بقلم : ياسين مشربش
_ صحفى فى مجلة تسايت الألمانية _
أثق فى الغموض الذى يكسو الأشياء التى تبدو مؤكدة ، وأعتقد أنه أقرب إلى الحقيقة .وكصحفى فإن ذلك يسبب لى الصعوبات أحيانا. لأن الغموض يسكن فى الكلمات الملتبسة : قيل ، مفترض ، أذيع .. الخ .
لقد تخطيت أكثر من موعد نهائى وأنا أتلقى كلمات كهذه من المحررين . وتلك كلمات لا تصنع مقالات جميلا . وأملى هو أن تساعد فى صنع مقالات صادقة . فمن النادر أن نصادف شيئا حقيقيا بالفعل.
آخر مرة شعرت بأن ذلك يحدث كان فى نوفمبر 2013 . وكنت أقف فى شرفة صغيرة فى قلب مدينة الأسكندرية فى مصر ، وأنا أدخن سيجارة . شخصان جلسا فى غرفة المعيشة التى تؤدى إلى تلك الشرفة ، وخلال اليومين السابقين قضيت معهما 14 ساعة كاملة .
ما دار فى رأسى فى تلك الشرفة هو نيتى الكتابة حول كيف أن “ليا فارال ” الضابط السابق فى قسم مكافحة الإرهاب فى الشرطة الفيدرالية بأسترليا ، مع مصطفى حامد المستشار السابق فى حركة طالبان ، وكيف تعرفا على بعضهما ، وبنيا من الثقة ما يكفى لأن يتمكنا معا من كتابة كتاب خلال فترة عامين ، هنا فى الأسكندرية .
أفترض أن معظم أصحاب المهن لديهم تشوهاتهم المهنية الخاصة . فالصحفيون يبحثون عن الحقيقة من خلال التقاصيل : متى بالتحديد سمعت عن ذلك . ماذا دار برأسك فى تلك اللحظة ؟ . هل سمعت بذلك من خلال الراديو أم التلفزيون ؟ . أو ، هل طلبك شخص ما على الهاتف ؟ مرة أخرى ، أى محطة كانت ؟.
ماذا كنت تلبس فى ذلك اليوم ؟ وماذا فعلت بعد أن عرفت عن ذلك ؟ كيف كان الطقس وقتها ؟
فى ذات مرة – كنت أمشى بالقرب من مقهى بجنوب اليونان ” فى ذلك اليوم ” ملاحظا دهشة العاملين الجالسين حول موائدهم ، وجميع الأعين مشدودة إلى جهاز التلفزيون ، ولكن لا أحد ينطق بكلمة . أقتربت من التلفزيون ، وشاهدت فقط البرج الثانى ينهار .
بالطبع فإن معايشتى لذلك اليوم لم تكن مشوقة . ولكن منذ ذلك اليوم فصاعدا ، وكصحفى ، عملت على موضوع القاعدة والمتشددين الإسلاميين . فى 11/9 كنت لا أزال طالبا فى الدرسات العربية ، وكنت قد بدأت بالفعل فى العمل كصحفى بالقطعة للعديد من الصحف . وكتبت سابقا عن موضوع الإسلام . فى “ذلك اليوم” ، فإن الإرهاب جاءنى كموضوع ، وقد قبلته بترحاب كموضوع لى .
– لم أكن قادرا على غير التفكير بتلك اللحظة فى اليونان بينما أنا واقف فى تلك الشرفة بالاسكندرية ، بعد إثنى عشر عاما .. لماذا ؟ ، ربما لأنه شئ فريد دوما أن تقابل شخصا عرف أسامه بن لادن . أكثر من ذلك ، فيما أظن ، لأنه فى حالة مصطفى حامد ، من المثير حقا معرفة كيف عايش ” ذلك اليوم ” .
