذلك . هذا الأمر مستمر حتى اليوم ، لهذا فإننى أظن ولأسباب كثيرة أن مدرسة جلال آباد يمكن أن نطلق عليها مدرسة الشباب أو “مدرسة المراهقين الجهادية” .
فارال : أتعجب مِنْ رفض الشباب لقرار بن لادن ، ورفضهم لقيادته وقيادة عزام ، فهل يعود ذلك فى جزء منه إلى نقص التعليم فى الأجواء العربية ؟ . لقد تكلمنا كثيرا عن التدريب والعجز فيه . يبدو لى أن هناك نقصا مفجعاً فى تعليم الشباب الذين سافروا للإنضمام إلى الجهاد فى أفغانستان أثناء الحرب ضد السوفييت وفى وقت طالبان . على إمتداد تاريخ العرب الأفغان فى أفغانستان ، كان هناك الكثير من الشعارات البراقه التى تناثرت ، ولكن لم يكن هناك الكثير عن السياسة الإسلامية أو التعليم السياسى أو حتى مناقشة بعض الموضوعات حول التدريب العسكرى .
حامد : كان هناك القليل من التعليم فى تلك المجالات ، والقليل من الأبحاث . فى التدريب وفى النشاطات العسكرية للعرب لم تكن هناك برامج حقيقية ، ولا استراتيجية فعالة ، وتقريبا لا شئ حول التفكير العملى والسياسى . أحد أسباب ذلك أن معظم العرب الذين قدموا للجهاد ضد السوفييت لم يكونوا يمكثون طويلا ، فتراتهم كانت قصيرة لهذا كان من الصعب الحديث عن الاستراتيجية والتخطيط أو التنظيم ، وكان من الصعب تدريب الشباب فى ظل تلك الظروف ، خاصة وأن أكثرهم يريد الخروج والقتال بأسرع ما يمكن .
فارال : هذا النقص فى التعليم يبدو أنه وبشكل ملموس قد عرقل المجهودات التى بذلتها المنظمات لأجل الجهاد . الشباب جاء لأجل القتال وذهب حيث القتال والحركة . كانوا متقلبين للغاية ، هذا التقلب كان له تأثير كبير على جهاد العرب الأفغان . لقد أنتجت تركيزا قصير المدى ، وديناميكية عمل فردى فى مجال يتطلب مجهودا جماعيا . هذه الطريقة فيما أظن ساهمت فى تشكيل فكر الشباب حين رفضوا القيادات عندما شعروا بأنهم يعيقون طموحاتهم نحو القتال .
فمن الواضح أنه برنامج قصير الأجل . ولأنها دوافع فردية فطرية ، فلا أتصور أنها يمكن أن تتمخض عن أى استراتيجيين أو مخططين أو حتى مقاتلين صبورين . كان هناك على ما يبدو الكثير من جنود المشاة متشوقين للمعركة ويرحبون بالموت ، ولكن لم يظهر الكثير من القادة المهرة .
حامد : تماما ، ومنذ البداية ، كانت تلك الحقيقة معروفه لدى الكثير من العرب . وأتذكر صديقا كان ضابطا فى الجيش المصرى ، وكان معنا فى أفغانستان ، حين قال : “لدينا الكثير من الجنود والكثير من صف ضباط ، ولكن لم يبرز أى جنرال من بين العرب ” . العرب الذين تدربوا قليلا وتطوروا كانوا مثل الرقباء ، لم يكن لدى العرب جنرالات ، بينما كان لدى الأفغان القليل منهم. هذا لأن أكثر العرب ظنوا أن أداء التدريب الأساسى ثم حمل البندقية يعنى الجهوزيه لخوض حرب . لم يكن هناك إنتباه للإستراتيجية والسياسة ، ثم بوجه خاص الجانب الإجتماعى من الحرب ، الذى كان أكثر أهمية . جنرال شيوعى أوضح تلك النقطة أمامى بعد أنتهاء الحرب مع الشيوعيين ، وكان أسيرا لدى الأفغان . تكلمت معه وسألته عن إستنتاجاته من تلك الحرب التى إنتهت الآن . فقال الجنرال ” لقد تأكدت الآن أن الجانب الإجتماعى من الحرب أهم من الجانب العسكرى” . وذلك صحيح ، وهى الحقيقة الغائبة عن العرب ، ومازالت غير مفهومة ، وذلك واضح من المشكلات التى خاضت فيها المجموعات الجهادية ومدى الضرر الذى أحدثته .
