الرد المفقود من تسريبات أبوت آباد (5 من7)
الرد المفقود من تسريبات أبوت آباد (5 من7)
موقع” مافا السياسي ” ينشر الرسالة الجوابية التى كتبها مصطفى حامد
ردا على رسالة “أبو الخير ومجلس شورى القاعدة” فى صيف عام 2009
الحلقة الخامسة :
# عندما نتحدث عن جريمة إغتيال المعارض الإيرانى فى هيرات إنما نتحدث عن جريمة فيها شبهة الإغتيال السياسى ، وهى مرتبطة بالملابسات السياسية وقتها .
# مقولة أن أمريكا إختارت بن لادن كى يلعب أمامها دور” قائد الإرهاب الإسلامى”، لا يعنى العمالة ، فأمريكا إختارت السوفييت عدوا دوليا قبل ان يقرر السوفييت ذلك ، ولم يكونوا عملاء لأمريكا .
# أحاديث فى : التصعيد والردع ــ أسلحة الدمار الشامل ــ إستهداف المدنيين .
# السلاح النووى هو ضمانة وجود على حد قول بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل . وهو الذى قال أيضا أن العرب بعيدون عن إدراك مفهوم الردع .
# من المتوقع إذا حازت (سلفية) من أى نوع على ذلك السلاح، أن يتحول إلى إبادة المسلمين أنفسهم .
# إستهداف المدنيين يأتى ضمن خطوات متعمدة للتصعيد. ونسبة خسائر المدنيين فى حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 90% من إجمالى الخسائر البشرية فى الحرب .
# هذه هى أولويات أبو عبيدة البنشيرى فى رحلته الأخيرة إلى أفريقيا .
# حزب الله يدرك تماما ما هو التصعيد وما هو الردع ، ويمتلك فلسفة متكاملة لهذا المفهوم الخطير .
# طلبت من الشيخ أسامة بن لادن ، إن كان لديه عملية كبرى ضد أمريكا ، أن ينتظر بها حتى تبدأ حربها على أفغانستان .
تحميل الرد المفقود 5 – 7 ( PDF ) علي الرابط التالي:
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world
أخى العزيز..
ليست المشكلة فى أن نخطئ.. ولكن المشكلة هى أن نخفى الخطأ ونتستر عليه.والخطأ الأشد هو أن ندافع أخطائنا ونصورها على أنها عين الصواب والحكمة.
أما الجريمة الأكبر فهى أن نمنع أى أحد من أن يتكلم عن الحقيقه أو ينتقد ويشير إلى الأخطاء ويقترح وسائل الإصلاح ونصفه بالكذب والإفتراء وتزييف الحقائق وترديد أقاويل الأعداء وأجهزة المخابرات “الإيرانية” أو التآمر ضد “الحركه المباركة ” والتنظيم الذى صار مقدسا والزعيم المعصوم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
# نعود مرة أخرى إلى شيخ المسجد فى إيران، ويحتاج إلى نقاش منفصل ليس مجاله الآن. ولكننا بصدد عملية إغتياله رحمه الله وعلى يد من تمت الجريمة. بالطبع لم يحدث تحقيق جدى فى الحادث وما نتكلم عنه الآن هو مجرد قرائن أحاطت بحادث يبدو أنه جريمة إغتيال سياسى.
وفى كلامى عن الحادث ضمن (كتاب صليب فى سماء قندهار) ذهبت إلى ربطه بقضية منع زراعة الأفيون فى عام(2001 ). وكانت قضية كبرى فى أفغانستان لأنها تتعلق بعلاقة الإمارة مع الولايات المتحدة. وبالتالى كانت أيضا قضية دولية. وكنت قد تنبأت قبلها بعام أو أكثر أن منع زراعة الأفيون ستدفع أمريكا نحو الحرب.
وكان متوقعا أن تساند إيران قرار الإمارة بمنع زراعة الأفيون. وقدمت بالفعل بعض المساعدات، وساعة إغتيال ذلك المعارض الإيرانى فى هيرات كانت شحنة من المساعدات واقفة فى ساحة القنصلية الإيرانية فى هيرات وشحنات أخرى على الحدود تنظر العبور.
ولكن أول ردة فعل “للغاضبين” على حادثة الإغتيال كانت مطلوبة لحرق تلك المعونات ووقف أى معونات تالية.
أى مزيد من الحصار للمزارعين، الذين حاصرتهم باكستان، كما شرحت فى الكتاب بمنع إستيراد الفاكهه منهم، مع إغرق السوق بالقمح الردئ الرخيص فبار محصول القمح الذى زرعه الفلاحون الأفغان بديلا عن الأفيون.
رأيت وقتها أن السلسلة مترابطة.
وذلك على أى حال مجرد تحليل للأحداث قابل للصواب أو الخطأ، ولا يستدعى ذلك الغضب الذى هو سمة رسالتك الطويلة، فهى عاصفة متربة من الغضب الأعمى المانع للرؤية أو الفهم الصحيح.
فتصف تحليلى قائلا :
{{ وبرأت المخابرات الإيرانية من قتله وألصقتها بجهة أخرى، رغم أن القرائن والشواهد تقول خلاف ذلك إنها الرواية الإيرانية مرة أخرى كما عرفناها منهم}}.
لم أكن أعرف وقتها دور خاتمى المتعاون مع الأمريكيين. وقد ذكرت فى كتاب(السائرون نياما) أن حادث هيرات وإغتيال “الشيخ المعارض” ممكن أن يكون ضمن المسلسل الرامى إلى خلق مبررات لتحويل وجهة الدولة فى إيران من العداء لأمريكا إلى التعاون معها ضد حركة طالبان.
ولا مانع أن يكون الإغتيال قد يتم من أجل خلق مبرر لوقف برنامج التعاون فى مجال وقف زراعة الأفيون. وعلى أى حال فقد كان غريبا جدا أن المعونات الإيرانية وقتها كانت أقل بكثيرا جدا مما كان متوقعا. وحتى ردة فعلهم تجاه منع زراعة الأفيون كانت باردة على غير المفترض. ومع ذلك فقد كان مبدأ تقديم معونات إيرانية إلى الإمارة فى ذلك الوقت، ومهما كانت ضئيلة، كانت خطوة كبيرة وتقدما ملموسا عملت الإمارة على تشجيعه.