– فى يوم 11/9 كان هو فى مدينة قندهار الأفغانية ، حيث وزعت الحلوى عند سماع خبر الهجوم الإرهابى فى نيويورك وواشنطن . البعض كان يحتفل فى ذلك اليوم ، ولكن مصطفى حامد لم يحتفل . لقد كان غاضبا . كان قائد القاعدة السعودى قد لمح إلى خطط جاهزة “لضربة كبيرة ” سوف تقتل الآلاف .
مصطفى حامد طلب من أسامة بن لادن أن يوقف الخطة . وقال لى : ” كنت أعلم ماذا يعنى ذلك بالنسبة لأفغانستان” . كانت مقابلة فاترة ، فكانت آخر مقابلة بينهما .
– بعد عودتى إلى برلين من الإسكندرية ، سألت مصطفى حامد أن يذكر لى المزيد من التفاصيل حول كيفية جريان ذلك اللقاء . وكيف كان الطقس فى ذلك اليوم ؟ . وأين بالتحديد جرى اللقاء ؟. وماذا كان يرتدى بن لادن ؟ . وهل كان يبتسم وهو يتحدث عن الخطة ؟.
تفضل مصطفى حامد وأرسل لى ورقتين باللغة العربية . ولكن ما أن وصلت رسالته الألكترونية ، حتى بدأت عملية غير متوقعة تسرى بالفعل . لقد بدأت أشعر بأن القصة الحقيقية ليست تلك التى كنت أفكر فيها بينما أنا واقف فى تلك الشرفة بالأسكندرية .
– التفاصيل عملة صعبة فى الصحافة عادة . أتذكر أننى كتبت يوما مقالة عن ألمانى إعتنق الإسلام وانضم إلى مجموعة جهادية متشددة فى باكستان . فى يوم مغادرته ألمانيا إصطحب قطته إلى طبيب بيطرى . ياله من تفصيل عظيم !! ولكنه لسوء الحظ لم يكشف عن أى شئ ، ولم يشرح شيئا .
وهكذا سألت نفسى : ما الفرق الحادث إذا عرفنا ماذا كان يلبس بن لادن فى ذلك اليوم ؟ .
ألم يكن الأكثر أهمية أن مصطفى حامد كان غاضبا من ذلك السعودى ؟.
ألم يكن الأكثر أهمية أن مصطفى حامد وليا فارال تمكنا من تأليف كتاب معا ؟ .
ألم يكن الأكثر أهمية أن أتساءل عما اذا كان هناك شئ يمكن لنا أن نتعلمه نحن جميعا من ذلك ؟ .
أنا لا أريد أن أكون رومانسيا ، ولكن : إذا كانت ضابط رسمى سابق فى مكافحة الإرهاب ومستشار سابق لطالبان ، يمكنهما الضحك سويا ، كما تفعل فارال وحامد ، فلماذا لا نستطيع جميعا فعل ذلك ؟.
لقد سألت كلاهما عن الأرضية المشتركة لعملهما، وإتفقا على أنه لوضع السجل التاريخى الصحيح ، مصطفى حامد كمشاهد عيان ، وفارال الأكاديمية التى / حرفيا / قرأت كل شئ تم تسجيله عن المقاتلين العرب فى أفغانستان منذ عام 1979 فصاعداً.
هذه الأرضية المشتركة كانت السبب فى أن كتابهما جاء قوياً على هذا النحو [ ” العرب فى حرب أفغانستان” ــ وسوف ينشر لاحقاً فى هذا الصيف] .
– ولكن فى نفس الوقت شعرت بعنصر آخر خلف إهتمامها الأكاديمى المشترك . من الجدير بالملاحظة أن مصطفى حامد يتذكر أنه فى البداية إختار أن يكون فظاً تجاه فارال عندما تقابلا لأول مرة ، فيقول “ظننت أنها مثل هؤلاء الذين فى أبو غريب ، من الجنود الذين يعذبون العراقيين المكدسين عرايا فى أكوام” . هذا ما جاء فى عقله على ما يبدو عندما عرف أن ليا فارال كانت تعمل مع الشرطة الفدرالية الإسترالية . ومع هذا لم يكن الإستراليون ولا الشرطة كانوا متورطين فى فضيحة أبوغريب.
