ركيزتان قامت عليهما الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لوجودها وهما : الكذب والجريمة . وهكذا تسير فى سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء .
مؤخرا طلع علينا الرئيس أوباما فى عشية عيد العمال ليزف للعالم نبأ نصر أمريكى تقليدى من ذلك النوع الكاذب والمخادع ، ولكنه أيضا بشع ودموى وغير مبرر .
الأكذوبة الأولى فى سبتمبر 2001
فى يوم 11 سبتمبر كانت كاميرات كثيرة مملوكة لأجهزة خدمة سرية من الولايات المتحدة وإسرائيل رابضة قرب أبراج مانهاتن فى إنتظار الحدث التاريخى . وبعد حصولهم على إثبات يدين (بن لادن وتنظيم القاعدة ) وبينما أبراج مانهاتن تتهاوى أمام أعينهم رقصوا وتعانقوا (هذا ما حدث بالفعل وأحدث لبعضهم مشكلة مع الشرطة) . ثم شرعوا فى إجراءات التحريض والتجييش لحرب أعلنها بوش صليبيه ولمدة رأى أنها مئة عام ( رغم أن حربا مشابة فى العصور الوسطى إستغرقت ضعف تلك المدة وانتهت بالفشل) .
فى غبار أتربة إنهيار الأبراج ، وهستيريا الإعلام الصهيونى المسيطر ، ضاعت معالم إسهامات أمريكية إسرائيلية فى الحدث الجلل . مثل مضاريات ضخمة فى البورصة لمن كانوا يعرفون سلفا بموعد الكارثة ، ولم يكن بن لادن من بين هؤلاء . ومثل إنهيار برج ثالث لم يمسسه بشر ولم تضربه طائرة ، كما لم يكن هو الأقرب موضعا من الأبراج المنهارة. ومثل غياب أكثر من أربعة آلاف يهودى عن عملهم فى مركز التجارة والبنتاجون فى ذلك اليوم .. فأى حدس غريب وإلهام خارق أوحى إليهم بذلك ؟؟ .. ومثل مبنى البنتاجون الذى إنفجر بلا طائرة . وقيل أولا أنه أصيب بصاروخ ثم تعددت الروايات بعد ذلك حتى لفقوا حطاما لطائرة ظهر أنها أصغر من ذلك النوع الذى أعلنوا عن إختطافه بالفعل . وبعد سنوات أفرجوا عن لقطة غامضة ومفبركة لما يعتقد أنه طائرة ضخمة قامت بعمل إعجازى ، بل مستحيل من الناحية الفنية حسب طيارين محترفين، وصدمت مبنى البنتاجون.
ثم أرادوا ان يجعلوا من كيسنجر كبير صهاينة البلاد رئيسا للجنة تقصى الحقائق ولكنهم تراجعوا خوفا من إثارة الشكوك . ثم أن جميع التحقيقات الرسمية أخفيت حتى عن كبار مسئولى الدولة ، فلا يستطيع أعظم عضو كونجرس أو شيوخ أن يلقى مجرد نظرة على أغلفتها الخارجية.
حادث سبتمبر كان ذريعة حرب على المسلمين والعالم ، بدأت بأفغانستان ثم العراق ثم لبنان ثم غزة ، وبصور شتى أمتدت الحرب إلى كل الشرق الأوسط : الكبير ،الجديد ، المستعبد ،المستنذف ، المحتل.
وتعسفا، جعلوا من “بن لادن” شعارا وذريعة لتلك الحرب التى كانت فى جوهرها إنقلابا على الدستور داخل الولايات المتحدة ، وتحول فى ظلها النظام هناك إلى الفاشية بدعوى محاربة الإرهاب وحماية الولايات المتحدة من المسلمين المتطرفين . ثم فرض نظام فاشستى على العالم بالقوة الأمريكية الوحيدة ، لكونها تمتلك أكبر جيش فى كل العالم وأكبر إقتصاد / رغم أنه معتل ومدين / ولكنه يدير الإقتصاد الدولى من هذا الموقع عبر هندسة تشابك معقد للعلاقات، بحيث يغرق الجميع إذا غرقت أمريكا، وتطفو أمريكا حتى ولو غرق الجميع.
