The Arabs at War in Afghanistan
العرب فى حرب أفغانستان
حقوق الطبع و النشر محفوظة
مصطفي حامد و ليا فارال
رابط مـوقع كتاب “العرب فى حرب أفغانستان ” :
www.thearabsatwarinafghanistan.com
بقلم :
مصطفي حامد/ ليا فارال
الناشر :
شركة هيرست ــ لندن
www.hurstpublishers.com
أن يتعاون مجاهد رئيسى سابق ، ومحللة سابقة فى مجال مكافحة الإرهاب ، فى وضع كتاب حول تاريخ وميراث المحاربيين العرب فى أفغانستان ، لهي مهمة بعيدة الإحتمال . ولكن هذا ما فعله مصطفى حامد “أقاى أبو وليد المصرى” و ” ليا فارال” بنشرهما هذا العمل المؤسس .
ـ ونتيجة لآلاف الساعات من المناقشات على مدى سنوات عديدة جاء كتاب ( العرب فى حرب أفغانستان ) ليقدم نظرة مدهشة من الداخل على تاريخ / المجموعات والحركات السلفية المسلحة المعاصرة .
ـ وعبر الكشف عن الجذور الحقيقية للقاعدة وطالبان ، والواقع بين المجموعات الجهادية ، يكون هذا العمل لا يتحدى فقط الحكمة التقليدية ، ولكن أيضا يثير أسئلة غير مريحة عن كيفية إساءة فهم أحداث تلك الفترة الهامة .
مصطفى حامد : كان من أوائل الذين إنضموا إلى الجهاد ضد السوفييت ، وتطور ليصبح شخصا مؤثرا ، معتبرا ضمن أصدقائه قادة أفغان بارزين ، وفيما بعد ، شخصيات كبيرة من حركة طالبان والقاعدة . لقد كان شاهد عيان ومشاركا فى أحداث شكلت ليس فقط التاريخ الأفغانى بل أيضا مصير المتطوعين العرب الذى ساهموا فى تحريرها .
ليا فارال : عملت سابقا محللة رئيسية فى مجال مكافحة الإرهاب مع الشرطة الفيدرالية الأسترالية . وذلك قبل أن تتحول إلى المجال الأكاديمى . بحثها كان مركزا على القاعدة وباقى الجماعات الجهادية ، خاصة الأساطير التى أحاطت بظهورها وتطورها واستمراريتها .
قالوا عن الكتاب :
{ وثيقة غير عادية ومدهشة . هذه التوليفة من التحرى والشهادة والتحليل سوف تكون قراءة أساسية لأى شخص شغوف بالحقيقة حول التدخل الأجنبى فى الحرب ضد السوفييت ، والتاريخ المبكر للقاعدة } .
” جيسون بيرك ، مراسل جنوب آسيا لصحيفة الجارديان . ومؤلف كتاب حرب الحادى عشر من سبتمبر “
{ الحوار الثنائى الخلاق بين ليا فارال ومصطفى حامد ، يقدم توليفة بين المعلومة من الداخل وبين التحليل الدقيق لجذور الجهاد الدولى . وكل منهما يساعد الآخر وكلاهما يساعدنا فى رؤية تلك الحركة متعددة الأوجه بطريقة جديدة وأحيانا مختلفة }
” برينت روبن ، شخصية قياديه ومدير فى مركز التعاون الدولى بجامعة نيويورك “
{ هذا كتاب لا يصدق . تفاصيل مثيرة وهامة ، ويقدم بالمكشوف قصة غالبا ما تعرض مغلفة بالأسطورة .
إقرأه وافهم جذور القاعدة ، والدولة الإسلامية فى العراق والشام ، ومشاكل أخرى كثيرة تنضج فى أنحاء الشرق الاوسط }
“جريجورى دى جونسون ـ مؤلف كتاب الملاذ الأخير : “اليمن ، القاعدة ، والحرب الأمريكية فى العربية “
{ قراءة أساسية لأى شخص يدرس الجهاد فى العالم الإسلامى . “حامد” و “فارال” يقدمان تاريخا بديلا ومقنعا لتأسيس القاعدة ، والسياسات الداخلية للمقاتلين الأجانب فى أفغانستان . هذه الشهادة الداخلية هى وثيقة هامة تستحق أن تدرس لسنوات كثيرة قادمة } .