نحن مازلنا نتحدث عن إحتمالات لبواعث سياسية تقف خلف جريمة إغتيال سياسية ضمن إطار الوضع السياسى وقتها. لهذا أضيف أن الشيخ الشهيد لم يكن يشكل تهديدا يذكر للنظام والدولة فى إيران. فلم يكن تحت تصرفه قوة ضاربة مسلحة ولا حتى إذاعة يسخدمها فى التحريض على النظام، ولا حتى عمق شعبى فى إيران يحسب له حساب. ذلك كان تقديرى على الأقل وعليه إستبعدت أن تكون “المخابرات الإيرانية” هى الفاعل. وقد أكون مخطئا، فلست سوى محلل سياسى أرجح إحتمالا على إحتمال آخر، بدون أن أجزم بشئ قطعى. فلماذا الغضب إذن ؟؟.
كان لك ملاحظتان قبل وصولك إلى الخاتمة التى سأتكلم عنها والنتائج التى توصلت إليها ومن تقول أنهم “معظم” من حولك.
الملاحظة الأولى كان فيها موضوع الأخ الكريم “أبوالغيث” الذى ذكرت فى كتابى أنه حضر الجلسه الأخيرة لى مع بن لادن ولكنه فى الحقيقة لم يكن قد حضرها. وقد تكلمنا عن تلك النقطة بالتفصيل فى موضع سابق. حيث أنك إعتبرتها من إنتصاراتك الكبيرة فى رسالتك المهزلة تلك.
كما تناولت الملاحظة الثانية ورددت عليها بالتفصيل وكانت عن “المصداقية” فى وصفى بن لادن أنه صديق، بينما أنت أعتبرت ذلك بحثا منى عن المصداقية.
ولكن فى ثنايا الملاحظة الأولى دقائق تستوجب هى الأخرى الرد والتوضيح.
فقد قلت فى مقدمتها ما يلى :
{{ الملاحظة الأولى هى أنك فى كتاباتك عن بعض الأمور التى كانت شاهدا عليها لا تذكر أنك كنت شاهدا إلا عندما يكون ذكر ذلك يدعم وجهة نظرك الحالية فى الموضوع، وليس بالضرورة وجهه نظرك فيه عندما كنت شاهدا عند وقوعه مع العلم أن عندنا من الإخوة من أشركته بجلسة من الجلسات التى حاولت فيها دعم وجهة نظرك وهى جلسة ساخنة وفيها آخذ ورد كبيرين وعندما سألناه عن فحوى الجلسة.. الخ }}.
سبق ذكر تلك الفقره بالكامل فى موضع سابق. إلى أن تصل إلى القول :
{{ أما حديثك عن الأمور التى كنت شاهدا عليها، ولكن ذكرك لشهودك عليها لا يخدم ما تريد لا تذكر الدور الذى قمت به فيها }}.
ثم تضيف جمله هامة هى : {{ والكتاب حافل بالأمثلة على ذلك }}.
وأجبت بأننى كنت أود خلال رسالتك الطويلة والمملة والتى لم تترك فيها حيلة ولا وسيلة إلا إتبعتها كى تصل إلى نتائج محددة سلفا هى ماجاءت فى الخاتمة التى سأناقشها معك بشكل مفصل.
وكنت أود لو أنك أوردت خلال رسالتك مثالا واحدا من تلك التى “حفل بها الكتاب” ولا أظن أنك كنت ستوفر شيئا لو أنك وجدته.
كنت أود منك بل أرجوك بشدة أن تذكر أمثلة على تلك الإنتقائية التى مارستها فى كتابى هذا أو أى كتاب آخر.
فآرائى التى كانت فى لقائى مع بن لادن هى نفسها آرائى الآن لم تتغير، وقد رجوته فى لقائى الأخير معه أن لا يورط الإمارة فى حرب. وهو شاهدى على ذلك وكذلك الدكتور أيمن الظواهرى. بل أيضا نقلت وجهه نظرى إلى وزير خارجية الإمارة “وكيل أحمد متوكل” وقد نقلها بدوره إلى أمير المؤمنين الملا عمر. وسمع أرائى تلك عدد كبير من أفراد اللجنة الإعلامية للقاعدة ممن كانوا فى قندهار وقتها. ولا أريد أن أذكر لك أبوحفص رحمه الله لأن ذلك سيفرحك وتقفز وتقول ” تجعله شاهدا لأنه رحل عنا”، وللأسف سوف أجعله شاهدا فى حادث آخر مع شهيد آخر هو أبو عبيدة البنشيرى رحمه الله.
وأحمد الله أنك لست شاهدى “الوحيد” على أى شئ. لأنك كنت حاضرا لجزء من تلك الجلسة التاريخية، كما ذكرت ذلك فى موضعه، ولكنك تجاهلت ذلك، فتكون فى الواقع ” شيطان أخرس” لا يشهد على حق شاهده وسمعه.
# أقول لك أننى فى مقدمة كتبى ذكرت بأن آرائى إزاء بعض الأشياء تغيرت مع الوقت،وذلك أعتبره طبيعيا بالنسبة لى ولكن ليس بالنسبة لآخرين. وفى ذكرى للأحداث أذكر آرائى ومواقفى وقتها، وذلك ما فعلته بالضبط.
هناك أحداث أقل أهمية ذكرتها، ولم يكن هناك ضرورة أن أقول أننى كنت هناك، أو عبارات قيلت كنت أنا قائلها، ولكن أشرت فى إشارة قد تكون مفهومة على أننى كنت القائل. ولكن لقلة الأهمية لم أركز على ذلك.
فأنا لم أكن أكتب مذكرات شخصية بل كنت أسجل مسار أحداث كبرى شارك فيها كثيرون. وعند الضرورة وعندما يقتضى السياق أن أركز على حدث هام فأشرح آراء من شاركوا وآرئى إن كنت من ضمنهم، وكانت آرائى، كالعادة، تأخذ منحى آخر مخالفا لهم.
تحميل الرد المفقود 5 – 7 ( PDF ) علي الرابط التالي:
جهل أولويات المعارف الجهادية :
أخى الغيور.. رسالتك الغاضبة واعتراضاتك العاصفة أظهرت جهلا فادحاً بأوليات المعارف الضروريه لمجاهد عادى. ناهيك بقيادى كبير خاض تجربتين جهادتين كبيرتين، ولا عجب أنهما كانتا فاشلتين، فى كل من مصر ثم فى “غزوة منهاتن” كما أسميتموها أو كارثه سبتمبر كما ينبغى أن يطلق عليها.