الأكذوبة الثانية فى مايو2011
ثم جاءت جريمة الإغتيال الجديدة فى الثانى من مايو 2011 ، وأعلن أوباما عن قصة أخرى كاذبة ومثيرة وعن نجاح آخر لم يحدث خارج النطاق الإعلامى الصاخب والمضلل . قال أوباما ـ أكثر رؤساء أمريكا عجزا وفشلا ـ أنه رصد مكان بن لادن وأمر قواته بقتله وليس أسره ، ثم ساق قصة تدعمها صور .
فلا القصة معقولة ولا الصور تثبت أى شئ مما يقال . فالصحيح من الصور لا يدل على شئ محدد ، والمثير منها يمكن لأى هاو أن يفبركه . وقد كانت بعض الصور لأحد القتلى، زعموا أنه بن لادن ، ثم سحبت فورا من على شاشات التلفزيون لأن التزوير فيها لم يكن متقنا كما ينبغى .
وكما هى أكذوبة 11 سبتمبر الكبرى تأتى خاتمة الرواية فى 2مايو 2011 بأكذوبة أخرى كبيرة لكنها أقل جودة وأكثر ركاكه وليس فيها ما يقنع أحدا ، سوى من يستهولون أن يكون رئيس أكبر دولة فى العالم كاذبا وتافها إلى هذه الدرجة . أو أن تكون أكبر دولة فى العالم عاجزة بالفعل عن تحقيق أى نصر حقيقى / سلما أو حربا أو إقتصادا / تقدمه لشعبها أو للعالم فيقنع الناس أن هناك قيادة قوية تدير شئون الشعب الأمريكى وشعوب العالم من ضحايا أمريكا التعساء المنبثين فى أنحاء القارات الخمس .
لن نناقش الثغرات فى الرواية الأمريكية لعملية الإغتيال المتوهمة ، لأنها كثيرة جدا وأوضح من أن يشار إليها ، ولكن نطالب أوباما بأن يقدم دليلا واحد فقط على أنه قتل بن لادن فعلا .
فمن حق الجميع ان يطالب بذلك ، كل من يؤمن بأمريكا ودورها الريادى والحضارى فى نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان ، وأيضا جميع من يؤمنون بأنها ظل الشيطان على الأرض : أعطونا دليلا واحدا فقط على صحة روايتكم .
وحتى هذه اللحظة فإن كل جديد يقدمه الأمريكيون يدين روايتهم ويثبت زيفها .
فإن كان بن لادن قد قتل فعليهم البرهنة على ذلك وأن يشرحوا للعالم كله أين ومتى وكيف حدث ذلك .. ثم لماذا لم يتم أعتقاله ومحاكمته رغم أن ذلك كان ممكنا ، وبسهولة، منذ زمن طويل ؟.
( وذلك حسب بعض الآراء سنتناولها فى موضع قادم من هذا البحث).
للأبناء أسلوب مختلف :
والآن فإن أولاد أسامه بن لادن يطالبون أوباما بالكشف عن مصير والدهم ، ويحملونه المسئولية القانونية. ولعل ذلك هو آخر ما كان يتوقعة أوباما وإدارته .
فمن الواضح أنهم فى الإدارة الأمريكية كانوا يتوقعون .. بل يريدون .. بل ويخططون .. لحدوث “إرهاب” إنتقامى، يديم الوهم بوجود إرهاب إسلامى تحاربه أمريكا . لأجل ذلك ومنذ اللحظة الأولى يقولون بأن العمليات الإنتقامية متوقعة ، وأن القاعدة لم يتم القضاء عليها ، وأن الحرب عليها مستمرة ، ثم يبحثون عن قيادة “أو قيادات ” جديدة للقاعدة حتى تستمر نفس المهزلة عقودا أخرى من الزمن . ولكنهم يواجهون ” ثورة شباب ” من أبناء بن لادن هذه المرة ، الذين أعلنوها سلمية وقانونية، وليست ” إرهابية” ولا تفجيرية .