” ألكس سترايك فان لينستون ـ مؤلف مشارك فى كتاب عدو صنعناه : أسطورة إندماج طالبان والقاعدة فى أفغانستان “
عرض كتاب :
العرب فى حرب أفغانستان
مصطفى حامد ــ ليا فارال
يحتوى الكتاب على إثنى عشر فصلا ، تبدأها ” ليا فارال” بتقديم مصطفى حامد وقصة تأليف هذا الكتاب . وفى الفصل الثانى عشر يتكلم مصطفى حامد معلقا على الكتاب ومغزى أحداثه ، ودوره فى حفظ تاريخ مرحلة مازالت فاعلة فى الأحداث . ونستعرض فيما يلى وبإيجاز محتويات كل فصل من الكتاب .
1ـ تقديم مصطفى حامد .
تروى فارال كيف تعرفت على حامد وبدأت المراسلة معه بالإنترنت ، ورحلتهما من تعارف عاصف وصولا إلى تعاون فى وضع هذا الكتاب بعد نقاشات حامية إستمرت أربع سنوات . مرت فارال سريعا على أحداث الفترة من 1979 حتى 2001 ـ وهى فترة كان حامد مشاركا أو شاهدا فى أحداث شكلت جوهر المسيرة العربية والمصير الأفغانى ، منذ مقاومة الإحتلال السوفيتى وحتى الإحتلال الأمريكى . فقد كان حامد ضمن ثلاثة مصريين دخلوا أفغانستان قبل الغزو السوفيتى بعدة أشهر ، وشهد عدة عمليات عسكرية وقتها ، ثم عمل لسنوات مع أول مجموعة قتالية عربية فى خوست ، كما عمل لسنوات مراسلا لصحيفة الإتحاد الإماراتية فى أفغانستان التى بقى فيها بعد أن غادرها معظم العرب عام 1992 . ورافق بن لادن فى رحلته الجوية من الخرطوم إلى جلال آباد عام 1996 . وكان منغمسا فى تعقيدات العلاقة بين بن لادن وحركة طالبان ، ومعارضا لمغامرات القاعدة التى أدت إلى هجمات سبتمبر والحرب على أفغانستان .
2 ـ جهاد العرب الأفغان .
مشاركة الشباب العرب فى جهاد أفغانستان بدأت متواضعة وخجولة ، بوصول ثلاثة من المصريين وعبورهم الحدود قبل الإحتلال الروسى بعدة أشهر ، ومشاركتهم فى عدة إشتباكات .
إستمرت المحاولات العربية بعيدا عن الأضواء وبأعداد صغيرة جدا ، ولكنها كشفت حاجة العرب والأفغان معا إلى تدريب عسكرى مناسب ، ناهيك عن أن التسليح كان دون المستوى بكثير . وما قدمته باكستان من تدريب للأفغان كان تافها ويكرس الأخطاء الشائعة لدى الأفغان من حيث سؤ إستخدام السلاح ورداءة التكتيك .
3 ـ التدريب الأول للعرب الأفغان وبداية حركة طالبان .
العالم الأفغانى ” مولوى نصر الله منصور” قام بدور أساسى ـ ولكنه غير مشهور ـ فى إيجاد كيان مستقل لطلاب العلوم الإسلامية المعروفين بإسم “طالبان ” . فهو أول من عمل على تأهيلهم لدور ريادى فى أفغانستان . تعرف منصور على ضابط باكستانى ، تقاعد من الخدمة كى ينضم إلى المجاهدين الأفغان ـ ذلك هو رشيد أحمد الذى كان له أسهامات بارزة ، منها تعاونه مع مولوى منصور فى إنشاء معسكر تدريب قريب من الحدود أطلقوا عليه ” معسكر قيس” . كان ذلك المعسكر أول عمل لتجهيز طالبان عسكريا . شارك عدد قليل جدا من العرب فى تلقى التدريب فى ذلك المعسكر لفترة من الزمن ، والغريب أن يكون من بين هؤلاء المصريان (أبوحفص المصرى ) و(أبوعبيدة البنشيرى ) ، وهما المؤسسان الحقيقيان لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن ، بعد ذلك بسنوات قليلة .
