رسالة القاعدة إلى موقع مافا السياسى بقلم / عابر سبيل- الجزء الاول
بين يدي رسالة القاعدة إلى موقع ” مافا السياسى “
بقلم / عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة) الجزء الاول
الفهرس
– المقدمة
– تعريف بالكاتب
1- الرسالة الاولي / نـصـاعـة الـرايـة
2- الرسالة الثانية / الشعب الأفغاني المسلم
3- الرسالة الثالثة / بين فكي الهزيمة
مـقـدمـة:
خمس مقالات لاينقصها الصدق أو حرارة العاطفة أرسلها أحد أخوة الجهاد ورفقة السلاح القديمة فى أفغانستان . أطلق على نفسه هنا كنية جديدة هى (عابر سبيل) وهى صفة تجمع جيل كامل طحنته أحداث أكثر من عقدين من الزمان حفلت بصراع تاريخى ثقيل الوطأة خاضه ذلك الجيل بلا قيادة حقيقية وبلا خبرة مسبقة.
سلاحة الوحيد كان إخلاص شديد وفدائية كاملة ، أو “روح الإستشهادية” بمعنى أوضح.
تعرض ذلك الجيل للخذلان والمتاجرة والتواطؤ والعدوان الوحشى، بل والخيانة المكشوفة بعد أن تغير إسمها فى معجم النفاق المعاصر فأصبحت تدعى “واقعية سياسية فى عالم متغير ونظام دولى جديد” .
ذلك التعريف الجديد للخيانة فى ثوبها الحديث كانت ترجمته التطبيقية على ذلك الجيل المجاهد والإستشهادى يعنى الملاحقة والقتل والإغتيال الجسدى والسجون ثم التشويه والإغتيال المعنوى.
تتميز المقالات التى بين يدى القارئ الآن بالنفس الهادئ البعيد عن توتر التشنجات التى صارت صفة غالبة لمن ينتسبون أو ينسون أنفسهم إلى ذلك التيار الجهادى ، حتى جعلوا رؤية الناس ملتبسة ، إذ أختلط فى نظرهم الجهاد بالهستيريا العنيفة ، وإيذاء النفس والغير، والقتال على غير هدى أو بصيرة ، وقتل كل ما يمكن قتله من بنى البشر .
بهذا التواضع الواضح عند “عابر سبيل” والرغبة فى الحوار الهادئ والبحث عن الحقيقة ، يمكن أن تكون تلك المقالات الخمس مدخلا لحوار إسلامى داخلى ، ليس بهدف “جلد الذات” أو ” التبرئة من ماضى” أو ” تبييض وجه” من أخطاء ومشاركات مضت / حسب تعبيرات عابر سبيل/ بل بهدف فحص الماضى لأخذ العبر منه ، والتدقيق فى الحاضر وتعقيداته ثم التهيئة لمواجهة المستقبل.
يفتقر المسلمون بشدة إلى حوار داخلى صحى وصحيح ، كما يفتقد “الجهاديون ” بشكل أكبر إلى القدرة على مخاطبة بعضهم البعض لتوحيد البنادق المجاهدة فى بندقية واحدة، أو على الأقل ممارسة العمل الجهادى المقاوم طبقا لرؤية ودستور عملى موحد ، مع الإقدام على محاورة باقى المسلمين بروح إسلامية حقيقية لإعادة أمتنا الممزقة لتكون مرة أخرى أمة واحدة فى يقظتها وجهادها ومقاومتها لجيوش الغزاة فوق أراضيها جميعا ، ثم مخاطبة العالم كله بالعقل وبروح إنسانية مخلصة ، من أجل حياة عادلة وكريمة لجميع البشر على ظهر كوكب منهك ومهدد فى وجوده.
دون أن يعنى أيا من ذلك إسقاط السلاح فى مواضع الدفاع التى داهمنا فيها العدو فى أكثر من مكان من عقر ديار المسلمين ، ولا يعنى مهادنة الطغاة أو إقرارهم على ظلمهم وعدوانهم على شعوبهم وعلى جميع البشر .
ربما أعود مرة أخرى لمناقشة بعض ما ورد فى كلمات عابر سبيل ، وأظن أن كثيرين غيرى سيفعلون نفس الشئ، ولكننى أعتقد أنها بداية تستحق التقدير من جانب قيادات هامة فى تنظيم القاعدة لفتح نوافذ القلوب والعقول. وربما تصبح تلك الخطوة الأولية مدخلا إلى حوار إسلامى/ إسلامى ـ وحوار إسلامى / إنسانى ـ هادف ومثمر … وهذا ما أرجوه.
بقلم :
مصطفى حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
www.mafa.world
تعريف بالكاتب :
ـ “عابر سبيل” هو عضو قديم فى تنظيم القاعدة . إنضم إلى التنظيم فى أواخر عام 1989 وكان السوفيتت قد رحلوا من أفغانستان ، ومعركة جلال أباد الشهيرة دخلت مرحلة الإستنزاف البطئ.
ـ ليس من مؤسسى التنظيم ولكنه يعتبر أهم من تولى مسئوليات تنفيذية فى مجالات التدريب وإدارة المعسكرات والأمن والعمل العسكرى بشكل عام.
ـ فى عام 1995 قام بدور بارز فى الصومال ، وهناك أشرف على تدريب مجموعات صومالية ، وعمل على تفعيلها ميدانيا.
ـ كان له دور بارز أيضا فى معركة قندهار الأخيرة عام 2001 ضد القوات الزاحفة عليها والمدعومة من الجيش والطيرن الأمريكى.
ـ بعد إستشهاد كل من أبو عبيدة البنشيرى ” 1996″ ثم أبو حفص المصرى “2001” وهما مؤسسا تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن ، أصبح “عابر سبيل” أقدم وأهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى ذلك التنظيم.
معدن نفيس .. غير قابل للكسر ..
ومشتروه هم المجاهدون .. فقط ..
راية إسلامية .. لا شائبة فيها ..
( آمل من المشرفين على موقع مافا نشر هذا الإعلان .. وتوزيعه إن أمكن .. )
1 /5
نـصـاعـة الـرايـة
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
هذا إعلان عن معدن نفيس غير قابل للكسر .. على مر التاريخ تمت تجربته مرات عديدة وأثبت كفاءته .. لم تكن تجربته ليوم أو يومين بل لعقد وأحيانا عقدين .. وفي كل مرة أثبت أنه المعدن الأنفس في العالم .. والأكثر نقاوة .. والأعلى جودة .. شد عوده طبيعة أرضه .. وعزلت نيران الحرب شوائبه .. وشكله تخاذل الإخوان .. وصقله الإسلام .. إنهم الأفغان .. نعم .. الشعب الأفغاني الذي لم يحن هامته إلا في صلاته لربه وتجهيز أرضه ليأكل مما يفلح وحفره ليقبر أعداءه …
أحبك أفغانستان .. عشقت أرضك وتعلق قلبي بجبالك .. ومنذ الخطوة الأولى لي على رباك وقعت أسير هواك .. فأنا من عشاق الحرية .. وكذلك كل من تنسم عبيرك ..
وكما أسلفت فمقاومة الشعب الأفغاني ليست وليدة اليوم .. بل هي إرث أزلي فمن عهد الإسكندر المقدوني وإلى اليوم .. وهذا الإصرار على تنسم الحرية .. هذا العناد الذي لا يقبل بعدوه .. وإن كانت الموجة عاتية فإن لم يكسرها التف عليها حتى يضعفها ومن ثم يروضها .. هذا الحرص على ألا يحكم بغير الإسلام .. فما هي الأسباب وراء ذلك .. ولماذا هو دون الكثير من شعوب الأرض الذي لم يركع للغزاة .. قبل أن أخوض في هذه الأسباب أحب أن أقدم لها بعرض موجز لبعض التاريخ العسكري للشعب الأفغاني:
غزا الإسكندر المقدوني مشارق الأرض وكانت مدينة هرات من جملة ما فتح .. ولكن ما أن كانت تغادر حملته العسكرية المدينة حتى ينتفض أهلها عليه فيرسل لهم حملة أخرى وتكرر الأمر حتى اضطر الإسكندر إلى ترك المدينة لأهلها.
ولما تقدمت الفتوحات الإسلامية صوب بلادهم قاوموها بشدة وجلادة أضنت المجاهدين .. ولازال على بعض جبال مدينة كابل أطلال سور متداعي أطلقوا عليه وقتها ( ضد الصحابة ) .. لقد قاوم الشعب الأفغاني كل المغتصبين لثرواته وأجلاهم عنها .. ولما أدرك أن الفتوحات الإسلامية ليس فيها اغتصاب لمقدراته بل هي رحمة من الله لتحقق له مزيد رفعة .. فالإسلام لم يأتي ليغتصب ولكنه حمل منهج الله لهم .. وأخذ بأيدهم لخير الدنيا والآخرة .. وقدم لهم ولم يأخذ منهم .. عرفوا حقيقته واستجابوا له وحملوه ودافعوا عنه .. وسار الإسلام بالأفغان وسار الأفغان به ..
