نهاية العالم فى مضيق هرمز ( 1 من 4 )
نهاية العالم فى مضيق هرمز
( 1 من 4 )
إيقاع سريع للحرب النووية
تقول تطورات منطقة الشرق الأوسط أن أمريكا تدفع إلى ماهو أكثر من الوقوف على “حافة الهاوية” ، وبالتدريج يظهر أن خيار الحرب هو الأرجح مع إيران .
وكالعادة لا تريد الولايات المتحدة أن تظهر بصورتها الحقيقية كمشعل للحرب , لذا تدفع ضحاياها إلى إطلاق الرصاصة الأولى , ثم تتولى هى خوض غمار حرب معروفة النتائج سالفاً ، مع مرعاة أن تكون الطلقة الأخيرة أمريكية الصنع تبدأ بعدها صفحة جديدة من السلام يحقق المصالح الأمريكية فقط مع بعض قشور تنالها الضحية فى مجالات وهمية مثل الديمقراطيه والتنمية وحقوق الإنسان . ثم تدخل الشركات الأمريكية فى سباق محموم وعملية سرقات كبرى تسمى إعادة الإعمار .
فمن المعروف أن مشكلة أمريكا الحقيقية مع إيران هى إسرائيل وليس البرنامج النووى الإيراني الموضع تحت مراقبة دولية مشددة هى الأكثر صرامة لأى برنامج مماثل . فلو قبلت طهران بعودة السفارة الإسرائيلية لتقبلت منها الولايات المتحدة تصنيع أسلحة نووية كما تسامحت فى ذلك مع باكستان ، طالما أن ذلك التطور موضوع فى خدمة المصالح الأمريكية وعلى أرضية التطبيع مع إسرائيل .
الحرب أو الإستسلام
تضع الولايات المتحدة ضحيتها بين خيارين لا ثالث لهما : فإما الإستسلام الكامل غير المشروط وإما مقاومة يائسة تصل إلى نفس النتيجة .
البعض يفضل الخيار الأول كونه الأسهل ، بينما يلجأ آخرون إلى الخيار الثانى .
أبرز الأمثلة كان فى الحرب العالمية الثانية عندما قرر التحالف العسكرى الصناعى داخل الولايات المتحدة خوض غمار الحرب العالمية الثانية على المسرح الأوروبى , وهو ما كان يتعارض تماماً مع رغبة الشعب الأمريكى وتعهدات الرئيس روزفلت التى كانت جزءاً من شرعية إنتخابه لذلك المنصب .
الحل العبقرى كان إستدراج اليابان نحو توجيه ضربة عسكرية للولايات المتحدة فتكون تلك هى طلقة البداية لدخول أمريكا إلى أتون الحرب على المسرح الأوروبى والمسرح الأسيوى فى آن واحد.
حسب المحللين الإقتصاديين كان ذلك هو الحل الحقيقى للخروج من الركود الإقتصادى الذى ضرب الإقتصاد الأمريكى والدولى منذ بداية الثلاثينات .
والآن يتكرر المشهد بأزمة إقتصادية لا يبدو أى إمكان لحلها ، فأمريكا وأوروبا مهددتان بسقوط إقتصادى ستعقبه بلا شك تداعيات دراماتيكية على مكانتهما الدولية بل على الدور الحضارى الأوروبى الذى سيطر قهراً على العالم لعدة قرون .
تعيد أمريكا تكرار السيناريو اليابانى من أجل دفع إيران إلى إطلاق الرصاصة الأولى فى الحرب القادمة فى الشرق الأوسط والتى قد تبدأ فوق مياه الخليج (العربى إسما الأمريكى واقعاً وفعلاً).
الحصار الإقتصادى والمقاطعة دفعا اليابان إلى شن الحرب على الولايات المتحدة فأرسلت حاملات الطائرات لتوجيه ضربة مباغتة إلى حاملات الطائرات الأمريكية الراسية فى ميناء بيرل هابر فى المحيط الهادى .
والنفط كان السبب المباشر لدخول اليابان إلى الحرب ، حين إقتربت العقوبات الأمريكية منه ومنعت مشتقاته من الوصول إلى اليابان. والنفط سيكون السبب المباشر لدخول إيران إلى الحرب إذا قررت أمريكا حظر التعامل الدولى مع النفط الإيرانى ، بما يهدد تلك الدولة بالإفلاس الإقتصادى .
بوضوح تام هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا فرض الحظر على تصدير نفطها ، بما يعنى إعلان حرب لن تتمكن إيران من حسمها ولن تتمكن أمريكا أيضاً. والأرجح إن يكون (الخيار شمشون) هو من يفرض نفسه على الجميع كى تتهدم كامل المنطقة على رأس من فيها من مؤمنين ومغامرين وسماسرة ومرابين .