4 ـ مذكرتان ـ فكرة وانتشرت : البداية الحقيقية لمكتب الخدمات .
تزايدات مشاركة العرب فى جهاد أفغانستان تدريجيا عبر تدفق التبرعات المالية ، وزيادة فى عدد المتطوعين . ولم يكن لذلك مردود يذكر على حركة المقاومة بالداخل ، فقد كانت الأحزاب الأفغانية فى بيشاور تعانى من الفساد والإهدار المالى والإنصراف إلى الصراع السياسى فيما بينهما من أجل المزيد من النفوذ والأموال والسلاح .
من داخل أفغانستان خرج بعض العرب بمطالب قيادات عسكرية فاعلة ، مطالبين بتواجد عربى يشرف على حسن توجيه التبرعات إلى المجاهدين داخل أفغانستان وتنظيم النشاط العربى بوجه عام ، وتدريب المتطوعين العرب الجدد .
مذكرتان بهذا الخصوص أعدهما عرب بموافقة القائد جلال الدين حقانى وصلتا فى موسم الحج كى يتلقاهما الكتور “عبدالله عزام ” المقرب من الأحزاب الجهادية الأفغانية .عرض عزام الأوراق على ” أسامة بن لادن ” الممول المتحمس والنشط فى الخفاء لدعم الأفغان بالتبرعات السخية من شعب المملكة السعودية . وافق بن لادن على المقترحات وكذلك عبد الرسول سياف رئيس إتحاد المنظمات الأفغانية ، وتم الإتفاق على أن يتولى عزام إدارة المشروع ولكن تحت إشراف سياف كزعامة شرعية للجهاد .
عزام إنتقل من التدريس فى الجامعة الإسلامية فى إسلام آباد كى يستقر فى بيشاور وينشئ هيئة عربية تحت مسمى ” مكتب خدمات المجاهدين ” . تيقن عزام من خطورة ضعف تدريب المتطوعين العرب ، فأنشأ “مكتب الخدمات” معسكرا حدوديا للتدريب تحت مسمى ” معسكر صدى ” الذى تحول إلى أحد المعالم البارزة للنشاط الجهادى العربى .
5 ـ “جاجى” وإنشاء المأسدة .
حاول بن لادن تقديم الدعم الميدانى لأهم مواقع “سياف” فى أفغانستان ، بتدعيم موقعة فى “جاجى” بالإنشاءات العسكرية . تطور الموقف بسرعة حتى صار ذلك هو مشروع بن لادن الشخصى الذى كان بالغ الأثر فى جميع مسيرة حياته القادمة . النشاط الهندسى ومجموعة العرب الذين تجمعوا حول الشاب السعودى المتحمس أوجدا زخما هائلا فى المنطقة أدى إلى إنشاء موقع عسكرى ضخم أسماه المأسدة ، وتحرك العدو ضد الموقع فنشبت واحدة من أهم المعارك التى خاضها العرب فى أفغانستان ، وانتهت بإنتصار كبير للعرب المبتدئين فى مواجهة الكوماندوز السوفييت المدعومين بقوات حكومية كبيرة .
أهم ما رافق معركة جاجى كان المعارضة الشديدة من شخصيات عربية هامة لفكرة بن لادن إنشاء معسكر تدريب للعرب فى جاجى ، وما ترتب عليه من طغيان العرب على المشهد فى جاجى وتهميش دور الأفغان إلى درجة إستبعاد أحد قادة سياف الهامين من سكان المنطقة والسبب أنه كان شيعيا . وأخيرا فإن النجاح العربى الكبير فى جاجى تسبب فى غفلة عربية عن أوجه قصور شديدة فى عملهم ، مع عدم قدرتهم على تقييم الموقف ليس فقط فى أفغانستان إجمالا بل أيضا فى منطقة جاجى نفسها .
الدروس الخاطئة التى إستنتجها بن لادن من معركة جاجى كانت أكثر ضررا له من أى شئ آخر أثناء مواجهته للغزو الأمريكى فى جبال ” تورابورا” فى منطقة جلال آباد شرق أفغانستان . لقد خاض معركة تورا بورا تحت تاثير تحليله الخاطئ لمعركته الناجحة فى جاجى .