” ولكن سريعاً ما أدركت أنها مختلفة ، لقد كانت صادقة وجادة وأعطتنى إجابات صادقة كلما سألتها عن شئ”.
– وماذا عن ليا فارال؟ .. قالت : ” أذكر عندما كنت أجلس مع زملاء منذ سنوات مضت ونحن نتناقش عمن نود كثيراً أن نتحدث معه من عالم المجاهدين (موضوع مدهش كحديث مشترك) السيد حامد كان فى صدارة قائمتى . وكان كذلك منذ قرأت بالصدفة قصتين كتبها فى كتبه.
فى إحداها ذكر أنه نسى أن يشترى حلوى لأولاده عندما كان مسافراً إلى الخارج ، ثم عاد ليواجه غضبهم. وفى الثانية يذكر وقوفه أمام جثة جندى سوفيتى قتيل وأنه شعر بالحزن حتى لعدوه .
وعندما تقابلت ليا فارال مع مصطفى حامد شخصيا بعد عدة سنوات، نادته بإسم “مصطفى” وليس بكنيته أبو وليد ، يقول : “إن ذلك ذكرنى بآدميتى”.
فما هو الجسر الذى جعل كل منهما يثق فى الآخر؟ .
نحسب أنه درجة من الإحترام لحياة الشخص الآخر ، ولكن قبل كل شئ الصدق مع أنفسهم والإنفتاح تجاه الآخر.
– المسلسل التلفزيونى الأمريكى “الوطن” حقق نجاحاً عالمياً، النقاد يثنون عليه عادة ، قائلين أنه يسلط الضوء على المناطق الرمادية فى “الحرب العظمى على الإرهاب” التى نشبت بعد 11/9 . وهو عن عميل سى أي أيه ، جندى سابق فى البحرية ، الذى كان (أو لم يكن) قد تحول للقاعدة خلال أسره فى العراق . ذلك هو المساق .
صحيح أن مسلسل “الوطن” لعب بذكاء على توقعات المشاهدين . ولكن بظلال رمادية؟ تلك هى الحقيقة فى مسلسل “الوطن” فهناك أسود وهناك أبيض . التشويق فى العرض يأتى حقيقة من سؤال: من الذى خلف قناعه الأخير تحول إلى شرير؟ ، ومن الذى عند نهاية كل ذلك هو الطيب؟ . ولكن ليس ذلك ما تعنيه الظلال الرمادية، فتلك الظلال ليس معناها أنك لا تعلم ما يكفى ، ولكنها تعنى أن ليس هناك إجابة بسيطة.
مصطفى حامد أوضح نقطة من حقيقة أنه شعر دائماً بتوافق مع حركة طالبان ، ولكنه لم يكن أبداً عضواً فى التنظيم الإرهابى “القاعدة”.
ليا فارال تقول : ( كنت سعيدة بالعمل فى قوة تنفيذ القانون وليس فى الخدمة السرية ، لأننى لم أكن لأكذب ولم أكن جزءاً من جهاز متورط فى أنشطة ينظر إليها الأن وبشكل واسع على أنها بغيضة ، ويشير كثيرا إلى الأبيض والأسود كعلامة تميز بين الخير والشر ، ومعنا أو ضدنا . وذلك يعرفنا كيف أن بعض الأجهزة السرية تعمل فى مجالها الأقل عرضه للمساءلة ).