وحينما راود الإمبراطورية التي غربت عنها الشمس حلم غزو أفغانستان .. أبيدت حملتهم عن بكرة أبيها .. وذبحهم الأفغان في إطار معركة شرسة .. ترك الأفغان من الإنجليز جندياً واحداً فقط ليروي القصة لقادة الإمبراطورية ..
ثم جاء الاتحاد السوفيتي في نهاية سبعينيات القرن المنصرم .. قدموا إلى أفغانستان كأكبر قوة برية عرفها التاريخ البشري على مر العصور .. قدموا إلى أفغانستان بقوة مهولة من الدبابات والمدرعات والطائرات .. فدكوا القرى والمدن وسوا بعضها بالأرض .. فقتلوا من الأفغان مليونين .. وهجروا من أفغانستان أكثر من خمسة ملايين .. ومكثوا في البلاد تسع سنين وخمسين يوما .. فهل كانت أيامهم راحة واستجمام؟ .. هل تم خلال هذه المدة استئناس وترويض الأفغان؟ .. هل انتهى الشعب وقتلت فيه إرادة القتال؟ .. كلا والله .. لقد دارت رحى حرب ضروس سالت فيها أنهار من دماء شباب الاتحاد السوفيتي .. وتمددت جثثهم في طول البلاد وعرضها .. وتمزقت دباباتهم ومدرعاتهم في أودية أفغانستان .. وأسقطت جبال أفغانستان الشماء طائراتهم .. وشهدت الحرب حضورا إسلاميا من كافة شباب الأمة .. ليسجلوا مع معلميهم من الأفغان صفحات تاريخية من البطولة في زمن عزت فيه الرجولة .. وأرغم المجاهدون الأفغان الاتحاد السوفيتي على الخروج من بلادهم مع نكبة اقتصادية حولته إلى دولة من الدرجة الثانية .. وشرذمت اتحاده .. وبدلت فيه فكره ورؤيته وفلسفته ومذهبه .. حتى اسمه حولته إلى .. روسيا .. وقد سجل التاريخ والإعلام كل ذلك ..
وأخيرا جاء دور الأمريكان .. يمثل الأمريكان في هذا الوقت ما يسمى بالقوى العظمى الوحيدة في العالم .. الأقوى تسليحا .. الأكبر اقتصادا .. الأرقى تقنية .. الأكثر أتباعا .. الأكثر تسلطا على الدنيا .. زعيمة العالم الحر .. هكذا يصفون أنفسهم!! .. وصلوا إلى أفغانستان بأهداف محددة ورؤية واضحة .. فهم يرغبون في القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة .. وإرساء النظام الديمقراطي وتوفير الرعاية لأفغانستان وتحويلها إلى تابع ذليل .. اليوم مضت تسع سنين وواحد وخمسون يوما على بدأ حرب هي الأطول أمريكيا .. استخدم وجرب فيها الأمريكان كل ما طالته أيديهم من صناعتهم وصناعة غيرهم من أسلحة ومعدات .. استخدمت كل المقذوفات والصواريخ الذكي منها والغبي .. تحركت كل مجنزراتهم على أرضها .. سبحت كل طائراتهم في سمائها .. دكوا المدن .. هدموا القرى .. نثروا خبثهم على أرضها .. وزعوا أموالهم على أهلها .. قتلوا النساء والشيوخ والأطفال والحيوانات والشجر .. ثم ماذا؟ .. أمطرت سماء الأفغان وسالت أوديتهم فمسحت وجه الأرض .. وروت عروق الشعب الوفي وشدت عوده فانتصب مع جباله الشم .. فانتزع السلاح من يد عدوه .. ورده إلى نحر قاتله .. فكر عليهم فأصابهم بألف جرح .. وكر عليهم أخرى فعمق جروحهم وقطع شرايينهم .. وكر أخرى وأخرى وإلى اليوم يواصل ضرباته حتى أعياهم .. وأنهكهم .. فأنسى العالم ما فعل بالسوفيت من هول ما فعل بالأمريكان وحلفائهم .. استخدم مع الأمريكان أسلحة لم يقووا على أن يجدوا لها سلاحا مضاداً .. استخدم إيمانه بربه ودينه .. استخدم تمسكه بمبادئه وعرفه .. استخدم غيرته وعناده .. فمزج ذلك كله بحديد غنمه من حروبه السابقة ومن الأمريكان وحلفائهم .. واجه بها التحالف العالمي .. فزلزلهم وحطم وحدتهم فشرعوا في الانسحاب كل على عكاز .. وعاد الأفغان ليزلزلوا الحلف الخبيث مرة أخرى فابتلوا دول العالم المسمى بالمتحضر بأزمة اقتصادية أنكى مما أذاقوها للسوفيت .. وفي محطة انتظار تغيير اسم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يقف الأفغان مع المشاهدين والمنتظرين .. بل عادوا وزلزلوهم أخرى ليسقطوا حملهم وحلمهم .. فتمخض مؤتمر لشبونة عن الحقيقة ” أنه لا يمكن تحقيق النصر على حركة طالبان وتنظيم القاعدة ” .. إعلان الهزيمة .. هذا الإعلان لمن يستشرفون المستقبل هو إعلان نهاية حلف النيتو .. هو إعلان سقوط القوة العظمى اليتيمة والتي لم ترق لتصبح إمبراطورية .. هو إعلان حقيقة أزلية .. وهي .. لا يمكن لأي قوة في العالم ( عسكرية سياسية اقتصادية ) مهما بلغت قوتها أن تكسر إرادة شعب مسلم تحت قيادة مسلمة مهما كان ضعفه ( العسكري والسياسي والاقتصادي ) .. إنه الإسلام حينما يكون في قلوب الرجال ..
إيه أفغانستان .. ألم تكتف أرضك بعد من كل هذه السيول المتدفقة من الدماء .. ما أكثر شواهد قبور من دفن فيك .. وما أضخم مقبرتك التي حوتهم .. ولعلك البلد الوحيد في العالم الذي قبرت أرضه جل الجنسيات والأعراق من بني آدم .. فما أشقى من غزاك .. فأنت مقبرة الغزاة .. وليس أي غزاة .. فأنت مقبرة القوى العظمى والإمبراطوريات ..
نقطة محيرة أحب أن أذكرها حينما يكون العدو على الأبواب .. فيحيرني ويحير كثيرون في هذا الموضوع أمرين الأول فيما يعرف بإخوة الإسلام .. والثاني فيمن يعتقد بمسائل الأمن القومي .. فبرويز مشرف رئيس دولة تسمي نفسها إسلامية .. نسف نظرية باكستان للأمن القومي والعمق الاستراتيجي حينما حول باكستان إلى قاعدة عمليات ومرتكز استراتيجي للقوات الأمريكية ضد الإمارة الإسلامية .. وأبو رغال هذا الزمان – أبو رغال لمن لا يعرفه هو الرجل الوحيد من بين العرب الذي قبل أن يعمل دليلا لجيوش أبرهة الأشرم الذاهبة لهدم الكعبة المشرفة – أما أبو رغال هذا الزمان فهو الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وهو رجل معمم من دولة تسمي نفسها إسلامية .. أبو رغال هذا الزمان حول إيران لقاعدة معلومات للجيش الأمريكي تمده بالمعلومات التي جمعتها أجهزة تجسسه للقضاء على إخوة الإسلام من حركة طالبان والقاعدة .. اللذان تجسس عليهما بالأمس ليوفرها لعدو اليوم .. والعجيب أنه خرج في فيلم وثائقي على قناة الجزيرة يتبجح بسعادة بأنه الذي وفر هذه المعلومات للشيطان الأكبر!!! .. لم يكن محمد خاتمي في حاجة أن تذكرهُ وثائق ويكيليكس التي أظهرت ما يقال في الدهاليز ..
إذاً لقد غزاهم الإسكندر المقدوني وفارقهم .. وحاول الإنجليز النيل منهم فأبادوهم .. وتحركت إليها أكبر قوة برية عرفها التاريخ وولت منهم هاربة .. وأخيرا وأجزم بأنها الأخيرة إن شاء الله .. هاهي القوة الأكثر تقنية في العالم وحلفاؤها يجهزون أنفسهم لرحيل يستر ماء وجوههم .. كبار القادة الأمريكان يقرون بعدم قدرتهم بتحقيق النصر على المجاهدين في أفغانستان والممثلين في حركة طالبان وحلفاءها من تنظيم القاعدة ..
