رياح السموم .. داعش وزراعة الفوضى فى أفغانستان : (1 من 6 )
رياح السموم .. من بلاد العرب إلى بلاد الأفغان : (1 من 6 )
داعش وزراعة الفوضى فى أفغانستان
بعد الإحتلال الأمريكي لأفغانستان ، إلى وزيرستان الحدودية في باكستان هاجرت القاعدة ـ أو ما تبقى منها ـ ومعها شبيهات أخريات من بلاد العرب. وبرفقتهم جماعة الإيجور من تركستان الشرقية ” الصين ” وتنظيمهم الإسلامى ، الذى جاء وهابيا منذ نشأته الأولى على أيدى مهاجرين قدماء فى السعودية . ومعهم أيضا تنظيم “الجماعة الإسلامية الأوزبكية” ، الذى رفض مؤسسه محمد طاهر الوهابية وتمسك بمرجعية المذهب الحنفى ، فاعتبره الوهابيون مشركاً . فالوهابيون لا يخفون عدائهم الخاص للمذهب الحنفى .
فمنذ قدومهم الأول إلى أفغانستان جاهر بعضهم بعدم شرعية أى د ولة إسلامية تقوم على المذهب الحنفى ، وإدعى آخرون أن الإمام أبا حنيفة النعمان ، مؤسس المذهب ، قد خالف متعمدا صحيح السنة النبوية فى عدة مواضيع فقهية . متحمسون آخرون جاهروا بأن الدافع لقدومهم إلى أفغانستان هو توجيه ركلة إلى المذهب الحنفى لهدمه لأنه يشبه الجدار المائل . أقوال من هذا القبيل تصدى لها بن لادن ، ثم إستعان بمفتى تنظيم الجهاد المصرى والأمير السابق للتنظيم ، الذى دعم موقف بن لادن . ولكن موجة التطرف التى إجتاحت تنظيم الجهاد لاحقا إضطرته إلى الإستقالة من إمارة التنظيم . وباقى التنظيمات السلفية تصاعدت فيها موجة الغلو بما فيها القاعدة ، خاصة بعد بعد نشوب الحرب على أفغانستان وإختفاء بن لادن .
كان الخليط المهاجر إلى وزيرستان غير متجانس ، خاصة بوجود طاهر وجماعته . فاستأنفت القاعدة / مدعومة بالوهابيين الآخرين / الجهاد ضد طاهر وجماعته . مألبين عليهم القبائل ، ساعين إلى عزلهم فى أضيق الظروف . كانت طائرات (درون) منزوعة الطيار تقوم بعمليات قنص مستمرة ضد الأهالى والجماعات المهاجرة بلا تمييز . فقدت القاعدة عددا من أفضل كوادرها ، وكذلك الملتحقين بها من غير المندمجين تنظيميا . كما ركز القصف الأمريكى على المدارس الدينية باعتبارها الأساس لما تقابله أمريكا من جهاد ومقاومة فى المنطقة . البيوت التى يشتبه فى أنها تأوى المهاجرين تم تدميرها من الجو ، وسيارات نقل الركاب ومناسبات الأفراح والعزاء أستهدفت كالعادة . المجازر الأمريكية من الجو تقتل يوميا من ” يشتبه فى أنهم إرهابيون” أو “عناصر مسلحة” إلى آخر التعبيرات الأمريكية عن مجازر الجو . لم يقصر الجيش الباكستانى فى قصم ظهر المهاجرين ومن يأويهم من قبائل وزيرستان بالضربات الجوية والبرية ، حيث حشد نصف جيشه لهذا الغرض ، تاركا حدوده مع الهند مكشوفة ، لأن الهند تحولت إلى حليف غير معلن فى حرب باكستان ضد الإرهاب الإسلامى ، كما تحولت إسرائيل إلى حليف للعرب لنفس الهدف المقدس لدى الجميع بأكثر من تقديسهم لأى دين ، خاصة الدين الإسلامى .
القاعدة فى وزيرستان أسست عمليا لموجة ” الداعشية الجديدة ” خلال تواجدها هناك منذ عام 2002 إلى مايو 2011 عندما أغتيل ( أو أختطف) أسامة بن لادن فى باكستان .
ثلاث خطوات تأسيسية كبرى أنجزتها القاعدة خلال تلك الفترة ـ سواء كان ذلك عن تخطيط متعمد ، أو أن سياق الأحداث هو الذى أملاها . حتى ظهرت الموجة الداعشية العالية التى بدأت بإعلان ” الدولة الإسلامية فى العراق ” ثم أضيفت إليها الشام ” ليظهر مصطلح داعش الذى صار علما ورمزا أكثر من كونه إسما . الخطوات الثلاثة لم تكن تراتبية بل ربما بدأت جميعها فى وقت واحد أو متقارب .