طلقات اليابان الأولى فى بيرل هاربر خدمت النظام الأمريكى عندما أقنعت الشعب والكونجرس أن إعلان الحرب على اليابان ودخول الحرب العالمية الثانية بكامل الطاقة الأمريكية هو ضرورة دفاعية حفاظاً على الأمن القومى الأمريكى .
وطلقة إيران المرتقبة فى مضيق هرمز والخليج العربى ستقوم بنفس الدور داخل الولايات المتحدة , بل وعلى نطاق العالم ، طالما أن ذلك المضيق يحمل معظم إمدادات النفط التى تدير عجلة الإقتصاد العالمى .
وبمعنى آخر فإن الإعلام العالمى وحكومات الدنيا سوف تتخندق – كالمعتاد- خلف الولايات المتحدة وتقذف بالزهور قواتها الضاربة فى إيران, وتصفق للمنتصر الأمريكى الذى فتح مضيق هرمز عنوة وأسقط نظاما توالت عمليات شيطنتة لثلاث عقود متتابعة .
ولكن الأرجح أن الأمور لن تكون بهذه السهولة , وقد يتحول المشهد إلى “الخيار شمشون” الذى قد يهدم المعبد الدولى بأكملة ويكون مدخلاً حقيقياً لمعركة “هرمجدون” التى يسعى إليها الصهاينة ومعهم اليمين الأمريكى المتطرف ، والتى تنبأ الرئيس الأمريكى السابق رونالد ريجان خلال فترة حكمة أن ذلك الجيل سوف يعاصرها .
للتذكرة فإن معركة “هرمجدون” تلك وحسب الروايات الصهيونية سوف تقضى على ثلثى البشرية فى صراع ينتصر فيه الخير “الصهاينة” على قوى الشر “باقى البشرية” وتكون مقدمة لظهور مسيح بنى إسرائيل الذى يحكم العالم .
تقع المأساة إذا أفلت الزمام من اليد الأمريكية ، وبدلاً من الوقوف على حافة الهاوية (سياسة وزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس فى مواجهة السوفييت) فقد يسقط اللاعب الأمريكى جاذباَ خلفه العالم كله إلى قاع الهاوية .
الأمريكى القبيح ومنذ البداية قد يتوجه مباشرة صوب الهاوية بالفعل ، فتبدأ الأزمة عالمية ولا تقتصر على حرب محدودة ضد خصم ضعيف لا يمتلك مقومات الدفاع عن نفسه , كما حدث منذ سنوات قليلة فى العراق وقبلها أفغانستان .
الإفتتاح بالنووى
لن تقتصر الحرب القادمة ، فى حال وقوعها ، على إستخدام السلاح التقليدى وكسب الحرب بالقصف الجوى حتى ولو كان بالقذائف الموجهة المحشوة باليورانيوم المنضب أو المخصب ، أو قنابل الأطنان العشرة . كل ذلك لن يكون كافياً بل هو مرفوض إسرائيلياً لأنه سوف يعرضها لشلال من الصواريخ (أرض أرض) سواء المنطلقة من إيران أو تلك القادمة من الجنوب اللبنانى حيث حزب الله الذى تدفعه دفعاً أحداث المنطقة / خاصة فى سوريا وإيران/ نحو الحرب مع إسرائيل حتى ولو كانت حربا بشرائط “الخيار شمشون” ، لأن إنهيار النظام فى هذين البلدين سواء بالحصار والقوة الناعمة , أو بالثورات الشعبية المخملى منها أو الشوكى ، سيكون معناه نهاية حزب الله ، والتى بحكم المناخ السياسى فى المنطقة وتنامى قدرة القوى الطائفية على التاثير ، ستكون نهاية غير ناعمة ولا مخملية . ولإعتبارات جيوستراتيجية فإن حزب الله وليس إيران أو سوريا هو الخطر الداهم على إسرائيل. وما يحمله الحزب من قدارات عسكرية وأيديولوجية ، يشكل خطرا وجودياً على إسرائيل ، وعلى هذا تدل تهديدات الأمين العام للحزب “حسن نصر الله” التى إكتسبت مصداقية عالية حتى داخل إسرائيل نفسها .
أن تكون معركة “هرمجدون” القادمة حاسمة وخاطفة هو مطلب إسرائيلى لا تملك الولايات المتحدة له نقضاً ولا رداً. وبالتالى فمن الأرجح أن تكون المواجهة من لحظاتها الأولى نووية . فمن من أطراف الصراع يمتلك وسائل الحرب النووية ؟؟ .