المجتمع ينبغى أن يكون جاهزا للحرب ، إذا كنا عازمين عليها ، وينبغى علينا التأكد من أن الناس سيقبلون بها ، ينبغى أن نتأكد من جدواها وإمكان نجاحها وأن الجمهور لا يعتقد باستحالتها . المقاتلون أيضا ينبغى تعليمهم وتجهيزهم للقتال . ينبغى تعليمهم تلك العناصر إلى جانب التدريب الأساسى ، وعلى وجه الخصوص التدريب على حروب العصابات ، وإلا فإن حركتهم سوف تؤدى إلى خراب كبير كما شاهدنا .
فارال : هل تظن أن السبب هو كون العرب الأفغان كانوا غرباء فى أفغانستان وكانوا مقتلعين من بلادهم فلم يكونوا مقدرين لتلك العناصر لذا لم يستطيعوا إستخراج قادة كما فعل الأفغان .
حامد : الكثير من العرب ظنوا أن مهمة الجهاد هى الإستشهاد والذهاب الى الجنة ، وليس الدفاع عن الأرض . أو حتى كسب الحرب . خلال الحرب ضد السوفييت قلت ” لقد جئت إلى أفغانستان لكى أنتصر وأهزم الغزاة وليس لكى أموت ” ، وسبب ذلك صدمة لهؤلاء الذين جاءوا لهدف الإستشهاد .
فارال : أظن أنهم جاءوا بسبب الشعارات التى حفزتهم على التفكير بهذه الطريقة . يبدو أن الشعارات كانت هامة جدا فى تاريخ العرب الأفغان ـ كما قلتَ أنت كثيرا ـ الشعارات والأفكار اللامعة . وذلك جعل الشباب مترددين بشأن الزعيم الذى ينبغى عليهم إتباعه ، والقادر على خوض غمار الحركة التى شجعتهم وحفزتهم عليها الشعارات . أما دراسة الإستراتيجية وبناء برنامج جيد وأساسات للعمل ، فلم تكن أشياء مفضلة .
حامد: نعم ، أتذكر أنه أثناء الجهاد ضد السوفييت . فإن الشباب كانوا يعودون من أفغانستان إلى بيشاور غاضبيين صارخين ” أين هى المعجزات ؟؟ ” . لقد قرأوا عن المعجزات فى المجلات التى كانت تنتشر وقتها ، ولكن عندما ذهبوا إلى الجبهة لم يجدوا شيئا .
سبب آخر لفقدان النظام كان عدم إستقرار العرب ، فلم يكونوا كذلك بسبب تلك العناصر التى ذكرتى بأنها كانت تصنع الزعماء ، ولكن أيضا بسبب أن السلفية كانت تجعل كل شخص قادر ـ على الأقل نظريا ـ على أن يختار لنفسه طريقا لممارسة الدين .
وذلك يعنى أن القادة يمكن ظهورهم فى أى مكان ، وذلك جعل القيادة لدى العرب غير مستقرة ، كما رأينا فى رفضهم للقيادات التاريخية لأبوعبدالله وعزام ، ويمكننا رؤية معظم التنظيمات العربية تنشق أو تنقسم . كانت مشكلة كبيرة ، مازالت مستمرة إلى اليوم ، ومازالت قيادات جديدة تظهر وانقسامات وانشقاقات تحدث ، كما يجرى اليوم فى سوريا ، وفى كل مكان .
فارال : القاعدة لم تشهد إنشقاقا خلال تلك الفترة ؟ .
حامد : نعم . لم يحدث أن إنشق أحدهم وأخذ معه إسم القاعدة ـ لأنهم لا يستطيعون ذلك فى حياة أبوعبدالله وقيادته للجماعة . ولكن فى الحقيقة شهدت القاعدة عدة إنشقاقات . بعد معركة جلال آباد وخلال الفترة الممتدة من جلال آباد حتى وقت مغادرة السودان .
حين إنكمشت القاعدة من حوالى عشرة آلاف إلى مجرد خمسين فردا . كل هؤلاء إنشقوا وكونوا مجموعات أخرى ، مجموعات وطنية لكن ليس تحت إسم القاعدة .
بعض التكفيرين إنشقوا عن القاعدة ، مثل أبوحامد الليبى الذى كان سابقا عضوا فى القاعدة وعمل معى فى مشروع مطار خوست ، كان هناك أمثله كثيرة مثل ذلك .
