نجل بن لادن يروى قصة والده من تورا بورا إلى أبوت آباد (3-3)
” هذا عبدُ الله “
نجل بن لادن يروى قصة والده
من تورا بورا إلى أبوت آباد
3 من 3
بقلم:
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
وتبخر حلم الإستقرار :
– الآن إختلف الوضع ، وتمدد الأمريكان كثيرا على الأرض . فقرر الوالد أن نبقى فى مخبأنا الحالى . وفكر فيما يشبه الإستقرار المستقبلى فى تلك المنطقة .
وبالفعل ناقش مع مضيفينا الأفغان إقتراحا بأن يبنوا لنا بيتا فى كونار ، وقدم لهم رسما للبيت. وكان هو الرسم الذى أعتمد لاحقا فى بناء بيت أبوت آباد ، والذى يعتمد تصميمه على الخداع البصرى .
ثم قدم لهم دعما ماليا للعمل ضد الإحتلال . وبالفعل نشطوا فى مقاومة الأمريكان فيما بعد. لم يكونوا راغبين فى أن نتركهم ، فأرضاهم الوالد بأموال حتى يسمحوا لنا بالذهاب، وعاهدهم أن يبنى لهم بيتا بجوار الحرم فى مكة عندما تتحرر أفغانستان وتتحرر السعودية. ووضع يده فوق أيديهم على ذلك العهد .
– قريبا من ذلك الوقت جاءنا عنصر الإرتباط بالقاعدة”محمد فهيم” بأخبار من جلال آباد . فأعطاه الوالد خمسين ألف دولار لتمويل نشاطات المقاومة ضد الإحتلال وحدد له بعض الأهداف ، وبالفعل تم تنفيذ عدد منها . وعند سماع الوالد بأحدها ـ وكان هدفا هاما ـ سجد لله شكرا ، فقد كان إنتقاما لجزء من عذابات العرب فى جلال آباد . ولكن “فهيم” لم يلبث أن قتل أيضا .
سريعا ما تبخر حلم بناء بيت فى جبال كونار والإستقرار فيها . فقد وصل الأمريكيون إلى منطقتنا . الإنذار جاءنا مع أفغانى دخل علينا جاحظ العينين وهو يلقى بالسباب عبر المخابرة التى فى بيده . أخبرنا الرجل لاهثا أن الأمريكيين يمرون من الوادى أسفل الجبل الذى نختبئ فيه وأن معداتهم تتدفق بكثافة .
كان الموقف عصيبا جدا ..
وبأقصى سرعة لبسنا الأحذية وحملنا أسلحتنا، وصعدنا إلى أعلى الجبل نسابق الزمن ، حتى تقطعت أنفاسنا رغم أن الثلج لم يعد موجودا .
سمعنا أصوات سيارات ” هامر” الأمريكية ورأيناها تمر أسفلنا فى الوادى . فجلسنا خلف شجرة حتى مر الرتل ثم واصلنا الصعود . أمرنا الوالد بعدم إطلاق النار على العدو إلا إذا أطلقوا هم النار علينا . فقال الدكتور أيمن : ” لن أدخل السجن مرة آخرى” .
واصلنا الصعود مستترين بثنايا الجبل . الأصدقاء من أهل المنطقة بحثوا لنا عن مكان نختبئ فيه ، فوجدوا شجرة ضخمة ، جذورها تصنع أقواساً مع سطح الأرض ليشكلان ـ الجذور والأرض ـ ما يشبه خندق يسع شخصا واحدا ينام تحته ممداً .
دخل الوالد والدكتور أيمن ، وأنا نمت تحت أرجلهما . مرافقنا الأفغانى غطانا بالأعشاب تمويها للمكان . لم يأت الطيران ، ولكن جنود المشاة وآلياتهم يملئون الوادى وكانوا واقفين مباشرة تحت الجبل الذى نحن فيه .
بقينا يومين على هذا الحال مختبئين فى جحر الثعالب هذا ، من الصبح إلى ما بعد المغرب ، بلا طعام ولا شراب ولا قضاء حاجة .
