الوهابية الحديثة .. وإسلام السوق – الجزء الاول
الوهابية الحديثة .. وإسلام السوق – الجزء الاول –
من ناحية فقهية وعقائدية يمكن تشبيه الحركات السلفية المعاصرة بالشجرة التى جذورها عند ” إبن تيمية ” وجذعها الرئيسى هو ” محمد بن عبد الوهاب ” ، الذى منه إنبثقت الأفرع ثم ما لا يمكن إحصاؤه من الأوراق التى هى الجماعات السلفية الصغيرة . نورد فيما يلى فرعان للسلفية الحديثة الأوثق إتصالا بإبن عبد الوهاب منها بإبن تيمية ، وهما الفرع التقليدى والفرع الحركى .
أولا ــ السلفية التقلدية :
1ـ السلفية الملكية ـ التى تساند شخص الملك الحاكم وتجعله محورا للدين .
2ـ السلفية الدعوية ـ المنشغلة باكتساب أنصار جدد للدعوة السلفية . ومعلوم أن أتباع السلفية هم الأقل عددا من بين الفرق السنية . وتعتبر السلفية الدعوية دعما غير مباشر للسلفية الملكية ، لذا تحظى بتمويل سخى من السعودية ومنطقة الخليج النفطى .
ثانيا ــ السلفية الحركية :
1 ـ السلفية الجهادية ـ والتى كان ظهورها الفكرى المبكر والأهم على يد ” سيد قطب ” المفكر الإخوانى ، حتى جاء التجسيد الدولى الأهم على يد ” أسامه بن لادن” خلال حرب أفغانستان فى الثمانينات وما تلاها .
2 ـ الحركة الجهادية التكفيرية ـ أهم تجلياتها العملية كان فى الجزائر على يد الجماعة الإسلامية الجزائرية التى جمحت فى تطرفها على أيدى قادة أهمهم كان ” عنتر الزوابرى ” .
3 ـ الحركة الجهادية الداعشية ـ ويعتبر العراق مركزها الجغرافى ، وهو بلد المنشأ ومنبع القوة البشرية والمادية . من ناحية فقهية وعقائدية تقع الداعشية فى منزلة بين عنتر الزوابرى وأسامة بن لادن.
4 ـ السلفية السياسية ـ والتى ظهرت فى مصر بعد أحداث 2011 ، حيث تشكلت مجموعة كبيرة من الأحزاب السلفية للمشاركة فى اللعبة الديموقراطية .
5 ـ السلفية الإخوانية ـ بدأت تدريجيا عملية إنحياز الإخوان إلى السلفية السعودية بعد فرارهم من بطش نظام عبد الناصر فى مصر ولجوئهم إلى السعودية وقطر وباقى دول الخليج النفطى . وبذلك فقد الإخوان مرونتهم القديمة كوعاء جامع للمذاهب السنية ، ومتصالحة مع الشيعة ، حتى أن الحركة قديما ضمت بعض المسيحيين فى مصر .
الأقسام الخمسة السابقة يمكن التفرع منها إلى تفاصيل كثيرة وعمق تاريخى قديم ، وتحورات فى نشاطات معاصرة . ويحتاج ذلك إلى بحث طويل .
ومؤخرا فان التطورات العميقة التى حدثت فى المسيرة السلفية بشكل عام تبدو مدهشة وصادمة . كما أن الموقف الدولى الحالى ساعد على نمو وإنتشار السلفية وفروعها الجهادية والتكفيرية ، وجعلها أداة هامة على ساحة الفعل الدولى والتاثيرعلى حاضر ومستقبل المنطقة الإسلامية بشكل بالغ الخطورة ، وبأكثر مما يتصور كثيرون .
سمات محورية للسلفية :
لفهم الجانب الحركى للسلفية بكافة أنواعها يجب إدراك نقطتين أساسيتين فى صلب تكوينها التاريخى :
الأولى : أن ذلك “المنهج” الدينى جاء على يد إبن تيمية لتلبية إحتياجات الحكم المتسلط الجاثم على صدور المسلمين وسط تشرذمهم سياسيا إلى ممالك متصارعة يتآمر بعضها على بعض ، ويستعين كل منها بقوات الصليبيين والتتار ، المحتلين لبلاد المسلمين.
الثانية : تطالب تلك السلفية بعدم الإلتزام بمذهب معين من المذاهب السنية الأربعة ، وترى أن من واجب كل فرد أن يحدد بنفسه لنفسه الحكم الشرعى لكل مسألة حسب أقوى الأسانيد الشرعية المتوافرة لديه . ومعنى ذلك أن يكون كل فرد “مرجعية نفسه وإمامها ” .
من ناحية عملية أدت الخاصيتان السابقتان إلى نتائج سلبية خطيرة :
فمن ناحية سياسية : أدت السلفية إلى فقدان الوحدة بين المسلمين . وبذلك أفشلت محاولات النهضة والإصلاح ، ومهدت الطرق أمام التبعية للأعداء ، وعرقلت عملية الجهاد لمقاومة المحتل مستبدلة إياه بالشقاق الداخلى والنزاعات الفقهية العقيمة ، وقلب سلم الأولويات الإسلامية .
وفقهيا : ضاعت المرجعية الدينية ، وتحول الفقه إلى ساحة مستباحة ، يمكن أن يخوض فيها ويفتى كل فاقد للأهلية .
هذا ولم تتمكن السلفية من حكم ” دولة ” من تلك الدويلات الكثيرة التى تبعثرت فيها الأمة ، إلى أن جاءتها الفرصة على يد التحالف الدينى السياسى بين المجدد السلفى” محمد بن عبد الوهاب ” وبين أمراء البيت السعودى فى أواخر القرن الثامن عشر . وما زال ذلك التحالف قائما وفعالا حتى اليوم . وكما ساهم فى الماضى ، يساهم فى الوقت الحالى ، فى رسم صورة الواقع العربى والإسلامى بتحالف وثيق مع القوى الدولية المعادية للمسلمين . ويلعب دورا كبيرا فى السياسة الدولية المعاصرة مساهما فى إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة العربية ، وذلك منذ الحرب الأفغانية السوفيتية وصولا إلى فوضى ” الربيع العربى ” .