قصوركم الشديد ” كما باقى السلفيات الجهادية” هو فى أولويات المعرفة السياسية/التى هى غير قراءة الصحف وسماع نشرات الأخبار/. ثم أولويات المعرفة العسكرية / التى هى غير فن إستخدام السلاح والمتفجرات.
ولا أتكلم عن ماهو أهم وقبل كل ذلك وهو أولويات المعرفه الدينية/التى هى غير إتقان فن الفتوى والتكفير والطعن فى العقائد، والمبارزات حول ما تسمونه بالعقائد السلفية الصحيحة..
سأبدأ بغضباتك المتصفة بالأمية السياسية:
فعند كلامى عن إختيار أمريكا لأسامه بن لادن كى يلعب أمامها دور قائد “الإرهاب الإسلامى” قلت بالنص فى كتابى :
{{ لم يكن من وجهه نظرهم أفضل من بن لادن. فقد خبروا إمكاناته العملية والفكرية وقدراته التنظيمية. لقد إختاروه عن وعى كى يلعب أمامهم دور العدو الإسلامى الشرس. فالعدو المعلوم إمكاناته خير من عدو مجهول المنشأ والقدرات والفكر، وذلك أمر محتم ظهوره بحكم أن أمة كأمة الإسلام لا يمكن أن تستسلم لهذا المخطط بدون إبداء مقاومة شرسة والأفضل بحكم المنطق والعقل أن يختار المرء عدوه أو من يلعب أمامه هذا الدور}}.
،”صليب فى سماء قندهارص50″.
ثم تعرض فضيلتكم فاصلا من هستيريا الغيرة على الشرف الرفيع الذى أصابه الأذى. واعتبرت قولى إتهاما للرجل بالخيانة. بل إعتبرتنى شريكا معه حيث أننى حسب قولك (كنت “أعمل” مستشارا مقربا!!).. وليس بعد الجهل ذنب.
فما أتكلم عنه هو ظاهرة معروفة فى عالم السياسة، من مستواه الأعلى عند القمم الكبرى وحتى مستواه الأدنى عند الحكومات العربية وأمثالها.
سأضرب لك مثلا عند المستوى الأعلى. عندما إستسلمت ألمانيا النازية للحلفاء وكانت جيوش الحلفاء مازالت فى ميادين القتال الذى إنتهى، عرض رئيس وزراء بريطانيا على الرئيس الأمريكى “ترومان” أن تقوم دولتاهما بشن الحرب فورا على الإتحاد السوفيتى وهو مازال منهكا، لإبعاده عن ساحة المنافسة الدولية حتى يتقاسماها سويا بلا شركاء، لأن باقى المنافسين الأوربين لم يعد لديهم قوة على ممارسة دور قوة إستعمارية دولية كما كان الحال فى السابق.
(لاحظ أن شيئا يشبه ذلك العرض البريطانى هو مانفذه الأمريكيون ضد المجاهدين العرب فى أفغانستان. إذ أعلنوا الحرب عليهم فور الإنسحاب السوفيتى فى فبراير1989 وكانت البدايه هى معركة جلال آباد فى مارس1989، أو حرب المعيز كما أسميتها فى أحد كتب أدب المطاريد).
لكن الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية كان لهم رأى آخر وهو أن عليهم على أى حال إختيار “عدو خطير” فى نفس الوقت يكون ضعيفا لدرجة لا يشكل معها تهديدا فعليا.
ولكن وجوده يتيح لهم ذريعة تمكنهم من التدخل فى كافة أنحاء المعمورة بدعوى حماية نفسها والعالم من ذلك العدو، ويكون شعبها فى الداخل مقتنعا بضرورة إسناد حكومته فى تلك المغامرات التى تمتلك مبررا مشروعا.
لاحظ أيضا أن ذلك ما يحدث تماما مع القاعدة الآن.
الرئيس ترومان قرر أن “يلاعب” الإتحاد السوفيتى كعدو شرس وخطير على الساحة الدولية بدلا من أن يشارك بريطانيا العظمى فى إقتسام العالم. وله فى ذلك قائمة من الأسباب الذكية والمقنعة.
{ لاحظ أن أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت تبحث عن عدو وليس عن شريك. فوجود العدو هو عنصر أساسى للقوى العظمى التى تسعى إلى السيطرة على شعوبها أولا بحجة الدفاع عنها ضد عدو خارجى، ثم السيطرة على الدول الأخرى بحجة الدفاع عنها ضد خطر يهدد العالم أجمع.. كل ذلك دورا ألبسته أمريكا ظلما وعدوانا للسوفييت، ولم ندرك ذلك إلا بعد أن ألبستنا أمريكا أياه فجعلت القاعدة هى العدو الدولى الخطير الذى يقود إرهابا إسلاميا دوليا يهدد أمن شعبها فى الداخل ويهدد أمن العالم كله فى الخارج }.
فبريطانيا كانت ضعيفه جدا بعد الحرب، ذلك صحيح ولكنها غير مقبولة كشريك / ولكن مقبولة كذيل حضارى ومساند سياسى/ ولاتصلح لأن تكون عدوا قوميا لأمريكا، لأنها تنتمى إلى نفس الفصيل الأمريكى، بل هى أصله السكانى والدينى والثقافى، فهل يعقل ان تقاتل أمريكا أمها الشرعية بريطانيا ؟ وهل يعقل أن يكون الصراع داخل المعسكر “الديموقراطى” نفسه وداخل الكتلة الغربية الأوروبية المتسلطة منذ قرون على العالم أجمع؟. مكان أوروبا الجديد بعد الحرب العظمى هو دور التابع للهيمنة الأمريكية، وليس الشريك فى إقتسام العالم، وليس العدو القومى للوطن الأمريكى الذى صار الأقوى بعد الحرب وبعد أن آلت إليه تركات أوروبا الإستعمارية.. الأولى أن يكون الغريم هو الإتحاد السوفييتى ـ صاحب العقيدة الشيوعية المنافية لكل الأديان، والنظام الشمولى غير الديمقراطى وصاحب الأصول المسيحية المنفردة عن باقى مذاهب أوروبا. والأعراف التى يغلب عليها الطابع الشرقى والهمجى والمتوحش طبقا للرؤية الانجلوسكسونية.
