معركة التفاوض : الوقت مناسب
# العسكريون الماهرون هم أفضل من يدير معركة التفاوض ، لأنها أشبه بالمعركة الحربية .
# الشعب شريك أساسى فى معركة الجهاد، فينبغى إشراكه فى معركة التفاوض عبر إعلام صادق وشفاف.
# يحرص الطرف المنتصر على أن تكون المفاوضات فوق أراضيه أو فى أماكن له السيطرة عليها .
# لنا عبرة فى أخطاء عملية التفاوض التى قام بها ربانى فى موسكو ، وكارثة “بناء الثقة” مع السوفييت.
# الوقت مناسب الآن لإجراء مفاوضات ، ولكن ما فائدة التفاوض مع عدو يفر من أرض المعركة ؟؟.
# الفارق بين “مفاوضات الجلاء” و “مفاوضات السلام ” كالفارق بين النصر والهزيمة .
:::::::::::::::::::::::::::
من المعلوم أن أهم مراحل حروب المقاومة (أو حروب العصابات أو الأنصار أو.. ) هى مرحلتها الأولى حيث تكون مقاومة الشعب فى طور التكوين وإكتساب الخبرة وتنظيم المجموعات وخطوط الإمداد والإعلام…الخ.
بينما الجيش المعادى مازال فى قمة جاهزيته ويتمتع بكافة الوسائل القتالية والتشكيلات المقاتلة وخطوط الإمداد والإعلام والتجسس ..إلخ .
= وفى حال تمكنت تلك الحركة من عبور مرحلتها الأولى ودخول المرحلة التالية فإن هزيمتها تصبح فى حكم المستحيل تقريباً إلا فى أحوال نادرة ، منها مثلاً إرتكاب قيادة الحركة لأخطاء جسيمة فى المجال العسكرى أو السياسى أو المعنوى ، وعادة يمكن علاج آثارالأخطاء العسكرية رغم ثمنها الغالى ، ولكن الأخطاء السياسية يكون علاجها أصعب ، أما الأخطاء المعنوية فتكاد تكون مستحيلة الإصلاح لأنها تهدم الأساس المعنوى الذى تجمع عليه الشعب من أجل المقاومة ، وذلك تحديداً هو أهم عناصر حروب المقاومة بل وجميعالحروب ، فلا بد من سبب معنوى ذا قيمة جوهرية يدفع الناس إلى القبول بالموت فى سبيله ، لذلك كان الدين هو أقوى تلك العوامل ثم عناصر الحرية التى كفلها الخالق لعبادة ثم الأوطان والثروات ، ومستقبل الأجيال وكرامة الشعب وإعتزازه بنفسه وتاريخة وإرتباطالأزلى بموطنه . وجميع تلك المطالب وأشمل منها يتضمنها لدى المسلمين شعار الجهاد فى سبيل الله وإعلاء كلمته على الأرض .
ــ ومن الأخطاء الشائعة فى حركات المقاومة ضد الإحتلال الأجنبى هو عدم الإلتزام الدقيق والدائم بالأهداف الكبرى التى أعلنتها حركة المقاومة (أو الحركة الجهادية). فقد يتحول الجهاد ضد المستعمر الخارجى إلى حرب عرقية أو طائفية لعقاب فئة إجتماعية بكاملهانتيجة أخطاء قطاع معين منها ، تعاون مع المستعمر ، أو وقف محايداً من عملية المقاومة الجهادية.
ــ ومن المشهور أيضاً كخطأ قاتل ، إستخدام السلاح خارج الهدف الأساسى للجهاد مثل الخلافات الفقهية أو المذهبية أو الخلافات المتوارثة بين عرقيات وفئات إجتماعية داخل المجتمع الواحد .
ــ ومن الأخطاء القاتلة أيضاً تجاهل آداب الجهاد وأخلاقيات المقاتل المسلم ، وتعويض الفشل العسكرى أو الإحباطات القتالية بممارسة الوحشية ضد المدنيين أو ضد أسرى العدو أو المتعاطفين معه الذين لم يحملوا السلاح.
فتظهرالوحشية ، بديلاً عن الشجاعة المقترنة بالإنسانية والرحمة ، فى التعامل مع مع كل من هو خارج دائرة القتال ، بمن فيهم أسرى العدو نفسه . لهذا كان قتل المدنيين محرماً ، وكذلك إهانة الأسرى أو التمثيل بالجثث ناهيك عن أكل الأكباد والقلوب ، فتلك من (البدعالوحشية) لأشخاص يجب عقابهم بكل شدة واستبعادهم من المسرح الآدمى .
ظهور تلك الإنحرافات بشكل فردى يجب علاجه بسرعة ، أما إذا تفشى الإنحراف حتى أصبح ظاهرة ولم تتحرك القيادة لردعها فإن تلك هى الهزيمة بعينها ، ولن يجدى معها أى نصر عسكرى ، لأن حركة مقاومة لها تلك الأخلاقيات حتى لو تمكنت من الوصول إلىالقدرة السياسية فإن التخلص منها يصبح واجباً دينياً وإنسانياً سوف يجد من يقوم به عاجلاً أم آجلا .
ــ خسارة قاعدة التأييد الشعبى هى أفدح الخسائر التى تعنى خسارة الحرب . وفى أى مرحلة من مراحل تطور حركة المقاومة الجهادية / أو غير الجهادية/ يحدث ذلك ، تخسر الحرب ويكسب أعداؤها نصرا باردا بأقل قدر من القتال . وربما تكفل الشعب نفسه بمعظمالمجهود لهزيمة حركة المقاومة التى خانتهم وأساءت إليهم ، ولن يجدى وقتها أى إسم براق تطلقه تلك الحركة على نفسها.
ــ من الأخطاء السياسية الشائعة لحركات المقامة وحروب العصابات فى مرحلتها الثانية التى يطلق عليها البعض ( مرحلة التوازن الإستراتيجى) ، هو خطأ إستعجال النتائج والرغبة فى الحصول على السلطة السياسية قبل تحقيق شروط الإنتصار الكامل . هناك أسبابلذلك الإستعجال ، وهناك نتائج سيئة له .
من الأسباب : الإرهاق وإستهوال التكاليف المرتفعة التى دفعت فى الحرب سواء فى الدماء أو الأموال . والخوف من عدم القدرة على إكمال الطريق أوإنفضاض المجاهدين ، وملل الشعب من شدة الآلام.