بعد هذا الإيجاز لا بد من أن نورد تعليقاً في منتهى الأهمية .. فلا يجب أن تمر الأمور دون الوقوف عليها والتأمل وإدراك حكمة الله فيها .. وتسلسل أسبابها التي أوصلتنا إليها .. فمنذ عام 1979 وإلى اليوم وقد اقتربنا من نهاية عام 2010 .. مرت أفغانستان بثلاثة حروب الأولى ضد الروس والثانية لتوحيد البلاد والثالثة ضد الأمريكان .. في الحرب الأولى أرادوا سلب المجاهدين من نصرهم .. فاتهمت العملية الجهادية بأنها حرب بالوكالة نيابة عن الولايات المتحدة ضد الروس تم إدارتها من خلال المخابرات الباكستانية والمخابرات السعودية وعملاء الأمريكان من العرب الذين دفعوا الأموال وأرسلوا الشباب .. والأحسن حالا قال إنها حرب تقاطعت فيها المصالح بين المجاهدين والأمريكان .. وفي هذا المقال ليس لي رغبة في الرد على المقولتين أو الشرح أو الإجابة عن التساؤل متى بدأ الدعم الخارجي للمجاهدين والأسس التي وفقها دعموا الجهاد والأهداف التي رغبوا فيها وصولا إلى النهاية التي أرادوها له .. ولكني أواصل فأقول .. في الحرب الثانية التي دارت ضد البغاة لرفع الظلم والفساد وتوحيد البلاد وظهرت فيها حركة طالبان .. اتهمت الحركة أنها صنيعة باكستانية .. وأنها تمثل إرادة المخابرات الباكستانية والتي ترغب في خلق تابع ضعيف لها في أفغانستان وفق مفهوم أمن باكستان القومي .. وهنا أيضا لن أتساءل عن كيف نشأت الحركة ومتى تم دعمها ولماذا .. دعونا نواصل .. فدارت الحرب الأخيرة .. وكان المهاجمون فيها هم داعمي الأمس .. مسعروا الحرب هم الأمريكان ومعهم 48 دولة حليفة .. وتحولت كافة دول الجوار وعلى رأسهم باكستان إلى قواعد أمريكية سرية وعلنية لدعم الحرب على المجاهدين .. وقدم الرئيس الإيراني المحبوب أمريكيا كل ما يستطيعه من معلومات بسببها قتل الكثير من المسلمين في أفغانستان .. وأطلق العنان لماكينات النفاق السعودية من إعلام ودعاة لتشويه الأفغان وحليفهم اليتيم .. ولا يستطيع كائن من كان أن يقول إن هناك حليف أخر للشعب الأفغاني في حربهم ضد الأمريكان .. عدا تنظيم القاعدة ومحبيه .. وهل يستطيع أحد اليوم أن يتهمهم بشيء؟! .. فالراية اليوم في أفغانستان نقية طاهرة لا شرقية ولا غربية بل بيضاء ناصعة لا شائبة فيها .. فلا تقاطع مصالح ولا حرب بالوكالة ولا عملاء لباكستان ولا أدوات للمخابرات العربية بل حالة إسلامية نقية لا شائبة فيها .. راية إسلامية لا نصير لها إلا الله .. هو سبحانه الذي يديرها ويمولها … ويضع لها أسبابها .. ويقود مسيرتها .. وعليه فإن كان الحادي عشر من سبتمبر هو سبب الحرب التي أبانت نقاء الراية الجهادية في أفغانستان فأنعم به من سبب .. لا تعليق .. بل أترك للقارئ حق التعليق ..
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
2 /5
الشعب الأفغاني المسلم
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
الصبر والبأس يختلفان بحسب مكان وطعام وعمل بني آدم .. فطبيعة أهل السهل تختلف عن طبيعة أهل الصعب ( الجبال ) .. وأهل الزرع تختلف عن أهل الرعي .. والطعام اللين يولد طبيعة تغاير الطعام الخشن .. وحتى أهل الرعي فيما بينهم يختلفون فرعاة الإبل غير رعاة البقر غير رعاة الغنم .. كل يأخذ من طبيعة ما يعمل أو يأكل أو يسكن .. والشعب الأفغاني ليس استثناء من ذلك ..
تسمى أرض أفغانستان بسقف العالم .. إذ فيها سلاسل جبال الهندكوش الشاهقة .. شديدة الوعورة .. تمر خلالها شبكة من الأودية والأنهار شديدة الانحدار سريعة الجريان .. تستحيل الملاحة فيها .. أما عملية عبورها فهي مغامرة هلك فيها من هلك ونجا منها من نجا .. أما السهول في أفغانستان فأغلبها فيافي قاحلة تقهر الحياة .. بمتاهاتها المضللة وقفارها الموحشة وأوديتها السحيقة .. ورغم تلك الصحاري والجبال الصماء .. فقد خط فيها أهلها دروب ومدقات توصلهم بمن يرغبون من الجيران .. وشقوا فيها ترع وقنوات توفر لهم ولأرضهم وأنعامهم الماء العذب .. عملوا عليها فسخروا وعورتها لخدمتهم وحمايتهم .. هذه التضاريس الجغرافية الوعرة ولَّدت في مروضيها عدداً مهماً من الصفات البشرية .. فجعلتهم أشبه بالجبال في شموخها وبأسها .. وأهلك من الصحاري لعدوها .. وأندى من الماء لحليفها .. وألين من السهول تواضعا لضيوفها .. من هذه الصفات نبت أجساد الشعب وتشكلت نفسيته .. وتشابهت أخاديد أفغانستان مع خطوط الزمان على جباههم ..ومن هذه الوعورة والقسوة تشكل الحصن الذي يقيم فيه الأفغان ويوفر لهم الأمن والمياه .. كما أمن لهم الهيبة والرهبة في قلوب الآخرين ..
ومع وجود الجبال والصحاري والمياه على ما ذكرنا من وصف .. إلا أن أهل أفغانستان روضوها كلها لتخدم تطلعاتهم .. فقصوا الجبال وصنعوا فيها مسطحات زراعية .. وشقوا لها على الجبال وفي سفوحها قنوات للري .. فزرعوا وحصدوا من الخضر والفواكه والحبوب ما أغناهم عن السؤال.. وما يقيم صلبهم ويشبع أنعامهم .. وكانت أيديهم خضراء ندية .. وأرسلوا أغنامهم وإبلهم تسرح وتمرح .. منها يأكلون ومن أصوافها وأوبارها يلبسون وأيضا يسكنون .. فكانوا سادة الرعي الجبلي .. لكن شتان بين الرعي في السهل والرعي في الجبل .. كما أن الفارق كبير بين الزراعة في أحواض الأنهار وبين الزراعة عند منابعها الجبلية .. هذا المجهود الضخم والطاقة المذهلة التي عمل بها الأفغان لإعداد أرضهم ورعي ماشيتهم ساهمت في تشكيل النفسية الأفغانية .. وجمعت فيها متناقضات الطبيعة البشرية ولكن بأقصى حدودها .. فهم أحن من رأيت وأشد من رأيت وأسهل من رأيت وأصعب من رأيت .. فهم لأحبائهم فيهم السهولة والرقة واللين .. أما على عدوهم فهم أسود كواسر .. وضوار فاتكة .. لا يرى العدو منهم إلا الغلظة والقسوة .. ولا يهدأ بالهم حتى تسيل دماء أعدائهم .. وبهذا التكامل بين الزراعة والرعي والروح القتالية تشكل الحصن الغذائي الذي أمن لقاطنيه المأكل والملبس .. وأكسبهم هذا احترام الآخرين
قبيل آذان الفجر تتابع الديكة صياحها .. فتستيقظ الأسر الأفغانية .. رجالاً ونساءاً .. شيوخاً وشباباً وأطفالاً .. يوضئ بعضهم بعض .. يذهب الذكور إلى المسجد للصلاة .. وتصلي النساء في البيوت .. ثم يبدأ يوم الأفغان .. تشرع النساء في إشعال الحطب وتجهيز الإفطار فيعجن ويخبزن ويصنعن الشاي .. والخبز هو أساس السفرة الأفغانية .. وينتظرن إياب الرجال من الصلاة .. فيسمون الله ويفطرون.. ثم يحمدون الله ويشكرونه على نعمه وحسن رزقه .. وينطلق الرجال إلى أعمالهم والنساء ينطلقن .. النساء منهن من ترعى الصغار ومنهن من تحضر الماء وتلك تعد الطعام وأخرى تنظف المكان وهذه تخيط الثياب وتلك تحلب الأبقار ومنهن من تغزل الخيوط وتنسج السجاد .. أما الرجال فهم إلى الزراعة و إلى الرعي ينطلقون .. وآخرون يتاجرون .. وبعضهم صناع مهرة .. لكنهم جميعاً مقاتلون .. وأبناؤهم في المساجد يدرسون .. والشيوخ يتابعون ويشرفون على مسيرة الحياة .. وبهذا تكتمل الحلقة بالحكمة والقوة .. حكمة تسوس وقوة تعمل.. فإذا أذن المؤذن لصلاة الظهر تركوا ما في أيدهم .. واكتظت بهم المساجد .. فإذا فرغوا من الصلاة .. تناولوا لقيمات خفيفة في أماكن عملهم أو في بيوتهم .. بعضهم يأكل الخبز والخضار والبعض يأكل الأرز والبطاطس .. وفي أيام الحر والقيظ يشربون الدوغ البارد .. ثم يقيلون .. وبعد صلاة العصر .. يلهو الصغار ويتزاور الكبار .. ويشرب الشاي الأخضر .. ويتابعون ما تبقى من أعمال .. وفيما بينهم يتراحمون .. فإن عادوا من صلاة المغرب التأم شمل الأسرة في حب وود .. فيتعشون من نعم الله وفضله وعادة يأكلون اللحم والخبز أو الأرز والخضار .. ثم يصلون العشاء ويتهيئون ليوم جديد ..
