بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
نقلا عن مجلة الصمود الاسلامية السنة الثانية عشر – العدد 141 | ربيع الأول 1439 هـ / ديسمبر 2017 م
سقوط أمريكا فى أفغانستان
حولها إلى مجنون يهدد العالم
أفغانستان أسقطت نظام القطب الواحد وأنهت دورأمريكا كقوة مهيمنة ، فتحولت إلى تاجر سلاح ومخدرات، ومجرم يهدد أمن وسلام العالم .
تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا
بعد 16 عاما من حربها فى أفغانستان لم تعد الولايات المتحدة كما كانت . فتلك الدولة المتغرطسة وذلك الجيش المتجبر بأسلحة لم تعرف البشرية لها مثيلا ، لم يعد كما كان قبل تلك الحرب الطاحنة . فقد سقطت أمريكا بفشلها العسكرى المدوى من مكانتها كقطب عالمى أوحد ومهيمن ، فتغيرت بالتالى صورة العالم كما تغيرت صورة أميركا وتغير دورها فى العالم. وحتى أوضاعها الداخلية تغيرت بعمق خلال تلك الحرب وبسببها مباشرة . كان أكبر دلائل ذلك التدهور هو تلك الأزمة المالية والإقتصادية العظمى عام 2008 ـ بعد ثمان سنوات من الحرب ـ والتى لم تشف منها أمريكا حتى الآن . الرئيس الأمريكى(جورج بوش) الذى هاجم أفغانستان، وهو مسخ إمبراطورى تقمص دور الفارس الصليبى فأعلن حملته الصليبية على أفغانستان عام 2001 من داخل كتدرائية فى واشنطن . وفى نهاية فترة حكمه الثانية كانت بلاده تعانى من أزمة مالية تعدت فى خطورتها أزمة الكساد الأمريكى الكبير عام 1929 ، والذى لم ينته إلا بقيام الحرب العالمية الثانية عام 1939 .
عند تلك الأزمة تحديدا أدرك المتابعون أنها (لعنة أفغانستان) قد أصابت الولايات المتحدة كما أصابت قبلها الإتحاد السوفيتى وبريطانيا العظمى . اللذان إختفيا كقوى عظمى بعد أن جردهم شعب أفغانستان من كل أسباب العظمة ، وأخرجهم من بلاده أذلاء وقد تحطم أساسهم الإمبراطورى ، أى جيوش الغزو التى يرهبون بها العالم ويذلون الشعوب .
من قبل أن يبدأ حكمه كان “أوباما” يدرك أن أفغانستان هى الجريمة القاتلة التى إرتكبها سلفه ، الذى ظن أن بلاده ستتقوى (بعائدات الأفيون ، ونفط جمهوريات آسيا الوسطى) ـ ولكن الشعب الأفغانى كان قراره أن الجهاد هو الحل، وفيه مصرع الجبابرة وأمن المستضعفين . فكان “أوباما” متيقنا أن الإنسحاب السريع من أفغانستان هو الحل ، ولكن جنرالات الغرور والحماقة كان لهم رأى آخر.
فطالبوه بفرصة أخيرة. وكان هناك “الإيباك”ـ لوبى الضغط اليهودى فى أمريكا وهو أقوى من أى حكومة فى ذلك البلد ـ الذين أرعبهم إنسحاب أمريكى من أفغانستان بينما(مشروع الشرق الأوسط الجديد) يتعثر ويتلقى الصفعات، سوى بعض النجاحات التى أغرتهم بالإستمرار فى حلمهم لتحقيق إمبراطوريتهم فى الشرق الأوسط (يعنى بلاد العرب) تحت تغطية من إحتلال أمريكى لأفغانستان ، عسى أن يتحطم الإسلام فى أهم وأقوى معاقله على سطح الأرض / فى بلاد الأفغان/ ، فتنتهى بذلك قصته. كثيرون هم المنافقون الذين يتمنون ، وينتظرون ، سقوط جهاد الأفغان حتى يعلنوا إستسلامهم لليهود ويفتحون لهم كل الأبواب الموصدة.