وذلك يتعلق بقدرة حركة المقاومة الجهادية على قيادة الحرب فى مجال المعنويات وبث روح الأمل والتضحية بين الناس ومجابهة مجهودات العدو وحربة المعنوية متعددة الأوجه ، والتى أصبحت فى العصر الراهن أخطر من الحرب بالسلاح.
ــ ومن الأسباب أيضاً إختلاف الرؤى فى صفوف القيادات العليا، بين من يرى أن الظروف الراهنة للتفاوض مع العدو هى أنسب مما يمكن توقعه فى المستقبل. بينما يرى آخرون أن الإنتظار أفضل لأن العدو فى تراجع نحو مزيد من الضعف سواء فى ساحة المعركة أوفى أوضاعه العامة داخليا ودوليا .
والذى لا ينتبه إليه كثيرون ، حتى من الجهاديين المقاومين أنفسهم ، هو أن العدو يعانى كثيراً جداً من الحرب غير التقليدية فرغم ضخامة قوة جيشه وتقدم معداته ، فإن تلك الجيوش النظامية تتلف من جراء خوض حرب طويلة ضد قوات غير تقليدية ، خاصة إذا كانتعقائدية وتحظى بتأييد شعبى كما هى القوات الجهادية فى أفغانستان إبان الحرب ضد السوفييت ثم ضد الولايات المتحدة وحلف الناتو وباقى الأوباش .
ــ ومن الأسباب أيضا : تنافس جماعات المقاومة ، فبعضها يسعى للوصول إلى السلطة قبل البعض الآخر فيسبقهم نحو مائدة المفاضات قبل أن تنضج الظروف . حيث أن هناك قواعد عامة تدل على التوقيت المناسب للتفاوض وموضوعات التفاوض الذى تناسب تطورالوضع القتالى على أرض المعركة . ومن المفيد هنا أن نلقى نظرة سريعة على تلك القواعد.
قواعد عامة لعمليات التفاوض:
معلوم أن حرب المقاومة الجهادية ( أو حرب العصابات طويلة الأمد) تمر بثلاث مراحل هى : مرحلة الدفاع الإستراتيجى – مرحلة التوازن الإستراتيجى- مرحلة الهجوم الإستراتيجى .
فى مرحلة الدفاع يحظر تماما أى عملية تفاوض مع العدو لأن موازين القوى تكون لصالحة بالكامل . وهناك قاعدة جوهرية لجميع عمليات التفاوض المقاوم تقول بأن ( عملية التفاوض هى إنعكاس لميزان القوى على أرض المعركة) وميزان القوة لا يعنى التعادلالعددى فى الجنود أو التساوى فى قوى النيران والتسليح، بل تعنى الفعالية القتالية والسيطرة على الأرض والسكان ، التى لا يشترط أن تكون بشكل دائم وعلنى . ــ فى مرحلة الدفاع الإستراتيجى لا يكاد يتوفر أى شئ من كل ذلك ، لهذا يكون التفاوض مجرد عملية إستسلام لاغير ـ ونلاحظ هنا تصريح أخير لجنرال بريطانى خدم فى أفغانستان يقول فيه ” إن الوقت الأنسب للتفاوض مع حركة طالبان كان عام 2002 عقب هزيمهم وضعفهم ، أما الآن فإنهم أقوى ويسيطرون على مناطق .. ” .
المهم فى التصريح تأكيده أن مائدة المفاوضات تنعكس فوقها موازين القوى على الأرض . لهذا لا تكون فكرة التفاوض واردة إلا فى المرحلة الثانية من الحرب الجهادية أى مرحلة التوازن الإستراتيجى أو الثالثة من تلك الحرب أى مرحلة الهجوم الإستراتيجى” .
الوقت يصلح .. لكنها غير ضرورية
وعلى سبيل المثل فإن مجاهدى حركة طالبان متواجدون الآن بقوة فى العاصمة كابول والمدن الكبيرة ، وأكثر من ثلاثة أرباع البلد تحت سيطرتهم المباشرة ، ومعظم المتبقى من الأرض والسكان هم تحت السيطرة غير مباشرة . بما يعنى أن الوسط السكانى فى أغلبهالأعظم موالى لهم ومتعاون معهم . وأن إدارة الإحتلال والإدارة العملية ضعيفة ومتهافتة وتقع تحت الهجوم المسلح بشكل دائم . إذن فى هذه الحالة فإن أهم شروط التفاوض متوافرة .
# ولكن العدو المندحر يفر بالفعل من ساحة القتال فى وقت لا يمتلك عملاؤه القدرة على الوقوف على أرجلهم فى غيابه . ذلك الوضع يلغى قيمة المفاوضات ويجعلها تحصيل حاصل ، فليس لدى العدو ما يمكنه تقديمه على الطاولة . ولكن لديه فقط مطالب بالحفاظ على أطماعة التى لم يتمكن من الحفاظ عليها بالقوة المسلحة ، وهذا ما لن يتمكن من الحصول عليه بالتفاوض بعد أن عجز عن الحصول عليه بالقتال . أما عن مطالب الإمارة الإسلامية بتعويضات حرب لشعبها ، فإن لديها من أوراق القوة ما يمكنها من الحصول على حقوقها حتى بغير تفاوض أو رضا أعدائها . فقد تغير الزمن كثيرا وتغير الأفغان وامتلكوا من القدرات مالم يخطر على بالهم أو بال عدوهم قبل تلك الحرب ، ” وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” .
::::::::::::::
تفاصيل هامة فى معركة التفاوض
من العوامل التى تبدو ثانوية ولكنها أهميتها أكبر بكثير مما يظهر فى النظرة السطحية فى التأثير على عملية التفاوض . من ذلك مثلا :
1ـ توقيت عملية التفاوض .
2ـ مكان عملية المفاوضات . 3- موضوع المفاوضات والجدول الزمنى لكل جولة.
4- تشكيل وفود التفاوض فى كلا الجانبين .
5- نوع الوساطات المطروحة .
6ـ قواعد البروتوكول المتبعة فى عملية التفاوض . 7ـ إحترام الرموز والشارات والتعريفات الرسمية.
سنناقش تلك النقاط لاحقا ، ولكن بعد المرور على الملاحظات الهامة التالية .
الذى يحارب هو الذى يفاوض
ومن المفيد هنا ربط فهم تلك العوامل بما يجرى فى الواقع العملى . وحتى لا يكون حديثنا مملا وتائها فى التهويمات النظرية فسوف نمر خلاله بعدد من الأمثلة العملية التى توضح الفكرة .