فى منطقة وزيرستان القبلية كانت الخطوات التـأسيسية للقاعدة هى :
1 ـ متابعة الحصار والضغط على الجماعة الأوزبكية لتحويلها إلى خط (الوهابية القتالية) ، أو طردها نهائيا من المنطقة . فالقاعدة مثل جميع تنظيمات الوهابية القتالية لا تسمح بغير الإسلام الوهابى (أو السلفى بالتعبير المخفف) ولا يقبلون جهادا إسلاميا ، فقط القتال الوهابى هو الجهاد الوحيد فى نظرهم . فلا يعترفون بحركة جهادية على أى مذهب كان ، ويعلنون عليها الحرب بشكل خفى أو علنى إلى أن تغير طريقها أو تختفى من الوجود . وكما سنرى فقد نجحوا مع الحركة الأوزبكية التى أستشهد مؤسسها ، ورحل معظم أفرادها من وزيرستان صوب أفغانستان مرة أخرى ، كما غيرت مسارها وانضمت الى داعش وتقاتل باسمها ضد طالبان أفغانستان . فأى نجاح أكبر من ذلك ؟؟.
2 ـ تحويل مسار ” طالبان باكستان ” إلى الوهابية القتالية ـ وكانوا إمتدادا طبيعيا لطالبان أفغانستان ـ ويقاتلون معها أو لصالحها من الأراضى القبلية فى باكستان . وكانوا من أتباع المذهب الحنفى ومتبعى الصوفية الممتدة فى كل آسيا تقريبا . فالصوفية هى الوعاء التقليدى للإسلام فى آسيا وأفريقيا . لذا كان الهدف الحقيقى من تحطيم الصوفية هو تحطيم الإسلام نفسه فى تلك القارات . فالموجات الدعوية الكبرى وحروب الجهاد ضد الإحتلال الأوروبى كانت جميعها صوفية . بينما أول جهاد سلفى (وهابى) هو الذى بدأ بالقاعدة وصولا إلى داعش ، محققا الإنجازات التى نشهدها حاليا فى الوطن العربى ، وتزحف الآن بإصرار صوب أفغانستان لتحطيم أى جهاد حقيقى فى أى مكان . وإنجازاتهم فى الشيشان والعراق والشام واضحة للعيان . وجاء دور إقتحام أفغانستان إما زحفا بقوه السلاح كما تفعل داعش بأيدى الأوزبك وطالبان باكستان المتحولين ، أو زحفا بالخديعة والتزلف كما تفعل القاعدة مع القيادة الجديدة لطالبان أفغانستان بعد الملا عمر .
3 ـ تدريب الكثير من المجموعات الدولية ، من الشباب المتسللين إلى منطقة القبائل قادمين من أنحاء العالم خاصة أوروبا (!!) . وعندما كان العمل القتالى فى العراق يتم بإسم القاعدة ، كانت وزيرستان تعتبر المركز الأهم لإدارة حرب (وهابية) ضد شعب باكستان . وتستخدمها الآن داعش والقاعدة كركيزة للقفز على أفغانستان ، مع وجود صراع هناك بينهما ، فداعش ترى أنها دولة بدرجة (خلافة) ، لها أرض واسعة تحت سيطرتها ، بينما القاعدة مازالت تنظيما مبعثرا غير مجسد على الأرض فى شكل دولة .
لذلك تزحف القاعدة للإحتماء بالإمارة الإسلامية فى أفغانستان لتستقوى بها على داعش ، وتنفذ نفس المهام فى أفغانستان لكن من باطن الإمارة الإسلامية . فإشعال الحرب مع الولايات المتحدة عام 2001 لتحطيم أفغانستان لم يكن كافيا ، فالهدف النهائى هو إخراج الإسلام التقليدى من أفغانستان (القائم على المذهب الحنفى والصوفية) وإحلال الوهابية مكانه .