والجد والجدة هم سادة البيت وملوكه .. كما أن الصغار هم شمس البيت ووروده .. فما أن يستيقظ الجد والجدة حتى تسعى إليهم يد الأحفاد .. وبابتسامة ساحرة وعيون في رضاهم طامعة .. يدلكون ما يبس من أجسامهم .. فيغمرونهم بندى دعائهم .. ثم يقبل الأبناء فيقبلون أيديهما .. ويطلبون البركة ويسألونهما صالح الدعاء .. وعلى مائدة الإفطار المتواضعة توزع الجدة أو الأم الكبرى بحب ورحمة مهام اليوم على من دونها سناً وبما يناسب كل سن والكل يقبل في تفاهم وود .. فالحياة تعاون ولكل فيها دوره .. الذي جرت عليه عادتهم .. ومع تتابع أكواب الشاي يوزع الجد أو الأب أو الأخ الأكبر واجبات اليوم .. ومع مناقشات خفيفة وترتيبات دقيقة ينطلق الرجال .. وهكذا تمضي الحياة .. لها مذاق خاص ورائحة لا تنسى وألفة صادقة وحنان متدفق .. كد وتعب وحب وأنس .. حُرمت البشرية منها في إطار جشعها الصناعي ..
ولا أنسى أن أذكر جبالاً أرسى من الجبال .. وهامات أعلى من القمم .. وبحوراً أرحب وأعمق من البحار .. وأنهار خير وبركة تفيض حلما وعلماً .. إنهم علماء أفغانستان .. الجندي المعلوم الذي يقف أمام هذا الشعب في منحه ومحنه .. يقودونه إلى بر الأمان .. يرسمون لهم مستقبلهم ويحققون لهم أحلامهم .. صبغوهم بالإسلام .. فزادوا شعبهم عزا على عز .. وشدوا من عزيمته فنافسوا الفولاذ في صلابته .. واستنفروهم فاصطفوا خلفهم .. فمن لأمة منهجها الإسلام ويقودها العلماء ورجالها وشبابها يتنافسون على الفداء ..
في هذه اللوحة التي انسجم فيها الحجر مع الشجر .. والنهر مع الجبل .. والراعي مع الرعية .. والطيور والمواشي مع البرية.. ودفئ العواطف مع ألوان الطبيعة .. وقسوة الحياة مع ابتسامة الرضى .. وبريق العين ولمعان السلاح .. وتلاوة القرآن وطبشورة المعلم .. عالم يربي وأجيال تحمل الأمانة .. شدة الرجال مع رقة النساء .. صرخات وضحكات الصغار خلف هرج الدواجن ووثبات الخراف .. صوت الأذان يشق أرجاء السماء .. فيرتد صداه من الجبال ليسكن في القلوب والبيوت المؤمنة .. اصطفاف أقدام المصليين وابتهال أياديهم .. عرق العمل وعبير الورود .. تختلط زغاريد الفرح بروعة الألوان .. ودموع الفراق ورحيل الأحباب .. بهرجة الأعياد وصمت المقابر .. انسجام للفطرة .. انسجام رُسم في لوحة طبيعية ندر وجودها في غير أفغانستان ..
هذا هو المعدن النفيس .. الشعب الأفغاني .. وهذه هي العناصر التي شكلته فلم يركع للغزاة .. ولم يرض أن يعيش إلا تحت سماء يحكمها الإسلام ..
وبهذا الشكل اكتمل للحصن عناصر قوته .. الحصن الذي وفر للشعب الأفغاني الأمن والمأكل والمشرب والملبس والعلم .. وطبيعة الشعب الصلبة أقامت حياته داخل الحصن .. والسؤال هنا .. من يقوى على هذه الأرض؟!. بل من يقدر على هذا الشعب ؟!… وأزيد من يجرؤا على الكلام عليه بسوء؟! ..
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
3 /5
بين فكي الهزيمة
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد
أهل السياسة والفن العسكري كلهم يستشرفون مستقبل أفغانستان برؤية واحدة هي هزيمة القوة العظمى المتبقية وحلفائها .. ومعظم الكتابات الحالية والسيناريوهات المستقبلية تناقش فقط كيفية الخروج من أفغانستان .. هل سيكون شكل الخروج ساتراً لعورتهم وهو ما يسمونه خروج مشرف .. أم أنه سيكون خروجا مخزياً تركع بعده الولايات المتحدة على ركبها إن لم تنبطح على بطنها وتتحلل بعد أن تنحل إلى ولايات أو دويلات صغرى .. التاريخ يقول أن الولايات المتحدة ساندت الاتحاد السوفيتي المنحل للخروج من أفغانستان بشكل مشرف .. وهو ما أسموه وقتها انتزاع النصر من بين فكي الهزيمة .. واليوم الولايات المتحدة الأمريكية بين فكي الهزيمة .. فهل تجد من يدعمها لتنفدْ بجلدها .. أخشى أن يلعب المسلمون من العرب والعجم دوراً كبيراً لإنقاذهم ماليا وماديا ومعنوياً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
في هذا المقال نتكلم عن الحرب الأخيرة وعن النصر القادم .. فهي إن شاء الله – تحقيقا لا تعليقا – الهجوم الكبير الأخير على أفغانستان .. وبنهايته وتحقق النصر فيه لجند الله إن شاء الله ستنقلب الأوضاع لتخرج الجيوش الأفغانية غازية .. كما أنه النصر القادم بإذن الله .. الذي ندرس اليوم عوامله التي توفرت للأفغان ليلحقوا الهزيمة بالأمريكان كما سبق وألحقوها بالإنجليز والسوفيت من قبل .. والعجيب أنها نفس العوامل ولكن هذه المرة مع إضافة هامة ..
وبإيجاز ففي عالم الأسباب تقاس قوة الدول سياسيا بمقدار مساهمتها في دورة الاقتصاد العالمي “القوة الاقتصادية” .. كما تقاس بمقدار ما تملك من قدرات نارية وتقنية حربية تجعلها مرعبة في نظر الآخرين “القوة العسكرية” .. كما تقاس حديثا بما تملكه من تكنولوجيا الكترونية متطورة وصناعات مذهلة تمثل ثورة صناعية جديدة “القوة العلمية” .. كما تقاس بما لديها من أعراف وقوانين وعادات وآثار وتراث تمثل مورثوها الحضاري والذي يتبارى الآخرون بتقليدهم فيه واستيرادهم له “القوة الناعمة” .. وهذا يدفعنا إلى تساؤلات غاية في الأهمية ..
فما الذي تملكه أفغانستان في هذه الأبواب لتحقق به النصر على القوى العظمى؟ .. أو ما هي تلك القوة التي تملكها ولا يملكها غيرها ودائما تنتصر بها؟ .. لعلكم تتعجبون مثلي عن حقيقة ماذا عند الأفغان وليس عند غيرهم؟! ..