فالتفاوض هو جزء من المجهود السياسى للحركة الجهادية . وكما هو معلوم فإن العمل العسكرى والعمل السياسى هما وجهان لعملة واحدة . أى أن العمل السياسى ، بما فيه التفاوض ، هو معركة تستلزم التخطيط الدقيق والدراية والحرص الشديد وتحديد الإستراتيجياتوالتكتيكات اللازمة لتحقيقها . فالعشوائية فى العمل التفاوضى لا تقل خطورة عن العشواية فى العمل العسكرى ، ويمكن أن يؤدى الإستخفاف فى التفاوض إلى أن تضيع مكتسبات عمل جهادى قتالى إستغرق سنوات طوال ، وبالتالى يتعرض مستقبل البلد لأخطار شديدة .
من أجل ذلك فإن حركات المقامة الجيدة التنظيم عندما تقرر البدء فى عملية التفاوض مع عدوها فإنها ترسل وفدا يرأسه أحد القادة العسكريين الكبار ممن يتمتعون بقدرات سياسية وتفاوضية . ولذلك مبررات جوهرية جداً :
# فالقائد العسكرى مؤهل ذهنياً لوضع الإستراتيجيات وتحديد الأساليب التكتيكية المتعلقة بها . كما أنه مزود بذهنية قتالية ، والتفاوض هو عمل قتالى ولكن بدون أسلحة ، ويعتمد على الكلمات والجمل ذات الصياغة الملتسبة التى فيها من المكائد والخداع أضعاف ما تحتويهالمعارك الحربية على الأرض . والكلمة الناعمة أو العرض المغرى ، قد يكون قاتلا أكثر من حقل الألغام .
# الجانب الآخر الذى يؤكد أهمية أن يتولى القادة العسكريين رفيعى المستوى قيادة معركة التفاوض هو حرصهم الشديد على أهداف الجهاد ومكتسباته ، فيكونون أقل عرضة للتفربط أو التغافل أو الإستعجال ، لأنهم فى معركة التفاوض إنما يدعمون مكاسبهم العسكريةالتى دفعوا فيها مع أخوانهم ضريبة الدم وخاضوا أهوال الحرب . لأجل هذا يكاد أن يكون من المحظورات أن يتولى قيادة العمل التفاوضى شخصيات غير قتالية . فمثل تلك الشخصيات يمكن أن تدعم الوفد المفاوض إذا كان لديها خبرات دبلوماسية أو قانونية معتبرة ،ولكنهم لا يقودون عملية التفاوض ، إنما يقدمون المشورة للجنرال قائد التفاوض.
وفى مرحلة ما بعد التحرير فإنه يفضل كثيراً أن يتولى وزارة الخارجية شخصية جهادية قتالية . فالدولة التى قامت فى أعقاب حرب ظافرة ضد عدو محتل تختار جنرالا مقاتلا كى يقود عملها الدبلوماسى الخارجى ، لأن المعركة فى المجال السياسى تظل دائرة لفترة طويلة، وخلالها تتأهل عناصر من أجيال جديدة تتولى مهام الدبلوماسية الخارجية ، وتتحلى بنفس ميزات وحرص المجاهدين الأوائل .
إشراك الشعب فى عملية التفاوض
الحرب الجهادية (أو حرب العصابات طويلة الأمد) وحتى الحرب النظامية نفسها لابد أن تحظى بتأييد شعبى لأنه من أهم مستلزمات النصر . فالشعب لا بد أن يقتنع ذهنيا وعاطفياً ومن واقع حياته أن تلك الحرب إنما هى من أجله ولتحقيق مصالحة الحيوية التى لا يمكن تحقيقها بغير الحرب .
من أجل هذا لا بد من دراسة كل خطوات الحرب على ضوء رد الفعل الشعبى عليها ، وقبول الناس بها ، وقناعتهم بأن الحرب حربهم ومن أجلهم ، وليس من أجل فئة محدودة أو لتحقيق مكاسب سياسية ومادية لفئة معينة . لهذا يتبع المجاهدون منهجاً أخلاقياً صارماًيحترم الناس ويحافظ عليهم ويراعى مشاعرهم وعادتهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم وشرفهم وجميع قيمهم الأخلاقية الراسخة. وتضحية المجاهدين بلا حدود هى وسيلة لإقناع الشعب بجدية مجاهدية وإخلاصهم ، وتلك دعوة للشعب إلى المشاركة والصبر على مصائب الحرب.
لذا فإن أهداف الحرب والغاية منها يجب أن تكون واضحة للغاية وتظل نقية بلا شوائب طول مدة الحرب ، وأن يظل الشعب على إطلاع دائم على أن مجاهدية لم يستبدلوا أهدافهم بأى أهداف أخرى ، لأن أى شعب عندما يقبل بخيار الحرب تحت شعارات معنية لا يكونمستعداً على الإطلاق لأجراء أى تغيير خلال جريان الحرب وإلا فإنه يفقد الثقة ويسحب دعمه لقياداته .
ــ يمكن قول نفس الأشياء عن معركة التفاوض . فلا بد أن تكون الأهداف واضحة وعلنية ومحددة ، وأن تكون بعيدة عن السرية والغموض حتى لا يصبح الشعب نهباً للشائعات والتشكيك الذى سوف يتولاه العدو حتما لشق الصفوف وصرف الشعب عن تأييد مجاهدية ،مشككا فى سعيهم إلى تحقيق مكاسب سياسية لأنفسهم على حساب تضحيات الشعب وآماله. بل وشق صفوف المجاهدين أنفسهم ، بإطلاق النعوت التى برع فى صناعتها ، فهناك حمائم وهناك صقور ، وهناك أصوليون وهناك إصلاحيون ، وهناك معتدلون وهناك متشددون . هادفا إلى تحويل الصف الموحد ، صفوفا مختلفة ثم متناحرة .
وكما أن الشعب يتحمل العبء الأكبر فى عملية القتال وتضحياتها الفادحة فإن من حقه أن يكون على إطلاع دائم وشفاف بمجريات عملية التفاوض وملابساتها ومشاكلها التى تستجد ، وموقف القيادة الجهادية إزاء كل مستجد ، والتأكيد فى كل مرة على ثوابت الإمارة الإسلامية التى لا تتبدل بالتفاوض . فذلك يبعث الثقة ويضمن تأييد الشعب فى معركة الدبلوماسية والسياسة التى كما قلنا هى أخطر عن مرحلة الحرب المباشرة . وكما أن إشتراك الشعب فى المجهود القتالى الجهادى هو ضمانة نجاح لذلك المجهود ، كذلك فإن إشراك الشعب فى معركة التفاوض هو ضمان لنجاحها وتفادى أى تأثيرات سيئة للحرب النفسية التى يطلقها العدو مترافقة مع المفاوضات .