# فبدلا من أن يقاتل الشعب الأفغانى كله ضد المحتلين الأمريكيين ، سيتحول ذلك الشعب إلى قتال بعضه بعضا حول قضية مصطنعة بين التوحيد والشرك . فمهمة الإسلام الأولى فى نظر الوهابية هى تحطيم القبور ، وأصنام ما قبل التاريخ التى توقف الناس عن عبادتها منذ عشرات القرون . تاركين شرك شركات النفط والشركات متعددة الجنسيات التى تحكم وتتحكم فى البشرية كلها بمن فيهم المسلمين قاطبة بلا إستثناء واحد ، وتتناسي تحكم إسرائيل فى بلاد العرب قاطبة ، وتحكم أمريكا فى جميع بلاد المسلمين . هؤلاء المسلمون المتخلفون المعدمون ، فاقدى الحرية والكرامة الإنسانية ، والمتمتعون بكل إمتيازات الفقر والجهل والمرض ، كل هؤلاء لا يساوون عند الداعشية الوهابية هدم ضريح واحد أو تحطيم أحد أصنام الحضارات المندثرة . فتلك هى وظيفة الدين عندهم ، وليس هداية البشر أو تحريرهم من حكم الطاغوت الحقيقى الذى يستعبدهم ويتحكم فى حاضرهم ومستقبل أجيالهم القادمة ، فارضا عليهم كل صنوف الإنحطاط والإنحراف ، بنعومة الغواية أو قهرا بالعنف المطلق .
لقد أخذت الوهابية القتالية الإسلام إلى المقابر وغياهب ما قبل التاريخ ، تاركين الحاضر “للآلهة” الأرضيين المتحكمين فى مصائر العباد والبلاد . تلك هى “داعش” وأخواتها التى تقاتل بإسم الإسلام لدفن الإسلام واستبعاده من حياة البشر .
ــ تدريب المجموعات الصغيرة ، من أنحاء العالم خاصة أوروبا ـ هو الآخر هدف استراتيجى لأوروبا نفسها ـ وقبلها الولايات المتحدة ـ لأهداف داخلية وخارجية فى آن واحد . لتحويل المشاكل الداخلية فى أوروبا إلى عدو خارجى هو الإسلام ، أو عدو داخلى لاحول له ولا قوة وهم المهاجرين الأجانب عموما والمسلمين بوجه خاص .
بهؤلاء المتدربين الذين ترسلهم حكومات أوروبا “سهوا” إلى وزيرستان ، تصبح الغزوات الأوربية للعالم الإسلامى وانتهاك سيادته وثرواته وحرياته ، لها مبررها القوى وهو محاربة الإرهاب الإسلامى ورمزة الأكبر حاليا هو داعش ورمزه السابق (القاعدة) . وهكذا تحتل دول وتدمر دول أخرى ، وتتحول شعوب إلى مشردين فى الصحارى أو غارقين فى مياه البحار ، وشعوب تسلب حرياتها وتخنق ، حتى لا يعلو صوت آلامها فوق صوت المعركة على الإرهاب . واختلطت الصفوف فالإخوة صاروا شر الأعداء ، وأعداء الماضى والحاضر والمستقبل أصبحوا أقرب الحلفاء . وكما وفرت القاعدة ذريعة للحرب على أفغانستان ، وفرت داعش ذريعة لحرب الغرب على المسلمين والعالم المستضعف كله ، بدعوى تطهيره أو حمايته من الإرهاب الإسلامى .
ــ المجموعات الصغيرة التى تدربت فى وزيرستان هى أصل تلك المجموعات التى جاءت من كل فج عميق فى أوروبا كى تنضم إلى حرب داعش ضد شعوب المنطقة ، فتشرد حوالى نصف الشعب السورى ، وما يماثل ذلك من تعداد الشعب العراقى .
كان يمكن منع هؤلاء المتدربين لو أن الإجراءات الأمنية التى إتبعت فى أعقاب حادث 11 سبتمبر ظلت سارية ، سواء فى باكستان أو فى أوروبا ، أو عبر بلاد العالم ومطاراته ، فتسببت فى إيذاء عشرات الألوف من المسلمين الأبرياء سجنا وقتلا . ولكن فى الفترة الداعشية من حياة وزيرستان كان القائمون بذلك النشاط يتمتعون بحرية ملحوظة تنبئ عن حماية رسمية غير معلنة ليس فقط من الأمن الباكستانى ، بل من جهات أمنية عديدة بما فيها بلاد العرب .
ونتيجة الفوضى التى تعم منطقة وزيرستان سقط عدد من القائمين على تنسيق ذلك النشاط بما يمكن إعتباره “إصابات عمل” . فما يقال عن الدقة الجراحية لعمليات الطائرات بدون طيار ليست صحيحة تماما . فعمليات تلك الطائرات لإسناد قوات داعش الزاحفة نحو جلال آباد فى الربع الثانى من عام 2015 أدت لسقوط ضحايا من الدواعش والمدنيين . فالجميع من وجهة نظر أمريكية عبارة عن كائنات لا قيمة لها ومن السهل إستبدالها ، والمطلوب قتلها فى مرحلة ما من مراحل العمل .
