الحالة الجهادية والانقسام المنهجي والفكري
الحالة الجهادية والانقسام المنهجي والفكري
بقلم : أبو محمود الفلسطيني
الأمر الذي لا خلاف حوله ويجب أن يتقرر في الأذهان أن حركة الجهاد أكبر من أن تحصر في سلفية أو غيرها.. هي حركة الأمة على علاتها.
البعض يظن أن خروج الحركة الجهادية عن الصبغة السلفية أن نترك المنهجية العلمية في التعامل مع النص والدليل، وهذا خطأ، إذ لا تلازم فنحن على منهج السلف في التلقي والتعامل مع النصوص ولكن لسنا مع إطر ضيقة ومفاهيم قاصرة صنعت ليقال لنا أنها هي السلفية حصراً.
فحركة الجهاد إطارها هو إطار الإسلام العام، ومفاهيمها محل اتفاق كل الأمة، وقضيتها هي دفع العدو الصائل، وهنا تسقط شروط كثيرة فيجاهد كل مسلم وليس حصراً السلفي أو الإخواني أو التحريري أو أشعري.
والسلفية كغيرها أصبحت تمثل لوناً وليس وصفاً يحدد طريقة تلقيها وفهما للنص.
وهناك كلام لشيخنا أبي قتادة في صحيفة المسرى يفرق فيه بين السلفية كمنهج تلقي والسلفية المعاصرة كفكر وإطار لجماعة معينة دخلت عليها عوامل أخرجتها عن الفهم الصحيح لمعنى السلفية في التلقي.. وأكبر مثال خروجهم من إطار الاجتهاد والعودة إلى إطار التقليد، وكذلك وضع أوصاف تمثلهم فمن اتى بها هو السلفي كالمداخلة.
فالسلفية حين تكون طريقة تلقي النص نرحب بها؛ أما حين تكون خليطاً من الفكر الذي يصنعه الواقع كما هو حال المدرسة السلفية اليوم فلنا أن نقبل منها الحسن ونرفض السيء والخطأ. ونرفض أن نجعل من نظريات أي تجربة سلفية او اجتهادت في نوازل من الثوابت التي لا يجوز الخروج عنها…
نعم نتمسك بالسلفية ولكن كمنهج لتلقي النص والتعامل مع الدليل وأكبر تجلي لهذا هو نبذ التقليد والتمسك بالدليل واتباع منهج السلف في التعامل مع النوازل والفتوى، لا سحب قولهم في نوازلهم وفتواهم على أنها مذهب السلف الذي يجب القول به في نوازل مختلفة في الزمان والمكان..
فحينما يُراد منا أن نستنسخ فكر جماعة محددة ونضع أنفسنا في إطارها ونتعصب لهذا المسمى فهذا لا نقبله ولا تقبله حركة جهاد الأمة، وسنرى الخلاف الاجتهادي يتطور إلى عقدي سريعا كي تقع الفتن والتنازع والفشل….
إن ما يذهب إليه السلف في التعاطي مع واقعهم من مسائل اجتهادية لا يصح أن نقول أنها منهج السلف في التعاطي مع واقعنا نحن.. فلو دخلت الاعتبارات الواقعية التي نعايشها في واقعهم لتغيرت فتواهم وأقوالهم.
وهذا يوجب علينا أن نحقق المسائل ولا نقلب الحقائق، ثم نطلق قول مذهب السلف في التعاطي مع المسألة الفلانية دون النظر إلى اختلاف واقعنا عن واقعهم في جوانب مؤثرة.
وكذلك لم يكن الإمام أحمد أو بن تيمية أو أئمة نجد يعيشون واقعنا الذي نعيشه من غياب سلطان الله في الأرض وتشرذم الأمة ووو الخ….
إذاً، فالمسائل الاجتهادية لا نستطيع أن نعمم فيها مذهباً للسلف ملزم لنا في كل حال، بل المسائل مسائل فتوى تدخل عليها الاعتبارات والمآلات وتخلف مناط النازلة بوصف معين عن مناط الحكم.
وهذه المسألة محل الخلاف مع من يذهب لأقوال السلف ويظن أنه سلفي بينما الواقع مختلف بما يعني أن الفتوى قد تتغير عند المفتي في واقعنا.
أمثلة على ذلك:
تجد من يقول أنا سلفي المنهج دون أن يعتبر لمعنى الفتوى في الأمور الاجتهادية.
وتجد كتاب كله إطلاقات كنا نقرأه ونظنه نهاية العلم وليس بعده..
لو أقرأه الآن لا أستطيع إكماله.