نعود مرة أخرى إلى العوامل المؤثرة على عملية التفاوض ، وكلها عوامل يتم إقرارها قبل عملية التفاوض وتظل موضع رقابة ورعاية طوال المعركة التفاوضية.
أولاً – توقيت التفاوض :
يراعى أن تتوافق بداية المفاوضات مع تحقيق إنتصارات عسكرية كبيرة ، للتأثير على معنويات العدو حول مائدة المفاوضات ، ولتعزيز شعور المجاهدين فى الجبهات – والشعب فى كافة مواقعه – أن المجاهدين يخوضون حرب مفاوضات مدعومة بحرب منتصرةعلى الأرض . وكلا الفريقان المتحاربان يسعيان إلى تحسين مواقعهما على أرض المعركة قبل بدء العمل التفاوضى وخلاله .
والطرف الذى يشعر أن موازين القوة تميل بشدة إلى غير صالحه بشكل قد يؤثر على موقفه التفاوضى فإنه يؤجل عملية المفاوضات متعللا بأى سبب كان . وعادة ما يلقى باللوم على الطرف الآخر ويكيل له التهم ليؤثر على أعصابه وسمعته وموقفه بشكل عام .وتظل عين العدو معلقة على هدف أساسى هو استخدام المفاوضات لضرب صفوف المجاهدين الداخلية ، وفصم العرى التى تربطهم بالشعب ، ونشر الشائعات حول ما يجرى التفاوض حوله ، والكذب بشأن ما تم التوصل إليه بالفعل ، حتى يعتقد الشعب أن المجاهدينيبحثون عن مصالحهم الخاصة ، وإن السعى الى السلطة قد حرف مسارهم .
من أجل هذا لا بد أن يركز الإعلام الجهادى بكل قوتة على توضيح عملية التفاوض وما يجرى فيها بشفافية حتى يحافظ على ثقة الشعب ومساندته . حيث أن عمليات التفاوض تكون طويلة وشاقة ومعقدة للغاية ولا يمكن توقع نصر سهل وسريع فيها ، لأنها حربدبلوماسية طويلة ناتجة عن حرب مسلحة طويلة ، ولابد من الإستثمار الجيد لعنصر الزمن فى الحرب السياسية كما فى الحرب المسلحة.
والصبر ضرورى فى جميع أنواع الحروب وإستعجال النتائج قبل أوانها يأتى دوماً بالخسران . لهذا نقول أن الجنرالات البارعون هم أفضل من يقود المفاوضات الملازمة لتلك الحرب.
ــ ومن ناحية إستغلال التوقيت ، نشير هنا إلى محاولة أمريكا إلى إستغلال محاولة تفاوص فاشلة فى العام الماضى 2012 من أجل مصالح إنتخابية للرئيس أوباما وإعادة إنتخابة ، وكان أوباما يحاول إستخلاص أسيره من أيدى الحركة قبل موعد الإنتخابات حتى يؤكد فرصتة الإنتخابية .
ثانيا ــ مكان المفاوضات :
مكان عقد المفاوضات من العناصر الهامة فى التأثير على محتوى التفاوض وإعطاء إشارة عن الإتجاه العام للعملية. لهذا يسعى كل طرف إلى الحصول على أرض ذات مواصفات تعطى الرسائل التى تناسبه ولا تناسب الخصم ، ويكون الحل الوسط للطرفين هو إختيار أرض محايدة بشكل جدى .
فالطرف المنتصر يطالب بأن تكون المفاوضات فوق أرضه ، أو أراضى خاضعه لسيطرته ، أو فى مكان ذو رمزية قوية تؤكد إنتصاره وهزيمة خصمه . كما أن مكان التوقيع على الإتفاق النهائى يحمل عادة قوة الرمز، مثل أن يكون تمجيداً للمنتصر وقوته أو تحقيراوإهانه للمنهزم .
وعلى سبيل المثال : فإن ألمانيا التى خسرت الحرب العالمية الأولى أرغمها أعداؤها المنتصرون على توقيع صك الهزيمة فوق إراضيهم ( معاهدة فرساى فى فرنسا بتاريخ 28/6/ 1919 ) ، وفى مكان مهين هو عربة قطار. وإمعانا فى رمزية الإذلال فإن المنتصرين جعلوا توقت توقيع وثيقة الهزيمة وما ترتب عليها من عقوبات متزامنا مع ذكرى إغتيال ولى عهد النمسا فى عام 1914 فكان الحادث سببا لدخول ألمانيا الحرب . وفى الحرب العالمية الثانية عندما إستولى الألمان المنتصرون على فرنسا ، أرغموا قادتهاعلى توقيع وثيقة الاستسلام فوق الأراضى الفرنسية المحتلة وداخل نفس عربه القطار ، ثم فجروها أملاً بأن يكون ذلك نهاية التاريخ ، أى أن تتوقف عجلة الزمان عند مشهد النصر الألمانى الكاسح .
مثال آخر: عند هزيمة اليابان وإستسلامها بعد قصفها بالقنابل النووية فى الحرب العلمية الثانية ، أرغمتها أمريكا على توقيع صك الإستسلام ، ليس فوق الأرض اليابانية ، بل على ظهر مدمرة أمريكية راسية أمام شواطئ اليابان . كانت صورة إذلال فظيعة الدلالاتبالنسبة لليابان ، بل رسالة تهديد وغطرسة تتحدى العالم كله بفجور القوة الأمريكية المتجبرة بقوة سلاح لم يسبق له مثيل وليس له نظير على سطح الأرض وقتها.
لهذا فإن عمليات التفاوض التى تعقب حروب تحرير غالبا ما تجرى فوق أرض محايدة . وقد يتمكن طرف المقاوم من حسم المعركة عسكرياً بينما التفاوض مستمر منذ سنوات فوق أرض محايدة كما حدث فى الحرب الفيتنامية التى خسرتها أمريكا بشكل مخز .