عشرة أسباب لثبات الشعب الأفغاني وتحقيقه الانتصارات في حروب طويلة على القوى العظمى :
1- طبيعة الأرض المنيعة :
من أهم العناصر التي تعتمد قوات الشعب عليها لتشن حرب عصابات ناجحة .. الأرض .. ويتعلق بها عدة أمور منها وجود طبيعة جغرافية وعرة لا تسمح بحرية انتقال قوات الجيوش النظامية ..كما توفر زوايا ميتة يصعب على الطائرات إصابتها .. الثاني وجود عمق جغرافي كبير يوفر ويؤمن لوحدات العصابات حرية الحركة والإقامة المؤقتة أو الدائمة بحسب مرحلة الحرب .. كما تساعد على سرعة الحصول على مناطق محررة تمثل قواعد لانطلاق العصابات .. الثالث وفرة المياه الصالحة للشرب والتي لا غنى لوحدات العصابات ودوابهم عنها في كل مراحل الحرب .. الرابع توفر الستر والإخفاء للدروب والمدقات والطرق السرية التي يشقها المجاهدون لتيسير تحركاتهم ونقل إدارياتهم من أسلحة وذخائر ومواد تموينية تشكل مفاجأة تعبوية لقوات العدو لعدم وجودها في الخرائط التي بين يديه .. هذه العناصر وغيرها كثير توفرت في أرض أفغانستان .. وشكلت الخط الدفاعي الأول ضد كل أسلحة العدو الحديثة والتي تشكل العمود الفقري لمذهبه العسكري .. فأخرجتها من الميدان .. فلا قيمة تذكر لطائرات الإف16 أو السي130 أو غيرها من القاذفات الإستراتيجية مثل البي1 أو البي52 .. كذلك الغارات الصاروخية بصواريخ كروز ومن قبلها صواريخ سكود السوفيتية كانت كلها استعراض ناري في الجبال لا أكثر ولا أقل .. أما الجندي الأمريكي فخارج شاشات هوليود لا وجود له على الأرض .. ولا يساوي ما أنفق عليه من أموال في الإعداد والتدريب .. فالأفغان بتدريباتهم المحدودة هم فرسان الجبال بلا منازع .. أما القوات المدرعة من دبابات أو مدرعات خفيفة فأين تذهب في جبال أفغانستان .. إن جبال أفغانستان وأوديتها تمثل بحق أفضل مصيدة لكل أنواع الدبابات والمدرعات .. وعليه تحولت الأرض بسبب وعورتها مع الوقت إلى شريحتين الأولى المدن ومحيطها وهي بيد الأمريكان وحلفائهم .. الثاني المناطق الوعرة وما اقترب منها من القرى وهي بيد المجاهدون وحلفائهم .. هذا التقسيم وفر لأهل الجبل والقرى عنصر المبادءة فقاموا بالإغارة منها على معسكرات الأمريكان وحلفاؤهم في المدن وضواحيها .. الذين بالتالي يخرجون للمطاردة إلا أنهم يتوهون خارج الطرق المعبدة .. ويضيعون في أودية ودروب أفغانستان .. لقد تحول الجيش الأمريكي الذي كان يقصف بيوت المسلمين في بداية الحرب إلى فريسة ينهشها المجاهدون من كل جانب .. تحقق هذا بعد هدأة هجومه الجوي وانحياز حركة طالبان وحلفائها إلى الجبال .. وعاد الأفغان لهوايتهم المفضلة وهي اصطياد الأمريكان داخل وخارج المدن في القواعد وعلى الطرق في الشمال والجنوب والغرب والشرق .. وعلى من يحاول أن يطاردهم أن يجهز كفنه ويودع من يهمهم أمره .. فالقاعدة في أفغانستان “مفقود كل من يطارد الأفغان في أرضهم”
2- تكامل الثروات التي وهبها الله لأرض أفغانستان:
وفرت أرض أفغانستان ومناخها لأهلها كل ما يحتاجون إليه من مواد غذائية أساسية .. وهذا العنصر “احتياجاتهم الغذائية” له معان كثيرة أهمها أن هذا الشعب لا يضره الحصار الاقتصادي .. ولا يمكن تجويعه .. وبالتالي لا يمكن تركيعه أو السيطرة عليه .. فالثروة الغذائية والتحكم بها لإشباع البطون أو تجويعها من أهم الأسلحة لدى الأمريكان .. فالقرار السياسي في مصر مرتبط بشحنات القمح القادم من أمريكا .. وأخوات مصر كثر .. ومن الثروات أيضا التي تحظى بها جبال أفغانستان مناجمها البكر التي تفيض ذهبا وفضة حديداً ونحاساً وليثيوم وزمرد ولاجور وأصناف عديدة من الأحجار النفيسة قدر مخزونها المستقبلي خلال عام 2010 بألف مليار دولار أي تريليون دولار وهو رقم فلكي من عالم الفضاء .. وهو رقم مهول في دورة الاقتصاد العالمي يسيل له لعاب كل جيوش العالم فضلا عن رجال المال .. هذا المصدر مثل لفترات طويلة أحد مصادر الدخل للجهاد في أفغانستان .. ومن الثروات التي توفر للمجاهدين أموالاً طائلة أيضاً الغابات التي تضم أنواعاً ثمينة من الأخشاب تستخدم في صناعة الأثاث الراقي .. ومن خلال تصديرها للخارج توفر مصدر دخل جيد للمجاهدين .. ومن المفيد أن نقول أن المجاهدين لا ينفقون على التدفئة أو على استيراد الوقود لطهي الطعام .. لأن أنواع الخشب الأخرى تستخدم في تدفئة الشعب شتاءاً ووقود دائم لطهي الطعام ..
أفغانستان هي من دول الداخل أي من الدول التي لا تطل على البحار أو المحيطات .. إلا أن موقعها الاستراتيجي بجوار العملاقين “الصين والهند” حول هذا العيب إلى ميزة اقتصادية .. شكلت أفغانستان لكل من الصين والهند البوابة الغربية لمنتجاتهما .. فأفغانستان عبر التاريخ معبر تجاري استراتيجي .. عبرت القوافل التجارية من خلال الطريق الأكثر شهرة عالميا وتاريخيا والذي رويت حوله الأساطير “طريق الحرير” .. عبرت منه تجارة الهند والصين إلى أوروبا وأفريقيا مقابل رسوم تأمين عبورهم .. وإلى يومنا هذا لازال الطريق مفتوح تمر منه العديد من القوافل مقابل رسوم مالية تعين طلاب الشريعة المجاهدين والمشهورين باسم حركة طالبان .. ولكي لا أطيل أكثر فإن هذه المصادر كلها وغيرها وفرت السيولة المالية لتمويل الجهاد ضد الأمريكان .. كما حمتهم من تلاعبات أموال الخارج .. وأراحتهم من خذلان إخوانهم من الدول الإسلامية .. وحررت قراراتهم من أي ضغط أو شبهة ..
3- الطبيعة البشرية لساكني الجبل أو الرعاة أو الفلاحين:
الجبل ركن حصين لمن أراد أن يأوي إليه .. والمتحصن في الجبال لديه حس أمني فطري .. لأن الجبال توفر عنصرين مهمين الأول تحد من مناورة الأعداء والثاني أن ارتفاعها يساعد المدافع في قهر المهاجمين .. فالجبل دائما يمثل الهيئة الطبوغرافية الحاكمة الأهم .. وهو بالتالي ساند إرادتهم القتالية فلم تكسر حتى في أكثر اللحظات ضعف كان يكفيهم أن يصعدوا الجبال ليشتد عودهم من جديد .. وهذا أهم عناصر المقاومة لأن النصر في الحرب يتم باحتلال إرادة الخصم القتالية أي إفقادهم الرغبة في القتال ومن ثم الاستسلام .. ورغم كثرة جرائم الأمريكان وشدة قسوتهم في إهلاك الحرث والنسل .. إلا أن أثار ذلك لم تلاحظ فيما يتعلق بإرادة الأفغان وحلفائهم القتالية ..
القدرة التي وفرها الجبل لساكنيه على قهر الأعداء زادت من عشقهم للحرية .. والحياة في الجبل عمقت الزهد لديهم فلم ينشغلوا بالبحث عن الكماليات .. بعدهم عن الترف والحياة الحديثة أشغلهم بممارسة الألعاب والمهارات الجسدية القتالية خاصة المصارعة الأفغانية والتي تسمى “بهلواني” وهي تمثل أحد أهم الفقرات في مهرجاناتهم وأعيادهم .. وفرت الحياة الأولية التي يحيونها المشاعر الأصيلة من غيرة وحمية على العرض والأرض فُقدت مع المدنية والتطور الصناعي في الغرب .. حياة الرعي وسياسة الماشية علمتهم كيف يعيدون من شرد من مواشيهم إلى القطيع .. ويوفرون لها ما يناسبها من مسكن في الصيف والشتاء .. كما علمتهم كيف يدافعون عن مواشيهم ضد الضواري من الحيوانات ويحرسونها من اللصوص .. ومع الزراعة نما ذكاؤهم الفطري وتعاملوا مع الأرض والزرع بحسب المواسم .. فأحسنوا الاستفادة منها رغم بدائية معداتهم .. وهكذا نمت قدراتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية يوما بعد يوم .. فروضوا ما حولهم وقهروا من بغى عليهم من حيوانات ضارية أو حيوانات ناطقة .. إن شعور الأفغان بالرضا عن أنفسهم أكسبهم ثقة عميقة في قدراتهم المتواضعة فأحسنوا استخدامها .. والأهم الذي يميزهم عن غيرهم من المسلمين .. ردعهم للظلم الداخلي .. فالمسلمون عرباً وعجماً يهبون ضد المحتل الخارجي بقوة مهما تتابعت موجات غزوه .. لكنهم يتوهون للأسف عندما يتسلط عليهم أبناء جلدتهم ..