هذا نموذج لتدرجنا الفكري ومعرفتنا لدلالات ومآلات الكلمات والألفاظ، وليس بالضرورة ذماً للكاتب أو للشيخ…
مثل القول في أفراد الطائفة وعدم إعمال الموانع مع وجودها ونقول هذا مذهب السلف، مع أن مذهب السلف هو البحث عن الأعذار وإعمالها وليس إهمالها، لكن في نازلتهم مع أفراد الطائفة الممتنعة تعَذر التحقق من وجود الموانع، بينما في نازلتنا نعيش داخل الطائفة الممتنعة ونعلم أحوال أفرادها….فهذا المنهج هو السلفي في طريقة التلقي والتعامل مع النص، وليس المنهج الذي يلغي الموانع ولا يلتفت لها ولو وجدت يقينا.
وكذا مسائل تتعلق بالعذر بالجهل والتأويل، فمن رفضها حاله بين متعسف في الأدلة ومضطرب فيها أو كفر العاذر وأدخل الشباب في فتنة الغلو والتكفير….
انظروا إلى داعش واتباع الحازمي لا يقبلوا بهذ الفتاوى على الإطلاق ويجنحوا إلى التعميم وإغلاق أبواب العذر والتفصيل.. ومن وجدته على هذا الحال فهو داعش شاء أم أبى، مع أن الحازميين انضموا لداعش في البداية لشهوة التكفير ثم سرعان ما كفروا داعش، وداعش حكمت بخارجيتهم ….
وكما قيل لي أن الشيخ حارث النظاري رحمه الله كان يقول: بأن التيار الجهادي صبغ بصبغة سيخرج منها في السنوات القادمة، ويقصد الصبغة السلفية.. وهو ذات الكلام الذي قاله شيخنا أبو قتادة حفظه الله.. وهذا يدل أن كل الحركة الإسلامية ستشهد تغييراً في التفكير وانفتاحاً في المنهج، وسيصبح الفكر الذي ساد سابقاً ليس محل اقتداء وتمسك، لأنه كان يناسب مفهوم الجماعة تنظيميا وايدولوجيا، أما مع حالة الانفتاح وحمل الأمة للسلاح، فلا بد من نزع الصبغات وتغيير التفكير ليخرج خارج حدود وقيود الجماعة او التنظيم وإلا سيقع التصادم بين الواقع وبين من يقتدي بالصبغات او يتمسك بالجماعة والتنظيم، وحينها نرى العجز والانسداد، لأن ما يصلح للطهرية وللمثالية لا ينفع مع جهاد أمة او شعبوية، لأن العقلية التي اعتادت الفكر المعتمد على التجربة الذاتية والمفتقد للنظرة الكلية الشمولية، والمحصور داخل قيود وجدران الصبغات العقدية والايديولوجية وقيود الجماعة والتنطيم، غير قادر على التفاعل مع جهاد، لأن مفهوم الجماعة لا يتسع لعمق الجهاد ولمهمته ورسالته التي يحملها، كذلك الجهاد لا يمكن تطويعه حسب مستوى من يخوضه او يدخل بابه. فالجهاد يسير في قدر الله، فمسيره يكون ملائم لقدر الله الذي يناسب الواقع، فالصحابة ارادوا العير والله أرد قتل أئمة الكفر من قريش، النبي صلى الله عليه وسلم أراد تحييد قريش وعدم قتالهم والله أراد الحرب مع قريش… لذلك حركة الجهاد خاضعة للقدر الإلهي الذي يناسب واقعنا، ومن عاند هذا القدر سيسقط ويُستبدل…..
حالياً التيار الجهادي انقسم إلى قسمين لكل قسم طرحه ومنهجه، والسبب في الانقسام هو تغير الواقع من حالة سحون ومطاردة وتشريد إلى حالة سيطرة وجيوش بالآلاف مع وجود المسلم المخالف ومع دخول العوام، وانتقال المعركة من نكاية في طاغوت إلى نزال دخلت فيه كل القوى الكبرى والدول الإقليمية تحاول منع خروج الأمة من الخنوع إلى الانتفاضة وكسر القيود. وكذلك لم يعد الأمر اتفاق على الكليات كتكفير الطواغيت وقتالهم وقتال أمريكا، بل دخلت امور فرعية وجزئية التي أظهرت الخلاف والانقسام، وكذلك بسبب أن هناك سيطرة موضوعية جاءت بسبب خروج العوام على الطواغيت، ظن تلبعض أن النبتة قد كبرت واشتد ساقها وأثمرت، فراحوا ينازعون على النبتة وثمرتها وكأنهم من ابتدء الجهاد وانتهى في أحضانهم. وكذلك دخول متغيرات وتحولات تفرض التغيير… كل هذه العوامل ساعدت على الانقسام والتشظي داخل التيار الجهادي بل حتى القاعدة أصبحت قواعد، والكل يدعي أنه من يمثل القاعدة الحقيقية…..
