تصر الولايات المتحدة على أن لا تكون القوة الوحيدة التي تغرق في طوفان الجهاد الأفغاني والغضب الشعبي العارم الذي أوشك أن يبتلع جيوش الإحتلال جميعا ومعهم نظام كرازاى الفاسد.
تحاول الإدارة الأمريكية عبر برنامج الحرب النفسية واسع النطاق والذي تشكل الأكاذيب أحد مكاوناته الأساسية، إلى جانب الإشاعات التي لا أساس لها والتي تكتسب قوتها من قوة إمبراطورية الإعلام الصهيوني الذي يتحكم في عقول الشعب الأمريكي ويشكل معظم الرأي العام العالمي، ويمتلك شبكة دولية من الاعلام المتعاون تكلف دافع الضرائب الأمريكي ستة مليار دولار سنويا لا تفيده في شيء بل تفيد المتحكمين في رقابه من صهاينة وعصابات إجرام منظم يطلقون عليها تلطفا “مجموعات ضغط” ومنها اللوبي الصهيوني.
ومن الحرب النفسية تلك الخدعة الإعلامية السياسية التي تختلق أحداثا فرعية وتركز عليها أمواج الإعلام المتلاطم حتى يتوهم الناس أنها هي التيار الأساسي للأحداث.
الخلاصة هي أنه رغم أن كل التصريحات لأمريكا وحلف العدوان الدولي ”الناتو”، والتي تحاول أظهار الجلد والقوة وطول النفس، وأن هناك “تقدما” حدث بشكل ما في أفغانستان، وأن المسألة مسألة وقت فقط حتى يلوح النصر في الأفق، فإن الوضع الحقيقي في أفغانستان هو عكس ذلك تماما، وأن أقل وصف لحال أمريكا وضياع حلف الناتو هي أنها حالة هزيمة كاملة، وشلل في الفعالية العسكرية، وأن كل ساعة من تأخير الإنسحاب تكلفهم غاليا في مستقبلهم المظلم الذي “سيشرق” عليهم بعد الإنسحاب من أفغانستان الذي هو بالمناسبة ليس قرارا أمريكيا ولا أوروبيا بل هو قرار أفغاني بالكامل.
فليس جنرالات أمريكا الفاشلون هم من يقرر الإنسحاب أو يضع جدوله، بل أن الشعب الأفغاني وقيادته الإسلامية هم من يقررون، وحركة طالبان التي أثبتت جدارة وحيوية نادرة المثال هي من يقرر توقيت الإنسحاب، و يفرض غرامات تأخير على المتخلفين يدفعونها يوميا من دماء جنودهم ومعدات جيوشهم، بل ورفاهية شعوبهم، ومستقبل أنظمتهم الحاكمة المهددة بموت الفجأة بتوقف نبض الإقتصاد المريض المثقل بالديون رغم الانعاش الكاذب والمال الحرام المستمد من دماء فقراء العالم.
أنظمة حكمهم في الغرب كلها مهددة بسقوط الفجأة، وإقتصاد النهب العالمي يتشقق ويتمايل نحو السقوط الشامل، والجيوش في أفغانستان تعبر عن سخطها وجنونها بقتل المدنيين بعد أن فشلت في ميدان المعركة وأصيبت بإنهيار عصبي من بسالة المجاهدين ومن طول الإحتجاز في قواعد عسكرية معزولة طلبا للأمان.
وحلفاء الناتو يتحينون الفرصة للفرار من أفغانستان، ويجاملون الطاغية الأمريكي بالقول أنهم باقون لتدريب الجيش الأفغاني، الذي هو وهم كبير، ويذوب يوميا كما يذوب الملح في الماء حتى طبقا للتقديرات الغربية نفسها رغم الأرقام الهائلة عن تعداد ذلك الجيش حاليا ونموه العدوي المنتظر ” 180 ألف جندي لهذا العام “.
الواقع يقول الكثير جدا عن تهافت ذلك الجيش وتآكله الداخلي وعدم جديته في المعارك، إلا أن تكون ضد مدنيين عزل حسب القاعدة الأمريكية.
ذلك الجيش الضخم عديم الفاعلية إضافة إلى جهاز الأمن الفاسد في حاجة إلى تمويل شهري مقداره مليار دولار، يعود معظمها إلى جيوش المتعهدين والمقاولين الأمريكين !.
الصفقات الحقيرة :
هو أسلوب أمريكي لإبقاء الحلفاء الحاليين، وجلب حلفاء جدد.
فالرئيس الفرنسي سركوزى يضحي بجنوده في “تاجاب” حيث يبذلون دمائهم بغزارة في سبيل أن يفوز سركوزى بفترة رئاسية ثانية بدعم أمريكي، كان من ضمنه تحطيم منافسه “ستراوس” في فضيحة جنسية في مدينة الفضيلة نيويورك.