4- صغر حجم المدن:
جعلها لا تمثل قيمة كبيرة لدى القيادة السياسية أو حتى لدى الأعداء .. يدرك ذلك العسكريين والسياسيين الذين يعيشون في بلاد يتعدى سكان مدنهم الكبرى الخمسة ملايين فما بالكم بمدن تتجاوز العشرين مليونا .. إنها أوراق ضغط جعلناها في يد الأعداء .. أما في أفغانستان فمدنها من حيث الحجم والسكان لا تعدو قرية كبيرة في بعض الدول .. وهي بالتالي لم تشكل تهديداً للقيادة السياسية .. والعجيب أن الملا عمر أمير المؤمنين في أفغانستان لم يهتم أبداً بكابل .. فزهد في الانتقال إليها وكأنه يقول أن العاصمة ممكن أن تكون في أي مكان يقطنه الأمير .. وتصرفه هذا أخرجها من نطاق الأهمية التي تحتلها العواصم .. وساواها بالمدن الكبرى الأخرى .. وبالتالي غير من شكل النصر الكلاسيكي الذي يعتمد على سقوط الدولة والنظام بدخول الجيوش الغازية إلى العاصمة .. إلى ضرورة القضاء على القيادة السياسية وهي مشكلة لا يمكن حلها لوفرة القيادات البديلة .. وهو ما تعاني منه أمريكا أصلاً في صراعها مع القاعدة فكلما اغتالت قائد خلفه أخر .. حتى أصبح الاعتقاد السائد لديهم أن القيادات في القاعدة بعدد الجنود فيها .. أكثر سكان أفغانستان يعيشون في القرى .. وأكثر القرى تقع في أحضان الجبال .. والجبال مأوى المجاهدين .. وبالتالي أصبحت القرى الداعم الرئيسي للمجاهدين ..
صغر حجم المدن حد أيضا من وجود الأهداف فيها .. وكثرة عدد القرى وزع السكان عليها .. فأين نقطة الضعف التي تمثلها المدن أو القرى بدون وجود كثيف للأهداف أو التجمعات السكانية .. فعلى أي شيء سوف يطلق الأمريكان وحلفاؤهم النار .. وما هي الخسائر الأفغانية مادياً مقارنة بما أطلق عليها من قذائف ..
5- عدم وجود أهداف كبيرة أو تجمعات عسكرية ليعمل العدو عليها:
تأكيدا للنقطة السابقة وإجابة على تساؤلاتها .. إن أي هدف يتم ضربه في أفغانستان لا تصل قيمته إلى نصف تكاليف ما أنفق على صاروخ كروز واحد حتى يتم وصوله وإلقاءه على أفغانستان .. أين ثكنات جيش طلاب العلوم الشرعية “حركة طالبان” .. أين معسكرات تنظيم القاعدة .. أين التجمعات السكانية للتنظيم .. أين عناصر طالبان .. كوادرهما .. أفرادهما .. لقد ذاب كل ذلك وانصهر في المجتمع .. ولم يجد أعداء الله في أفغانستان أهداف يتباهون بقصفها أو وحدات عسكرية يزعمون تدميره أو أسرها .. فذهبوا يقبضون على أفراد الشعب ويحولونهم إلى كباش محرقة ليستروا فشلهم ويحجبوا عجزهم أمام شعوبهم .. فأفغانستان لم يكن فيها ما يستدعي حشد تلك القوة .. ولو لا حماقتهم – والحمد لله – لكان يمكنهم علاج الوضع في أفغانستان بطرق أخرى .. لكن الله أراد لهم النهاية فهيأ أسبابها .. ماذا يفعل الأمريكان في أفغانستان .. ما هي الأهداف التي يعملون عليها .. إنهم يمارسون أخلاقياتهم المتدنية على المستضعفين في المدن فيقتلونهم ويأخذون أصابعهم تذكاراً من أفغانستان .. البهائم لا تفعل هذا والضواري لا تنحط إلى هذه الدركة .. فقط الهمجيون هم الذين كانوا يعلقون أوصال أعدائهم في أعناقهم .. هذه هي الحضارة الغربية وهؤلاء هم سفراء أمريكا إلى العالم .. وما فعلوه في العراق يؤكد المعنى ذاته ..
أين المجاهدون إذا وأين قطعهم العسكرية .. هذا درس أخر يتعلمه الأمريكان من ورثة علم وفن حرب العصابات .. لقد تحولوا جميعا إلى كابوس يراه الأمريكي إذا أغلق عينه أو فتحها .. فأيدي الطالبان وحلفاؤهم إليهم واصله وأيدي الأمريكان وحلفائهم لا تصل إليهم .. فكيف تستمر حرب هذا وصفها!! .. وكيف تبقى قوات عسكرية هذا حالها!! .. إنها حرب محكوم عليها بالفشل .. وقوات محكوم عليه بالهزيمة والفرار ..
6- الحليف:
من الصعب أن تنشأ حرب عصابات دون وجود حليف في الجوار يوفر للعصابات قواعد تسمح لقيادة العصابات بممارسة نشاطهم السياسي وتوفر لهم الأمن .. كذلك يقدم للعصابات إمكانيات عسكرية عملياتية وتدريبية ورعاية طبية لجرحاهم .. كما يقدم خدمات الإيواء لأسرهم وما يستلزم وجودهم .. كما يقدم الدعم المالي والمعنوي .. إلى آخره مما هو معلوم في هذا الفن .. والحليف يقدم هذه الخدمات مقابل حصوله على امتيازات حالية ومستقبلية .. ومهما كان الأساس الذي نشأ عليه الحلف فهناك لحظة طلاق قادمة لا محالة لاعتبارات كثيرة ليس هنا مجال سردها .. ولكن وفق هذا التمهيد هناك سؤال يطرح نفسه .. من هو حليف حركة طالبان الذي يرعاهم .. في الحلقة الأولى من هذه المقالات أكدنا أن حركة طالبان لم يكن لها حليف دولي تتقاطع مصالحه معها أو راغب في دعمها والعالم الحر بزعيمته ضدهم .. وجود هذا الحليف محال .. إلا أن الحركة وجدت لها شركاء .. وهما على شكلين الأول أهلهم أي الشعب الأفغاني بكافة شرائحه .. فحركة طالبان هم أبناء الشعب الذين قدموا لأهلهم العديد من الخدمات خلال فترة حكمهم ووفروا لأهل أفغانستان ثلاث خدمات أساسية استشعرها الشعب واطمأن لهم .. الأولى هي إنهاء ما كان يسمى بالأحزاب السبعة الأفغانية التي فرقت وحدة الشعب الأفغاني .. بهده الخطوة أعادت الحركة اللحمة إلى أهل البلد ووحدت صفهم خلف راية واحدة .. ثم إن حركة طالبان قطعت دابر قطاع طرق من كمدانات الجهاد ضد الروس الذين تزعموا مجموعات إجرامية لا هم لهم إلا سرقة واغتصاب مقدرات الناس .. والأمر الثالث أنهم عملوا على تطبيق الشريعة الإسلامية من أول يوم وطأت أقدامهم فيها أي مدينة .. وعليه فقد أقاموا العدل بين الناس ووفروا لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم ووحدوهم تحت راية واحدة .. فهل يقبل عاقل بغيرهم .. لقد وفر الشعب الأفغاني لحركة طالبان كل ما يتمنونه من أي حليف .. فقد دعموهم بالأموال كل حسب استطاعته .. وفروا لهم المأوى .. الرعاية الطبية .. الأرض الآمنة .. كفالة أولادهم .. السلاح .. الذخائر .. المساندة العسكرية .. قدم الشعب كل ذلك على أساس أنهم شركاء مصير واحد لا حليف له مصالحه الشخصية ..
أما الشريك الثاني لحركة طالبان فتمثل في تنظيم القاعدة ومحبيه .. سواء الذين بقوا على أرضها أو النزاع من القبائل من أبناء الأمة الذين قدموا بأنفسهم وأموالهم لدعم إخوانهم في الإسلام .. لم يكن هناك أي حلف أخر من كافة دول العالم سواء كانت وثنيه أو مسيحية ..حتى أبناء ملتهم الإسلامية بكافة مذاهبهم السنية والشيعية خذلوهم ماديا ومعنويا .. بل تآمروا عليهم وقدموا المعلومات الاستخباراتية والقواعد العسكرية لأعداء الإسلام ضد إخوة العقيدة ..
إن الانتصارات التي تحققها حركة طالبان وشركاؤها تحققت تحت راية خالصة من أول إطلاقه وإن شاء الله حتى النصر التام .. إنني أزعم أن حركة طالبان قدمت نموذج هو حجة على العالم الإسلامي كله ممن ادعى الضعف والهوان ورسم في عقله خطوط حمراء وأخرى سوداء .. قدمت هذا النموذج في أول يوم حكمت فيه أفغانستان وطبقت فيها شريعة الله وعادت وأكدت ذلك عندما أطلقت رصاصاتها على أعتى وأفجر قوة عرفها التاريخ ..
7- القدرات العسكرية الأفغانية .. السلاح
يعمل القادة العسكريون على دراسة خصومهم دراسة مستفيضة .. فيتعرفون على كل تشكيلاتهم العسكرية ومذهبهم وتسليحهم ومخزونهم الاستراتيجي وأسلحتهم الخفيفة والثقيلة .. ومدرعاتهم .. وأجهزة اللاسلكي قريبة وبعيدة المدى .. ومجموعاتهم الخاصة .. وتكتيكاتهم وطبيعة أرضهم .. وملابسهم وملاءمتها لفصول السنة .. وأنواع الأطعمة المتوفرة .. والتغذية القتالية المحمولة مع الجندي و…الخ .. ثم يقارنوها بما لديهم .. وما يجب أن يستكملوه لتحقيق تجهيز كافي للمعركة وخلف ذلك أجهزة دعاية إعلامية وخدمات معنوية وخبرات سياسية و…الخ .. وكل ما تصل له أيديهم لتحقيق النصر .. هذا ما فعله الأمريكان .. فماذا وجدوا عند حركة طالبان ؟!! ..