– في يناير 2011 عندما خرج ملايين المصريين إلى الشوارع إحتجاجاً ضد نظام مبارك . قضيت أسبوعين فى القاهرة . فى الصباح تكلمت مع ثائر شاب كان قى تغيب عن عملة لأيام كي يقيم فى معسكر للمعترضين فى ميدان التحرير . كان متعباً وفقد صوته ولكنه كان سليما و مبتهجاُ . شيئاً واحداً قاله وتأثرت به على شكل خاص : ” فى يوم ما سيكون من السخف أن تكون عربياً ” . لقد عكست تلك الجملة الكثير من الألم . ألم لأنه فى أى مكان خارج العالم الإسلامى ، ولجميع سنوات فتوته ، يعتبر هذا الشاب خطراً أمنياً لكونه مسلماً عربياً.
– أسأل نفسي أحياناً إذا كنا حقيقة نستطيع أن نتذكر كيف كانت الحياة قبل 11/9 وكيف كنا ننظر إلى بعضنا البعض وإلى العالم . “نحن” التى أتكلم عنها هى “نحن العالمية” ، وتشمل تقريباً كل الناس الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من “الغرب” ، وكذلك كل الناس الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من “العالم المسلم”، إضافة إلى هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من كلا العالمين . وهم عدد كبير من الناس.
– أعتقد أنه قبل 11/9 كنا معتادين على قبول الظلال الرمادية بدرجة أعلى من الفترة التالية . أعتقد أن يوم 11/9 هو اليوم الذى قتل كل الظلال الرمادية . إنه اليوم الذى الكثير منا ، كأفراد ، كمواطنين ، كأعضاء ضمن أمم ، بوعى أو بدون وعى، نظمنا أنفسنا من أنماط مثل شظايا معدنية تحت تأثير مجال مغناطيسى.
– ولكن لو فى ذات يوم / لو أن ” ذلك اليوم” له كل تلك القدرة / فأنا أريد أن أفهمها. وأنا أعنى بذلك ، ليس كرمز ، ليس كإنذار ، ولكن فى جذوره التاريخية الثابتة . وليس كعمل له تاريخ عملياتى خاص ومرتكبين، فتلك وظيفه التقرير الأمريكى عن 11/9 ، ولكن كمعارض لهؤلاء لم يكشف عنه ، وهو مالم يحدث.
– فى الإسكندرية سألت “ليا فارال” عن أهم الأشياء إثارة للإهتمام ، والتى تعلمتها من دراساتها ومحادثتها مع مصطفى حامد ، فأجابت: “إنه دور المصادفة” . المصادفة ؟ ، فى العادة ليست المصادفة من الأشياء التى تلعب دوراً فى مناقشات المؤرخين أو خبراء الإرهاب عندما يتحدثون عن القاعدة ويوم 11/9 . فى حال وقوعه ، من المغرى دائماً تفسير التاريخ وكأنه سلسلة من الأحداث الإجبارية .
وفى حالة 11/9 فإن واحدة من السلاسل الإجبارية سارت على النحو التالي : فى عام 1996 أعلن أسامة بن لادن الحرب على الولايات المتحدة قائلاً بأن كل جندى أمريكى فى أى مكان من العالم هو هدف مشروع . فى السابع من أغسطس 1998 إنفجرت قنبلتان أمام السفارة الأمريكية فى نيروبى ودار السلام فقتلت أكثر 200 شخص . وفى 12 اكتوبر عام 2000 قتل 17 جندى أمريكى عندما هاجم نشطاء تنظيم القاعدة السفينة (يو إس إس كول) فى ميناء عدن فى عملية إنتحارية.
بتلك المقدمة التاريخية ، ماذا يمكن أن يكون 11/9 غير الخطوة المنطقية التالية؟ .
ذلك صحيح ، ولكنه أيضاً غير صحيح . إنه صحيح فقط لو أن الحوادث الثلاث كانت نتيجة لديناميكية داخلية فى شبكة القاعدة ، التى كانت كل شئ فيما عدا أنها جبرية . الذى حدث هو أن أسامة بن لادن إكتسب اليد العليا والوسائل لتحقيق برامجه الخاصة ، على الرغم من أن كثيرين للغاية من قيادات القاعدة والقريبين منها لم يكونوا إلى جانب مهاجمة الولايات المتحدة إطلاقاً.