6 ـ جذور مضطربة :
ظهور القاعدة بعد جاجى ، ومكتب الشورى العربى .
النجاح فى معركة جاجى كان السبب المباشر فى تأسيس تنظيم القاعدة . إذ إرتفعت شعبية بن لادن إلى عنان السماء وتدفقت عليه سيول المؤيدين العرب والباكستانين وغيرهم ، فومضت الفكرة فى ذهن “البشيرى” و”أبو حفص المصرى ” ـ أبطال معركة جاجى ـ لإنشاء تنظيم إسلامى جامع يضم كل تلك القوى المندفعة . وافق بن لادن وبدأ الشابان فى العمل التنظيمى وظهر تنظيم القاعدة الذى ولد عملاقاً تخطت قدراته وحيويته ، مكتب الخدمات الذى سبقه بسنوات تحت قيادة عزام ، الذى تراجعت زعامته لحساب تقدم بن لادن كقيادة أكثر شبابا وميدانية إضافة إلى ثرائه وجاذبيته للشباب ، خاصة القادمين من السعودية واليمن ، وهم أكثر المتطوعين عددا ، وأضيف إليهم المصريون من تنظيم الجهاد . ثم تتابع الشباب من كافة الأنحاء لمبايعته والإنضمام فى تنظيمه الجديد .
بدأ بن لادن فى تنظيم الساحة العربية على أسس جديدة ، على غير طريقة مكتب الخدمات ضعيف الأداء . فظهر مجلس الشورى العربى برئاسته وعضوية عزام وآخرون من ذوى الحيثية فى الساحة العربية .
إنتقال القوة من عزام إلى بن لادن ، ومن مكتب الخدمات إلى مجلس الشورى العربى ومن التنظيمات العربية المهاجرة ، قليلة العدد والتمويل إلى تنظيم القاعدة العملاق الجديد ، لم يمر ذلك مرور الكرام بل خلق تنازعات خفية لتحديد مساحات القوة والنفوذ .
الأهم كان التنافس فى مجال التدريب بين القاعدة ومعسكرها الجديد “جهاد وال” فى منطقة خوست الأفغانية ، وبين معسكر “صدى” على الحدود الباكستانية .
ـ لم يلاحظ أحد وقتها أن التوجه الاستراتيجى للقاعدة كان قد تبدل جوهريا ، وأصبح أكثر لا مبالاة بأفغانستان إلا بمنظور أنها ميدانا للتدريب والإعداد لما وراءها . الوجهة القادمة لم تتحدد بدقة ، فتنازعت ميول بن لادن للعمل فى اليمن ، الموطن الأصلى لعائلته ، مع ميول جماعة الجهاد المصرية حلفائه فى التنظيم الذين ينظرون إلى بلدهم مصر كهدف قادم .
اشتري كتاب العرب فى حرب أفغانستان من امازون
7 ـ جلال آباد وعاصفة التدريب العربية .
فى أعقاب الإنسحاب السوفيتى من أفغانستان نشبت معركة كبرى حول جلال آباد المدينة الثانية فى الأهمية بعد العاصمة . والهدف كان جعل الهزيمة فى المعركة معبراً لمفاوضات إنشاء حكومة مشتركة فى كابل عندما يعجز المجاهدون عن إقتحامها كما كان متوقعا نتيجة لضعف تسليحهم وتنظيمهم وضعف أسلحتهم المضادة للطيران فى مسرح عمليات مفتوح لا يوفر لهم حماية طبيعية . تورطت جميع الأحزاب الأفغانية /عمدا/ فى المعركة . وجاء بن لادن من السعودية ليجمع خلفه معظم العرب مقتحما بهم المعركة تحت قيادته الميدانية المباشرة ، ومعه بالطبع كل ما هو متاح لدى تنظيم القاعدة الحديث من كوادر ومعدات وأموال .