# الوهابية هى التطور أكثر عدوانية للفكر السلفى بتطبيقاته العملية ، وقد إزدادت رسوخا منذ نهاية الحرب الباردة / فى عام 1989 / بينما إهتز النفوذ السعودى على قطاعات واسعة من العمل السلفى الجهادى ، فجاء ذلك فى صالح الدور القطرى الأكثر حيوية وكرماً ، معتمدا على فوائض مالية هائلة من تجارة الغاز ، وإندفاعة مغامرة لعقول ليبرالية شابة إقتربت كثيرا من مؤسسه الحكم هناك . ولا ننسى أن تراجع القبضة السعودية عن تيار ” السلفية الجهادية ” جاء فى جزء منه نتيجة صدام أسامة بن لادن مع النظام السعودى ، وقد إستفاد النفوذ القطرى من ذلك التراجع ، وتقدم ليحتل جانبا ملموسا من التأثيرعلى السلفية الجهادية الجامحة . وقد لعبت السلفية الإخوانية دورا كبيرا فى أحداث “الربيع العربى ” بالتضامن مع السلفيات الجهادية والتكفيرية ، كما حدث فى مصر كنموذج غاية فى الوضوح والدلالة ، حيث أنه كان دورا محكوما بالتنسيق مع المؤسسة الأمنية/العسكرية لنظام مبارك . لهذا جاء دور القوى الإسلامية فى مصر سلبيا ومضادا للثورة وجماهير مصر التى إنتفضت على الظلم والفساد .
الإنعتاق السياسى للسلفية الجهادية :
الإبتعاد النسبى عن الحكم السعودى يشكل أحد المعالم البارزة فى مسيرة السلفية الجهادية . وكما ذكرنا فقد تم ذلك على يد أسامة بن لادن بعد عودته الثانية إلى أفغانستان عام 1996 . ويظهر تنظيم “القاعدة المركزى” بقيادة الظواهرى حتى الآن ملتزما بالخط السياسى المتنافر مع نظام الحكم السعودى والمعادى للولايات المتحدة ، ويتبعه فى ذلك فرع القاعدة فى اليمن . ولكن ليس هناك ما يضمن إستمرار ذلك النهج السياسى الذى تنفرد به القاعدة من بين السلفيات الجهادية ، فقد أظهرت فروعها إلتزما أقل تجاه قيادتها المركزية الحالية وكذا نهج بن لادن المؤسس ، فكان ذلك إيذانا بتوسع نهج التحرر السياسى للتيار السلفى الجهادى والإخوانى من التأثير السعودى ، وإستبدالة بالنفوذ القطرى فى الناحية المالية والسياسية . أضيف ذلك إلى النهج القديم فى ” التحررالفقهى” الذى أرساه إبن تيمية . فمن المتاح للفرد الملتزم “بالجهاد السلفى” إختيار الطريق السياسى حسب المعلومات الشخصية المتوفره لديه ، تماما كما يفعل فى إختيار الحكم الفقهى . وبشكل عملى فإن الطموح الشخصى لقائد التنظيم ، مضافا إليه الحماس أو الجموح النفسى لأفراد التنظيم ، هى العوامل التى تحدد النهجين الفقهى والسياسى للجماعة أو التنظيم . من هنا يصبح من المجازفة التنبؤ بمسيرة تلك التنظيمات نظرا لسيولة موقفها الفقهى وارتهان مسيرتها السياسية لعوامل نفسية ومزاجية وقبل كل شئ إعتبارات التمويل ومصادره .
تتوافر دوما خيارت لا نهائية مفتوحة على مصراعيها أمام التنظيمات الحركية السلفية بشتى تنوعاتها . فقد رأينا بعض الذين كانوا يكفرون الديموقراطية أصبحوا فى غمضة عين من أكبر دعاتها ومن السابقين الأولين لتشكيل الأحزاب السياسية وفى طليعة المتنافسين على كراسى البرلمان وعقد التحالفات الإنتخابية مع أحزاب من شتى الإتجاهات . وبعض الوسطيين من السلفيين تحولوا بنفس السرعة إلى غلاة التكفيريين وحاملى السلاح ضد فئات وطوائف وأديان بأكملها . ويلاحظ أن التدفق المالى من بلاد الخليج النفطى ، خاصة المال القطرى ، كان وراء تلك التحولات الدرامية فى مسيرة السلفيات الناشطة فى بلاد ” الربيع العربى” .
ــ خاصية “الإنطلاق العظيم” فقهيا وسياسيا عند السلفيات الجهادية واضحة تماما منذ بداية ” الحقبة العراقية” من تاريخ تلك التنظيمات . أى منذ الإحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 ، بحيث يمكن إعتبار ذلك التاريخ بداية لتطور جديد فى حياة ” الوهابية الجهادية ” ، و تكتب ريادة تلك المرحلة بإسم أبومصعب الزرقاوى كمؤسس أو على أقل تقدير علامة بارزة لها . ثم أعقبته أسماء أقل شهرة ولم تقدم جديدا نتيجة لقصر مدة حياتها ، إلى أن جاء ” البغدادى” ليعلن نفسه “خليفة” للمسلمين ورمزا لهذه الموجة الجديدة من الوهابية الجهادية التكفيرية .
# تتميز تلك الموجة ” بالإنطلاق الفقهى ” الذى تجاوز حتى الوهابية نفسها ، فأصبح التظيم يضع أحكاما ومفاهيم دينية خاصة به ، ثم يفرضها بالقوة المسلحة المتاحه لديه . وكلما زاد جنوحاً فى “الفقه” وجنونا فى إستخدام القوه تحت مسمى “الجهاد” كلما جذب أكثر جماهير شبابية متعطشة لهذا النوع من “الانطلاق العظيم” فى سفك الدماء ورفع سقف الطموحات السياسية وإنشاء الإمبراطوريات على الورق ورسم الخرائط الخيالية .