سواء أن الإتحاد السوفيتى قبل الدور بترحيب أو أنه فرض عليه فرضا ولم يستطع التملص منه، فذلك هو ما حدث بعد نهاية الحرب الحرب العالمية الثانية وصولا إلى نهاية الحرب الباردة بين الكتلتين وهزيمة السوفييت فى أفغانستان.وعندها ألبس الدور عنوة لأسامة بن لادن والقاعدة كبديل يرث عداوة الغرب بعد الإتحاد السوفييتى السابق
وذلك لا يطعن فى الرجل ولا فى التنظيم، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى عمالة، تماما كما أن الإتحاد السوفيتى لم يكن عميلا ولا خائنا ولا متآمرا على نفسه عندما فرض عليه ذلك الدور فرضا بعد الحرب العالميه الثانية مباشرة. وفرض على بن لادن والقاعدة فرضا بعد الإنسحاب السوفيتى من أفغانستان ونهاية الحرب الباردة.
الفارق هو أن أمكانات الإتحاد السوفييتى كانت تؤهله لذلك الدور أما الأمر بالنسبة إلى القاعدة فيبدو مزحة سخيفة للغاية.
كما يعنى كلامى أن أمريكا إختارت بشكل منطقى عدوا لا يهددها فى حقيقة الأمر، أو أن تهديده محدود ومحتمل. كما أنها وقد درسته بشكل تفصيلى ومعمق أثناء سنوات “الجهاد الأفغانى”. وهذا شئ طبيعى أن يحدث من القوة الأكبر فى العالم وقتها، فقد كانت تدرس وترقب عن كثب ساحة مشعلة بأكبر معارك الحرب الباردة، أو بالأحرى أحد أكبر معارك “الحروب بالوكالة” التى ميزت حقبة الحرب الباردة، والحرب الوحيدة التى إستخدم فيها أى دين، والإسلام بشكل خاص، ذلك الإستخدام المحورى.
وإذا كانت الأمة الإسلامية فى حالة مخاض عنيف، ومرشحة للمزيد من الإستباحة على يد أمريكا وإسرائيل والغرب عموما، فمن الطبيعى أن تبرز قوى إسلامية تدافع وتقاوم تحت راية الإسلام. فهل يترك الأمر هكذا للمصادفات أم أن العقل يحتم التدخل فى عملية الإختيار، وإنتخاب الأعداء المعلومين بدلا من مجاهيل يزحفون فى ظلام الغيب فيقلبون المسرح رأسا على عقب.
تسألنى : “أين هو دليلك عن صحة تلك التهم؟؟”.
فأقول لك : إنها ليست تهم، بل هى قواعد تحكم سلوك الدول فى عالم السياسة الدولية وحتى الداخلية. والكثير من ذلك ينكشف فى مصادر عدة ومن وثائق تخرج من أرشيف دول أو معاهد أبحاث.
وقد تعرض العالم الاسلامى “والعربى” إلى الكثير من عمليات “الإنتخاب” تلك التى لا تعنى “العمالة ” أو “الخيانة” إلا فى القليل منها. مثل “إنتخاب” أتاتورك وتجهيزه وتلميعه عسكريا بإنتصارات مصطنعة حتى يصبح “زعيما” لتركيا تنتهى على يديه الخلافة العثمانية.
كان إختيار أمريكا للتيار الوطنى العلمانى، أو الإشتراكى العلمانى أيضا، على حساب الإتجاه الإسلامى فى العالم العربى فى خضم إنقلابات، وحتى ثورات، دون أن يعنى فى بعض الحالات أن هناك إتفاقا مسبقا قد حدث بين أمريكا، التى كانت ترث المنطقة عن الإستعمار القديم، وبين القوى الإجتماعية والسياسية الصاعدة فى العالم العربى.
ولو إنتقلنا إلى السياسات الداخلية سنجد أمثلة أكثر عددا وأكثر فجاجة.
إذن قانون الإنتخابات أو الإنتقاء موجودة فى دنيا السياسة منذ قرون طويلة، رغم نفيكم لكل ما هو خارج عن نطاق علمكم أو فهمكم الشامل.
تحميل الرد المفقود 5 – 7 ( PDF ) علي الرابط التالي:
الردع ـ أسلحة الدمار الشامل ـ واستهداف المدنيين :
عن موضوع أسلحة الدمار الشامل وإستهداف المدنيين، أثرت فى حديثك زوبعة من الإشكاليات، نابعة من قصور معيب فى معلوماتك الأولية فى شئون الحرب كما فى السياسة. وليست تلك مشكلتك وحدك بل أيضا هى مشكلة زعيمك وصديقى، أسامة بن لادن، نزولا إلى باقى الدرج التنظيمى للقاعدة، ثم السلفيات الجهادية بشكل عام كما يتضح ذلك من نشاطها “الجهادى”… وذلك بحث طويل جدا.
وبما أنك معاق عن الفهم بالشكل المطلوب، فسأحاول التبسيط والإختصار، عسى أن يكون فى ذلك تعميما للفائدة.
وأرجو إن كان لديكم المذكرة المسماة “حروب غير تقليدية” وكانت تسجيلا شبه كامل لمجموعة محاضرات ألقيتها على بعض الإخوة فى عام 1996 ـ الفصل الثانى فى المذكرة وكان بعنوان : الردع.. والتصعيد المتبادل. وفيه شروحات تفيد كثيرا فى هذا المجال، ولكننى سألخص وسأضيف أشياء جديدة فيما يلى :
# تسعى الدول إلى تحطيم إرادة خصومها والسيطرة عليهم. فتبدأ بما يسمونه اليوم بالقوة الناعمة. أى الوسائل التى هى دون القوة المسلحة، مثل حرب الأفكار والحروب النفسية والإقتصاد والضغوط السياسية والإشاعات وتشويه الخصوم وبث الفرقة والوقيعة والحروب الداخلية لتفتيت الخصم من الداخل بإشعال الخلافات والفتن والصراعات والحروب بين مكوناته الداخلية إن أمكن.