منى الجميع بخسائر فادحة ، بما فيهم القاعدة ، وانسحب بن لادن ورجاله إلى المنفذ الحدودى مع باكستان فى “طورخم” . بمبادرة فردية من بعض أفراد القاعدة ومن لحقهم من عرب تمسكوا بجبل “سمر خيل” على الطريق الدولى ، فتوقفت القوات الحكومية والميليشيات الأوزبكية التى تقاتل معها عند ذلك الجبل ، ولم تصل الى الحدود الدولية عند منفذ “طورخم” كما كان مفترضا .
ولكن “جلال آباد” دخلت التاريخ الأفغانى بل والإسلامى حتى اليوم بسبب غير متوقع وهو تحول المنطقة إلى مرتع لعشرات المجموعات الجديدة التى أقامت معسكرات تدريب . وإنتهى المطاف بخروج القاعدة من المنطقة بعد عدة أشهر .
الإخوان المسلمون أثارهم صعود نجم بن لادن فى جلال آباد قبل الهزيمة ، ثم هيمنة القاعدة على النشاط التدريبى بعدها . وهددوا بعدم قبولهم له كشخصيه جهادية عالمية منافسة لهم . وفى جلال آباد إفتتح معسكر لتدريب إخوان العراق . وإخوان الأردن وسوريا أرسلوا كوادر تدريب للعمل مع عزام فى معسكر “صدى” الحدودى . وشهدت المنطقه إرتفاعا حادا فى عملية التدريب تحت شعار ” إعداد الأمه ” . وارتفع أيضا شعار “الجهاد العالمى” ، ونشأت فى جلال آباد شخصيات كان لها دور كبير فى أحداث العالم فيما بعد ، خاصة فى الضربات الموجهه إلى ” الولايات المتحدة ” بما فيها عمليات سبتمبر .
أصبحت جلال آباد مدرسة شبابية متمردة لا تخضع لأى معايير . وامتد تطورها حتى الآن فى التنظيمات السلفية المسلحة فى العراق والشام والشمال الأفريقى وغيرها من مناطق .
8 ـ الحرب الأهلية ـ الحملة الأمنية الباكستانية ـ رحلة العرب الأفغان الجوية .
بعد الإنكسار فى جلال آباد ، غادر أسامة بن لادن باكستان إلى السعودية ليمنع من السفر . وفى أواخر نفس العام 1989 أغتيل ” عزام” فى بشاور . بشئ من التحايل تمكن بن لادن من العودة إلى باكستان بدعوى تصفية أعماله هناك ، ولكنه نقل تنظيم القاعدة إلى السودان ، وذهب هو أيضا على رأس أعمال زراعية وإنشائية ضخمة. بسبب ذلك تبخر تنظيم القاعدة متقلصاً إلى عدة عشرات بعد أن كان بالآلاف . لقد فضل الشباب الإبقاء على أنفسهم تحت السلاح فى أى مكان آخر غير السودان .
فشل بن لادن فى الإبقاء على دعم مالى لمجموعات جهادية ، سواء فى مصر (تنظيم الجهاد) أو فى الجزائر ( الجماعة الاسلامية ) ، فخسر علاقاته مع تلك التنظيمات . كما غضبت عليه حكومة السودان التى تسبب لها فى إحراجات لم تتحملها . فى نفس الوقت سحبت الحكومة السعودية منه جنسيتها . وفى النهاية كان لا بد على السودان أن تستبعده تلافيا لضغوط متزايدة من كل مكان . فأقلته طائرة حكومية من الخرطوم إلى مطار جلال آباد . و كانت حركة طالبان على أبواب المدينة ، وتقاتل حول كابول لإسقاط حكومة على قمتها عناصر إخوانية (ربانى رئيس الدولة وسياف رجل الدولة الأول وحكمتيار الوزير القوى) .
الحرب الأهلية كانت تضرب بعنف معظم أرجاء البلاد . قطاع من العرب شارك فى تلك الحرب إلى جانب سياف أو حكمتيار الذى قاتل العرب معه ضد طالبان قتالا عنيفا بالقرب من كابول ، مما جعل الطالبان ناقمون بشدة على العرب لفترة طويلة .
بعودة بن لادن الى جلال آباد كانت القاعدة مازالت محتفظة بمعسكراتها فى خوست خاصة معسكر”جهاد وال” و”الفاروق” بفضل مجموعة من ( المنسيين العرب) الذين مارسوا فى تلك الفترة تدريبا لمجموعات طاجيكية وأوزبكية وباكستانية .