العمل السياسى من خلال وسيط :
# تتعامل تنظيمات السلفية الجهادية العربية مع الدول الإقليمية عبر وساطات من حركات إسلامية أقل إلتزاما بالمنهج السلفى . فقد إعتمدت كثيرا على وساطة الإخوان المسلمين فى التعامل السياسى مع الولايات المتحدة وأوروبا ، وأيضا كواسطه للتعامل مع الأنظمة العربية خاصة فى الخليج النفطى والأردن . وفى مرحلة الجهاد الأفغانى ضد السوفييت قامت الجماعة الإسلامية الباكستانية ـ وهى عضو فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين ـ بدور الوسيط بين التنظيمات الجهادية العربية والأفغانية وبين نظام حكم الرئيس ضياء الحق .
كما أن اللعبة الكبرى للولايات المتحدة فى المنطقه العربية / والمسماة بالفوضى الخلاقة / كانت تقتضى تجميع التنظيمات الجهادية تحت سيطرة وقيادة الإخوان المسلمين ، وتمكينهم من السلطة السياسية فى معظم البلاد العربية بعد تجزئتها على أسس طائفية وعرقية ، إلى دويلات ضعيفة ومتناحرة ضمن منطقة مضطربة تتسيدها إسرائيل كقوة عظمى إقليمية .
وتدل سياسة التعامل من خلال وسيط على عدم النضوج السياسى ” للوهابية الجهادية ” وعدم قدرتها على التعامل الدولى بدون رعاية وسيط “إسلامى” هو غالبا الإخوان المسلمين .
# إعلان ” الدولة الإسلامية ” برئاسة البغدادى ربما كان خطوة أولى نحو تعامل سياسى مباشر” للوهابية الجهادية ” مع المجتمع الدولى ، هذا إذا كان مشروع الدولة جديا وليس وهميا. ولكن ذلك سوف يستدعى بالضرورة نوعا من الليونة فى موقف “دولة البغدادى” ، وذلك غير مطلوب أمريكيا لأن الهدف هو إثارة الإضطراب الدموى فى مناطق يجب التدخل فيها عسكريا واستخباريا لأغراض إقتصادية واستراتيجية ، وتلك هى وظيفة تنظيمات ” الفوضى الجهادية” ذات الخلفية الوهابية .
لذلك من المستبعد أن يقترب البغدادى ودولته من المجال الدولى ، وسيكتفى بالإتصالات السرية مع تركيا وبعض دول الخليج النفطى . وغالبا فإن دور الإخوان المسلمين كوسيط بين الحركات الجهادية ” السلفية والوهابية” وبين الولايات المتحدة ، لم يعد مطلوبا . لأن النكسة العظمى للإخوان المسلمين فى مصر أفقدها الكثير من قيمتها السياسية ، كما أضعف تأثيرها على التنظيمات الجهادية العنيفة التى إستفادت من سقوط الإخوان فى مصر لإثبات صوابية مواقفها الفقهية والجهادية . وتأتى داعش فى صدارة هؤلاء المستفيدين ، ثم القاعدة بدرجة أقل .
الشريعة والدولة الإسلامية فى المفهوم الوهابى :
لدى الوهابية رؤية فريدة للإسلام ، يمكن تلخيص تأثيرها بأنه عملية تفجير لهذا الدين من داخله ، بعد تفريغه من محتواه الحقيقى .
ــ ودراسة التجربة الوهابية الأولى فى إقامة دولة إسلامية قائمة على الفقه الوهابى والسيف السعودى ، على غير بعيد من تأثير هيمنة بريطانيا على معظم العالم الإسلامى و حواف جزيرة العرب . ومقارنة ذلك مع آخر نسخة وهابية لإقامة دولة إسلامية قائمة على الفقه الوهابى وسيوف ” الدواعش” فى ظل هيمنة أمريكية على العراق نفسه وعلى معظم العالم الإسلامى وجميع جزيرة العرب . نلاحظ التشابه الكبير بين التجربتين فكلاهما يأتى فى صلب الإستراتيجية الكونية للدول الإستعمارية ، بريطانيا قديما والولايات المتحدة حديثا .
# كانت حكومة الهند البريطانية وثيقة الصلة بالتجربة الوهابية وإقامة دوله آل سعود كخطوة فى برنامج لطرد تركيا من جزيرة العرب وإنتزاع المقدسات الإسلامية من بين أيديها والقضاء عليها كإمبراطورية تمثل تواجدا إسلاميا بين القوى الكبرى فى العالم ، وذلك تمهيدا لإنشاء إسرائيل وإعادة رسم الخريطة السياسية للبلاد العربية ، وتوزيعها بين الدول الإستعمارية الأوروبية بعد ” تحريرها من الإستعمار التركى!!” . وتلك هى العملية المشهورة بإتفاقية سايكس / بيكو .
كما كانت الولايات المتحدة وثيقة الصلة بالتجربة الوهابية الأخيرة بإقامة دولة الدواعش ضمن برنامج لطرد الإسلام نفسه من خريطة الفعل الدولى بل والإنسانى ، مرورا بهدم المسجد الأقصى وإخراج رسول الإسلام من مسجده فى المدينة المنوره “طبقا لفكرة مشروع سعودى كشف عنه مؤخرا بذريعة توسعه المسجد النبوى “. وبنفس المنطق ربما يتم تحويل الكعبة إلى أثر تاريخى داخل ” فاتيكان إسلامى” قزم تديره دويلة وهابية ، أو تحت إشراف دولى كجزء من ” التراث الثقافى العالمى” الذى تشرف عليه هيئة اليونسكو . أو إلحاقة بإمبراطورية داعش المكلفة بالإنسياح فى أرجاء الأرض وفقا لمصالح الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة ( لهذا فإن فلسطين مستثناة من أى برنامج فتوحات داعشى أو سلفى ) .
الدولة الوهابية والمصطلحات الأربعة :
تفريغ المبادئ الإسلامية العظمى من محتواها ، وصرفها إلى مسارب أخرى غير الأهداف الأصلية ، هو ما توضحه التطبيقات الوهابية فى سعيها نحو الدولة الإسلامية أو عند إدارتها لتلك الدولة .