ــ بالطبع الولايات المتحدة تمتلك أكبر مخزن نووى على سطح الأرض ، وهو كاف لتدمير العالم مرات عديدة ( 12000 سلاح نووى جاهز للإطلاق ) .
ــ وإسرائيل لديها بالتأكيد ما بين 200 – 400 رأس نووى .
ــ ومن حلفاء أمريكا الناشطين فى إشعال الحروب ، أو مجرد الوقوف على حافتها ، هناك بريطانيا وفرنسا تمتلكان السلاح النووى .
ــ أما إيران فإنها لم تصل بعد إلى مرحلة تصنيع ذلك السلاح ، ومازالت فى حاجة إلى عدد من السنين للإرتقاء بمستوى تخصيب اليورانيوم إلى النسبة المطلوبة وهى (98%) حيث لا تتعدى الآن 20% فقط . ولكن ذلك لا ينفى بشكل قطعى أن يكون لدى إيران سلاح نووى حصلت عليه من باكستان أو من السوق النووية السوداء خاصة تلك التى أعقبت إنهيار الإتحاد السوفيتى وإستمرت لخمس سنوات او يزيد .
ــ ويعتقد أن هناك دولة عربية خليجية واحدة على الأقل تمتلك سلاحاً نووياُ من مصدر باكستانى فى الغالب .
وربما يتوافق مع المزاج الأمريكى / الإسرائيلى أن يطلق “السلاح النووى العربى” طلقة الإفتتاح لمعركة هرمجدون , فهذا يؤكد توطين الحرب الطائفية فى العالم الإسلامى وينشرها على أوسع نطاق . فمن الأفضل أمريكييا وإسرائيليا أن يكون “الحوارالإسلامى الطائفى” نووياً / وليس إعلاميا فقط / حتى تضمن ديمومته إلى قيام الساعة ، ويستحيل محو آثاره النفسية .. والفقهية !! .
سيناريو أن تبدأ حرب نووية بين الجيران فى الخليج يفيد فى تصوير التدخل النووى الأمريكى الإسرائيلى بصورة أخلاقية وحضارية ، من أجل السيطرة على صراع نووى بدأه العرب الذين لا يفقهون فلسفة الردع النووى ، كما قال ذلك (بن جوريون) الذى سوف تكسب مقولته هذه مصداقية عملية كانت تفتقدها على الدوام .
وكما تبجحت أمريكا بعد تدميرها هيروشيما وناجازاكى نووياً ، وقالت بأن ذلك كان ضرورياً لإنهاء الحرب بسرعة وبالتالى أنقذ آلاف الأرواح من الجنود الأمريكيين ، هذا التبجح سيكون قابلا للتكرار مرة أخرى فى حالة هرمجدون نووية على ضفاف مضيق هرمز .
وكما لم تعتذر أمريكا عند تدمير المدينتين اليابانيتين , فلا ينتظر أحد منها أن تعتذر عن تدمير البنية التحتية لإيران , ليس للبرنامج النووى فقط بل لإجمالى الصناعة والإقتصاد ماعدا القطاع النفطى الذى هو الجائزة التى تسعى إليها الولايات المتحدة , فتكتمل لها بذلك سيطرة كاملة على نفط الخليج والشرق الأوسط كله . وكالعادة دوماً لا يكتسب النفوذ الأمريكى موطئ قدم عسكرى أو سياسى أو إقتصادى إلا وكان النفوذ الإسرائيلى مرافقا له وعلى نفس الدرجة أو أشد , سواء فى العلن أوبعيداً عن الأضواء ولكن عميقاً متدفقاً فى ثنايا واقع منكوب .
حرب نووية خاطفة
من مزايا الضربة النووية أنها ستجعل مدة الحرب قصيرة وتقلل الزمن الذى يمكن أن تتعرض خلاله إسرائيل لضربات إنتقامية سواء من إيران أو من حزب الله . لذا فمن الأرجح أيضا يتم تأديب الجنوب اللبنانى نووياً بقدرات تكتيكية حتى لا يتأثر شمال إسرائيل .
من غير الممكن التحكم فى تطورات الفوضى المصاحبة لحرب مهولة كهذه ، لذا فإن مصير إسرائيل سيكون عرضه لخطر جسيم . فلا شئ يضمن أن تكون الفوضى عملا خلاقا على الدوام . خاصة إذا كانت على حدود إسرائيل ومن أعداء لديهم أسباب جدية للعداء معها . كما أن أسلحة الدمار الشامل لا تقتصر فقط على السلاح النووى . وإمكانية إيقاع إذى بليغ جداَ بالخصم لم تعد (ميزة) مقصورة على فائقى الثراء ولا على محتكرى التكنولوجيات الراقية .
بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world