أما الذي وجدوه كان كالأتي بنادق أسلحة رشاشة مؤلفة من “الكلاشنكوف والبيكا” وقاذف صاروخي مضاد للدروع “الأر بي جي” ومدافع غير مباشرة “هاون عيار 82 مم” ومدفع “عديم الارتداد يمكن حمله على الكتف عيار 82مم” .. وماذا أيضاً وجدوا المجاهد الأفغاني وأخيه المهاجر من تنظيم القاعدة ومحبيه .. هذا هو كل ما يملكه المجاهدون ..
أما لباسهم فهو الزي الأفغاني الذي ترونه على شاشات الفضائيات .. وطعامهم الخبز والبطاطس وفاكهتم التوت .. وشرابهم الشاي الأخضر من مياه أودية أفغانستان .. أما مخزونهم من كل شيء هو ما يغنموه من أعدائهم ..
والآن ما هو الأساس الذي يمكنني وضعه لتصميم معادلة أقارن بها بين القوتين المهاجمة والمدافعة؟!! .. لا أجد .. ما هي مدخلات كل طرف .. وما هي نتيجة المعادلة ..
لا أستطيع وضع أكبر سلاح مع المجاهدين مقابل أكبر سلاح مع العدو .. هل نضع الهاون82مم في طرف والطائرة البي52 في طرف .. النتيجة أن هذه الحرب خارج الحسابات المألوفة والمعمول بها وعلينا أن نواجه السؤال التالي .. ماذا صنعت حركة طالبان؟!! ..
أولاً جلسوا للتشاور فبدؤوا جلستهم بذكر الله والدعاء بالتوفيق .. ثم تدارسوا أمرهم وأخذوا قرار القتال وفق خبرتهم وتجربتهم العميقة .. ثم دعوا الله وقالوا لفظاً “توكل بخدا” .. وهي عادة الأفغان يعرفها كل من عاشرهم فهم لا يقومون من مجلس حتى يتلفظون “توكلنا على الله” .. بهذا الهدوء!! .. نعم بهذا الهدوء .. ومتى أنجح الانفعال عمل؟!.
وقبل أن أترك هذه النقطة أحب أن أخمن بعض ما قيل في جلسة التشاور – حسبما أظن فيهم وأعرفه عنهم – كان من أهم ما قيل .. اتركوا الأمريكان يدخلون وأرخ الحبل لهم حتى تهدأ عاصفتهم .. وما أن يهبطوا من الجو ويسكنوا المدن والقواعد العسكرية ويحتلوا المطارات .. عندها سوف تهدأ فورتهم وينتهي حذرهم هن تبدأ نوبتنا .. يجب أن ندعهم يتورطون يوما بعد يوم .. يجب أن نعمق تورطهم .. يجب أن تكون إستراتيجيتنا هي “تحويل أفغانستان إلى متاهة مليئة بالألغام يصعب على الدولة العظمى وحلفائها الخروج منها دونما عاهات .. يجب أن نوفر لهم المناخ الذي يجعلهم يهزمون أنفسهم بأنفسهم ويستنزفون أنفسهم بأنفسهم” .. هذه الحماقة نهايتها نهاية دولة ظنت أنها من الممكن أن تكون إمبراطورية .. وقوتهم الناعمة تعتمد الإباحية شعاراً لها تحت مسمى الحرية .. وهذا الشعار لن يجد له بيئة في أي أرض إسلامية وخاصة في أفغانستان .. انتهى بعض ما قيل في جلسة التشاور ..
ثانياً طبقوا قاعدة إنسانية مفادها “أن تعرف ماذا تملك وأن تستخدم ما تملك أفضل استخدام ممكن” .. قدمت حركة طالبان مستوى راق في العمل العسكري والسياسي وحسن إدارة للإمكانيات الاقتصادية المتوفرة .. أذلت بها الطيران الأمريكي .. والدبابات الأمريكية .. والهمر الأمريكي .. والتكنولوجيا الأمريكية .. والقيادات السياسية والعسكرية الأمريكية .. ومرغت الاقتصاد الأمريكي في الوحل .. وكل ما هو أمريكي وكل ما جاء ومن جاء معهم ..
قدمت حركة طالبان بشكل خاص والمجاهد الأفغاني بشكل عام وحرب أفغانستان للأكاديميات العسكرية مادة خصبة إن لم تكن تدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية اليوم .. فغدا تدرس .. ويحضرني هنا قصة لها مغزى مهم .. جلس راكب أمريكي بجوار مسافر أفغاني في إحدى الطائرات .. وعندما علم الأمريكي بهوية جاره قام وقال له “إنني أحني رأسي للرجل الذي لم يحني رأسه لأحد في العالم” .. هذا هو المجاهد الأفغاني المسلم .. بل هذا هو السلاح الأفغاني المنتصر ..
8- الدين .. العلماء .. المذهب .. القبيلة
الإسلام يصنع الرجال .. لقد فهم الأفغان الإسلام وفق طبيعتهم القريبة من الفطرة .. والتي لم تلوثها إملاءات الهوان الذي يعيشه إخوانهم في الدويلات العربية والإسلامية .. وهنا أنقل ما قاله المولوي إحسان الله رحمه الله في حوار مع السفير السعودي لنعرف ماذا قدم الإسلام للأفغان وكيف فهم الأفغان الإسلام .. ذهب السفير السعودي إلى الشيخ الفاضل وهدده بما يمكن أن تفعله أمريكا بحركة طالبان .. فقال الشيخ لقد علمني الإسلام أن هناك أفعال لا تصرف لغير الله تعالى فهو سبحانه يعز ويذل وهو سبحانه يرفع ويضع .. ولا يمكن لأحد أن يفعل ذلك غير الله .. ولتفعل أمريكا ما تريد .. هكذا فهموا الإسلام ..وهكذا قادهم الإسلام .. وهكذا طبقوا ما أملته عليهم عقيدتهم ..
العلماء صناع التاريخ .. لقد ضرب علماء أفغانستان المثل الأروع للعالم المسلم في هذا الزمان .. فلم يكتفوا بالتوجيه والإفتاء بل نافسوا الشباب في ساحات الفداء .. وظل رمزهم الأكبر الشيخ يونس خالص ممتطياً صهوة جواد الجهاد حتى توفاه الله رغم أنه تجاوز التسعين .. أما الشيخ إحسان الله فقد قتل مع طلبته في مزار شريف .. وقصص طلبة العلم الذين عشقوا الشهادة تذخر بها مجلة الصمود .. فليرجع إليها من شاء .. والشاهد أن الإسلام قول وعمل .. وعلماء أفغانستان قالوا وعملوا .. أما باقي الدول العربية والإسلامية فإننا نبكي على العلماء .. فأحدهم حسب قوله أخذته الحمية فدعا على أمريكا بالهزيمة لأنه يتمنى أن يرى المسلمين منتصرين عليها مرة واحدة .. ولا أحب أن اذكر أي هزيمة تلك التي كان يدعوا بها عليهم .. وللأسف فقد فاته وفات غيره أن المجاهدين في أفغانستان يصبحون بفضل الله ويمسون منتصرين على الأمريكيين .. لا يكتفون بالعرق فقط بل يبذلون في سبيل ذلك دمائهم .. ورحم الله ابن المبارك وقصيدته الرائعة “يا عابد الحرمين” ..
كل ما أتمناه اليوم من علماء العرب والعجم أن يربطوا أنفسهم ولو ليوم واحد مع الأفغان في جهادهم .. وأنا أقسم بالله أنهم سيستشعرون حلاوة النصر .. ويستعذبون طعم الجهاد .. ويتوجهون بالدعاء لإخوانهم الذين يبذلون ما يجدون من مال ويهلكون أنفسهم ابتغاء مرضات الله .. ولرفعة وعزة المسلمين في كل مكان ..
الشعب الأفغاني يعبد الله على المذهب الحنفي .. وأنا هنا لا أقارن بين المذاهب .. ولكني ألمح أن وحدة المذهب وحدت صفهم وأبعدتهم عن خلافات هم في غنى عنها .. وبالتالي فرغتهم لعدوهم ..
القبيلة .. كانت القبيلة في أفغانستان بمثابة المؤخرات الإدارية في الجيوش .. منها يتم استكمال كل نقص ويتم دعم المقدمة وعلاج الجرحى ودفن الموتى .. كما تقدم المأوى والمطعم والملبس لأسر الشهداء .. ومن خلال القبيلة تعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في إطار من التكافل حث عليه الإسلام وذلك لأفرادها وخاصة من تفرغهم للجهاد .. والقبيلة هي المخزون الاستراتيجي لكل ما يحتاجه الجهاد بدأ من الإبرة وانتهاء بالإنسان .. ومن أهم العناصر التي تقدمها القبيلة للمجاهدين الأمن .. فهي تؤمن أفرادها المجاهدين وقانون القبيلة لا يتسامح مع أي واش من داخل القبيلة أو خارجها .. وبالتالي شكلت القبيلة في باب الأمن خط دفاعي يصعب اختراقه وفر الحماية للمجاهدين ..