وفى النهاية قد تلجأ الدول الأقوى إلى إستخدام قوتها المسلحة كى تجهز نهائيا على الخصم بعد أن تكون قد أضعفته إلى أقصى حد. وذلك كما يقول البعض هو الهدف الأسمى للإستراتيجية الذى هو تخفيض الحاجة إلى القوة المسلحة إلى الحد الأدنى، أو حتى عدم اللجوء إلى إستخدامها أساسا.
فإذا طال أمد الحرب المسلحة فإنها تشهد درجات من التصعيد.أى إستخدام المزيد من القوة والزج بها فى أتون المعركة. والتصعيد يكون بإستخدام قوات أو أسلحة جديدة أو توسيع نطاق الحرب ليشمل مجالات أوسع كانت مستبعدة فى بدايتها.
هذه المجالات الجديدة تكون إقتصادية وصناعية. فإذا تمت تغطية تلك الأهداف وكان الخصم مازال يقاوم فإن التصعيد يصل إلى إستهداف المدنيين بشكل منهجى منظم بعد أن كان فى مراحل الحرب السابقة يحدث بشكل ثانوى كنتيجة لإستهداف قوى العدو عسكرية أو صناعية أوإقتصادية. ولكن فى نهاية التصعيد يصبح المواطن المدنى هدفا فى حد ذاته.
وهكذا فعلت الولايات المتحده والحلفاء مع اليابان وألمانيا. فضربت المدنيين فى اليابان بالقنابل النووية والطيران، فكانت الخسائر مليون قتيل. ثم ضربت ألمانيا بالطيران الأمريكى والبريطانى ليلا ونهارا فيما أسموه ” القصف الإستراتيجى” فكانت الخسائر ثلاثمئة ألف قتيل مدنى، إلى جانب دمار شبه كامل للبنية الصناعية.
وفى العادة يلجأ أحد الطرفين إلى التصعيد فى حالة ما كان بحوزته تفوق نسبى على خصمه فى الوسائل الهجومية، أى فى إستطاعته إيقاع قدر كبير من الأذى بالخصم فى مقابل كمية أقل من الخسائر يمكن للخصم أن يوقعها به.
فمثلا أذا كان يمتلك سلاح طيران أبعد مدى بحيث يمكنه ضرب الأهداف الصناعية والإقتصادية فى عمق أرض العدو، بينما العدو لا يمتلك إمكانية مماثلة أو يمتلك إمكانية أقل بكثير عندها يلجأ الأقوى على تصعيد الحرب.
ذلك هو ” التصعيد” فما هو الردع ؟؟.
الردع هو إمتلاك القدرة على إيقاع أذى بالخصم يحول بينه وبين التمادى فى التصعيد. أى الحفاظ على سقف متفق عليه “ضمنا” للصراع العسكرى.
قد يكون الإتفاق الضمنى هو إبقاء الصناعات الاستراتيجيه العسكرية أو غير العسكرية خارج الإستهداف. ولنفترض مثلا الصناعات الكيماوية التى قد يؤدى دمارها إلى تسميم الهواء وهلاك الآلاف من البشر.
أو يكون الإتفاق إبقاء المنشآت النوويه خارج الإستهداف. أو إبقاء السدود المائيه أو الموانئ البحرية بعيدا عن الحرب.. وهكذا.
فإذا كانت القدرات متكافئة يصبح التصعيد ودخول المجالات “المحظوره بإتفاق ضمنى” عملا أحمقا لا طائل من ورائه سوى الخراب المتبادل بلا جدوى.
أما إذا فقد أحد الطرفين القدرة على الردع فإن الطرف الأقوى يندفع بلا حدود فى مجالات التصعيد. فيتعرض الأضعف إلى الإباده الشاملة أو الجزئية ويكون إستسلامه غير المشروط نتيجة حتمية.
أما إذا إمتلك الطرفان قدرة لا نهائية على التصعيد والردع فى آن واحد، أى أنه يمتلك الوسائل لإستخدام القوة التى تؤدى إلى إفناء الخصم. سواء كان هو صاحب الخطوة الأولى فى التصعيد أو كان هو صاحب الخطوه الثانيه بالردع.
وبمعنى آخر، كل طرف لديه القدرة على إفناء الطرف الآخر سواء كان هو صاحب المبادرة بالضربة الأولى أو كان صاحب ردة الفعل فى الضربة الجوابية الثانية.
عند ذلك تتوقف الحرب تماما إذ تصبح عملا إنتحاريا لاجدوى منه ، وذلك هو ما حدث عندما حصل كل من الأمريكيين والسوفييت على السلاح النووى.
وتلك هى فلسفة الحصول على السلاح النووى لدى الدول التى تسعى إليه. أى أن تحصل على ” ضمانة وجود” على حد قول ديفيد بن جوريون أول رئيس لإسرئيل.
والذى قال أيضا أن العرب ينبغى أن يبقوا بعيدين عن إمتلاك ذلك السلاح كونه سلاح للردع وليس للإستخدام، وأن العرب بعيدين عن إدراك مفهوم الردع.
( ولا شك أن كلام صديقى الغاضب وتصرفات القاعدة فى ذلك الموضوع، ومناقشاتها فيما بعد، كلها تؤكد وبكل حزن وأسف، صحة ما ذهب إليه بن جوريون من جهل معيب عند العرب بمفهوم الردع الذى يتأتى بالحصول على السلاح النووى بعد إنتشاره وليس عند إحتكاره ).
إستهداف المدنيين :
من العرض السابق يتضح أن ذلك الإستهداف يأتى ضمن خطوات متعمدة للتصعيد.
والإستهداف العشوائى يسقط الكثير من المدنيين ولكن”الإستهداف الصرف” يهلكهم بشكل مريع خاصة إذا إستخدم السلاح النووى ” مثل حالة هيروشيما ونجازاكى”.
# وجاء فى أحد الإحصاءات أن نسبة خسائر المدنيين من إجمالى الخسائر فى الأرواح كانت 30% فى حروب القرن التاسع عشر، ثم أصبحت حوالى60% فى الحرب العالمية الثانيه، ثم حوالى 90% فى حروب نهايات القرن العشرين إلى الآن.
هذا يعطى صوره تقريبية لمدى معاناة المدنيين والمخاطر التى أصبحوا يتعرضون لها فى الحروب. وزاد من خطورة الأمر أنه بعد سقوط الإتحاد السوفيتى، ودخول الجيوش الأمريكية والأوربية واليهودية ساحات حروب ضد ضعفاء لا يملكون قدره الردع، تمادى المعتدون فى الخوض فى دماء المدنيين إلى درجة تقترب من الإبادة.