هناك قسم يتبنى الطرح النجدي هو الأقلية ولكن لا زال لهم صوت لأن خطابهم مثير للشباب وفيه تحفظ يحبه البعض كالاستعلاء وخطاب التمايز العقدي والتشدد في التكتيك والسياسة الشرعية والخوف من المسلم الآخر وتحويل كل خلاف إلى مربع التوحيد.
وهناك قسم يتبنى الطرح المنفتح المنضبط الذي يكسر القيود العقدية ويهدم الجدران التاريخية كي تدل كل طوائف الأمة في الجهاد كي يحقق مقاصده من دفع الصائل وحفظ البيضة، وهذا الانفتاح منضبط بشرط الولاء للإسلام والتعامل مع الطوائف والأفراد على هذا الضابط، وبهذا يتحصن الانفتاح من الاختراق والانحراف. وهذا يمثله الشيخ أبو قتادة حفظه الله.
والخطابالمنفتح هو الأكثر حضوراً في الساحة لكن ما زال يواجه معارضة بسبب التعود على التحفظ ومسارعة القسم الآخر إلى قذف التهم ورفع شعار التوحيد، للأسف ما يجعلنا نعيش ردود الإفعال والتراشق الإعلامي….
فمرحلةالصراع على التمسك بلون معين من الخطاب والتفكير طبيعية وستأخذ وقتاً وستنتج وسط وطرفين. وها نحن نرى تبلور الطرفين ووجود الوسط بينهما….
والتعويل بعد الله سبحانه في إنهاء هذا الصراع على خير وبأقل الأضرار على شيخنا أبي قتادة حفظه الله، فهو رائد في هذا الباب…..
قال شيخنا ابو قتادة حفظه الله :”إن خصومنا في السابق كانوا يناقضوننا في مسائل الإيمان، الآن المشكلة داخل التيار نفسه ، وهذه الخلافات إن لم تستوعب بعلم وإنصاف وعدل وعقل وهدوء ستتحول إلى إيمان وكفر، توحيد وشرك(أقول: وللأسف فقد تحولات).
الآن التيار الجهادي بسبب الظروف والأحوال وخاصة بعد أحداث داعش ، صار هناك تباين أغلبه في المسائل الفقهية ومسائل التكتيك، فيجب أن نستوعب بَعضُنَا البعض، ولا يجوز أن يبقى رفع اللواء بيننا وبين خصومنا على التوحيد والكفر، لو أن الشافعي رفعه ضد مالك، ومالك ضد أبي حنيفة لكان الأمر طامة ومصيبة وتكفير. (أقول: للأسف قد رُفع اللواء على التوحيد والكفر)
قد اختلف مع أحد ما خلاف شخصي يتعلق بحقوقي سواء حقوق معنوية أم مادية لكن نبقى أخوة في الدين وأخوة في المنهج، كذلك قد اختلف معك في اسلوب تعامل مع قضية من القضايا هذا لا يخرجني ويجعلني مصنفا عندك وعند غيرك. (أقول: للأسف قد تم الإخراج من المنهج والتصنيف بل وجعل المخالف خصما للتوحيد)المشكلة كذلك رفع الشعارات بدون وضوح وبينات يقينية لا ينبغي ، لا مميعة او غير مميعة وغيرها حتى تكون بينة واضحة يستطيع المرء أن يحددها علميا في ذهن السامع”…انتهى. للأسف بسبب عوامل كثيرة يطول شرحه دخلت على نمط التفكير عندنا أصبحت عقلية الشباب غريبة… تعطي الشاب كلاما صحيحا ومنضبطا فلا يقبله منك ويناقشك عشر ساعات.. يقول له نفس الكلام الشيخ الفلاني يقتنع مباشرة…. هذا له دلالات منها ضرورة وجود الثقة الذي يُأخذ عنه العلم، وبسبب منهجية الإسقاط التي سيطرت على العقول لكل مخالف للمنهج انعدمت الثقة بكل مخالف، فكل مجموعة اتخذت شيخا فقدسته وأنزلته مقام النبوة…..
وكذلك غياب المنهجية العلمية والفكرية السليمة عند كثير من إخواننا حتى أولئك الذين يقولون أنهم طلبة علم.
وكذلك طريقة تلقي الأفكار والقناعة بها ليس مصدرها فقط الحجة العلمية بل هناك عوامل أخرى قد تكون هي الأكثر تأثيراً على عقول الشباب كالمرجعية والتنظيم ، وهذا بسبب حالة التقديس للنظريات والاجتهادت بعد تقديس اصحابها.
نسأل الله أن يوحد الأمة ويجمع صفوفها على نصرة الإسلام….
بقلم : أبو محمود الفلسطيني