مجموعة أخرى من اللبيين إنشقوا عن القاعدة وهاجموا مضافة تابعة لها فى ميرانشاه الحدودية وأخذوا بعض المال . تلك الأموال كانت فى الحقيقة مرصودة لمشروع فى مدينة جرديز عام 1992 كانت القاعدة وافقت على دعمه . قبل ذلك بيوم كان الليبيون قد ذهبوا إلى بيت الضيافة وقالوا للناس هناك أنهم مازالوا فى تنظيم القاعدة . وفى الليل حاولوا أخذ المال الذى كانوا يعرفون مكانه حاولوا فتح الخزينة الحديدية ولكنهم فشلوا ، فأخذوا الخزنة وحاولوا الفرار بها . وعندما حاولوا القفز من فوق جدار عال تمت مطاردتهم والإمساك بهم .
فارال : يمكن القول إذن أن القاعدة لم تعان من ذلك النوع من الإنشقاقات الشهيرة التى عانت منها التنظيمات الأخرى؟ . واضح من كلامك أن الإنشقاقات حدثت ، ولكن تم التحفظ عليها بحيث لم تعرف فى الخارج . حتى أحداث فبراير 2014 التى كانت الأولى من نوعها لإنشقاق علنى تحت ذريعة عدم كفاءة قائد القاعدة أيمن الظواهرى ، قام بالإنشقاق فرع القاعدة فى العراق الذى أدت عملياته فى سوريا إلى مشكلة كبيرة ونزاع .
حامد : عندما كان بن لادن حيا لم يكن أحد يستطيع أن يقول أنا أمثل القاعدة الحقيقية لأنه مازال هناك . فمن كانوا يستطيعون القول بأنهم القاعدة وأن أبو عبدالله ليس كذلك بينما هو المؤسس التاريخى ، وأبوحفص كان هناك وأبو عبيدة البنشيرى مازال هناك ؟. لم يكن أحد يستطيع أن ينشق بهذا الشكل ، ولكن يمكنهم ترك التنظيم وأن يحاولوا إنشاء تنظيم جديد كما فعل أبو مصعب السورى , لقد إنشق حوالى عام 1990 بمجموعة من السوريين .
وفى عام 2000 فى كابول كون السورى مجموعة أخذ بعضها من الجدد الملتحقين بالقاعدة وكانوا فى بيوت الضيافة التابعة لها . لهذا كانت القاعدة غاضبة منه .
فى عصر طالبان كان لأبوعبدالله أتباعا أكثر من أى تنظيم آخر . الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد كانوا قد إنتهوا فى مصر عمليا . وفى أفغانستان زاد عددهم قليلا . للجماعة الإسلامية ربما ما بين عشرة إلى ثلاثين . معظم المجموعات الأخرى إما أنها إنهارت تماما أو بقيت صغيرة جدا . كان ذلك يعنى أن أبا عبدالله يربح ، فى ذلك الوقت كان هو الحصان الوحيد المتبقى فى ساحة السباق .
فى الماضى قاتل ضد السوفييت ، والأن يقاتل فى كابول ضد مسعود ودوستم . ويقاتل ضد أمريكا ، وله معسكرات تدريب كبيرة ، وقام بنشاط إعلامى داعيا إلى الجهاد . ذلك يعنى أنه يعمل شيئا ما ، بينما الآخرون قد توقفوا أو أنهم لم يبدأوا فى الأصل ، لذا بدا ناجحا . المجموعات الضعيفة أو المهزومة هى التى عانت من الإنشقاقات خلال تلك الفترة .
فارال : كنت أفكر فى ذلك فى سياق الإنقسام الحالى فى القاعدة من جانب فرعها فى العراق الذى بدأ فى الأصل مع أبومصعب الزرقاوى ، والذى دعمته القاعدة رغم إنتمائه إلى مدرسة جلال آباد . من أجل إستعارة إسم بن لادن ، تحولت القاعدة من كونها الحصان القوى بعد 11 سبتمبر لتصبح مجموعة ظاهرة الضعف فى وجه تمرد مدرسة جلال آباد وجبهة جديدة للجهاد ، ومن الواضح غياب معظم قياداتها .
حامد : عودة إلى بن لادن فى ذلك الوقت ، إنه لم يكن مهزوما ولا فاسداً ولأنه ضرب أمريكا فقد بدا كبطل قادم على حصانه . ولكن فى الحقيقة كان العرب فى أفغانستان مثل من يركبون باصاً ليس به كوابح ، يهبط على طريق وعر من فوق جبل . كل الشباب كانوا يصيحون به يشجعونه على السير بسرعة أكبر . وفى النهاية فإن الجهاد ضد أمريكا إنتهى بكارثة : كارثة على أفغانستان ، كارثة على طالبان ، كارثة على العرب الأفغان كارثة على القاعدة . ويمكن أن نلاحظ أن الكارثة التى حلت بالعرب فى أفغانستان لم تكن مسئولية بن لادن منفردا ، بل مسئولية من حوله الذين أمكنهم رؤية الخطر القادم . فلو أن كل شخص قد إعترض مبكرا ربما لم تقع تلك الكارثة.