ـ فإذا كان الأفغان قد فقدوا حوالى مليونى شخص فى حربهم ضد السوفييت، فلا أحد يعلم حتى بالتقريب خسائرهم حتى الآن على يد الأمريكين وإن كانت تعد بمئات الآلاف من القتلى وأضاعفهم من الجرحى.
فإن العراقيين فقدوا على يد الأمريكين وحلفائهم منذ1991 وحتى الآن ليس أقل من 2,5 المليون شهيد وأضعاف هذا الرقم من الجرحى وأضعاف ذلك كله من المشردين داخل وخارج العراق.
ـ وشعب فلسطين يتعرض لإبادة متدرجة بالنار والجوع تهدد الآن حياة 1,5 مليون إنسان فى غزة وتهدد بالتشريد والخراب كل فلسطينى على أرض فلسطين.
ـ وضاع أكثر من ثلث شعب الشيشان فى حروب إبادة يشنها الروس عليهم منذ بداية التسعينات إلى الآن.
ـ وضاع ليس أقل من نصف شعب الصومال بالقتل والموت جوعا وتشريدا.
ـ واليمن دخلت المحرقة ولا يعلم المدى الذى ستصل إليه.
لهذا أرى أنه لابد من إمتلاك الحركات الجهادية فى العالم العربى والإسلامى لإمكانات ردع /أهمها سلاح دمار شامل/ لوضع سقف من الحماية على أروح مواطنينا.
فنحن الآن وشعوبنا كلها، إما أنها تحت محرقة إبادة شاملة، أو مهدده بذلك فى حالة عدم إنصياعها بالكامل لإسرائيل وأمريكا وأوروبا.
تحميل الرد المفقود 5 – 7 ( PDF ) علي الرابط التالي:
أستدرك هنا بملاحظات :
1 ـ أن طبيعة الحركات السلفية الجهادية ـ وعلى رأسها القاعدة، إلى جانب عدم إدراكها لمفهوم “التصعيد والردع” غير مؤهلة لإستخدام ذلك السلاح بالشكل الصحيح الذى يجعله يؤدى المطلوب منه.
لأن المطلوب ليس مجرد الإستخدام فى حد ذاته، بل المطلوب هو إستخدامه عند الضرورة القصوى بطريقة تؤدى إلى ردع العدو عن التمادى فى إبادة المسلمين فى مناطق الصراع.
2 ـ أن طبيعة إتباع المنهج السلفى تجعلهم غير قادرين على ترتيب الأولويات بالنسبة لأى مشكلة أو صراع، ويعانون من خلط غير طبيعى بين ماهو ثانوى وما هو جوهرى. لذلك من السهل جدا أن تنطبع القرارات الهامة بالطابع الإنفعالى أو الشخصى أو المزاجى.
وهم دوما معرضون لتأثير”الخارج عليهم” والعبث بأولوياتهم طبقا لمصالح قوى”طاغوتية”. وأبرز مثال على ذلك هو ما أشرت إليه فى كتاب”حرب المطاريد” على أنه نظرية “علماء البنتاجون وبغال التحميل”. حيث تنقلب الأولويات رأسا على عقب لدى حاملى السلاح من السلفيين بمجرد فتوى من أحد “نجوم الإفتاء” أو أحد المتحمسين جدا من الغاضبين أصحاب الصوت الجهورى والخطابه المزلزلة.
وعليه فإن المتوقع أن ذلك السلاح إذا حازته “سلفية” من أى نوع، فسوف يؤدى إلى إبادة المسلمين بأيدى المسلمين. أى يتحول إلى نوع من ردع الذات بل وإبادتها.
لأن الأرضية “الإعتقادية” لدى هؤلاء تجعل مساحة الأعداء فى المعسكر الإسلامى “حتى فى القطاع السنى نفسه ” واسعة جدا. بل غالبا، مقدمة على غيرها وعاجلة بشكل لا يقبل التأجيل. وكل ذلك ملاحظ فى كل التاريخ القريب وبالتحديد منذ الحرب الأفغانية وإلى الآن.
# إن بدء الصراع مع أمريكا وإسرائيل، إختيارا، وبدون سقف من أسلحة الردع يمنعهم من ممارسه الإبادة الشاملة ضدنا هو نوع من التقصير المريع غير المقبول، وتفريط ينبغى عدم السماح به، أو أنه جهالة فوق الحد الطبيعى الذى تعودنا عليه من قادتنا العظماء.
وأسلحه الردع لا تجدى بدون فهم دقيق ” لفلسفه الردع” بمعنى معرفة: متى وكيف وأين ولماذا تستخدم هذه الأسلحة. وليس مجرد الإمتلاك، وليس مجرد الإستخدام.
# هكذا كنت أقول دوما، ومازلت، ولكن للأسف فإن العدو يسمع ويعمل بشكل أذكى وأسرع. أما إخواننا فمعروفة هى ردات فعلهم وطريقه تفكيرهم. وهذا واضح من خطاب “صديقى القديم”، أما كيف يتصرفون إذا تولوا زمام المواجهة فذلك أوضح من أن يشار إليه فى كل مكان حلوا به ـ بلا إستثناء ـ وقد أشرنا إلى بعض ذلك فى حديثنا هذا، وفى غيره.
لأجل ذلك أخى الغاضب العزيز، قلت للأخ الفاضل أسامه بن لادن ـ فى جلسه ضمتنى معه والشيخ سعيد وأبو محمد المصرى حفظه الله ـ وجميعهم أحياء ـ ولم يكن هناك أى شخص آخر وكانت الغرفة مغلقة فى أحد بيوت عرب خيل جنوب مطار قندهار وبعد مواجهتنا الفاشلة نحن وطالبان مع مسعود فى شمال كابول 1998 وقبل سفر أبومحمد فى رحلته إلى أفريقيا.
حذرت شيخنا العزيز من أنه قبل أن يطلق طلقة واحدة على الأمريكين لابد أن يمتلك قدرة على وضع سقف للصراع بإمتلاك سلاح دمار شامل من أى نوع ممكن. وإلا فإنهم سيمارسون علينا وعلى المسلمين حرب إبادة. فكان رده أنه سيسعى إلى ذلك. فسألته عن الميزانية التى خصصها لهذا المشروع. فكان رده أن المال مع الشيخ سعيد وسيتولى الإنفاق حسب المطلوب. فكان ردى عليه أنه يمزح ويتكلم بكلام ” فك مجالس” أى لمجرد إمتصاص أزمه طارئة فى الجلسة.