ــ والأرض المحايدة الصالحة للتفاوض هى أرض لا تحتوى على قواعد عسكرية للعدو ، ولا ترتبط حكومتها بصداقة إستراتيجية أو معاهدات عسكرية معه . فالتفاوض فى مثل تلك المناطق يحمل معنى الرضوخ وكأنه توقع إتفاقية إستسلام فوق منطقة يتمتع فيها العدو بالقدرة العسكرية والسياسية. ومن باب أولى أن يعقد المجاهدون مفاوضاتهم مع العدو / إن أرادوا ذلك/ فى أى منطقة محررة ، وما أكثرها فى أفغانستان .
ونقول هنا أن نتيجة الحرب الجهادية فى أفغانستان أصحبت محسومة عسكرياً منذ عدة سنوات { يقول د. كارتر مالكسيان فى كتاب له بعنوان الحرب تصل إلى جرمسر : ثلاثون عاما من الصراع على الجبهة الأفغانية ـ يقول فى كتابه ذاك أن حركة طالبان إستعادت سيطرتها على أفغانستان فى عام 2006 } . والأعداء الآن ينسحبون منذ أشهر صاغرين حتى قبل المفاوضات ، لأنهم لا يطيقون الإنتظار حتى إتمام مفاوضات طويلة وصعبة . فظروف ميدان القتال لا تسمح بذلك وظروف بلدانهم إقتصاديا وإجتماعياً أصبحتمتأزمة وخطيرة.
لهذا فإن حركة طالبان ــ الذراع التنفيذى للإمارة الإسلامية – لا مصلحة لها فى عملية تفاوض مع عدو يفر من أرض المعركة بعد أن خسرها بالفعل . كما أن عنصر الزمن يعمل بشكل واضح فى مصلحة المجاهدين وضد مصلحة المعتدين . فكل يوم يمر يتكبد العدوخسائر منظورة يمكن حصرها ، وخسائر أخرى غير منظورة يصعب حصرها ، وهو فادحة جداً وخطيرة على مكانتة الدولية ومناطق نفوذه ، بل ومصير نظامه السياسى فوق أراضيه نفسها.
ثالثا- جدول الأعمال ، والجدول الزمنى :
لا تبدأ أى مفاوضات بدون إتفاق مسبق على جدول الأعمال أى تحديد موضوعات البحث التى سيجرى التفاوض بشأنها . والحركة الجهادية التى تسعى للحفاظ على مصداقيتها وثقه شعبها لا تبقى ذلك سراً بل تزود شعبها بتلك الموضوعات ، والتأكيد فى كل مناسبة علىمواقفها المبدئة التى لا تخضع التفاوض مثل التحرير الكامل والإستقلال والنظام السياسى والإجتماعى والإقتصادى القادم ، وتحديد النقاط الخاضعه للتفاوض والأخذ والعطاء مثل أفاق العلاقات المستقبلية مع المعتدين وشرائطها وتعويضات الحرب وموضوع تبادلالأسرى وتوقيته وشروطه.. إلخ.
والجدول الزمنى ضرورى حتى لا تتحول المفاوضات إلى هدف فى حد ذاتها ، أو مجرد إضاعة للوقت يستفيد منه العدو فى تشويه صورة ما يجرى فى عملية التفاوض ، والبحث عن مكائد للإيقاع بالطرف الجهادى . لذلك يلزم تقوية العمل العسكرى وتصعيده حتى يشعرالعدو بأن إهدار الوقت له ثمن غال ، وأن لا مفر من الجلاء ومغادرة البلاد وتسليمها لشعبها ومجاهديه .
رابعاً – تشكيل وفود التفاوض
من حق المجاهين تشكيل وفدهم المفاوض من أى شخصيات يختارونها، وأن يتولى قيادته أى قائد عسكرى ميدانى تختاره القيادة ، أو أن تشترط أن يشارك فى وفدها المفاوض أحد قادتها المحتجزن لدى العدو أو دول أخرى موالية له . كما يمكن إرغام العدو على القبولبشخصيات جهادية كبيرة فى رئاسة الوفد رغم كل الهراء والحرب النفسية التى يشنها العدو على أمثال هؤلاء الأبطال . ( نتذكر هنا ملا برادر ومولوى جلال الدين حقانى).
فى ناحية أخرى لا بد أن يدرس فريق المعركة التفاوضية بل وقيادة المجاهدين العليا أسماء ووظائف وتاريخ والتوجهات السياسة والعقائدية لوفد العدو المفاوض . والإعتراض على أن شخصية قد يعطى تواجدها إشارات سياسية خاطئة تضر بالمجاهدين . مثل وجودعنصر صهيونى متطرف ، أو قائد عسكرى إرتكب جرائم حرب. أو شخص شارك فى تعذيب المعتقلين ، أو أشرف على معسكر إعتقال أو شارك فى قمع ثورات شعبية فى أى مكان فى العالم ، أوعضو أدلى يوما بتصريحات مهينة للإسلام والمسلمين.
تشكيل الوفود المتفاوضة على الجانبين يعتبر دلالة هامة على التوجه التفاوضى لكل طرف . فمشاركة مفاوضين ذوى خلفية عسكرية أو إستخبارية أو خبرة فى إخماد الثورات والتدخل العنيف أو المتسلل لحرف مسارها.
أو الشخصيات ذوى الخلفية الدبلوماسية أو القانونية أو التخصص الأمنى ، كل ذلك يعطى دلالات هامة على توجهات كل طرف واتجاه نواياه فى المعركة التفاوضية . فلا بد من تزويد الوفد المفاوض بأكبر مدد من المعلومات . ولا مجال إطلاقا لإحسان الظن بالعدو أوبخديعة ما يسمى “بناء الثقة” .
ــ فأول خطوة لبناء الثقة مع المحتل هى جلاؤه التام غير المشروط ، والإفراج عن جميع أسرى الحرب لديه ولدى عملائه من حكومات ، ثم دفع تعويضات الحرب كاملة غير منقوصة ، وبعد كل ذلك يمكن الحديث عن أسطورة “بناء الثقة” وهل يمكن أن تتحقق يوما على أرض الواقع ، لأن ذلك مرتهن بسلوكيات دولة عدوانية لا خلاق لها ولا يمكنها العيش إلا بالحروب والتوسع وسرقة ثروات الشعوب ، وتتحرك سياستها الخارجية على ركيزتين دائمتين هما : الخداع والعنف .