لحظة إكتشاف الحقيقة :
المسيرة الأمريكية فى أفغانستان تشابه ما حدث للسوفييت فى أفغانستان . فالزعيم السوفيتى برجينيف ، وقد ضربه خرف الشيخوخة ـ قررغزو أفغانستان ، مستغلا ترنح غريمه الأمريكى بضربة كبرى تلقاها فى الشرق الأوسط تمثلت فى ثورة إسلامية فى إيران أخرجتها من نطاق السيطرة الإمبراطورية الأمريكية ، ومثلت بالتالى تهديدا لإسرائيل ، ركيزة أمريكا الأساسية فى المنطقة. لم تكن أفغانستان لقمة سائغة للسوفييت ـ كما لم تكن كذلك طول التاريخ ـ ولن تكون إلى قيام الساعة ـ لقمة سائغة لأى قوة دولية طاغية ، طالما يسكنها ذلك الشعب تحديدا وذلك الدين (الإسلام) بمفهومه التوحيدى الجهادى الإنسانى العالمى .
فما أن حل عام 1983 حتى أدرك السوفييت أن لا بقاء لهم فى أفغانستان وأن ذلك الشعب سوف يحطم إمبراطوريتهم ويذيبها بالتدريج وبلا أسلحة نووية ، بل ببقايا أسلحة الحملات البريطانية فى القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين ، ثم بأسلحة الجيش السوفيتى نفسه التى غنمها المجاهدون.
أفنت الحرب فى أفغانستان ثلاثة من الزعماء السوفييت المتهالكين بداية من بريجينيف ثم أندرويوف وشيرننكو ـ حتى وصل إلى الحكم “الشاب” (جورباتشوف) 1985 الذى قرر تنفيذ الإنسحاب. ولكن جنرالات الجيش الأحمر الفاشل والمنهزم طالبوا بمهلة ـ لعل وعسى ـ أن تتحطم إرادة المقاومة لدى الشعب الأفغانى ، فى ضربات سوفيتية أقوى بأسلحة أحدث، يدفعونها إلى ساحة المعركة ـ خاصة فى سلاح الجو والصواريخ والذخائر دقيقة التوجيه. فتنهار عزيمة المجاهدين ويستسلمون. ولكن الحرب إستمرت إلى أن إنسحب الجيش السوفيتى فعليا فى فبراير عام 1989 .
ــ “أوباما” سار على نفس خطى “جورباتشوف ” فأعطى جنرالاته فرصة . وفى بداية حكمه بدأ استراتيجيتة من نقطة وسط بينه وبين الجنرالات ، فأرسل إلى أفغانستان بتعزيزات عسكرية مكونة من 30 ألف جندى مصحوبة بموعد للإنسحاب الكلى بنهاية 2014 “!!”.
فشلت الخطة الأمريكية. وفى الموعد المقرر إنسحب “أوباما” جزئيا من أفغانستان وغير من طبيعة تواجده العسكرى معتمدا أكثر على المرتزقة الدوليين والقوات المحلية العميلة وفى مقدمتها الجيش ثم باقى الأجهزة المسلحة القمعية والتجسسية وصولا إلى الميليشيات التى تفنن فى إستحداثها وتقويتها .
تلك (الترقيعات الاستراتيجية) ، مع الظروف التى إستجدت فى “الشرق الأوسط” ودوامة الصراعات فيه ، ثم الموازين الدولية التى بدأت تميل فى غير صالح الولايات المتحدة والغرب عموما، ولصالح إنعطاف حضارى جديد نحو الشرق المتنوع بقوى أساسية جديدة تطرق أبواب التاريخ بشدة ، وفى قمتها الشعب الأفغانى ، الذى تهيأ هذه المرة ـ بعكس كل تجاربه الجهادية الماضية ـ أن يتولى بنفسه إدارة شئونه والإستفادة من نتائج إنتصاره ، والمشاركة الفعلية فى صناعة مستقبل بلاده ومستقبل المسيرة العالمية التى مهد لها وشق لها الطريق بدمائه وتضحياته التى أسقطت نظامين دوليين متتابعين خلال عقود قليلة . فالشعب الأفغانى ، أصبح له قيادته الجهادية الميدانية التى إختارها بنفسه ولم تفرضها عليه قوة عميلة من المنافقين العاملين لمصلحة الغرب .