القاعدة وإفساد حركة طالبان الباكستانية :
الغزو الأمريكى لأفغانستان جاء من داخل الأراضى الباكستانية الصديقة ، التى إحتضنت المجاهدين الأفغان ضد الجيش الأحمر السوفيتى فى ثمانينات القرن الماضى ، والتى كان يستخدمها المجاهدون فى حركة رجالهم ومعداتهم . ونفس الأجهزة العسكرية والأمنية الباكستانية التى قدمت العون للمجاهدين الأفغان سابقا ، وضعت نفسها بالكامل فى خدمة القوات الأمريكية ، وأمدتها بالجنود المقاتلين والمعلومات .
ولكن قبائل الحدود كان لها موقف آخر ، فظلت على مساندتها للشعب الأفغانى التى هى جزء منه قبل أن تفصلهم عنه إتفاقية الحدود التى عقدها الإنجليز مع الأفغان خلال الحملات الإستعمارية على أفغانستان تحت إسم إتفاقية ديورند عام 1893 .
نشبت فى وزيرستان شبه ثورة على تحركات الغزو الأمريكى وإمداداته القادمة من ميناء كراتشى عبر أراضيهم صوب أفغانستان . وشنوا عليها هجمات قاتلة . طلاب العلوم الشرعية فى تلك المناطق نظموا أنفسهم فى “حركة طالبان” خاصة بهم على غرار إخوانهم فى أفغانستان ، وذلك بهدف إسنادهم قتاليا ولوجستيا .
أطلق الجيش الباكستانى نصف قواته البرية لقمع قبائل وزيرستان ، تدعمه طائرات باكستانية ، وأخرى امريكية بدون طيار تعمل من فوق أراضى باكستان . كل ذلك للحرب ضد “الإرهاب الإسلامى” فى منطقة القبائل ، والمقصود هم المجموعات العربية والأوزبكية والإيجور ، من مدنيين ومجاهدين . والأهم كان إستهداف قوات طالبان باكستان التى تهدد سلامة إمدادات جيوش الغزو فى أفغانستان .
كان موقف قبائل وزيرستان هو ما عرف عنهم تاريخيا فى مواجهة الغزاة ، بحيث صاروا مثالا أسطوريا لدى الانجليز . وبقدر مماثل من العظمة والإبهار كان إحتضانهم للمهاجرين القادمين من أفغانستان . وبشكل جماعى تكفلت القبائل بتقاسم أعباء إيواء الأسر جميعا من عرب وأوزبك وإيجور ، فقدموا لهم منازلهم ، والنفقات كلها من دواء وكساء وطعام وتنقلات ، ودافعوا عنهم بالسلاح ضد هجمات الجيش الباكستانى ، وأخفوهم فيما بين عائلاتهم بعيدا عن رصد الطيران الأمريكى والمخابرات الباكستانية ، معرضين أنفسهم وعائلاتهم لأفدح الأخطار التى فتكت بالكثير منهم ، لكنهم أبدا لم يتخلوا عن رجولتهم القبلية المفعمة بالإسلام النبيل .
# كان الموقف متماسكا ورائعا رغم قسوة الظروف وتساقط الشهداء يوميا ، إلى أن بدأ النشاط الوهابى المعتاد فى تخريب صفوف المسلمين وإحياء الفتنة والوقيعة بين الأشقاء .
1 ـ بدأت القاعدة بالعمل ضد الأوزبك والوقيعة بينهم وبين القبائل حتى صاروا المجموعة الأكثرعزلة من بين المهاجرين ، وسقط من رجالهم عدد كبير من الشهداء ، حتى وجدت أحيانا ثمان عائلات مجتمعين ليس فيهم رجل واحد ، فلم يتبق سوى النساء والأولاد .
عندما ضاق الحال كثيرا بالأوزبك ، وكان المزيد من الأراضى الأفغانية قد تحررت من قوات الإحتلال والقوات الحكومية ، فسمحت الإمارة الإسلامية فى أفغانستان بدخول العائلات الأوزبكية إلى المناطق المحررة فى عدد من المناطق من الشرق والجنوب والغرب . فى تلك الأثناء إستشهد القائد الأوزبكى محمد طاهر ، وكان نائباه والعديد من كوادره من السلفيين بتأثير من المهاجرين القدماء فى السعودية ، فارتمى التنظيم بين أحضان داعش . ومن المناطق التى إستضافته فيها الإمارة الإسلامية بدأ “جهاده” ضدها ، بعد أن قام باللازم من واجب التكفير مصطدما مع القبائل ومجاهدى حركة طالبان ، الذين طردوه من معظم المناطق التى إستضافوه فيها سابقا .