(صورت بالفيدو الوالد وهو يخرج من الفتحة المموهة والفيلم موجود فى مؤسسة السحاب للإعلام ) . بعد زوال الخطر ، الأفغان أخبرونا أن العدو قد ذهب والمنطقة عادت آمنة . بدأنا النزول إلى أسفل الجبل واستغرق ذلك من الضحى إلى قرب الظهر .
( صورت والدى والدكتور أيمن يهبطان ذلك الجبل وانتشرت الصورة عالميا على أنها من توربورا ).
على الفور بدأنا صعود الجبل المقابل والذى تقع باكستان خلف سفحه الآخر . وبشكل متواصل إستمر صعودنا إلى قرب الفجر . كانت القمة رهيبة ومرتفعة جدا لدرجة أننا أثناء الصعود دخلنا فى السحاب ، فتبللت لحانا وملابسنا . وكان معنا أفغانى واحد أو أثنين وكان الأكل قليل جدا .
مررنا بقرية تقع فى الثلث الأخير من الجبل ، فتجنبناها واستمر صعودنا حتى وصلنا إلى القمة تماما . كنا جميعا منهكين ، فقال الوالد : “سنرتاح قليلا ثم نواصل السير” . فهيأنا مكانا تحت الشجر حتى نتمدد فوقه . (تلك الحوادث كلها مسجلة فى الكاميرا التى معى وأثناء المطر كنت أخبئها تحتى أو فى داخل ملابسى ) .
بعد عشر دقائق من بدء إستراحتنا ، هطلت علينا الأمطار بشدة وكنا منهكين لدرجة لا نستطيع معها القيام من مكاننا . خبأت الكاميرا تحتى حتى لا تتلف .
عند الفجر هدأ المطر فواصلنا المسير حتى طلوع الشمس . وكان مرافقونا الأفغان يصبروننا قائلين أن الوصول قريب .
مرحلة باكستان :
لقد بدأت للتو مرحلة جديدة تماما . فنحن نقف على الجانب الباكستانى من الجبل ، وقد أنهكنا الجوع والعطش . عثرنا على صخرة فى جانب الطريق الجبلى الضيق ، وكانت محدبة بحيث إحتفظت بالماء فى داخلها ، فشربنا وتابعنا المسير .
إستغرقت مسيرتنا يوما كاملا لم نسترح فيه سوى نصف ساعة . قرب الظهر وصلنا إلى أحد البيوت للإستراحة والإختباء . أدخلونا فى غرفة كانت مخصصة للإطفال وما زالت مليئة بروائحهم النفاذة . فى ذلك المكان كنا فى إنتظار (مختار) ـ خالد الشيخ ـ
مازلنا فوق الجبل وطريق السيارات يبعد عنا مسيرة نصف ساعة . مرافقوا الأفغان كانوا متوترين وقالوا إن الأمريكيين موجودون أسفل الجبل ومعهم خونة من الأفغان ، وننصحكم أن لا تنزلوا . فطلب منى الوالد أن أنزل لإستكشاف الطريق وبرفقتى أحد الأفغان ، وزودنى بعلامة متفق عليها إذا حدث واعتقلت .
نزلت ولم أجد شيئا مما قالوا . فنزل الوالد والدكتور أيمن من فوق الجبل . وكان مختار فى الإنتظار وهو يقود سيارة “باجيرو” . دخلنا مدينة بيشاور نهارا ، وأقمنا فى أحد البيوت يوما أو يومين ، حتى وصلت زوجة أبى وإبنتها .
جاءنى الوالد ، وقد إنتهت تلك الرحلة العصيبة ، وقال لى : “جاء الوقت لأن تذهب للزواج” .
تمنعت عليه فخاطبنى باللهجة السودانية قائلا : “يازول .. يازول .. دايرين نشوف أولادك يازول” . وافقت ثم حضر الشباب لمرافقتى ، وأعطانى الوالد خمسة آلاف دولار ، وقال : “هذه كى تستعين بها على أمور الزواج” .