كما أن العزلة المفروضة على الشعب الأفغانى وجهاده بغرض إضعافه وفصله عن العالم والشعوب المسلمة ، وتحويل الحرب فى أفغانستان إلى مجرد حرب مجهولة ومنسية، تلك العزلة أفادته كثيرا فأصبح أكثر وعيا وتمرساً وخبرة واستقلالية .
فليس لأحد ـ أو أى قوة كانت ـ سلطة أو يد أو نفوذ داخل قواه الجهادية التى تشكلت لديها رؤيتها الخاصة، ووعيها وإرادتها المستقلة . ورؤيتها الإسلامية الأصيلة التى صقلتها الحروب والمعارك وميادين القتال، وأعاصير السياسة حول أفغانستان وفى داخلها.
تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا
الإستقلالية نتيجة الحصار :
جورباتشوف ـ الذى أعطى جنرالاته فرصة أخيرة ـ أدرك بعد عدة محاولات عسكرية كبرى فى أفغانستان عقم محاولات الحسم العسكرى ، فقرر الإنسحاب باتفاق سياسى مع الأمريكيين يضمن تقاسما للنفوذ داخل أفغانستان ، عبر حكومة فى كابول مكونة من عملاء للطرفين، سواء ظاهرين فى واجهة الحكومة أو مستترين داخل أجهزة الدولة. كان يمكن للأمريكيين وقتها أن يقرروا بضمان سيطرتهم على حركة الجهاد، بالسيطرة على الأحزاب الفاسدة فى بيشاور وقياداتها المنحرفة . وأيضا عبر جماعات التمويل التى أظهرت صداقة للجهاد معتبرة إياه مجرد حرب بالوكالة عن المصالح الأمريكية ، وليس جهادا إسلاميا لخدمة الدين والشعب المسلم فى أفغانستان ، وعموم المسلمين فى العالم.
هذه الأجواء الموبوءة زالت نتيجة للحصار المفروض على شعب أفغانستان وجهاده . فأنتج الحصار إستقلالية ، وقوة سيكون لها ما بعدها بعد زوال غمة الإحتلال نهائيا ، والسقوط المؤكد للدولة الأمريكية المعتدية وتحالف الناتو الذى يجمع ذئاب أوروبا وأوباش من أنحاء العالم . الآن لا أحد يقرر نيابة عن شعب أفغانستان ، ولا أحد فى مقدوره أن يضغط على قيادته. فالضغط الأمريكى أنتج مزيدا من القوة الأفغانية وخلصها من الكثير من الشوائب التى علقت فى الماضى بتجاربه الجهادية المذهلة التى غيرت وجه العالم الحديث مرتين ، ولكنها لم تغير من حال الشعب الأفغانى ، بل زادته بؤساً وتخلفاً .
ذلك الضغط الأمريكى العسكرى والسياسى على شعب أفغانستان أنتج مزيدا من الضعف للولايات المتحدة بحيث لم تعد هى نفس الدولة التى دخلت أفغانستان بالإنتفاش الصليبى الذى صرخ به جورج بوش من داخل كتدارائية واشنطن. ولم يتحقق لليهود ما تمناه عضو بالكونجرس الأمريكى قبل غزو أفغانستان بقوله (سوف نحول أفغانستان إلى إسرائيل أخرى فى المنطقة).