خامساَ ــ نوع الوساطات المطروحة :
غالباً ما تتلازم عمليات الوساطة مع عمليات التفاوض . الوسيط بطبيعة الحال ينبغى أن يحوز على رضى الطرفين . ونظراً لقوة أمريكا وسعة هيمنتها الدولية فيمكنها ترشيح عدد لا حصر له من الوسطاء الذين يتبنون وجهة نظرها، بينما من العسير جداً أن يعثر مجاهدوأفغانستان على وسيط محايد توافق عليه الولايات المتحدة بشكل خاص.
قد يدفع ذلك بالمجاهدين إلى إرتكاب خطأ القبول ببعض الوسطاء بدافع حسن الظن أو الرغبة فى تسيير الأمور أو إبداء المرونة وحسن النية أو الإنجرار إلى خديعة “بناء الثقة” . قد يبدو ذلك بسيطاً ولكنه فى الحقيقة وخيم العواقب . ( يجب ملاحظة أن جميع الأخطاءالبسيطة فى عملية التفاوض أو الأجراءات التى قد لا يهتم بها سوى القلائل ، حتى لو كانت مجرد ، تحريف فى عنوان أو إسم أو صفة ، أو علم صغير أو كبير ، أو مجرد ذكر عابر لمنطقة ذات بعد تاريخى يجهله كثيرون ، قد تحمل هذه الأشياء قيمة رمزية أو تبعاتعملية ومسئوليات مستقبلية لم تكن فى الحسبان ولكن المفاوض الجهادى قد يصبح مطالباً بالوفاء بها رغم أنه لم يقصدها .
فالمكائد الأمريكية لا تكاد تحصى فى عمليات التفاوض ) .
لهذا فمن الضرورى أن يتزود المفاوض بالمعلومات الشاملة لكل موضوع يدخل فى حيز التفاوض أو حتى على أطراف العملية التفاوضية . فالمفاوض لا يكتفى بقدراته الذاتية أو ذكائه الشخصى أو مهارته فى المفاوضات السابقة داخل الوطن ، بل لابد من إسانده بمجموعات بحث تزوده بما يلزم معرفته حول كل ما يحيط بالمفاوضات من موضوعات وأفراد وهيئات ودول .
ومن المستحيل تقريباً أن نربح معركة مفاوضات متشعبة ومتعددة الملفات مع الأمريكين ، لذا يلزم حصرها فى موضوع واحد أو إثنين على الأكثر ، لا يحتويان إلا على أقل قدر من التفاصيل . وأهم موضوع هو الإنسحاب الكامل لقوات الإحتلال . وبالتأكيد فإنه موضوعكاف جداً فى هذا المرحلة ، على أن تبدأ جولات أخرى بعد إتمام الجلاء غير المشروط لتناول موضوعات هامة أخرى على رأسها تعويضات الحرب ثم تبادل الأسرى .
سادساَ ــ البرتوكول فى إجراءات التفاوض :
تلك الإجراءات تحمل قدراً كبيراُ من المعانى الرمزية ، وتلك هى أهميتها . تكلمنا عن البلد الذى يجرى فيه التفاوض ومواصفاته التى أهمها الحياد وعدم التبعية للعدو بالاحتلال المباشر أو بالقواعد العسكرية أو بالنفوذ السياسى أو ” التحالف الإسراتيجى”!!.
وتكلمنا عن التوقيت غير المناسب للتفاوض ، والذى قد يستفيد منه العدو سياسياً لأهدافه الخاصة التى قد لا تتعلق بموضوع المفاوضات. مثل استخدامه دعائيا فى حملة إنتخابات داخلية لصالح رئيس الدولة أو الحزب الحاكم . ويمكن السماح للعدو بمثل ذلك الإمتياز فى مقابل تنازل ملموس على مائدة التفاوض ، كما يمكن عقابهم بحرمانهم من إستغلال أى تحرك تفاوضى فى تنافساتهم الداخلية ، ويترك تقدير ذلك لقيادة المجاهدين ووفدهم المفاوض .
أما إجراءات البروتوكول فينبغى الإتفاق المسبق عليها ، مثل مكان مبيت الوفد المفاوض وأسماء ووظائف أعضاء الوفود وكيفية لقاء المتفاوضين وشكل مائدة التفاوض وكيفية الجلوس حولها وكيفية دخول قاعة التفاوض وأنواع الشراب والطعام التى سوف تقدم للوفد وأوقاتها. وتوجد لجنة خاصة تسبق الوفد المفاوض للإتفاق على كل تلك التفاصيل المتعلقة بالبروتوكول مع الدولة أو الهيئة المضيفة . وتكون لجنة البروتوكول ، ومعها ناطق صحفى ، مرافقة دوما للوفد الجهادى المفاوض للإشراف على تطبيق ما تم الإتفاق عليه وعدم تجاوزه بما قد يحمل إهانة للوفد الجهادى أو خرقا لطبيعة المفاوضات أو سؤ إستغلال لها بإقحام شخصيات جديدة إليها أو وضع رموز أو إشارات أو مسميات جديدة أو بيانات رسمية غير دقيقة أو ملفقة من المضيفين أو الوفد المقابل أو الوفود الصحفية .
= قد يبدو ذلك ضربا من اللغو غير المفيد ، ولكن لنضرب مثلا من أفغانستان أيضاً حول عملية تفاوض سابقة.
فى أواخر الحرب الماضية ضد النظام الشيوعى المدعوم من موسكو، ذهب وفد من قادة الأحزاب الأفغانية بقيادة برهان الدين ربانى فى جوله خارجية إنتهت إلى موسكو لبحث بعض القضايا المعلقة , والحصول على موافقتهم حول حكومة مختلطة جديدة فى كابول بقيادة “أحزاب المجاهدين” وتحفظ نصيباً لرجال موسكو. لم يكن هناك إعداد لزيارة أو إتفاق على البروتوكول الرسمى لإستقبال وضيافة ومقابلة الوفد الأفغانى . فبرنامج الزيارة وموضوعاتها كانت جميعها مرتجلة .
فظهرت مشكلات فى مبيت الوفد ، ثم أن الأطعمة التى قدمها السوفييت للأعضاء لم يتم توضيح محتوياتها ، وإذا ما كانت تحتوى مكونات الخنزير أم لا . وقد قال أحد أعضاء الوفد فى جلسة خاصة بعد عودتهم إلى بيشاور ، أنهم قاطعوا الطعام السوفتى نتيجة غموض محتوياته وقد طلبوا طعاما من السفارة الباكستانية فلم يجدوا فيها فى ذلك الوقت المتأخر سوى بعض حبات البصل ، فتناولوها شاكرين !!.