واستراليا تواصل الحرب لأنها تريد دخول مجلس الأمن كعضو مؤقت، وكذلك هي ألمانيا تحت حكم “الفوهرر” أنجيلا ميركل، النازية التي شارك جيشها في مجازر جماعية ضد الأهالي المحتجين في تاخار في شهر مايو 2011 ويرتب دوما لمجازر مشابهة.
والجيش الإيطالي الفاشل تاريخيا يواصل فشله في غرب أفغانستان، فرئيس وزراء روما الغارق في فضائح أخلاقية وسرقات مالية وفساد سياسي وعلاقات إجرامية، هو فريسة سهلة للإبتزاز في مقابل أن ينال دعما أمريكيا يمكنه من الإستمرار في الحكم, وجزء من الفاتورة التي ينبغى عليه أن يدفعها هي دماء جنوده المهدرة على أرض أفغانستان.
وكوريا الجنوبية ترسل عدة مئات من جنودها إلى ولاية بروان الأفغانية كجزء صغير من فاتورة الحماية الأمريكية لبقائها صامدة أما الأشقاء في كوريا الشمالية.
وبولندا ورومانيا تدفعان ثمن وضعهما كأنظمة حكم تحت الحماية الأمريكية تمارس إستبدادها الخاص وعزلتها عن أوروبا وروسيا.
وهكذا هي السياسة الدولية /سياسة الصفقات الحقيرة/ في عهد القطب الأمريكي الأوحد.
هذا مع الدول الأوروبية المتحضرة، ولنا أن تتخيل المهزلة مع الدول المتخلفة وتلك التي لا وزن لها، كما حدث مثلا مع كازاخستان.
فمع الإغراء السياسي والرشوة الإقتصادية تمكن الأمريكيون من الحصول على “دعم عسكري” من تلك الدولة المنسية في صحارى آسيا الوسطى، ذلك الدعم يبلغ مقداره “أربعة جنود فقط !!”.
قد يستغرب البعض من الرقم ويعتقد أن هناك خطأ مطبعي، ولكن ثبت أن الرقم صحيح ولا عجب، فهناك دولة “جورجيا” التي ساهمت في البداية بجندي واحد في الحملة على أفغانستان, ولا ندرى من كان سيمثل تلك الدولة في المعارك إذا ذهب ذلك الجندي إلى الحمام ؟؟.
ومع ذلك تراجعت كازاخستان عن مشاركتها “الرباعية ” ورفض مجلس الشيوخ الموافقة على ذلك الإسهام خوفا من تهديدات حركة طالبان حسب قولهم.
ولابد أن التهديدات قد إنهالت من روسيا والصين معا, فوجود قواعد عسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى كان أمرا واقعا ولكنه طارئ ومؤقت ومرتبط بالحرب على أفغانستان.
أما مشاركة تلك الجمهوريات المتهافتة بجنود في حملات عسكرية مشتركة مع أمريكا وحلف الناتو فذلك أمر يستدعي موقفا مغايرا، خاصة وأن الروس والصينيون بدأوا في العمل بشكل أكثر تلاحما ضد أي وجود أمريكي دائم في أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى التي تحرص الدولتان على ضبط الأوضاع فيها بما لا يهدد الأمن والإستقرار فيهما.
وهناك قناعة لديهما بأن المهمة الأمريكية في أفغانستان وآسيا الوسطى قد جاوزت حدها المطلوب والأهداف المعلنة، ولابد من إنهائها في أقرب وقت.
وأن المحاولات الأمريكية لإنشاء قواعد ثابتة في أفغانستان سعيا إلى وجود أبدي أو طويل المدى هو أمر مرفوض من جميع دول المنطقة والجوار الأفغاني.
حتى من الأطراف التي أظهرت تعاطفا وتأييدا وإسنادا لعملية الغزو.
وعلى رأس هؤلاء يأتى عمالقة آسيا : الصين وروسيا والهند, وتوسع النطاق فشمل إيران أيضا التي تبدى إنزعاجا من التوجه الأمريكي للبقاء الأبدي في افغانستان.
جاء ذلك الإنزعاج على لسان مسئولين كبار، وحتى من الصحافة التي تظهر عداءا واضحا للمجاهدين الأفغان وحركة طالبان وتراها حركة إرهابية “!!”، وتغطى أحداث الجهاد في أفغانستان وكأنها صحافة تابعة لحلف الناتو.
ومع ذلك قالت أن تواجد أمريكي في قواعد عسكرية دائمة هو خطر يهدد جميع دول الجوار الأفغاني وكل المنطقة.
ملف الصمود / بقلم: مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com
خاص : مجلة الصمود عدد 62 شعبان 1432 هـ يوليو – اغسطس 2011 م
المصدر : موقع الصمود – امارة افغانستان الاسلامية
http://alsomod-iea.com/index.php