الإمارة الإسلامية صاحبة القرار :
دخلت الحرب الأمريكية على أفغانستان عامها السابع عشر . وهم يدركون تماما أن لا حل فى أفغانستان سوى بالإنسحاب التام، وإلا فالسقوط الأمريكى قادم لامحالة داخل الولايات المتحدة نفسها . ولكنهم يطمعون فيما حصل عليه السوفييت عند إنسحابهم من إتفاق سياسى يضمن مصالحهم فى أفغانستان ، أو معظم تلك المصالح .
ولكن لا طرف فى مقابل الأمريكيين يصلح للتفاوض سوى الإمارة الإسلامية ، وقوتها الضاربة (حركة طالبان) فهى المالكة لزمام القرار حربا أو سلما .
وذلك بالنسبة للأمريكين أشبه بتناول السم القاتل ، لأن الإمارة ، وطالبان ، لن يقبلوا بأى حديث سياسى مع المحتل إلا بعد زوال الإحتلال تماما . وإذا بدأ حديث سياسى بعد ذلك فسوف يكون البند الأول فيه هو تعويضات الحرب ، وتحرير الأسرى . وسواء بدأ حديث تفاوضى بعد ذلك أو لم يحدث ، فإنه لا نقاش يمكن أن يطال إستقلال وحرية شعب أفغانستان، وكامل سيطرته على جميع أراضيه وثرواته ، وحقه الطبيعى فى إقامة نظامه الإسلامى حسب رؤيته الجهادية والتاريخية.
ــ هذا ما صار إليه شعب أفغانستان بعد 16 عاما من الحرب الجهادية فما هى حال المعتدى الأمريكى ودولته ؟؟ .
أبلغ تعبيرعن ذلك هو زعيم تلك الدولة الذى أدهش شعبه والعالم بحالة التردى العقلى والسلوكى التى يتخبط فيها كالسكران أو المجنون ، بسياساته الداخلية والدولية. إنها علامات إنهيار لم تصل إليها قوة دولية بدون حرب عالمية كبرى ، وحتى بريطانيا والسوفييت قبل زوال مكانتهما الدولية واندحارهما على أرض أفغانستان لم يبديا كل ذلك القدر من التخبط وفقدان الإتزان .
الشعب الأمريكى وشعوب العالم مجمعون على أن ذلك الرئيس المختل عقليا والمنحرف سلوكيا هو خطر على العالم بأسره ، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أولا .
حسب قول أحد المحللين السياسيين، فإن ترامب لم ينجح سوى فى شيئين إثنين، الأول هو إستنفار الروح العنصرية تحت شعاره(إستعادة القومية الأمريكية) فانتعشت الكراهية فى صفوف الشعب . والنجاح الثانى كان إنقسام المجتمع الأمريكى إلى نصفين متباعدين تفصلهما هوة تتسع بإستمرار . فهناك دعاوى إنفصالية داخل الولايات المتحدة بذرائع دينية ومذهبية وعرقية ، وهناك ولايات أمريكيه ترغب فى الإنفصال عن الإتحاد الأمريكى .
وإذا حدث ذلك أثناء تواجد القوات الأمريكية فى أفغانستان فسوف تواجه تلك القوات مشكلة عويصة. فمن منها سيكون تابع للإتحاد الأمريكى ومن منها تابع للولايات المنفصلة ؟؟ .
ومن أين سيتلقى كل منهما الأوامر والتمويل ؟؟. فى النهاية قد تستسلم تلك القوات بكاملها للمجاهدين ، أو ينسحب منها فرد واحد قد يتمكن من الخروج سالما من أفغانستان كما حدث للبريطانيين حين إنتهت حملتهم الأخير بنجاة طبيب واحد فقط .
جيش الدولة المنحطة يتحلل :
الجيش هو عماد القوى الإستعمارية الكبرى . ومع نهايته ، أو فقدانه الرغبة والحماس للقتال، تنتهى تلك الإمبراطورية . فلا يذهب جنود جيشها إلى مغامرات خارجية إلا بضغط الحاجة المعيشية وهربا من ضغوط إجتماعية ونفسية .