والدولة الإسلامية حسب التطبيقات الوهابية هى القائمة على أربعة مصطلحات كبرى وهى : (ولى الأمر) ـ التوحيد ـ الجهاد ـ الشريعة . والدلالة العملية لكل منها عند التطبيق الوهابى هو كالآتى :
ولى الأمر : هو الحاكم الأعلى مطلق الصلاحية ، واجب الطاعة مهما كانت حالته ، والذى يصادر بيت المال لجيبه الخاص فيوزع منه ما يشاء على من يشاء ، ويتصرف فى مصير الدولة على أنها من ممتلكاته الخاصة ومن مواريث أسرته التى تتوارث ملكية الدولة بما فيها من بشر وثروة .
التوحيد : وهو ضد الشرك ، والشرك عند الوهابية هو زيارة أضرحة ومقابر الأولياء والصالحين. والحرب ضد الشرك هى الحرب ضد من يعظمون تلك الأضرحة وهم الصوفية والشيعة . الفئة الأولى وهم الصوفية ، يشكلون أغلبية أهل السنة ، وهم متهمون أيضا بتبنى العقيدة الأشعرية التى هى بالمعيار الوهابى عقيدة منحرفة . أما الشيعة ، وهم عدديا الفئة الثانية بعد أهل السنة ، فالحكم عليهم أشد قسوة ” أى التكفير” بما يضعهم فى صدارة قائمة الأعداء الواجب القضاء عليهم .
الشريعة : تطبيق الشريعة شعار هام للدولة الإسلامية . وتلك الدولة عندما تقام طبقا للمفهوم الوهابى السعودى فإننا أمام مشكلتين واحده تتعلق بمفهوم الشريعة ، والثانية بمجال تطبيق الشريعة .
فالمفهوم السلفى (وليس فقط الوهابى) يرى أن الشريعة فى الأساس تعنى قانون العقوبات ، أى الحدود والتعزيزات وعند تطبيق الشريعة فى مثل ذلك المجتمع ، الذى يتمتع فيه ولى الامر بقدسية وحصانة من المساءلة ، تكون الإنتقائية هى الأساس ، فتستخدم الشريعة ستارا للطغيان والتمييز بين الناس بدون وجه حق ، فيعاقب الضعفاء بينما الأقوياء يرتعون فى الجرائم والمعاصى فى مأمن من العقوبات الشرعية .
# بمثل هذا الفهم لتلك المصطلحات لا يصبح الحديث عن إقامة دولة إسلامية حقيقيا . بل أن إستخدام إسم الإسلام فى مثل تلك الحالة يعتبر إهانة كبيرة لهذا الدين .
# يتجاهل المفهوم السلفى لوظيفة الدولة أن هناك واجبات أساسية يجب القيام بها لتكون الدولة جديرة بصفة “الإسلامية ” ، ومن تلك الواجبات :
ـ تحقيق العداله فى الحكم . ( فالعدل هو أساس الملك ) كما فى القول المشهور ، وأن ( الملك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم ) حسب قول آخر . فالعدالة الإجتماعية هى الشق الأعظم للحكم العادل ، وتعنى العدل فى توزيع الثروات بين مستحقيها ، ومنع إلإحتكار بأنواعة سواء الإقتصادية أو المالية أو السياسية . وتعنى إقامة نظام قضائى نزيه وعادل وأيضا سريع وناجز ، بحيث يسهل على الفقراء الحصول على حقوقهم كاملة بلا مماطلة أوتعقيدات ، وبلا تكلفه تقعدهم أو تمنعهم من ذلك .
ـ منع أصحاب الثروات من التحكم فى مجالس الشورى أو المجالس النيابية تحت أى ذريعة . وإقرار أساليب إنتخابية تحول بين الأثرياء وبين إستخدام المال فى شراء مجالس الشورى . ومنعهم من شراء القرار السياسى بتقاسم التجارة والثروات مع رئيس الدولة والوزراء وكبار المسئولين فى الدولة . وكذلك الحيلولة بينهم وبين السيطرة على مجريات السياسة الداخلية ، أو إملاء سياسات خارجية تخدم مصالح ثرواتهم .
وأيضا الحلولة بينهم وبين صناعة الإعلام التى أصبحت قادرة على صناعة الرأى العام بل وقادرة على إشعال ثورات وإحباط ثورات . وجعل الإعلام ملكية إجتماعية تعاونية ، فلا هى لأصحاب الثروة الأقوياء ولا هى لأصحاب السلطة المتحكمين .
ـ حماية الثروة العامة وتنميتها فى خدمة الجميع وليس فئة محددة من الأقوياء أو المحظوظين بالوراثه أو أبناء الطبقة الحاكمة . وبناء إقتصاد قوى متماسك قائم على الإنتاج الصناعى والزراعى ، وليس الريع أو العمولات والسمسرة ، إقتصاد إنتاجى يوفر الوظائف المجزية للشباب والحياة الكريمة للمواطنين والقوة للدولة .
ـ حماية ثروات الدولة من الوقوع فى أيدى الشركات الدولية وشبكات الوكلاء والسماسرة المحليين تحت الشعار الدولى البشع الذى ينادى بمبدأ ” حرية السوق ” أى القضاء على الإقتصاد المحلى والسيطرة على الثروات المحلية وإيقاع الدولة فى شبكة الديون وما يترتب عليها من الفساد الإدارى والمالى ، وإيقاع الشعب فى براثن الفقر والبطالة ، فتضرب المجتمع موجات الجريمة والإنحراف .
إسلام السوق :
سياسة ” السوق المفتوح” أو” الإنفتاح الإقتصادى ” ، تعنى فتح الأبواب أمام البضائع ورؤوس الأموال الأجنبية ، ورفع كافة العقبات من أمام البنوك الدولية والشركات متعددة الجنسية والمتعاونين معها من أقطاب الرأسمالية المحلية الطفيلية وكلاء القوى الدولية ، كى يقوم جميع هؤلاء بما يشاءون من نشاطات لجنى أكبر قدر من الأرباح بصرف النظر عن مصالح المجتمع والدولة .
