تخريب المؤسسات الدولية
أدت السيطرة الأمريكية على النظام الدولي إلى تحويل العالم إلى فوضى وحروب وثورات.
والمؤسسات الدولية تحولت بالكامل تقريبا إلى مؤسسات أمريكية تنفذ مطالب تلك الدولة ضد إرادة العالم كله، بل وتسمى نفسها “المجتمع الدولي ” وهو إصطلاح منافق ومضلل ومعناه الوحيد هو “الإدارة الأمريكية”.
ومجلس الأمن الدولي، الذي كان من المفترض أن يكون أعلى هيئة دولية تنظم العلاقات بين الدول وترعي السلام في العالم, هو الآخر مجرد أكذوبة أفرزتها الحرب العالمية الثانية، لجعل المنتصرين فيها على النازية ودول المحور منتصرين على العالم كله، وإعتبار كل العالم غنيمة لخمسة دول تمتلك حق النقض في ذلك المجلس الإستعماري.
وبعد نهاية الحرب الباردة كنتيجة لإنتصار الشعب الأفغاني على السوفييت وتفتيت تلك الإمبراطورية، إستفردت الولايات المتتحدة بشئون العالم في “نظام دولي جديد” جعل من مجلس الأمن مجلسا للحرب حسب توصيف بعض الخبراء.
فهو المجلس الذي يبارك حروب أمريكا الإستعمارية، ويبصم عليها بختم “الشرعية الدولية”.
وهو المجلس الذي يفرض العقوبات الجائزة ضد من تضطهدهم الولايات المتحدة.
ولما خضعت جميع الدول للمشيئة الأمريكية وانحصرت المقاومه الفعالة ضد العدوان الأمريكي في مجرد تنظيمات صغيرة أو حتى أفراد، شاهد العالم ذلك المجلس وقد استهدف بطغيانه أفرادا ضعفاء مطاردين، بعد أن كان يعتنى بالقضايا الدولية الكبرى.
وبعد أحداث سبتمبر وإتخاذها ذريعة لحرب صليبية على الإسلام والمسلمين, تلك الحرب التي بدأت بغزو أفغانستان ثم تلاها غزو العراق، فرضت الولايات المتحدة في هذه الأثناء وعبر مجلسها المسمى “مجلس الأمن الدولي” عقوبات ضد من إتخذتهم هدفا لعدوانها، فقررت فرض عقوبات على حركة طالبان وتنظيم القاعدة في دفعة واحدة.
الآن وبعد فشلها العسكري في أفغانستان الذي إنتهي بورطة عظمى هي إستحالة النصر مع تعذر الإنسحاب من ذلك البلد بدون إنهيار الإمبراطورية الأمريكية في العالم وعلى التراب الأمريكي نفسه.
وهو إنقلاب حضاري سوف يستبعد أوروبا بالضرورة عن قيادة العالم والسيطرة عليه بعد قرون مظلمة من تلك السيطرة المباشرة أو عبر الإمتداد الأمريكي لتلك الحضارة الباغية.
إنها نقلة عظمى وإنعتاق إنساني دولي، تجعل أمريكا وأوروبا في حالة رعب من مجرد التفكير في الإنسحاب من أفغانستان.
لذلك نراهم يماطلون ويستخدمون كافة الحيل التي غدت كلها فارغة وهزلية وتعبر عن حالة ضياع أمريكي كامل.
فهم يسارعون في تقديم الرشاوى والتنازلات لدول المنطقة ودول الجوار من أجل منع ذلك الحدث الجلل، ملوحين بأخطار كاذبة لإرهاب إسلامي، مستفيدين من أزمات داخلية في كل تلك الدول مع المسلمين عامة أو أقليات منهم خاصة، تعرضت لأبشع أنواع الظلم وهضم الحقوق، حتى اضطر بعضهم إلى حمل السلاح دفاعا عن النفس.
فسارعت أمريكا إلى تبني بعض تلك الحركات لتحرف مسارها لخدمة الأغراض الأمريكية وليس الإسلامية، تماما كما تفعل مع ثورات الشعوب العربية في هذه الأيام.، إذ تسارع إلى منحها “قبلة الموت” تحت وهم أنها قبلة الحياة والمحبة والعون.