فالجيش الأمريكى بالفعل هو جيش من المهمشين إجتماعيا الذين لا سبيل أمامهم للعيش بشكل معقول سوى أن يبيعوا أنفسهم كوقود للآلة العسكرية النهمة .
جنود الجيش هم من الطبقات المهمشة فى قاع المجتمع، من الشواذ والمنحرفات . ومن ضباط أعينهم على وظائف عالية الأجر فى شركات المرتزقة بعد تركهم صفوف الجيش ، وجنرالات أعينهم على وظائف عليا فى شركات النفط والسلاح ، أو الدرجات العليا فى العمل السياسى والمجالس النيابية ، أو تأسيس شركاتهم الدولية الخاصة للإتجار بالمقاتلين المرتزقة.
ـــ لا أحد فى العالم يحسد جنود أمريكا فى أفغانستان. بضغوط نفسية ومعارك قاسية، وفساد ضرب أطنابه فى تلك القوة المحاربة ، بداية من جنرالاتها الكبار، وحتى وقود المعارك من الجنود الصغار الذين يقتل منهم كثيرون. والذى يخرج منهم سالما تفتك به لاحقا عاهات عقلية ونفسية ، وتجاهل حكومى وإزدراء من المؤسسة العسكرية نفسها .
ــ تحليل أجراه مكتب المحاسبة الحكومى الأمريكى كشف عن طرد عدد كبير من العاملين فى وزارة الدفاع الأمريكية لأسباب تتعلق “بسؤ السلوك!!”. وفى تقرير نشر فى شهر يونية 2017 نشر المكتب المذكور فى موقعه على الانترنت أن 57,141 جنديا طردوا من الخدمة خلال الفترة ما بين العامين (2011 ـ 2015 ) لأسباب تتعلق “بسؤ السلوك” .
نسبه 16% منهم تم تشخيص حالاتهم بأنها (إضطراب وتوتر ما بعد الصدمة) أى الرعب الناتج عن صدمة المعارك القاسية. وحالات أخرى إرتبطت “بسوء السلوك”. وبعض الإضطرابات كانت بسبب شرب الخمر. وأن 23% من المفصولين تم تصنيفهم ” غير شرفاء” وهذا يحرمهم من الحصول على فوائد الرعاية الصحية من إدارة شئون المحاربين القدماء .
إشتكى التقرير من أن البحرية لم تطلب فحصا طبياً قبل الحكم بفصل المتهمين “بسؤ السلوك” للتأكد من أن تلك التهم ليست ناتجة من (إضطراب ما بعد الصدمة) .
أمين شئون المحاربين القدماء (ديفد شولكن) أعلن سابقا عن خطط للنظر فى شكاوى المحاربين القدماء من نقص الدعم الذى يقدمه الجيش لهم .
هذا مجرد جزء صغير من صورة الإنحدار المأساوى التى يعيش فيها الجيش الأمريكى ، نتيجة لحرب أفغانستان أساساً ، والتى شهدت أبشع أنواع إنحطاطهم العقلى والنفسى فى مجازرهم الوحشية ضد الأبرياء.
تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا
رئيس الإنحطاط فى دولة الإنحطاط :
وهذه هى الصورة التى تجسدها أمريكا كقوة عظمى ، خاصة فى شخص رئيسها المجنون الذى يترنح فى أرجاء العالم ، مهددا ومتواعدا ومبتزاً كأى بلطجى يبتز العاهرات ، أو مقامر يسرق زبائنه العابرين والدائمين .فتلك هى مهنته القديمة وخلفيته التاريخية ومصدر المليارات التى يمتلكها .