وأماكن جلوس وانتظار الوفد فى الكرملين كانت غير مكيفة بينما الجو كان بارداً جداً. وقد دخل الوفد الأفغانى إلى قاعة الإجتماعات منفرداً , وظل أعضاؤه فى حالة إنتظار طويل وممل إلى أن تكرم بالوصول الوفد السوفيتى الذى لم يكن معلوماً عنه أى شئ . ودخل الوفد بقيادة مسئول من وزارة الخارجية ( وليس وزير الخارجية نفسه!!) فكان على الوفد الأفغانى أن يقف لتحيتة ومصافحته . بينما يقضى البروتوكول بدخول وفود التفاوض مرة واحدة إلى غرفة الإحتماعات فى أماكن محددة ، بحيث يتقابل رئيساً الوفدين وجها لوجه ، وباقى أعضاء الوفود موزعون يمينا ويسار على طول المائدة ،( وذلك لتفادى أن يقف أى وفد لتحية الوفد الآخر على مائدة التفاوض ) . المسؤل السوفيتى تكلم مع الوفد الأفغانى بجلافة روسية أكثر من المعتاد ، فسمعوا منه إهانات واتهامات وكلام يقترب من السب والشتم .
ــ من المفيد أن نعلم أن وفد الزعماء “الجهاديين” بقيادة ربانى كان قد تخلى / مقدما وقبل أى تفاوض مع السوفييت / عن جميع نقاط الضغط التى بحوزته , حتى أن اللقاء معهم فى موسكو لم يعد له معنى . لهذا كان ذلك الجلف السوفييتى محقاً فى تصرفاته الفظة. وفى ذلك أيضا عبرة لمن يروجون لخرافة ” بناء الثقة” التى تعنى تسليم كل نقاط القوة التى لديهم إلى عدوهم قبل أن يأخذوا فى مقابلها أى شئ . فالعدو لن يكافئ حسن نواياهم سوى بصفعة على القفا ، لأن القانون لا يحمى المغفلين ، هذا إن كان هناك أى قانون فى هذا العالم .
لقد صرح ربانى للصحافة ، قبل ذلك اللقاء المهين مع السوفييت ، بأن الأحزاب ( وبدوافع إنسانية !!!) قد سلمت ما لديها من أسرى الجيش الأحمر الروسى إلى الصليب الأحمر الدولى . وكان ذلك شرطاً أساسياً من السوفييت فى مفاوضاتهم مع الأمريكيين حول الوضع القادم فى أفغانستان . كما أعلن ربانى أيضا عن تنازله عن المطالبة بتعويضات حرب من الروس مدعياً أن ( الشهامة” الأفغانية تأبى ذلك ) !!.
فإذا كان الزعيم الشهم قد تنازل عن تعويضات الحرب التى هى من نصيب الأيتام والرامل وأصحاب البيوت المدمرة والمزارع المخربة والأراضى الملغومة ومصابى الحرب , كما سلم ما لديه ولدى الآخرين من أسرى الحرب , فماذا تبقى لديه فى الحقيقة ؟؟ , وفى مقابل أى شئ قدم كل تلك التنازلات الضخمة التى هى كل ما يملكه الشعب الأفغانى من وسائل ضغط للحصول على شئ من حقوقه فى رقاب من دمروا بلاده ؟؟. لقد نال ربانى وباقى زعماء مبتغاهم بتشكيل حكومة النكبة فى كابول من زعماء باعوا كل شئ فى سبيل كرسى الحكم فغرقت البلاد فى حمام دم لم ينتشلها منه سوى حركة طالبان وحكومتها الإسلامية.
من ذلك نستنج الدوس الهامة التالية:
– عدم التخلى عن أوراق الضغط الأساسية إلا بعد تحقيق مطالب الشعب كاملة . فلا تنازل عن ورقة الأسرى ولا تنازل عن مطالب تعويضات الحرب ، فهى حق للشعب الذى تعرض لحرب ظالمة بلا أى ذنب سوى أطماع دول باغية متجيرة.
– الإهتمام بتفاصيل الإجراءات الدقيقة المحيطة بعملية التفاوض – أى البروتوكول ـ قبل وخلال التفاوض .
– موضوعات التفاوض ينبغى أن تكون محددة سلفاً.
– ليس من حق اى مفاوض أن يتنازل عن حقوق الشعب بدون الرجوع الى الشعب للحصول على موافقته ، فالتعويضات ليست ملكا لزعيم . وأسرى الأعداء هم ثروة قومية ناتجه عن جهاد شعب كامل وليس فردا أو فصيلا قتالياً واحداً.
سابعاً – إحترام الشارات والرموز والتعريفات الرسمية . وتلك أشياء يكون كل طرف على علم مسبق بها ويوافق أو يعترض عليها قبل إتخاذ أى خطوات عملية على طريق التفاوض.
وبالنسبة للمجاهين فإن الشارات والرموز والتعريفات الرسمية ليست مجرد شكليات أو بهرجة لفظية , فالعلم الذى يرفعونه له مغزى يتصل بالمعتقدات التى قاموا للجهاد من أجلها ، كذلك إسم الجهة التى ينطقون بإسمها, فهى تمثل قيادة الشعب فى كفاحة الجهادى ضد المعتدين المحتلين .
فإذا ذهب وفد جهادى كى يمثل “الإمارة الإسلامة” فليس من حق الطرف المقابل الذى يمثل العدو أو ذلك الطرف المضيف أو الوسيط أن يطالب بتغيير تلك الصفة لأن ذلك يمس المنطلق العقائدى للجهاد ويمس كرامة واستقلال القيادة الجهادية . ومن غير المقبول أو المتصور أن تستمر ثقه المجاهدين بالطرف الوسيط ولا جدية العدو الذى يسعى إلى تغيير الطبيعة العقائدية للمجاهدين بتغيير يبدو مظهره بسيطا ومجرد إسم على لوحة معدنية أو علما يرفرف فوق مكتب لا قيمه له من حد ذاته ، فالراية التى يرفعها جيش خلال القتال ليست مجرد قطعة قماش ، بل هى قيمة رمزية لا تقدر بثمن ، فمجرد سقوطها أو تنكيسها ولو بالخطأ أثناء القتال قد يعنى خسارة معركة أو حتى حرب .
تنبهنا الأحداث ومناورات العدو على أهمية الإتفاق على تعريف الهدف من المفاوضات ، رغم أنه من الواضح أن لا ضرورة إطلاقاً لمثل تلك المفاوضات مع عدو منهزم وينسحب بالفعل ، ولا يمكنه البقاء أو الإستمرار فى الإحتلال ، ولا حتى دعم عملائه المنهارين والمرفوضين شعبيا .