ــ باكستان فى تلك الفترة كانت منطقه خطيرة على المجاهدون العرب الذين تعرضوا لمطاردات خشنة واعتقالات وتعذيب وتلفيق قضايا وتسليم إلى الحكومات المعنية .
9
فى الرحلة الأولى من الخرطوم ، وصل إلى جلال آباد مع بن لادن خمسة عشر رجلا من قدماء القاعدة . ولم تلبث أن وصلت طائرتان أخريان من الخرطوم تحملان عائلات المهاجرين العرب ، فبلغ العدد الإجمالى مئة نسمة . تبرع أحد القادة الأفغان بقطعة أرض صغيرة للعرب فبنوا مجموعة بيوت طينية صغيرة أسماها العرب قرية ” عرب خيل” . نتيجة للحرارة الشديدة والرطوبة العالية صعد بن لادن وعدد من مرافقيه إلى جبال تورابورا القريبة المليئة بأشجار الصنوبر . وهناك أعد نداءه الشهير ( إعلان الجهاد على الأمريكيين المحتلين لجزيرة العرب ) . وما أن أرسل البيان مع رسول خاص لينشره من باكستان حتى كانت حركة طالبان قد إقتحمت جلال آباد ، وبعد أيام إقتحموا العاصمة كابول ، فتغيرت قواعد اللعبة فى أفغانستان . ولكن بن لادن ـ بشكل عملى ـ رفض الإذعان لسلطة طالبان ، ومارس نشاطاته الإعلامية رغما عن أوامرهم المشددة ، حتى استدعاه الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان الذى بويع أميرا للمؤمنين بواسطة القبائل والمجاهدين . طلب الرجل من بن لادن إلتزام الهدؤ مراعاة لظروف أفغانستان التى تكالبت عليها الوفود والضغوط بشأن بن لادن وتصريحاته التى أثارت الكثيرين فى السعودية والولايات المتحدة . تم استدعاء بن لادن لمقابلة الملا عمر ، ونقلته طائرة هيلوكبتر عسكرية إلى قندهار ، وكان حامد ضمن مرافقيه . وذلك ماذكرته فارال فى مقدمة هذا الكتاب عندما نقلت أجواء ذلك الحدث الذى كان نقطة فارقة فى علاقة بن لادن بالإمارة الإسلامية ، التى ظلت متوترة للغاية تحت سطح المجاملات الشخصية .
10 ـ الحصان القوى والحصان الضعيف : سياسات العرب الأفغان ، والسياسة الحقيقية للقاعدة .
إعتقد بن لادن أنه الحصان القوى الوحيد الباقى على الساحة الجهادية العالمية بعد أن منيت كل الجماعات الكبرى بإنتكاسات فى بلادها . وطالب الباقين بالانضواء تحت قيادته فى جبهة عالمية تواجه الولايات المتحدة التى أعلن عليها الجهاد من فوق جبال “تورابورا” فى جلال آباد .
كان حظ بن لادن مع الجماعات الباكستانية أفضل من حظوظه مع العرب الذين إمتنع معظمهم عن مجاراة بن لادن فى مشروعه العالمى . داخل أفغانستان نفسها واجه بن لادن معارضة ذات وزن سببت له إزعاجا ، ونافسته فى إجتذاب العرب الوافدين . كان أبو مصعب السورى أهم المعارضين ، وتقرب بنجاح إلى مراكز صنع القرار فى قندهار، فكان مشروعاً لتحجيم بن لادن وكبح إستفراده بقيادة الساحة العربية فى أفغانستان .
ـ القاعدة من جهتها عملت على تحجيم السورى بعدة أساليب منها دعم منافسيه من بلاد الشام ، وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوى وجماعته الصغيرة الذين وفدوا الى أفغانستان قبل عدة أشهر من أحداث سبتمبر واستقروا فى هيرات غرب أفغانستان بعيدا عن مناطق إزدحام العرب .