9- استقلالية الشعب وتفرده في قراره السياسي:
الأسباب السابقة وغيرها كثير أثمرت هذا البند .. هذا الشعب يمتلك ويعتز بالموروثات الحضارية التي يستقيها من الإسلام ومن عرفه وتقاليده وعاداته .. هذا الشعب المسلم الفقير يمتلك ما يفقده غيره من المسلمين .. يمتلك استقلاليته الكاملة عن كل ما يحيط به فيما إذا واجه أزمة كبيرة تستدعي اعتماده على مقدراته .. وقد تولدت هذه الاستقلالية من خلال المتطلبات المتواضعة – في نظرنا – للشعب .. فإنفاق الشعب الاقتصادي ينصب فعلا على ما يريده الشعب واحتياجاته الأساسية لا على ما يزيد من رفاهيته .. وهذه الاحتياجات الأساسية ينتجها كلها المجتمع الأفغاني .. أو متوفرة في أرضه وجباله .. شعب مستقل في طعامه وشرابه ولباسه .. ليس بحاجة لمد يد السؤال لأحد فلا بد أن يكون مستقلا في قراره .. أهم متطلباته أن يحكم بالإسلام وما دونها فيمكن الصبر عليه .. كما أنه ليس طامعا في أن يزيد من رفاهيته على حساب كرامته واستقلاليته .. إنها الحرية في أوجها وأسمى أشكالها .. يعيشون كما يحبون ويأكلون ما يشتهون ويلبسون ما يخيطون ويفعلون ما يرغبون في داخل الإطار الذي رسمه الإسلام .. نعم هذه هي الحرية الحقيقية التي تحترم فيها حرية الآخرين .. الحرية التي يُحلقون بها في سماء الكرامة دونما تعدي أو كشف لعورات جيرانهم .. حرية يسيرون فيها وفق عقيدة ربانية .. وليست الحرية الأمريكية الماجنة والغاشمة .. التي يسيرون فيها وفق ما تعلموه من عالم الحيوان .. والعجيب أن الأمريكان يتبجحون بأننا نريد أن ندمر حريتهم .. أي حرية!! ..
فهل هناك شعب مسلم عربي أو أعجمي أخر لديه هذه الاستقلالية .. الشعب الأفغاني بقناعته وزهده حجة على كل أصحاب القرار في العالم الإسلامي الذين أنفقوا ثروات المسلمين فيما لا طائل منه .. والذين أراقوا ماء وجوههم في استجداء الغرب لسد رمق شعوبهم .. والذين يهرولون لإشباع نزواتهم ..
وعلى الرغم من أننا نرى تواضع طموحات الشعب الأفغاني .. إلا أننا نحسدهم على السعادة الفطرية النقية التي يعشونها .. سألت واحداً من الشباب الأفغان لم يكن من حركة طالبان .. فقلت له ما هو الشيء الذي ترغب فيه أكثر من غيره ويستحوذ على اهتمامك .. قال: “الحج هو الغنيمة الكبرى” ..
10- العدو بين عهدين أحمق متغطرس وممثل فاشل:
مهما كانت القوة النارية المهولة التي قدمت بها الولايات المتحدة وحلفاءها إلى أفغانستان فإننا نعرف أن مصيرها إلى مصانع الحديد والصلب في باكستان .. والمستفيد منها ماليا الأفغان فبقيمة الخردة والشظايا المتبقية من مقذوفاتهم سيعيد الأفغان بناء ما دمرته .. ومهما خيلت أحلام اليقظة للأمريكيين وحلفائهم إمكانية تحقيق نصر سريع إلا أنهم وحتى هذه اللحظة لم يفيقوا من كابوس رهيب .. وسبق أن ذكرت أن تكاليف أي عملية عسكرية أو إغارة جوية هي أضخم ماليا من أي هدف عسكري أو أهلي في أفغانستان .. اللهم إلا الأفغان وحلفاؤهم فقط فإنهم لا يقدرون بثمن ..
لقد تحير الإسكندر من الأفغان فتركهم .. وهلك الإنجليز فيها ولم يعاودوا الكرة .. أما الاتحاد السوفيتي المنحل الذي قال عنه هتلر بعد أن فشل في دخول موسكو “إن روسيا دولة يحميها كبر مساحتها” وعدل عن غزوهم .. فروسيا هذه خرجت من أفغانستان ولسان حالها يقول أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات .. هذا الدرس لم يفهمه الأمريكان فالرئيس سيئ الذكر بوش الأحمق وحزبه الجمهوري ورطا بلدهما فيها .. وأوباما الغر نجم هوليود الجديد وحزبه الديمقراطي جعل الحرب في أفغانستان همه الأول .. واليوم وما أدراك ما اليوم يجتمع حلف النيتو في لشبونة ليقرر الاستسلام ويعلنوا الهزيمة قائلين: ” لا يمكن تحقيق نصر كامل على حركة طالبان وحليفها تنظيم القاعدة في أفغانستان ” .. النهاية
خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان يوم أن كان الدعم يأتي للمجاهدين من أموال المسلمين التابعين للولايات المتحدة .. فتحكم هؤلاء في نهاية الجهاد وانتشلوا السوفيت من بين فكي الهزيمة .. أما اليوم والوضع الاقتصادي والسياسي العالمي كله متداعي ومركبه تتقاذفه الأمواج .. ويصعب أن نتوقع على أي شاطئ أرض يمكنه أن يرسو .. ومن نعم الله أن طوق النجاة حتى هذه اللحظة مفقود .. فهل عرف الأمريكان الآن أي ورطة أقحموا فلزات أكبادهم فيها .. وأي محيط أغرقوا أساطيلهم في قعره .. فأي باب اليوم يمكن أن يفتحوه لينشلهم من بين فكي الهزيمة ..
دعوة لتنقية الجينات:
أيها الشباب المهاجر تزوجوا من أفغانستان وزوجوا الأفغان لعل أبنائكم وأحفادكم يرثون جيناتهم .. أيها الأفغان زوجوا المهاجرين حتى تنتقل جيناتكم الحرة إلى مجتمعاتهم .. أيها الشباب اختاروا المرأة التي ترغبون أن تكون أما لأطفالكم .. وانتقوا لأطفالكم أخوال يفاخرون بهم أبد الدهر .. إنها دعوة للانصهار والمصاهرة مع الأفغان لعل أجيالنا القادمة ترث منهم غيرتهم على الدين والأرض والعرض ..
الرجال معادن ومعدن الأفغان أنفسها .. هل عرفتم من أين وكيف جاء هؤلاء الرجال الأفذاذ في هذا الزمان .. إنهم ولا فخر رهبان الليل .. فرسان النهار .. ملوك الدار الآخرة .. عقمت أرحام الدنيا أن تنجب مثلهم ..
خاتمة:
الحرب سلسلة من المعارك .. لكل معركة ميدانها .. ولكل ميدان ما يناسبه .. وما أسلفت من أسباب يمثل خصوصية الجهاد في أفغانستان .. وتبقى كلمة أختم بها هذه السلسلة .. قد يظن البعض أن ما أسلفت من عناصر هي التي تحقق النصر في الحرب .. لا .. إنها العناصر التي يجب أن يُؤخذ بها في عالم الأسباب لدعم وإعداد الميدان للحرب .. أمرنا الله بها في كثير من آيات القران الكريم صراحة وضمنا .. ومن أبلغ ما نبهنا عليه سبحانه وتعالى في هذا الباب .. باب عالم الأسباب خبر الصديقة مريم عليها وعلى ابنها السلام في أشد لحظات ما تكون المرأة فيها ضعيفة .. اللحظة التي تكون المرأة فيها بأمس الحاجة لمن يمد لها يد العون .. وفي لحظة ما بعد الولادة قال لها سبحانه { وهزي إليك …}.. جاء أمر الله ليقتل التواكل في قلوب العباد .. ثم جاء المدد الإلهي بعد هذه الهزة البسيطة لجذع النخلة الخالي من كل أمل .. بأطيب الثمر .. فعلى من قرأ أن يفهم مقتضى حكمة الله في هذه القصة المعبرة .. فالأمة يجب أن تعرف نفسها وتعرف في أي مرحلة هي .. فالأمة في حال الضعف ينصرها الله بأقل عدد من الأسباب .. أما في حال القوة فعلى الأمة أن تأخذ بما تصل إليه يدها من أسباب .. ليأتي المدد الإلهي بالثمرة .. النصر .. لأن النصر أولاً وأخراً من عند الله قال تعالى { وما النصر إلا من عند الله ..
بقلم :
عابر سبيل (أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة)
المصدر :
موقع مافا السياسي – أدب المطاريد