وكنت محتداً ولم أكلمه فى حياتى بمثل تلك الحدة، وإن كنت كلمته بأشياء أشد قسوة ولكن بطريقة أكثر هدوءا، وكنا منفردين تحت شجرة فى معسكر جهادوال.
كان أبو حفص وأبو عبيده كلاهما متحمس لفكرة ” إمتلاك ” ذلك السلاح ومن نقاشاتى معهما، لم يكن أبوحفص على إستعداد لمناقشة فكرة أن يكون هناك ” فلسفة” خاصة لذك السلاح.
وقال لى أبو حفص ما معناه : نمتلكه أولا ثم نفكر بعد ذلك كيف نستخدمه.
وكلاهما كان جادا فى فكرة الإستخدام، كذلك أكدت لى متابعاتى مع أبو حفص تحديدا كلما سنحت فرصة اللقاء والنقاش. وكذلك أكدت لى تلك الفرص أن أبوعبدالله كان يمارس ” فك المجالس” وتهدئته الخواطر بكلام أو بإجراءات لا تفضى إلى شئ (حتى لو حدث ما تقول بأن البعض قبض عليهم فى أثناء تجوالهم للبحث عن ذلك السلاح. فذلك فى حد ذاته يثبت عدم الجدية والإستخفاف البالغ. فليس أى أحد يبحث فى أى مكان، وبدون أرضيه تعارف سابق أو إتصال بخبراء فى تلك العوالم المظلمة والخطرة ).
ؤأكد لك أن أبوعبيده فى رحلته الأخيرة إلى أفريقيا كان مصرا على ثلاثة أشياء :
الأولى: عدم العمل مع أبوعبدالله بعد ذلك “أبدا” مع التأكيد على كلمة “أبدا”.
الثانى : البحث فى أفريقيا عن إمكانية الحصول على أسلحة دمار شامل، معتبرا ذلك هو الهدف الأول والأهم للمرحلة القادمة (وأفريقيا مكان مناسب للبحث على عكس ما تدعى أنت. فهناك عصابات دولية تنشط فى جميع المجالات غير المشروعة).
الثالث: الشروع فى عمل خاص يكفل له الإستقلال المالى عن أبوعبدالله، وكان يطمع فى أن يساعده أبوعبدالله بقرض يتيح له بناء مشروع تجارى خاص.
كذلك كان أبوعبيدة بعد آخر لقاء جمعه مع أسامة بن لادن. وقد ذكر تلك النقاط الثلاث بوضوح تام لى ولأبوحفص. صدق ذلك أو لا تصدق، أنت وشأنك، لأن شاهدى الوحيد فى ذلك اللقاء قد استشهد رحمة الله عليه.
# عن موضوع إستهداف المدنيين أراك هائجا مائجا ومتهما إياى غمزا ولمزا لمعارضتى لعمليه 11 سبتمبر وقولى أنها تفتقر إلى الغطاء الشرعى والأخلاقى بينما أشيد بعمليات “حزب الله ” عندما قصف بالصواريخ أهدافا مدنية فى حربه الأخيرة ضد إسرائيل فى (يوليو/أغسطس2006 ). ثم مطالباتى بحيازة أسلحة دمار شامل والتى ستطال حتما المدنين بتأثرها المدمر.
أقول أن ثورتك تنبع من نقطتين أساسيتين :
الأولى: وهى الأهم، تعود إلى جهلك التام بمفهموم الردع وأبعاده العسكرية والسياسية.
الثانية : مشكلتك العقائدية منذ زمن بعيد مع الشيعة، ثم ورطتك معهم فى سجنك الحالى الذى شاركك فيه كثيرون، ولكن تفاوتت حدة المعاناة بتفاوت حدة الموقف ” العقائدى” من الشيعة والدولة فى إيران.
أقول لك بالنسبة لحزب الله، فإن الإعجاب بأداء تلك المجموعة عسكريا وسياسيا شمل الأغلبية العظمى من المهتمين والمراقبين من مختلف الإتجاهات وحتى داخل اسرائيل نفسها. ولسنا هنا بصدد محاكمة العقائد وفرز الصحيح من الفاسد فتلك مسائل ممتده منذ قرون طويلة وربما تظل كذلك لقرون قادمة، وهى بطبيعتها غير قابله للحسم، أو الإباده كما يدعو بعضكم الآن. الحل الوحيد هو التعايش كما كان يحدث دوما رغم أزمات حادة تكررت عبر التاريخ.
حزب الله يفهم ماذا يريد ـ وأهدافه واضحة جدا فى ذهن قياداته وكوادره ومنتسبيه. (على العكس تماما مما هو لدينا. وأجزم بأن أعلى مستويات القيادة فى الحركات الجهادية السلفية لا تعرف تحديدا ماذا تريد. وتحسب أن مجرد شعارات هائمة عائمة هى كل مايلزمها فى ميدان الصراع ).
وحزب الله يدرك تماما ما هو الردع وما هو التصعيد، ويمتلك فلسفة متكاملة محددة لهذا المفهوم الخطير ومارسه فى معركته الأخيرة بمنتهى الدقة.
فعندما قصف حزب الله بالصواريخ تجمعات العدو السكنية وأهدافه الإقتصادية، جاء ذلك متزامنا مع قصف العدو لنفس الأهداف فى لبنان كله والجنوب بشكل خاص.
فكان مفهوما لدى العدو ولدى كل من يتابع الأحداث أن هذه بتلك، وأن الحرب دخلت مرحلة من التصعيد المتبادل، فأصبح المدنيين هدفا أساسيا فى معركة يخسرها من يصرخ أولا.
وقد صرخت إسرائيل أولا رغم أن ضربات حزب الله كانت أقل بكثير من ضربات إسرائيل من حيث كمية الدمار وإنتشار رقعته. ولكن إسرئيل لا يمكنها أن تتحمل ضرب مدنييها حتى بأقل القليل، وذلك لسبب بسيط وهو أن حقائبهم جاهزة دوما وسوف يرحلون إلى بلدانهم الأصلية ولن يغامروا بالبقاء فى إسرائيل. وقد حدث ذلك بالفعل خاصة فى طبقة الصفوة الغنية والقادرة. ولو طالت الحرب أكثر للحقت بهم الطبقة المتوسطة.