ـ فشلت مجهودات طالبان فى السيطرة على بن لادن أو ضبط حركة العرب . فأغلقوا جميع المعسكرات الحدودية فى خوست وفى جلال آباد ، التى إستقر بها معسكر ” خلدن ” الشهير .
أغلقت معسكرات خوست بعد أن قصفها الأمريكيون بالصواريخ فى أعقاب الهجمات على سفارات أمريكا فى نيروبى ودار السلام . ونقل معسكر الفاروق إلى الغرب من قندهار فى منطقة تدعى “جرمواك” .
ـ فى الشيشان إنتكس تواجد العرب هناك بعد صعود كبير بقيادة ” خطاب” المواطن السعودى وخريج مدرسة جلال آباد الجهادية وأحد نجومها اللامعين ، الذى صار نجما للشيشان . فوجه إليه بن لادن دعوة للحضور والإنضمام إلى مشروعه الجهادى العالمى . لكن “خطاب” رفض الدعوة التى قبلها عدد كبير من أهم معاونيه . فقد كان بن لادن بالفعل الفرس الرابح فى ذلك الوقت .
ـ مبايعة الملا عمر كانت فى نظر “العرب الأفغان ” شأنا أفغانيا صرفاً . وكان ذلك متماشيا مع رغبتهم فى إبقاء التنظيمات العربية وتنميتها وبناء تنظيمات جديدة . وكان ذلك يعنى فوضى مفتوحه على إحتمالات كئيبة فى ظروف أفغانستان الحرجة ، بينما المعارك دائرة فى شمال كابول بين طالبان ومعارضيهم بقيادة أحمد شاه مسعود ، الذى يقود تحالفا واسعا أشتهر بين الأفغان بإسم تحالف الشمال ، المدعوم من جبهة إقليميه ودولية واسعة تشمل إيران وروسيا والإتحاد الأوروبى .
“حامد” رأى أن مبايعة العرب للملا عمر قد تؤدى منطقيا إلى حل التنظيمات العربية وإنهاء تلك الفوضى . تقدم هو نفسه مبايعا الملا عمر . بن لادن أعطى البيعة بعد جدال ومماطلة ولكن بواسطة حامد نفسه. توالت مبايعة العرب والأوزبك وغيرهم . ولكن ذلك ولم يؤد إلى الإنتظام المنشود .
11 ــ مجهودات توحيد العرب الأفغان فى الفترة 2001 ـ 2000 والحادى عشر من سبتمبر .
تلك الفوضى العربية أضرت بمخططات بن لادن ، وشكلت منافسا له ، وهددت المناخ الأفغانى المضطرب ، لذا سعى بن لادن إلى لم شمل تلك التنظيمات فى كيان واحد ذو مساحة معينة من العمل المشترك ، على الأقل داخل أفغانستان نفسها . هذا الهدف رغم تواضعه فشل العرب فى تحقيقه ، وتعرض المشروع لمناورات شتى بهدف حجز مكان أكبر لصالح كل تنظيم على حساب الآخرين . وفى النهاية فشل المشروع ، ويتحمل المسئولية الأكبر فى ذلك التنظيمان المصريان الجهاد والجماعة الإسلامية المتنافسان بمرارة .
ـ شعر الملا عمر بعمق الخلافات بين التنظيمات العربية وتنافسها فى إستقطاب طالبان واجتذاب كوادرها ، فقرر تجميع كل المتطوعين الأجانب تحت قيادة واحدة . وفى الإجتماع المحدد تجمع قادة التنظيمات من عرب وأوزبك وباكستانين وصينيون وغيرهم . وتوقع الجميع أن تكون قيادة المتطوعين الأجانب من نصيب القاعدة . ولكن الملا عمر أعلن تولية ” جمعه باى ” القائد العسكرى لتنظيم الأوزبك الإسلامى ، فكانت مفاجأة صاعقة للقاعدة . واتسعت رقعة الجفاء بين التنظيمين إلى حد إقترب من الإشتباك فى أحد المناسبات فى كابول . أيضا توسعت رقعة الخلاف بين التنظيمات العربية بدلا من أن تضيق .