آخر الأمثلة على إفلاس الجهد الأمريكي للخروج من كارثة أفغانستان هو عودتها مرة أخرى إلى مجلس الأمن فتأمره ويوافق بالاجماع كالعادة على طلبها، بفصل قائمة العقوبات المفروضة على حركة طالبان عن تلك الخاصة بتنظيم القاعدة.
وذلك بهدف معلن هو “إستمالة قيادات طالبان إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سلمي للأزمة الأفغانية”, وتلك طبقا لنص تعبيرات أمريكية مليئة بالمغالطة والتزوير، وسنشرح ذلك حالا، ولكن بعد أن نشير إلى أن العقوبات تشمل أسماء أشخاص من حركة طالبان “ممنوعين من السفر!!” و”جمدت أموالهم !!”.
الأكثر طرافة في هذه المهزلة كان تعليق السيدة سوزان إبنة رايس على ذلك القرار، وقولها أن من شأنه “فصل حركة طالبان عن القاعدة وتعزيز عملية المصالحة في أفغانستان من خلال عزل المتطرفين، ويوجه رسالة واضحة إلى حركة طالبان تفيد بوجود مستقبل لكل من ينأى بنفسه عن تنظيم القاعدة وينبذ العنف ويحترم الدستور الأفغاني “.
وهنا نقول للسيدة “سوزان” أنه إذا كانت العقوبات موهومة وغير حقيقية فإن رفعها يكون هو الآخر مهزلة.
إن أحدا لم يعاقب حركة طالبان ولا أحد يستطيع ذلك, فكيف يمكن معاقبة من حمل روحه على كفه ورفع سلاحه بيده وراح يصارع أقوى جيوش الطغيان والعدوان فوق أراضي وطنه ويمرغ أنفها في التراب؟؟.
لا يعاقب بالمنع من السفر من سياحتهم الجهاد، وهي رحلة لم تتمكن أمريكا ولا حلفائها من وقفها أو حتى عرقلتها, أما السفريات الأخرى إلى بلاد الطغيان والفجور فيمكن منعها وتلك صناعة قوم آخرين.
أما تجميد أموال قادة طالبان، فهذا شيء مضحك آخر، فهؤلاء القادة ليس لديهم أموال، وما كان لديهم منها فقد أنفقوها على الجهاد.
فتجميع الأموال ليس هدفهم ولا غايتهم, لقد كان الوزراء من حركة طالبان لا يتلقون رواتبهم لأشهر عديدة متتالية، بينما هم يحكمون واحدا من أغنى بلاد الدنيا، لو كانوا قبلوا بيعة للكافرين كما فعل أساطين الحكم في كابول حاليا.
أما نبذ العنف / و يقصدون نبذ فريضة الجهاد/ فذلك أمر أمريكي يتحدى ما أمر الله به المسلمين من قتال الكافر الصائل المحتل لبلاد المسلمين.
ولا يرى أى مسلم أن سلطة أمريكا أو حلف الناتو أو مجلس الأمن الدولي أو أي قوة على الأرض تمتلك سلطة أعلى من سلطة الله.
أما من يرون عكس ذلك فليسوا من حركة طالبان، وليسوا من شعب أفغانستان.
أما الدستور الأفغاني الذي وضعه الإحتلال وعبيده الحاكمين في كابول، فلا إعتبار له ولا قيمة، كشأن أي دستور لأي بلد يوضع في ظل بنادق الإحتلال، فهو يكرس أوضاعا إحتلالية معادية للدين على طول الخط وبشكل مطلق.
فهذا الدستور ساقط منذ ولادته ولا يستحق مجرد ذكره لأنه يعني ببساطة تثبيت الإحتلال الأمريكي وإخراج الإسلام من أفغانستان.
إن هذا الدستور في حد ذاته يشكل مبررا شرعيا كافيا لإعلان الجهاد من أجل إسقاطه ومحاسبة واضعيه ومنفذيه والداعين إليه.
أي بإختصار طرد جيوش الإحتلال التي تقنن أوضاعا غير إسلامية لحكم البلاد.
ملف الصمود / بقلم: مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com
خاص : مجلة الصمود عدد 62 شعبان 1432 هـ يوليو – اغسطس 2011 م
المصدر : موقع الصمود – امارة افغانستان الاسلامية
http://alsomod-iea.com/index.php