وبدأت رحلتى بعيدا عن الوالد . وقبلها كان قرارا قد إتخذ بإنفصال الوالد عن الدكتور أيمن فى مجموعتين مختلفتين ، لدواعى الأمن .
{ يمضى الشاب بعد أن ترك والده ( أسامة بن لادن) فى رواية قصته ، مبتدءا الرحلة من بيشاور إلى لاهور ثم روالبندى ثم كراتشى ثم كويتا .. وأخيرا إيران .. حيث الإعتقال والسجن وأحداث كثيرة خشنة ومؤلمة . إلى أن عاد بنا مرة أخرى إلى والده فى أبوت آباد ، واصفا الجريمة التى إرتكبها الأمريكيون هناك .
وقد رواها كما سمعها من أفراد الأسرة الذين كابدوها } .
هـذا عـبدُ الله :
آبوت آباد .. نهاية الرحلة .
ــ ( فجر الثانى من مايو 2011 ) ــ
فى تلك الليلة كان الوالد ـ أسامة بن لادن ـ يقيم فى الطابق الثالث من بيت مكون من ثلاث طوابق له حديقة فيها بيت للحارس . قبل الفجر سمع أصواتا غريبة قادمة من الطابق الأسفل ، فطلب من إبنه خالد أن ينزل ليرى ما الأمر ، ولكن خالد لم يصعد إليه مرة أخرى .
الأصوات التى أقلقت بن لادن كانت صادرة عن هجوم للقوات الخاصة الأمريكية على المنزل. فقد نفذوا إنزالا بواسطة طائرتى هيلوكبتر ، وهاجم الجنود من أعلى البيت ومن أسفله . الطائرات كانت أيضا خاصة ولا تصدر صوتا عند التحليق . والأسلحة المستخدمة كانت كاتمة للصوت ، لهذا كانت العملية صامتة إجمالا ولم تسترع إنتباه أحد . الصوت الوحيد الذى سمعه أهل المنزل والمنطقة المجاورة كان إنفجار أحد الطائرتين المهاجمتين بينما العملية ما تزال دائرة داخل البيت ، أو قرب نهايتها ، وقد إستغرقت وقتا قصيرا .
عندما نزل خالد إلى الطابق السفلى ، أطلق عليه المهاجمون النار وقتلوه على الفور . ثم صعدوا إلى الطابق الثالث فدخلوه وأطلقوا النار على الوالد فورا ، فسقط على الأرض .
ولم يكن بن لادن يحمل سلاحا وقتها .
الزوجة أمسكت سلاح الجندى المهاجم واشتبكت معه ، فضربها وطرحها أرضا ثم أطلق عليها النار فأصاب ركبتها ، وحتى الآن لا تستطيع ثنيها .
جمع الجنود النساء والأطفال فى غرفة واحدة واضعين وجوههم إزاء الحائط مكبلين أيدهم من الخلف . ثم أحضروا جثة الوالد (بن لادن) ومددوها خلفهم وطلبوا منهم الإلتفات والنظر إليها .. وسألوهم : “من هذا ؟؟” ، فردوا عليهم قائلين : “هذا عبدُ الله” . فأمروهم بالنظر إلى الحائط مرة أخرى . ثم أخذوا الجثة وذهبوا ، تاركين جثة خالد فى مكانها .
حضر الباكستانيون وأخذوا النساء والأطفال وذهبوا بهم . والدة خالد قبل أن تغادر إنحنت على جثة إبنها وقبلته فى جبينه .. ثم مضت .
فى فناء المنزل كان يوجد ملحق يعيش فيه الحارس وأسرته المكونة من زوجة وطفلان ـ وكان معه ضيف من أقاربه فى تلك الليلة . ذلك الحارس هو نفسه أبوأحمد الكويتى . المهاجمون قتلوهم جميعا ولم يتركوا خلفهم أحدا من الأحياء .
ثم غادروا بطائرتهم المتبقية .. وهدأ المكان المفعم برائحة الموت والدم .
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
بقلم:
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
www.mafa.world