إذن فهم العدو رسالة حزب الله، وفهمها كل العرب وكل العالم. وكان تصعيده مبرر شرعيا وأخلاقيا.. بل وموضع ترحيب وحماس من الأغلبية المطلقة من العرب والمسلمين. فماذا عن عملية 11 سبتمبر ؟.
لقد كانت خارج أى سياق، لذا بدت غير منطقية ولا مفهومة بل ومطعون فى أخلاقيتها وشرعيتها.
فالعدو لم يكن فى حالة إشتباك جارى معنا، أو مع أى طرف مسلم. والصراع كله مكتوم وغير ظاهر وإن كان يتساقط فيه قتلى وشهداء بإستمرار إنما حدة الصراع الظاهر خافته جدا فى ذلك الحين.
من أجل ذلك أثناء لقائى الأخير مع الشيخ أسامه طلبت منه إن كان لديه عملية جاهزة ضد الأمريكيين كما لمح بذلك لمراسل محطة إم بى سى، أن ينتظر بها حتى يبدأ الأمريكيون عدوانهم على أفغانستان فى حرب الأفيون الثالثة والتى كلمته عنها ورفض هو الفكرة بشدة، و قلت أنها ستبدأ فى أوائل أكتوبر وتنتهى فى أواخر ديسمبر. فإذا جاءت عملية “بن لادن” كرد على ذلك العدوان على أفغانستان فإن الوضع سختلف كليا عند ذلك لأن :
ـ ستكون العملية مبررة شرعيا وأخلاقيا.
ـ ستكون موضع ترحيب إسلامى شامل.
ـ سيرحب بها الأفغان بشكل كامل وسيقدرونها وستتقوى روابطهم مع العرب، وسيكون بن لادن بطلا قوميا لديهم.
أما إذ بدأت القاعدة، فإن عكس ذلك كله سوف يحدث. وأنت ترى أن الذى تحقق هو الذى حذرت منه، فمن العسير جدا أن تقنع معظم الناس بأن العملية كانت مبررة أخلاقيا وشرعيا، رغم أن العدو كان يستحق ما هو أكثر من ذلك ولكن طبقا لخطة آخرى مبنية على علم ودراية وفهم عسكرى وسياسى صحيح.
# أشير لفضيلتكم أن ما سبق من شرح لمفاهيم التصعيد والردع ليست قوالب جامدة كما أنها أوسع من ذلك بكثير وتحتاج إلى متابعة دائمة لمواضيع التسليح والصراع العسكرى والسياسى والإستخبارى. وكذلك تطورات الوضع الدولى والبيئة الداخلية والأقليمية للصراع محل البحث.
# كذلك فإن إمكانية الردع قد تتحول إلى مجرد إمكانية تصعيد، إذا إستخدمت بالفعل، ورد عليها العدو ردا مماثلا. فينتفى عندها مفهوم الردع تاركا الساحة لمفهوم التصعيد المتبادل.
كما أن قدرة التصعيد ترتقى إلى مقدره الردع إذا تمكن العدو من إيقاف قدرتنا التصعيدية، كأن يمتلك مثلا قدرة على إدخال صواريخ تصد الصواريخ فى حالة اسرائيل. عندها تصبح صواريخ أعداء إسرائيل “حزب الله، حماس، إيران، سوريا ” لاهى سلاح ردع ولا حتى سلاح تصعيد، بل مجرد قدرات معطلة. وتصبح أسلحة العدو التى كانت للتصعيد هى أسلحة ردع. بمعنى أنها تردع أعداء اسرائيل عن مجرد محاولة الإقتراب منها.
مثال آخر: تمتلك إسرائيل ترسانة هائلة من أسلحة الدمار الشامل (نووى، جرثومى، كيماوى) ونجحت فى جعل ذلك كله سلاحاً ردعيا.
ولكن إذا إستخدم المسلمون بعض هذه الأسلحة بالفعل ضد إسرائيل. فإن الترسانة الإسرائيلية من أسلحه الدمار الشامل تصبح أسلحة تصعيد لتوسيع المعركة من حيث قدرات التدمير المستخدمة أو مداه أو إمتداد رقعة الحرب، أى لم تعد أسلحة ردع لأنها لم تمنع العدو من الهجوم على المناطق المحرمة. وهنا يكون الإنتصار لمن لديه قدره أكبر على الصبر والتحمل، أى إمتصاص ضربات العدو وتحمل الخسائر الكبيرة. وهنا يمتلك المسلمون قدرات أكبر بكثير من اليهود فلدى المسلمين الأراضى الشاسعة والأعداد الهائلة من البشر ” مليار ونصف من المسلمين ” بينما لا تسطيع إسرائيل أن تتحمل خسارة مجرد عدة مئات من آلاف البشر، ويستطيع المسلمون تحمل أضعاف مضاعفة من ذلك الرقم. من هنا يمكن إعتبار القدرة على الصبر لدى المسلمين وتعدادهم الهائل ومساحة بلادهم غير المحدودة أنها أسلحة ردع رغم أنها ليست أسلحة قتال مباشر. ولولا تلك الأسلحة لدى المسلمين لمارست إسرائيل بحقهم عملية إبادة شاملة ومباشرة. وهى تمارس عمليات إبادة منخفضة الشدة ضد الفلسطينين، وضد جيرانها من العرب، خاصة الشعوب عظيمة السكان مثل مصر التى تعانى من نظام (صهيونى محلى) يحكم فى غياب أى معارضه شعبية يعتد بها.
وهناك إباده أشد بشاعة تدور فى العراق تديرها إسرئيل كما تفعل بدرجات متفاوتة فى اليمن وأفغانستان والصومال.
تحميل الرد المفقود 5 – 7 ( PDF ) علي الرابط التالي:
النسخة الأصلية من الرسالة الجوابية التى كتبها مصطفى حامد ردا على رسالة “أبو الخير ومجلس شورى القاعدة” فى صيف عام 2009 ميلادي
المصدر:
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
مافا السياسي (ادب المطاريد) – نشر في 16/06/2017
www.mafa.world