فارال : أظن أن تلك النقطة حقيقية ، فالأمور كانت ستصبح مختلفة جدا لو إعترض أناس أكثر . على الرغم أننى أسأل : من كان سيكبح أو متى سيتم كبح نفوذ مدرسة جلال آباد ؟؟ .
هذا سؤال ليس له عندى إجابة ، وأعتقد أن الإجابة تعتمد فى جزء منها على قدرة أحد ما أن يكبح تهور هؤلاء الشباب . ذلك التهور الذى تسبب بشكل مباشر فى تلف شديد فى أجواء الجهاديين وحتى فى الآلة الجهادية .
عند بن لادن إذا وضعنا فى الإعتبار مسارة المستقل القوى ، وخلفيته كمتطوع شاب فى جهاد أفغانستان ، نجد ذلك مناقضا لكونه وقع ضحية ترك برنامجه حتى يملى عليه طبقا لنزوات مجموعة من الشباب “المتصايحين ، والمطالبين بالمزيد من الإندفاع والسرعة هبوطا من فوق الجبل ” حسب وصفك . كان بن لادن مشهورا ، ولديه ماله الخاص ، وعندما فرغ منه المال كان له متبرعونه الخاصون .
من المعقول أن أفترض أنه كان محصنا من نزوات هؤلاء الشباب ، خاصة بعد خبرته المبكرة فى جهاد أفغانستان . ومع ذلك مازال الشباب يهيمنون ، ولهم تأثير كبير على تفكيره وحركته .
حامد : فى ذلك الوقت لم يكن لدى القاعدة جبهة قتال حقيقية خاصة بها ، والشباب يحبون المشاريع الكبيرة مثل ضرب أمريكا ، وكذلك كان متبرعو أبوعبدالله ، ذلك أيضا شجعه على مشروعات مثل هذه . إنهم يحبون تلك المشروعات بصرف النظر عن إمكان تحقيق النصر فيها، وأعنى هنا الإنتصار الاستراتيجى / وليس التكتيكى مثل تنفيذ هجوم ناجح/ . ويبقى السؤال هو : هل يمكنك كسب الحرب؟.
أنهما شيئان مختلفان جدا ، ولكن الشباب لا يفكرون فى مثل هذه الأشياء . إذا أعطاهم القائد فكرة كبيرة ومشروع كبير فسوف يسيرون خلفه ويعطونه دماءهم من أجل المشروع . وبهذه الطريقة أصبح الشبان مهمون جدا للمشروع ، ومزاجياتهم لها تأثير كبير على الرغم من أن الكثير منهم ليسوا متعلمين جيدا ولا خبرة لديهم ، أنهم يريدون مشاهدة الحركة فقط . كانت القاعدة كذلك فى ذلك الزمن وأظن أنها مازالت كذلك حتى الآن .
فارال : كانت تلك أيضا هى المشكلة أثناء جهاد الأفغان . فى الواقع كان بن لادن واحدا من الشباب المتعجلين على الرغم أنه كان يتمتع بإرتباطات أفضل وتمويل أفضل ولديه شباب متعلم . ولكنه مازال متهورا ، مثلما الشباب الذين وجدهم فيما بعد يملون عليه برنامجه .
حامد : نعم ، أبوعبدالله كان تحت تأثير كبير من مهنته السابقة كصاحب شركة مقاولات ، يحتاج فى عمله إلى الإنجاز بسرعة قدر الإمكان ، ولكى يفعل ذلك عليه أن يخاطر . ويحتاج إلى أموال و قوة عمل وإلى معدات . أدار أبوعبدالله القاعدة بنفس الطريقة . ولكن الحرب لا تدار هكذا ، فهى تحتاج إلى تعاون بين الجميع ، وأن يكون الناس مقتنعين بقرار الذهاب إلى الحرب ، وقابلين بدفع تكلفتها .
كان ذلك واحدا من المشاكل الكبرى التى نتجت عن خصخصة الجهاد ، وهى العملية التى بدأت مع أبوعبدالله وتنظيم القاعدة . ونتج عنها أن تحول الجهاد الآن إلى شئ يشبه مقاولات الشركات الأمنية ، تحول إلى شئ مثل (بلاك ووتر) ولكن جهادية . جذور ذلك ترجع إلى عملية خصخصة الجهاد التى بدأها أبوعبدالله وآخرون ، وما حدث فى جلال آباد فى مدرسة ” كل شئ ممكن ” . وتأثير الخصخصة يمكن مشاهدته فيما حدث فى العالم العربى بعد موجة “الربيع العربى” وفى سوريا التى أصبحت مثالا واضحا .