# وقد إكتسحت سياسة ” السوق ” أو الليبراليه الجديدة ، ليس فقط الحياة الاقتصادية والسياسية ، بل أيضا جميع الإنشطة الإجتماعية الحساسة بما فيها النشاط الدينى . فأصبحت معظم جمعيات الدعوة والأحزاب الدينية خاضعة للتمويل النفطى فى أكثر الدول العربية والإسلامية ، بل وحيثما وجدت الجاليات الإسلامية فى أوروبا وأمريكا . فسياسة السوق المفتوح فرضت ثقافة عامة غير سوية فى المجتمعات التى إبتليت بها ، وفرضت أخلاقيات جديدة لم تكن شائعة أو موجودة فى السابق ، كما أنها فرضت نمطا من التدين والثقافة الدينية ، وأوجدت نشاطا إسلاميا / دعويا أو سياسيا / ذو طبيعة إنتهازية تهدف إلى الربح المالى ، وزاحف بالخديعة أو العنف نحو السلطة بطبيعتها الجالبة للثروة . التنظيمات الإسلامية تغيرت أهدافها وأساليبها طبقا لإحتياجات ومطالب سياسة السوق المفتوح التى فرضتها الرأسمالية الليبرالية الجديدة ( يسميها البعض بالرأسمالية المنفلتة أو المتوحشة ) ، وفرضها الممولون النفطيون الممثلون الإقليميون لتلك الرأسمالية .
ــ إن القوة المالية المهيمنة على شئون العالم وعلى السياسة والثقافة فى معظم دول القارات الخمس ، أخضعت أيضا معظم العمل الإسلامى وسخرته فى خدمة مصالحها وخدمة رؤيتها للعالم . وبصورة أخرى ، فإن الرأسمالية المتوحشة تمكنت من إتلاف العمل الإسلامى بمثل ما تمكنت من إتلاف البيئة والمناخ فى كامل الكرة الأرضية المنكوبة . بقوة المال تمكنوا من تحويل الإسلام على يد تلك المجموعات الشائعة ، من قيمة معنوية خلاقة ورائدة إلى مجرد سلعة قابلة للبيع والشراء وخاضعة لجنون البورصة السياسية ، ومن قيادة للإنسانية إلى مجرد أداة تستخدم فى فرض مسارات استراتيجية بقوة السلاح والإنخراط فى برامج فوضى من الفتن الدامية تحت إسم الجهاد ، الذى هو ليس قطعا فى سبيل الله ، بل فى سبيل الولايات المتحدة تحديدا.
ــ مثال على ذلك التوجه الإسلامى الحديث : قادة أحزاب الجهاد فى أفغانستان ضد السوفييت ومواقعهم الآن فى خدمة الإحتلال الأمريكى وقوات حلف الناتو هناك . فالجميع يرى موقع سياف زعيم الإخوان المسلمين فى أفغانستان والمصنف متشددا إسلاميا وسلفيا جهاديا ، وبحوزته توصيفا رسميا على أنه “أمير الجهاد الأفغانى” وقت الإحتلال السوفيتى ، وقد أعتبره بعض المتحمسين “سيد قطب أفغانستان” . وهو الآن المدافع الأول عن الإحتلال الأمريكى والمناوئ الأول للمجاهدين الأفغان وحركة طالبان التى تقودهم ، بل ويطالب بشنقهم على أبواب مدينة كابل ، وينادى بإرتباط تعاقدى أبدى مع الولايات المتحدة وهو ما تم بالفعل على يد الرئيس الأفغانى الجديد أحمد غنى” المعين ديموقراطيا” على يد وزير الخارجية الأمريكى الذى تجاهل عملية التصويت وصناديق الإنتخابات التى تتباهى بها أمريكا بين الأمم ، فجعلتها على رأس أهداف العدوان على أفغانستان والعراق ، ومبررا للتدخل فى شئون باقى الخلائق . تبقى أن نقول بأن سياف وأقرانه فى أفغانستان قد أصبحوا من أصحاب المليارات وكبار ملاك العقارات فى البلد . وهو شخصيا يمتلك واحدا من أكبر الأرصدة المالية مشفوعا بأطول لحية فى البلاد وربما فى العالم الإسلامى كله .
ــ خلال أحداث ما يسمى بالربيع العربى ظهر التمويل النفطى جليا فى تحركات الجماعات الإسلامية ، سواء الإخوان المسلمين أو السلفيات الأخرى . كان إنفاقا سخيا ، إنعكس على المواقف السياسية لتلك المجموعات إزاء أهداف الثورة والعلاقة مع باقى الفرقاء السياسيين والتيارات الأخرى ، وعندما وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم فى مصر كانت إعتبارات التمويل النفطى هى التى تملى عليهم المواقف والسياسات فى الداخل والخارج . كما أن الحروب الأهلية التى شارك فيها الإخوان بشكل مباشر أو بواسطة حلفائهم من السلفيات الجهادية ، خاصة تلك الحروب التى نشبت فى ليبيا وسوريا ، قد أتت بتمويل كثيف لجميع من شارك فيها من تنظيمات ، بما مكنهم من إعادة تنظيم وتقوية صفوفهم من جديد . فاقتربت تلك الجماعات الجهادية لأن تكون نظيرا إسلاميا لشركات المرتزقة التى شاعت بالمئات فى الغرب تطبيقا لمفهومه الجديد عن الحرب . شركات مثل “بلاك ووتر” وأخواتها التى تجارتها الحروب وسلعتها الدماء ومتعتها القتل .
ـ يمكن القول أيضا أن السلوكيات الجديدة للجماعات السلفية التى شاركت فى أحداث الربيع العربى مسئولة بدرجة كبيرة عن موجة الإلحاد التى تفشت بين الشباب المحبط ، فى أعقاب ثورة الآمال التى طارت بهم عاليا ، ثم هوت بهم فى أسفل سافلين نتيجة فشل تسببت فيه الإنتهازية السياسية للإخوان ذات الطابع المغامر والتجارى . لقد تحول التيار الإسلامى كلة إلى كتلة من العمل السياسى الأحمق بقيادة الإخوان ، فساهم بفاعلية فى إفشال كل شئ ، وصولا إلى إحباط بين الشباب يحتاج إلى وقت طويل جدا لعلاجه . ومن مظاهر ذلك الإحباط تلك الموجة من الإلحاد الذى تسبب فيها من ينسبون إلى أنفسهم شيئا متوهما أسموه “الصحوة الأسلامية ” التى لم تكن فى الواقع سوى تسويق لإسلام جديد هو ” إسلام السوق”.