من المهم أن نفهم ذلك : بينما كثيرون داخل القاعدة كانوا ضد 11/9 فإن بعض من خططوا للهجمات أصبحوا على مضض أعضاء ضمن الصف الأول للقاعدة ، مثل خالد الشيخ محمد.
– فى صيف عام 2009 تلقيت رسالة غير عادية عبر البريد الإلكترونى، تقول “عندى رسالة لك” تابعت الرابط فوجدت رسالة من مجموعة جهادية ألمانية هاجرت إلى وزيرستان وانضمت إلى مجموعة إرهابية هناك ، وفى الرسالة دعتنى المجموعة لإجراء لقاء صحفى معهم.
طبعا أخبرت بسرعة المحررين عندى . وبعد وقت قصير دق جرس الهاتف عندى والرقم كان من باكستان. كان الناطق بإسم الجماعة متشدد تركى/ألمانى . قال إن علي أن أطير إلى كويتا فى باكستان ومن هناك سوف يأخذوننى إلى معسكرهم وسوف يسمح لى بالتقاط الصور، ولقاء من أشاء … إلخ .
أنا والمحررين إتفقنا بسرعة على ألا أقوم بالرحلة . لقد كانت خطيرة جداً ، ولا نستطيع أن نثق بهؤلاء الناس . ولكن إتفقنا على أن نرسل إليهم عدداُ من الأسئلة ، فإن كانت إجاباتهم أكثر من مجرد دعاية فسوف نقرر كيف نتعامل مع أشخاصهم فيما بعد.
مرت عدة أسابيع وعلمت أن الأمريكيين إتصلوا بمكتب المستشارية الألمانية، وأمدوهم بالمراسلات كاملة التى تمت مع المتشددين .
الأمريكان ؟.. أنا أفترض بشكل أدق “وكالة الأمن القومى” . بأمانه شعرت بالرهبة . أتذكر أننى أشرت إلى زوجتى نحو الحمام ، ثم وكما فى فيلم سينمائى سئ ، فتحت صنبور الماء فى الحمام وهمست لها بأننا يجب أن نفترض أن إتصالاتنا تحت المراقبة.
– “حتى لو كانت النسبة واحدة بالمئة فقط لحدوث ما لا يمكن تصوره ، فتصرف وكأنه أمر مؤكد” وهذا ما استدل عليه الصحفى الأمريكي “رون سسكند” عام 2006 وأسماه “عقيدة الواحد بالمئة” – وأيضاً بما عرف بأنه ” عقيدة تشينى” . عندما كان ديك تشينى نائباً للرئيس هو الذى إخترع تلك العقيدة، وتمت صياغتها فى البيت الأبيض فى نوفمبر عام 2001 ، بعد مضى أسبوع واحد فقط من 11/9 .
الحرب العراقية، جوانتانامو، محاكاة الغرق ، المواقع السوداء للمخابرات الامريكية “سى أي أيه” وعمليات التسليم . من خلال منظور ديك تشينى تبدو كل تلك العمليات أقل عدوانية . ونفس الشئ صحيح النسبة للمراقبة العالمية . وحتى الآن لا شئ أفضل من تلك العقيدة يمكنه أن يفسر جشع وكالة الأمن القومى لتجميع المعلومات.
ليس هناك من حاجة لمقارنة ديك تشينى مع خالد الشيخ محمد ، كي ندرك أن المواقف الأشد تطرفاً كان لها اليد العليا ، ليس فقط داخل القاعدة ولكن أيضاً داخل الإدارة الأمريكية . بالتأكد أن القاعدة لم تنأ بنفسها عن 11/9 بينما فى الولايات المتحدة جرت مراجعة ديموقراطية لجميع تلك الممارسات . مرة أخرى هذه ليست مقارنة ، إنها فقط وسيلة لتكرار حقيقة أننا لسنا فى مجال الحديث عن سلسلة إجبارية من الأحداث.