فهل هى (مفاوضت جلاء) – أى مباحثات مخصصة لبحث جدول إنسحاب جيوش المعتدين وتسليم ما لديهم من قواعد عسكرية ، ومعدات وأسلحة ثقيلة “التى يمكن إعتبارها / إذا وجد المفاوض الجهادى ذلك مناسبا / جزءا يدفع مقدما من تعويضات الحرب” . ذلك ما يتصوره كل عاقل حول مفاوضات مع المعتدى الأمريكى الخاسر . ولكن ذلك المعتدى الخبيث يطلق عليها (مفاوضات سلام)!! . والفارق مهول بين التعريفين وهو مماثل للفرق بين النصر والهزيمة . فالمصادر الأمريكية عبر ” إعلامها الدولى” تتكلم عن موافقتها على مباحثات بين “حركة طالبان” وكرزاى وحكومته تحت رعاية أمريكية قطرية . أى أن أمريكا جعلت من نفسها حكما بعيد الصلة عن مشكلة قائمة بين نظام كابل وحركة طالبان التى تصفها بأنها ” تمارس العنف ولا تعترف بالدستور” . وهكذا قلب المجرمون الحقائق رأسا على عقب وجعلوا أنفسهم مرجعية وساطة بين المجاهدين وبين الحكم الذى فرضه الأمريكيون على شعب أفغانستان بقوة الحرب المدمرة . الوسيط الذى منح الإمارة الإسلامية مكتبا (ملغوم سياسياً) رفع عنه صفة “مكتب الإمارة الإسلامية” وحوله إلى “مكتب حركة طالبان الأفغانية” , ثم تحول أخيرا ، حسب وكالات الأنباء الغربية ، ليصبح “مكتب مباحثات السلام” !!! . ( نلاحظ أن ذلك يكاد أن يكون تطبيقا حرفيا للموقف الأمريكى من مأساة فلسطين ، حين إدعوا أنهم وسيط برئ فى عملية سلام ين العرب واليهود ، وليسوا شريكا كاملا وأساسيا فى جريمة إغتصاب ذلك الوطن المقدس لدى المسلمين كافة ) .
ــ يطلب الأمريكيون وحلفاؤهم من حركة طالبان أشياء قليلة العدد ولكن فظيعة النتائج ولا تعنى سوى إستسلام بلا قيد أو شرط . وكأن جهاداً لم يحدث أو أن نصراً جهادياً لم يتحقق , أو أن العدو المعتدى لم تتصدع أركان بنيانه العسكرى والإقتصادى ، أو كأن كيانه الوطنى داخل بلاده لم يتشقق بحيث يحتاج إلى قانون فاشستى (يدعى القانون الوطنى) ، الذى هو إقتباس حرفى من قوانين الحكم الستالينى السوفيينى ، كى يقمع حريات الأمريكيين الأحرار المعارضين للحكم الصهيونى الماسك بتلابيب بلادهم ويخنق أنفاسهم.
ــ إن المطلوب هو ” السلام الأمريكى ” أى القبول بالإحتلال وبالحكومة العميلة التى أحضرها المعتدون على ظهر الدبابات ، ومعهم الخونه الذين قاتلوا إلى جانبه من تجار الدماء ومقاولو الحروب ، ثم القبول بالدستور الذى وضعه الإحتلال الأمريكى ليدير الدولة بالشكل الذى يضمن بقاء مغتصباته “مصالحه” فى أمان ، كما يضمن طمس الهوية الإسلامية والهوية الوطنية والثقافية العريقة لشعب من أنبل شعوب الأرض وأشجعها على الإطلاق على مر التاريخ .
ــ ومن خلال مناورات التصريحات والبيانات عبر إعلامهم الدولى ، تتبدى معالم تقسيم الأدوار بين المجرمين / كرزاى وأسيادة الأمريكيين/ ، الطامعين فى خداع الإمارة الإسلامية وتمرير صفقة تفاوضية قاتلة . فالعميل كرزاى ثائر, والأمريكيون يتظاهرون بالوساطة لتهدئته ، ثم ويقترحون من أجل إسترضائه تغيير “بسيط” فى عنوان المكتب العجائبى الذى تتغير صفته فتهوى بإضطراد حتى تصل إلى تعريف مدمر لمكتسبات الجهاد ، وهو “مكتب محادثات السلام” ، أى السلام الأمريكى بالطبع ، فيصبح المكتب العجائبى نظيرا لقاطرة سكة حديد ” فرساى” الفرنسية لتوقيع صكوك الإستسلام ، كما رأينا مع الألمان والفرنسيين فى الحروب العالمية الأولى والثانية. أو نظيرا لبارجة حربية فى الأسطول الأمريكى كما فى حالة إستسلام اليابان فى الحرب العالمية الثانية.
هذا هو السلام الأمريكى الذى هو عين الإستسلام التام غير المشروط . فهل أعطانا الأمريكون والوسطاء غير المحايدين “مكتباً” حتى نعطيهم فى مقابله كل أفغانستان ؟؟ ، بما فيها من بشر وثروات وتاريخ ، وإسلام هى الحاضن الأول والرئيسى له فى عالم اليوم ؟؟ .
مازالت أفغانستان موجودة وأبطالها حاضرون أسودا فى ساحات الوغى ، فلنرى ماذا سيفعل جنود الشيطان .
:::::::::::::::::::::
ومعنا ذو الجلال ..
الشهيد “أحمد غنى” فى بدايات الجهاد ضد السوفييت وفى أحد أهازيجه الجهادية ، مخاطبا الرئيس بابرك كارمل ـ كرزاى ذاك الزمان ـ أنشد القائد الشهيد من فوق أحد جبال خوست العظيمة :
يهددنا كارمل بأنه سيأتى إلينا ومعه الطائرات والدبابات ..
ونحن نقول له أننا ذاهبون إلى الميدان ومعنا الله ذو الجلال ..
فليرنا كارمل ما هو فاعل .
::::::::::::
العالم كله يعرف ماذا فعل كارمل والسوفييت ، وعلى نفس الدرب يسير الآن كرزاى والأمريكيون .
وما زال معنا .. ذو الجلال .
بقلم :
مصطفي حامد
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
موقع الصمود – مجلة الصمود عدد 87
http://alsomod-iea.info/