” العدو المصطنع ” .. أو “العدو البديل “
فى العقلية الغربية يعتبر الصراع هو محرك الوجود والدافع إلى الحركة من أجل إمتلاك القوة والإرتقاء الحضارى . وكلما كان العدو قويا كلما كان الحافز للحركة قويا . وفى أحد أقوالهم المشهورة : ” أعطنى عدوا قويا أعطك شعبا قويا ” . وفقدان العدو يعنى عندهم فقدان حافز الحياة ، فلا يستطيع الغرب الحياة بلا حروب ، التى فى لهيبها يجد نفسه ويحقق ذاته ويطور قدراته ويبسط سطوته . وهكذا إستمر تاريخ الغرب منذ بدايته الهمجية .
قاتل الغرب بضراوة ضد نفسه وضد الآخرين . ومع نهاية الحرب العالمية الثانية التى أضعفت القوى الأوروبية الكبرى ، تصدت الولايات المتحدة لقيادة أوروبا فى مواجهة عدو إختارته بنفسها وهو الاتحاد السوفيتى الذى كان حليفا أساسيا لهم فى الحرب ضد دول المحور الذى ضم ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان الإمبراطورية . ولكن ضرورات فلسفة الصراع هى التى أملت ذلك حتى تستمر الحركة الصناعية والعسكرية لدى الغرب . ثم سقط الإتحاد السوفيتى فى أفغانستان وتحللت الإمبراطورية ، فكان لابد من (إصطناع عدو) جديد فكان الإسلام ( كدين ) هو العدو الجديد . وقد أعلنوا ذلك فى دوائر حلف الناتو منذ عام 1989 . وبدأ تصنيع وترويج ( جماعات الإرهاب الإسلامى) وكان رمزهم الأكبر فى بداية تلك الحرب هو تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن .
وإذا كان العدو المصطنع لا يمتلك القوه الكافية حتى يلعب الدور المطلوب ، فإن الولايات المتحدة تزوده بما يلزم من قوة مادية تكفى لإيقاع خسائر محدودة بالغرب ، ثم تتولى مبالغات الإعلام الغربى تحويل ذلك العدو البسيط إلى وحش خرافى يهدد الوجود الغربى والأمن العالمى . وهذا ما حدث مع “القاعدة” ويتكرر الآن مع “داعش ” ، وسوف يتكرر مستقبلا مع غيرهما حسب مقتضيات اللعبة الأمريكية .
وتحت ستار مكافحة “الإرهاب الإسلامى” يتمدد النفوذ الأمريكى وتنمو صناعة السلاح ويتم التدخل فى الكثير من الدول وإحتلال بعضها ، وتعاد صياغة واقع جيوسياسى جديد للعالم كله . ولا ننسى أيضا أن العدو المصطنع أو البديل قد صنعة الغرب حتى تتلهى به شعوب الغرب نفسه عن صراعها الأساسى مع الشريحة الثرية التى تسلطت على الثروات والحكومات والمجالس النيابية هناك ، وأوقعت أغلبية السكان فى أتون الأزمات المعيشية والإقتصادية ، بحيث بات السلام الإجتماعى فى الغرب مهددا ، وكان المخرج المتاح هو إشغاله بخطر خارجى مفتعل يتهدده ، بحيث تظهر أنظمة الغرب كحامية لشعوبها وليست عدوا لها أو مجرد حارس شرس للشريحة الرقيقة من عتاة الرأسماليين . فتتمكن بذلك من التعدى على حريات مواطنيها وحقوقهم الدستورية تحت دعاوى التصدى لخطر الإرهاب الإسلامى القادم من خارج الحدود ، والذى له عملاء وإمتدادات داخلية ضمن الجاليات الإسلامية المقيمة فى دول الغرب أو القادمة إلية لأى سبب كان ، فأصبح كل مسلم فى دول الغرب هو إرهابى محتمل يجب التعاون فى الحكومة لمراقبته أو إعتقاله وقتله عند الضرورة .
إذا فمنظمات ” الإرهاب الإسلامى ” تعتبر جزءا جوهريا من الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة والدول الأوربية . وسياسة مكافحة “الإرهاب الإسلامى” هى البديل لسياسة مكافحة الشيوعية طوال الحرب الباردة من عام 1945 وحتى عام 1990 ، لفرض إرهاب الدولة العظمى على مواطنيها فى الداخل ، وعلى شعوب العالم الإسلامى كله .
ومن الفوائد العظمى التى عادت على الولايات المتحدة من ” الحرب على الإرهاب الإسلامى ” :
1 ـ إضعاف الدول الإسلامية وتعريض تواجدها للخطر ، وإخضاعها للسيطرة الأمريكية بالقوة أو بالإكراه.
2 ـ إشغال العالم الإسلامى بالحروب الداخلية ذات الطابع الإستئصالى المذهبى والعرقى بل والسياسى أيضا ، وبالتالى إخراج المسلمين من مجال التأثير أو المشاركة فى شئون العالم .
3 ـ تشويه الإسلام وتنفير شعوب الغرب والعالم من ذلك الدين ومعتنقيه ، وبذلك يتم التخلص من طوق النجاة الوحيد لدى الإنسانية لإنقاذها من ظلمات الحضارة المادية التى أتلفت كوكب الأرض وساكنيه ، وسلبت خيرات الأرض لصالح أفراد معدودين ، وأغرقت مليارات البشر فى الفقر والجهل والحروب والأمراض والأوبئة الطبيعية أو المصنعة فى معامل الغرب .