2 ـ الضربات الظالمة التى تعرضت لها قبائل وزيرستان ، أودت بحياة رجال وأطفال ونساء ، إضافة إلى إختطاف شباب منهم وشحنهم إلى جوانتانامو وسجون سرية حول العالم . كل ذلك جعل التربة القبلية قابلة لأقصى درجات العنف ضد المعتدين ، فوجدت أفكار القاعدة قبولا ، ساعد على ذلك الإفراج عن بعض الشباب من الشخصيات القبلية الكبيرة من السجون الأمريكية خاصة جوانتاناموا .
فاعتنق هؤلاء أقصى الخيارات الفكرية والعملية التى عثروا عليها . فانضموا إلى القاعدة فى البداية ، ثم تحول العديد منهم الى داعش عند ظهورها .
فى تلك الفترة كان تيار القاعدة العامل بين القبائل يعتنق نفس الأساليب والأفكار التى تبنتها داعش بعد ذلك بسنوات . وبدلا من التركيز على قوات الإحتلال ، إنتقلت القاعدة إلى الضربات الداخلية ضد مساجد ومواكب ومشاهد الشيعة والصوفية ، وأهدافا مدنية باكستانية . وإنتقاما لشهدائها من المدنيين إستهدفت أسواقا ومدارس .
جغرافيا وصلت العمليات إلى عمق باكستان ، فانقلب الرأى العام ضد حركة طالبان باكستان واعتبروها عدوا همجيا ، رغم أن الرأى العام الباكستانى هو الأكثر كراهية لأمريكا وكان الأكثر إعجابا بأسامة بن لادن وقت إحتدام مواجهاتة معها.
ظل قطاع من حركة طالبان باكستان مواليا للإمارة الإسلامية فى أفغانستان ، مركزا ضرباته على قوات الإحتلال وخطوط إمدادها العابرة لمناطق القبائل ، وصولا إلى داخل الحدود الأفغانية ، مع تقديم دعم لوجستى كامل للحركة المجاهدة فى أفغانستان .
فى مناطق القبائل ومع مجموعة طالبان باكستان التى تحالفت مع القاعدة ، تولى العرب القضاء وتطبيق الحدود ، وتوقيع عقوبة الإعدام على من إتهموهم بالتجسس ، وكان من بينهم عناصر من حركة طالبان الأفغانية(!!) .
3 ـ القاعدة ومن بعدها داعش لم تتوقف لحظة ـ حتى قبل وقوع الحرب عام 2001 عن مجهودات تجنيد الأفغان فى صفوفها . وعندما بدأ الجهاد ضد الأمريكيين واصلت القاعدة مجهودا كبيرا لبناء تنظيمها الخاص من الأفغان داخل أفغانستان بالتوازى مع حركة طالبان بل وكبديل لها . وصل طوحها إلى درجة مفاتحة شخصيات عسكرية قيادية فى الإمارة للإنضمام إلى القاعدة .
وحرصت الإمارة على كتمان صراعها مع القاعدة التى أفسدت عملها فى وزيرستان وحرفت مسارة ، ثم تحاول أن تفعل نفس الشئ داخل أفغانستان نفسها .
كانت بداية تواجد القاعدة فى منطقة وزيرستان مجرد مرحلة تمهيدية لظهور داعش وتجهيز جبهة إسناد خلفية لها ، وأختبرت فيها الأفكار وأساليب العمل والتدريب العسكرى وبناء شبكة دولية من المتدربين الوافدين ” سرا ” إلى المنطقة تحت ملاحظة دقيقة من أجهزة الأمن الباكستانية وحليفاتها فى الغرب والمشرق العربى .
إتضح جدوى كل ذلك بعد ظهور داعش فى العراق وسوريا ، وتوافد الآلاف من أوروبا للقتال إلى جانبها . وجميع ما تم ابتكاره فى معمل وزيرستان وتجربته فى المدن الباكستانية جرى التوسع فيه مرة أخرى فى المدن العربية ، فتأكدت بشكل قطعى ونهائى أهم ملامح الإسلام الوهابى الداعشى الذى يستهلك طاقته فى هدم الأضرحة وتحطيم التماثيل وضرب الرقاب .
بقلم: مصطفي حامد ابو الوليد المصري ــ الإسكندرية ـ ( 20 /9 / 2015 )
copyright@mustafahamed.com
المصدر: موقع مافا السياسي
www.mafa.world