ـ كان بن لادن والقاعدة يزدادان قوة مع نجاح ضرباتهم الموجهة ضد الولايات المتحدة . فبعد ضرب سفارتين فى أفريقيا جاء ضرب المدمرة الأمريكية فى عدن . فتشجع بن لادن وصرح لقناة فضائية عن ضربة كبرى قادمة ضد الولايات المتحدة . فاضطرب الوسط العربى بشدة لإدراكهم أن ذلك سيهدد تواجدهم فى أفغانستان التى هى نفسها غير مستقرة . أفصح بعض العرب عن ذلك التخوف علنا .
“حامد” إلتقى مع بن لادن ودار بينهما حوار طويل بحضور عدد قليل من كبار القاعدة . بن لادن حاول إثبات صوابية عمله هذا ، بينما حامد حاول العكس ، وكلاهما فشل فى إقناع الآخر . داخل القاعدة كان هناك نوعا من القلق لتلك الحركة الخطرة ولكنهم ظلوا ملتزمين بعهدهم لقائدهم بن لادن .
ـ قبل عملية 11 سبتمبر بأسابيع قليلة غادر بن لادن قندهار متوجها الى جلال آباد حيث كان يجهز موقعا دفاعيا كبيرا هناك فى جبال تورابورا للجؤ إليه إذا نشبت الحرب . لكنه واجه معارضة شديدة لمشروعه الدفاعى ، فى هذه المرة شملت المعارضة قادته العسكريين والأمنيين وجميع القدماء و عارضه حتى أصدقاؤه الأفغان فى جلال آباد ، لكنه كالعادة زادته المعارضة تصميما.
ـ كانت حركة طالبان غافلة تماما عما يرتب له بن لادن وربما لم تأخذ تهديداته للأمريكين مأخذ الجد . فى التاسع من سبتمبر تمكن تنظيم القاعدة من إغتيال أحمد شاه مسعود العدو الأول لحركة طالبان ، فزاد ذلك من مكانة القاعدة والثقة فى بن لادن . وبعد يومين من إغتيال مسعود حدث زلزال منهاتن وبدأ المسار ينعكس بشدة لغير صالح طالبان أو القاعدة أو جميع العرب الآخرين .
ـ بدأ الغزو الأمريكى فى السابع من أكتوبر 2001 ، ولمدة شهر بدا الهجوم مهتزا وغير واثق . إعتمد الأمريكيون على تحالف الشمال الأفغانى على الأرض مدعوما بغارات جوية عنيفة لم يشهد لها الأفغان مثيلا خلال خبرتهم الطويلة فى الحرب ضد السوفييت .
ولمدة شهر أبدت حركة طالبان نديه لا بأس بها رغم الخسائر الكثيرة التى منيت بها . وما أن سقطت العاصمة كابول فى يد تحالف الشمال حتى إنفرطت المسبحة وبدأت طالبان تتلاشى وتفقد المدن تباعاً وبسرعة . واجه العرب مشكلة إخراج عائلاتهم من تحت نيران المعارك ومطاردات قوات تحالف الشمال وصائدى الرؤوس الطامعين فى الجوائز المرصودة من الأمريكيين لقاء أسر العرب والأوزبك وباقى المقاتلين الأجانب . قاوم العرب ببطولة فى قندهار ، وحاولوا تنظيم مقاومة مشتركة فى أماكن عديدة ، لكن الأوان كان قد فات . وما واجهوه من هجوم فاق تصوراتهم و قدراتهم . وحركة طالبان قررت عدم المقاومة فى المدن حفاظا على السكان ، وفضلت الإختفاء لترتيب نفسها من جديد لمقاومة طويلة المدى .
دخل الأمريكيون وحلفاؤهم إلى قندهار عاصمة الإمارة الإسلامية فى السابع من ديسمبر 2001 لينتهى بذلك ليس فقط حكم طالبان ، ولكن لينتهى ، ولو ظاهريا ، كل ما سبق من تاريخ أفغانستان ، التى بدأت للتو حاضرا مختلفا كليا .
حقوق الطبع و النشر محفوظة
مصطفي حامد و ليا فارال
رابط مـوقع كتاب “العرب فى حرب أفغانستان ” :
www.thearabsatwarinafghanistan.com
مصطفي حامد/ ابوالوليد المصري
المصدر :
www.mafa.world
الناشر :
شركة هيرست ــ لندن