4 ـ التمويه على التحرك الإستراتيجى الحقيقى للولايات المتحدة وحلفائها ، الساعى نحو إضعاف وعرقلة القوى الأسيوية الصاعدة التى تهدد بإزاحة الهيمنة الدولية للغرب وقيادة العالم بدلا عنه ، وعلى رأس تلك القوى الصين والهند وروسيا ، ثم إيران التى هى العضو الإسلامى الوحيد المؤهل لممارسة دور حقيقى فى ذلك النادى الدولى الجديد الذى المنتظر أن يشمل أيضا جنوب أفريقيا والبرازيل .
لإعتبارات عقائدية وليس فقط إقتصادية وحضارية كما فى حالة باقى القوى القادمة نحو قيادة العالم ، فإن إيران من وجهة نظر الغرب هى أخطر القوى الأسيوية الصاعدة والمستهدف الأول من “إستراتيجية العدو البديل” . لهذا يجرى حصارها و”شيطنة” الدور الإيرانى المحسوب حضاريا ودوليا لصالح المسلمين . فمن المبادئ المستقرة لدى دول الغرب ، منذ إسقاط الإمبراطوية العثمانية ، عدم السماح لأى دولة إسلامية من الإقتراب صوب ممارسة دور دولى فاعل ومستقل عن الهيمنة الغربية ، أو أن يكون للمسلمين كيان سياسى جامع يمثل مصالحهم فى العالم .
” العدو البديل ” وعقيدة “الولاء والبراء” :
من أهم إنجازات ” الحرب على الإرهاب الإسلامى ” كان التبديل الجوهرى فى خريطة ( الولاء والبراء) فى العالم العربى والإسلامى . فبعد أن كانت إسرائيل هى العدو الذى إغتصب فلسطين ، وقتل الألوف من الفلسطينين والعرب ، أصبحت إسرائيل / سرا أو علنا / صديقا أو حليفا استراتيجيا لمعظم الأنظمة العربية.
الولايات المتحدة وبإستخدام حالة “الفوضى الخلاقة” تحاول إعادة تشكيل المنطقة العربية وتقسيمها إلى كيانات مذهبية وعرقية صغيرة ومتصارعة حتى تبقى إسرائيل وإلى الأبد القوة الإقليمية العظمى فى المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج .
ومن المفترض أن تزحف الفوضى الخلاقة صوب إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى والصين وروسيا وشبه القاره الهندية ، فى حملة للوهابية الجهادية مرشح لنجوميتها كل من “تنظيم القاعدة” و “دولة داعش” والتنظيمات المحلية المرتبطة بهما . بات مطلوبا مباريات فوضوية على النمط السورى ، لزعزعة الأمن فى القلب الحضارى لقارة آسيا لإعادة صياغتها من جديد ضمن وضع جيوسياسى يخدم المصالح الأمريكية العليا ، وإرباك أو إستنزاف قوى آسيا الكبرى المؤهلة لقيادة النظام الدولى القادم . ولكن الفشل الأمريكى فى أفغانستان عرقل ذلك البرنامج الطموح . كما أن حركة طالبان الأفغانية / كقوة إسلامية قائدة على أرض أفغانستان / لا ترغب فى رؤية أيا من داعش أوالقاعدة فى أفغانستان أو فى أى بلد آخر قريب منها .
إن دور” الإرهاب الإسلامى ” يتخطى أهمية أى سلاح إستراتيجى تمتلكه الولايات المتحدة . لذا يمكن إدراك عدم جديتها فى تلك الحرب المزعومة على الإرهاب الإسلامى ممثلا فى تنظيمات مثل القاعدة و داعش وغيرهما ، والإبقاء عليها كعدو مستمر ولكن بقدرات موزونة بدقة ، بحيث تقدم له العون فى حالات ضعفة كى لا يموت ، أو توجه إليه الضربات حتى لا تتخطى قدراته الحدود المحتملة والمحددة له سلفا .
فالأنظمة العربية وأجهزاتها العسكرية والأمنية غيرت عقائدها تماشيا مع متطلبات الإستراتيجية الأمريكية فى العصر الجديد . ” العدو البديل” للأنظمة أصبح “الإرهاب الإسلامى” ، كخطر قادم من الداخل ليهدد النظام والمواطنين . وأضيف إليه ” المد الشيعى” أو ” الخطر الإيرانى” الذى يمثل ” العدو البديل ” والخطر الخارجى القادم من وراء الحدود .
أما التنظيمات السلفية والإخوانية فقد شاركت أنظمة بلادها فى إتخاذ عدوا بديلا عن إسرائيل والولايات المتحدة وهو ” المد الشيعى أو “الخطر الإيرانى ” . واختفت إسرائيل والولايات المتحدة من قائمة الأعداء إلا فى مناسبات كلامية عابرة . وكما فعلت الأنظمة العربية المتهاوية ، تخلت المنظمات الإسلامية بكافة أطيافها خلال مشاركتها فى مشروع ثورة “الربيع العربى” عن أى مطالب إجتماعية أو إقتصادية أو أى تغييرات سياسية جذرية ، بل توطأت جميعا على الإنصياع والتبعية للنظام الإقتصادى الغربى”نظام السوق” ، وإلإنحراف بمسيرة الثورات صوب الفتنة العمياء أو الصفقات الإنتهازية والمتاجرة بالدماء فى سوق السياسة الدولية . وكانوا فى ذلك أكثر إنسحاما مع واقع الحركة الإسلامية ، خاصة الحركة الإسلامية الثرية / أى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين / المرتبط إستثماريا وسياسيا بالنظام الإقتصادى الدولى أو الليبرالية المتوحشة . ومن هنا يمكن القول أن الحركة الإسلامية ، فى الدول العربية بشكل خاص ، لا تلبى المعايير العقائدية للإسلام بقدر تلبيتها لإحتياجات الإقتصاد الليبرالي الجديد والنظام الدولى الذى يرعى ويساند تلك التنظيمات.
إننا بالفعل نعيش حالة إسلامية حديثة يمكن تسميتها ” “بإسلام السوق” .