ــ نجاح ترامب فى شق المجتمع الأمريكى بنزعاته العنصرية ، التى أحيت الصراع والدعوات الإنفصالية ، لا يتفوق عليها سوى إخفاقاته العظمى فى سياساته الداخلية، وفشله فى تطبيق أيا من وعوده الخارجية أو الداخلية ، سوى نجاحات له فى (الشرق الأوسط) مع زبائن أمريكا الدائمين . فدعوته إلى (إستعادة القومية الأمريكية) و(أمريكا أولا) لم تنجح فى إعادة الشركات الأمريكية التى إنساحت خارج الحدود فى بلاد العالم الفقير لتجنى الثروات الطائلة بعيدا عن الضرائب ، وبلا رادع عن إنتهاج سياسات الفساد والإفساد . وبخروجه عن قواعد العولمة والأسواق المفتوحة ، أضعف كثيرا الأساس الإقتصادى والسياسى للنظام العالى ، وبخروجه من إتفاقية باريس للمناخ ومحاولة التملص من الإتفاق النووى مع إيران قوض مصداقية بلاده ، وأضعف قيمة الإتفاقات الدولية والقانون الدولى ، فتباعد عنه تدريجيا حتى أقرب الحلفاء فى أوروبا .
وفى الداخل فإن سؤ علاقته مع مجلسى الشيوخ والنواب منعاه من سن تشريعات كان يطمع فيها للضرائب ، ومنعاه من إلغاء قانون الرعاية الصحية التى إستحدثها سلفه اللدود”أوباما ” ، وأحبطا مشاريع قوانين تمنع قدوم رعايا بلاد إسلامية بعينها إلى الولايات المتحدة .
وساد التوتر بينه وبين المؤسسات العسكرية والأمنية ، التى أزعجها طيشه وجهله ، فألزموه برقابة لصيقة من جنرالات عسكريين يراقبون قراراته الخطيرة على أمن بلاده . فهناك الجنرال “جون كيلى” كبير موظفى البيت الأبيض ، والجنرالات “هربرت ماك ماستر” مستشار الأمن القومى والجنرال “جيمس ماتس” ، الكلب المسعور ووزير الدفاع ، الذى تعرض لمحاولة إغتيال صاروخية فى مطار كابل .
أمريكا تفرض الفاشية كنظام عالمى :
وهكذا صارت الولايات المتحدة التى تشيع عن نفسها أنها قلعة الديموقراطية فى العالم ، مجرد نظام فاشى يحكمه الجنرالات من وراء ستار رئيس مختل عقليا بدعوى حماية البلاد والعالم من طيشه وجنونه . وفى الواقع فإن الحقيقة الكبرى المختفية وراء حادث 11سبتمبر الرهيب الذى غير أمريكا والعالم ، أنه كان تغطية لإنقلاب عسكرى إستخبارى للقبض على زمام الدولة وتحويلها إلى فاشية محلية وعالمية . وذلك ما حدث بأن تحولت دول العالم بدرجة أو أخرى إلى التضييق على الحريات بذريعة الحرب على الإرهاب أو للوقاية منه .
ــ أما مشروع تمكين إسرائيل من خناق (الشرق الأوسط العربى) وإنهاء قضية فلسطين، فقد أوكلها “ترامب” إلى ثلاثة من أشرس الصهاينة الأمريكيين وهم : صهره (جاريد كوشنير) ، ومبعوثه الخاص (جيسون جرينبليت) وسفيره فى إسرائيل (ديفد فريدمان) .
ــ تأجيل الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان عن موعده الضرورى، بدأ يعطى تفاعلات سريعة وقاتلة داخل الجيش الأمريكى والمجتمع الأمريكى نفسه . فقد جاء التأجيل بضغط صهيونى ، بهدف كسب الوقت، حتى يتم تغيير وجه (الشرق الأوسط) ليصبح إمبراطورية صهيونية. ولكن المشروع اليهودى تعثر، وظل يندفع قدما بتهور وعلى غير أساس ثابت فى الأرض ، لذا فهو معرض لإنهيار مفاجئ فى أى لحظة.
والمشروع الأمريكى نفسه على وشك إنهيار حقيقى فى أفغانستان ، وستكون واشنطن أول ضحاياه ـ كما كانت موسكو أول من دفع ثمن هزيمة جيشها فى أفغانستان .
تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world