– لا أحد يعلم شكل العالم فى حال عدم وقوع حادث 11/9 . ولكن إذا أجبرنا أنفسنا على أن نحاول النظر إلى العالم كما لو كان هذا هو الحال ، واضعين فى الإعتبار أن المسئولين عن 11/9 والمسئولين عن العقيدة التى على ضوئها تشكل رد الفعل كانوا حفنة من الأفراد وليس ملايين .
– أنا لا أريد أن أتستر على الأشياء فأنا نصف أردنى ، وأتشوق إلى الأيام التى عشتها هناك وأنا طفل . أسرتى الأردنية جزء من مجتمع الأقلية المسيحية ، وفى وقت قريب جداً قالت لى عمتى فى زيارتى الأخيرة مالم يكن يخطر على بال : “إن ذلك الشخص فى المخبز والذى يصنع الكعك لعائلتنا فى المناسبات، قد أخبرنا بأنه لن يرسم الصلبان فوق الكعك بعد الآن”.
على نفس المنوال لا أريد أن أخفى شعورى بالتوتر كلما توجب على السفر إلى الولايات المتحدة . بالتأكيد مازل مسموحاً لى بالدخول ، ولكن فى المرة الأخيرة ، كان من المفيد حقيقة أن الضابط الذى فحصنى تعرف علي من خلال “تويتر” . وهكذا كان قادراً على فهم أن تأشيرات الدخول من باكستان واليمن والسعودية ، لا تعنى أننى خطر ، ولكنها دليل على مهنتى.
– أنا أعتقد أننا جميعاً مساجين – مساجين فى نوع من جونتانامو عقلي – ولكننى لا أريد أن أعيش هناك، أريد الإستمرار فى مقابلة والحديث مع أناس مثل مصطفى حامد ، حتى لو أن الولايات المتحدة قررت تصنيفهم كإرهابيين ، وبدون قبول ذلك الحكم على أنه شئ يجب أن نتفق معه . كما أريد أن أظل ألتقى وأتكلم مع محللى وكاله المخابرات “السى أي أيه” ونشطائها بدون تصنيفهم كجلادين أو قتله . أريد أن أصل إلى استنتاجاتى الخاصة. وأحياناً أريد حتى أن أكون قادراُ على الإعتراف بأننى لم أصل إلى نتيجة .
لأننى أعرف وأفهم أن العالم معقد ، وأنه لا شئ تقريباً أسود أو أبيض ، لأننى أعتقد أن الناس قادرين على أن يتغيروا، ولأننى أعلم أنا عالمنا – حقيقة – هو عالم الكتل الرمادية.
فى يوم ما سوف ننظر خلفنا إلى “الحرب العظمى على الإرهاب” وجدائلها ، وسوف نتحقق من أنها لم تنته فى ذلك اليوم الذى تسلم فيه أوباما جائزة نوبل للسلام ، ولا حتى فى اليوم الذى قتل فيه أسامه بن لادن، ولا فى اليوم الذى الذى غادر أفغانستان آخر جندى من حلف الناتو .
الحرب العظمى على الإرهاب قد انتهت لأن ما يكفى فى الناس حول العالم قد فهموا وتذكروا بأن الغموض أقرب إلى الصدق والحقيقة من الأشياء التى تبدو أكيدة .
* * *
نشر هذا المقال لأول فى مجلة ” تسايت” الألمانية بتاريخ 28/5/2014
بقلم : ياسين مشربش
المصدر ( لغة ألمانية) :
http://www.zeit.de/zeit-magazin/2014/23/terrorismus-11-september-osama-bin-laden
مدونة ياسن مشربش ( لغة إنجليزية ) :
http://abususu.blogspot.com/2014/06/ambiguity-truth-and-covering-terrorism.html
موقع مصطفى حامد ( لغة عربية ) :
http://www.mustafahamed.com/?p=937
copyright@mustafahamed.com