مقارنات بين القاعدة وداعش
فروقات كثيرة بين التنظيمين ، رغم الأرضية السلفية المشتركة ـ وقد رأينا أن المنهج السلفى لا يشكل أرضية ثابتة لأتباعة . ولكن فى الوقت الراهن يوجد إتفاق واسع بين السلفيات الجهادية حول ما تطرحه داعش حاليا ، ليس بسبب قناعات نظرية بقدر ما هو إنبهار بانتصارات داعش العسكرية . وذلك عنصر غير ثابت أيضا لأن الإنتكاسة العسكرية أو الهزيمة سوف تضعف من إنتشار ” الثوابت الداعشية ” ، والتى هى :
1 ـ جعل العداء للشيعة والصوفية وشرك القبور الدافع الأساسى للحرب وأولوية مطلقة ، بينما الصراع مع المحتل الأمريكى كان إضطرارياً ومؤقتا ، ولا وجود لإسرائيل على خارطة الإهتمام .
2 ـ التوسع فى عمليات التكفير لتبريرعمليات القتل الجماعى بإعتباره وسيلة لإثبات القوة والتصميم .
3 ـ التطهير المذهبى والدينى لأرض ” دولة داعش” .
4 ـ إحياء نزعة إمبراطورية توسعية ، ذات طابع فاشى ، يجذب قطاعات كبيرة من الشباب المحبط واليائس
5 ـ إتخاذ القوة البحتة وسيلة لفرض تصورات داعش وطموحاتها على المنطقة والعالم ، رغم عدم إمتلاك الحركة للمقومات الكافية / معنويا أو ماديا/ لتحقيق ذلك .
6 ـ تمتلك داعش مصادر تمويل خاصة ، إلا أن الإعتماد الإساسى مازال على دول الخليج النفطى التى كانت إمداداتها المالية والبشرية سببا لظهور وتمدد تلك الحركة فى العراق وخارجها .
7 ـ إستخدام القوة لإستبعاد المنافسين فى التيارات الجهادية السلفية الأخرى ، وذلك رغبة فى الإستفراد بالنفوذ وتلبية لرغبات الممولين الخليجيين . فالصراع المستعر بين داعش وبين نظيراتها ( الذين هم غالبا أقرب إلى تنظيم القاعدة) هو صراع بالوكالة عن الممولين الخليجين خاصة قطر والسعودية .
8 ـ إستخدم تنظيم داعش سلاح الإعلام بشكل جيد معتمدا على إنتصاراته على الأرض وأعمال القتل الإستعراضية ، ليصور نفسه كتنظيم قوى ومنتصر . وقد ساعده الإعلام الغربى فى ترويج تلك الصورة ولكن من منطق أنه تنظيم إرهابى خطير يهدد المنطقة والدول الغربية والعالم . فتضاعف بذلك التأثير الدعائى والنفسى لتنظيم داعش .
مع ملاحظة أن خطة الدعاية الداعشية تعتمد على تقوية صورة التنظيم وليس جاذبية القائد وتمتعه بالكاريزما . ولتلك السياسة مزاياها وعيوبها ، فظروف الحرب تجعل القادة يختفون سريعا بسبب القتل ، لهذا يكون التركيز على كاريزما القائد ضارا . ومع ذلك فإن كاريزما الزعيم لها تأثير كبير جدا على الشعوب الإسلامية .
# لنقارن ما سبق بمواقف تنظيم القاعدة وثوابته أثناء قيادة بن لادن ، حتى ندرك مدى الإقتراب أو الإبتعاد فى مواقف التنظيمين .
1 ـ كان بن لادن يرى أن الخلاف مع الشيعة لا يستدعى الصدام ، حيث يجمع الإسلام بين الطرفين . وقد رفض عروضا خليجيه بتحويل أفغانستان إلى ساحة حرب مع الشيعة ، “وكذلك فعلت حركة طالبان “.
وكان يرى أن الأمريكيين قوة إحتلال يجب طردها من جزيرة العرب بالقوة . وكان يرى أنها وراء إحتلال اليهود لفلسطين ، والداعم الأساسى لقوة إسرائيل .
2 ـ عارض على طول الخط عمليات التكفير الجزافى أو الخوض فى الدماء بدون وجه حق شرعى .
3 ـ لم يطرح مطلقا فكرة التطهير المذهبى أو الدينى .
4 ـ لم يطرح دعوة إمبراطورية توسعية كما طرحت داعش ، بل كان يرى الوحدة الإختيارية بين المسلمين هى طريق الحصول على القوة والدفاع عن أراضى المسلمين ومصالحهم .
5 ـ أفرط هو أيضا فى تقدير الدور الذى يمكن أن تلعبه القوة المتاحة لديه فى تحقيق أهدافه المعلنه فى بيان إعلان الجهاد (على المشركين المحتلين لجزيرة العرب ). فلم يبذل الجهد الكافى لحشد القوة الإسلامية اللازمة ، متصورا أن قوه تنظيم القاعدة تكفى لتحقيق أهدافه. لذلك فقدت القاعدة معظم تأثيرها بعد الهزيمة التى أصابتها فى أفغانستان .
6 ـ إعتمد بن لادن على تمويل شخصى لحركته وتنظيمه ، ولكن فى وقت متاخر بعد خروجه من السودان بدأ فى قبول تمويل شعبى خليجى .
7 ـ عارضه منافسون كثيرون ولكنه لم يتصور يوما أن يستخدم القوة لازاحتهم أو حتى محاولة تشويه سمعتهم . لكنه ضغط كثيرا لاستمالتهم أو لإضعافهم بدون إستخدام القوة .
8 ـ إعتمد بن لادن كثيرا على الإعلام الدولى فى الدعاية له ، ولم يمتلك جهازا إعلاميا خاصا به إلا فى وقت متأخر جدا ـ فى عام 2000 تقريبا ـ ودعايته كان محورها جاذبيتة الشخصية ( الكاريزما ) ، فكان هو محور الإهتمام والإنجذاب الشعبى نحو التنظيم ، فأصبح بن لادن هو تنظيم القاعدة ، لذلك كان إختفاؤه القسرى أو إغتياله ، سبباً أساسيا فى شلل التنظيم بما أتاح الفرصة لظهور تنظيمات أقوى ، خاصة تنظيم داعش فى العراق .
وإذا أتيحت الفرصة فسوف نتابع المقارنة بين التنظيمين .
بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري) 3-12-2014
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
www.mustafahamed.com