فارال : ميراث جهاد العرب الأفغان ربما يمكن تصور أنه تشكل عن طريق دكتاتورية ومزاج الشباب . وعقلية ” كل شئ ممكن” التى أثرت فى برامج أزمات ظهرت فى أعقاب سقوط أفغانستان ، خاصة فى موجة الثورات التى إكتسحت العالم العربى ، التى يبدو أن طالبان لم تتأثر بها ، أو إستقلت عنها . ولكن تلك المزاجية ظهرت فى حركة طالبان باكستان وبعض العنف الذى حدث بإسم طالبان أو نسب إليهم .
حامد : فى المجتمع الأفغانى هناك إعتقاد قوى فى إحترام كبار السن ونصائحهم والإستماع إليهم وطاعتهم وإتباعهم .فليس لديهم مزاجية الصياح والإنفعال مالم يكن الدين أو الأعراض فى خطر ، ولكن فى العادة فإنهم يجلسون معاً ويفكرون ثم يأخذون القرارات ويتبعون قياداتهم .
المجتمع الأفغانى أيضا ، حتى فى زمن الحرب ، كان أكثر استقرارا ، والناس لهم إرتباط بالأرض والعائلة والقبيلة والمجتمع ، بعكس العرب . العرب كانوا غرباء وليس لديهم كبراء فى أفغانستان على طريقة الأفغان .
كان لدي العرب عزام وأبوعبدالله ، فمن كانا ؟ ، فمن كان يمتلك المال كان يمتلك السلطة ، وأى شخص يمكنه إطلاق فتوى . وقد رأينا عواقب ذلك بعد جلال آباد ، ونرى تلك العواقب الآن أيضا بتحويل الجهاد إلى نشاط إرتزاقى مثل الشركات الأمنية على غرار (بلاك ووتر) بالذات على المستويات العليا فى القيادة .
فارال : نعم ، يبدو ذلك ، وتأثيرها تزايد بسبب إنقطاع أكثر العرب الأفغان والمجموعات التى كونوها ، أو التى عملوا خلالها . من الواضح أن تلك المجموعات كانت على مسافة جغرافية بعيدة عن تكوينها ومزاجيتها ، ولكن تبدو المشكلة أعمق من مجرد البعد الجغرافى ، لقد أزيحوا بعيدا عن الأحداث ، ومزاجية بلادهم . ونتيجة لذلك إحتفظوا بمعتقدات وحاولوا أو خططوا لفرض حلول غير مقبولة فى بلادهم ، وفى البلاد الإسلامية بشكل أوسع .
حامد : لقد فقد العرب الأفغان إرتباطهم مع بلادهم وشعوبهم ، وليس الإرتباط بأفغانستان فقط . أيضا ، هم لا يعرفون شعوبهم ولا يفكرون فى أفغانستان . كانو أيضا قليلوا العدد جدا فى أفغانستان ، ولا يتمتعون فى بلادهم سوى بتأييد ضيق للغاية ، رغم أن قليلون ممن هم خارج ساحة العرب الأفغان يعلمون ذلك .
فارال : يبدوا أنه طابع مكتسب مطبوع على المجموعات التى استقرت فى أفغانستان فكانت تبدو أقوى مما هى عليه فى الواقع ، كان هناك ميلا لدى بعض من العرب الأفغان بعدم الإعتراف بالأخطاء أو الحديث عنها ، أو حتى عن الخلافات فى وجهات النظر ، وذلك شجع على ظهور المجموعات بمظهر الوحدة ، على الرغم من الخلافات العميقة فيما بينها على الأرض . نتيجة لذلك على ما يبدو أن تلك الدروس لم يستفد منها ولم تتوقف التصرفات المدمرة . فإذا لم يتكلم أحد عن هذه الأشياء فإن لا شئ يمكن أن يوقف تكرار نفس التصرفات ، أو حتى يتأكد أن الدروس قد تم إستيعابها .
حامد : نعم ، كانت مشكلة شائعة ، وهى عدم الكلام عن الأشياء السيئة . كان بعض الكلام يدور ولكن فى الدوائر الضيقة ، وليس خارجها . ولا أحد يحب أن يتكلم عن السلبيات . لهذا يظهر كل شئ فى حال جيدة وإيجابيا ومشرقا إلى أن تقع الكارثة .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مافا السياسي (ادب المطاريد)