فأين هو موقع العدالة وحكم القانون ،الذى يتشدق به الأمريكيون، من تلك الجريمة التى إعتبروها نصرا قوميا بحيث خرج الرعاع من آكلى لحوم البشر يرقصون رقصة الدم إحتفالا بقتل بن لادن كما أحتفلوا بشكل مشابه منذ عقود ، فى أمريكا نفسها أيضا، بإغتيال حسن البنا ؟؟.
فأى حضارة تلك؟ وأى حقوق إنسان ؟ وأى ديموقراطية؟ وأى عدالة وأى قانون ؟ وأى تسامح وأى حوار؟؟.
كل تلك الأكاذيب الكبرى على المحك الآن .. وتلك الأقانيم سوف يتأكد أنهيارها مجددا ـ كما حدث آلاف المرات من قبل ـ ولكن هذه المرة ستكون تحت الإلحاح الإعلامى الأمريكى الطاغى ومتابعة جميع الشعوب التى صارت تهتم “بالإرهاب الإسلامى ” ورمزة الأكبر بن لادن وتنظيمه الرهيب القاعدة ـ كل ذلك الإنتباه يجب أن يتحول الآن نحو البحث عن حقيقة تلك الأساطير التى تستخدمها أمريكا كستائر من الدخان الملون تتقدم خلفها الجيوش العسكرية والجيوش الإستخبارية ، وشركات المرتزقة ، ومافيا المخدرات ، والشركات العملاقة متعددة الجنسيات.
ثورات شعبية وإسلام أمريكى:
إن ثورة الشباب من أبناء بن لادن ، تختلف من حيث الأسلوب عن ثورة والدهم الذى بدأ جهاده بالسلاح ضد السوفييت ثم أعقبه بالجهاد المسلح ضد الأمريكيين المحتلين لجزيرة العرب. وقد كان فى هذه النقطة تحديدا يلتقى ، بشكل ما وبطريقته الخاصة ، مع ما تنادى به الآن ثورات الشعوب العربية من ( الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية) كما يقول شباب التحرير .
وفى سياق واحد مع سلسلة من التحركات الجهادية المشابهة والمعاصرة ، كانت حركة بن لادن / بإيجابياتها وسلبياتها / مقدمة وإرهاصة لتلك الثورات الشعبية التى وجدت أسلوبا مختلفا ، ينقصة فقط الإيمان بأن كل تلك الشعارات الجميلة لثوراتهم لا يمكن لها أن تتم بغير ما كان ينادى به بن لادن من التحرر من القبضة الأمريكية الإسرائيلية ، ولا يمكن لها أن تتم بمعزل عن الإسلام الحقيقى ، وليس الإسلام الأمريكى الذى يثير الفتن الآن فى الشوارع كى يحرق الثورات ، أو الذى يدعى أنه ” دفن ” بن لادن فى البحر على أيدى جنود المارينز طبقا للشريعة الإسلامية “!!” ، حتى لا يصبح ضريحه مزارا يتوجه إليه الناس “!!” .. فيالها من دقة عقائدية وفهم إسلامى عميق . لدرجة بتنا نخشى فى المستقبل أن تأخذ الحرب على الإرهاب شكل حملات عسكرية فى طول بلاد المسلمين وعرضها ليتسنى لجنود المارينز هدم الأضرحة والمزارات ، وإقامة قواعد عسكرية دائمة وأنظمة ديموقراطية مستنيرة وحكومات مدنية علمانية تحمى المسلمين من تطرف القاعدة ، وتحفظ عقائد المسلمين من الشرك والإنحراف.
من يجرؤ على الكلام ؟؟
يجهل أكثر الناس أن أبناء بن لادن / الذين طوردوا أوسجنوا أوقتلوا فى كل مكان حلوا فيه/ ممنوعون الآن من الكلام فى جزيرة العرب التى أراد والدهم تحريرها وطرد الأمريكيين منها . فالمطلوب دائما وأبدا ان تكون أمريكا هى المتكلم الأوحد ، الذى يعطى الحق لمن تشاء له أن يتكلم ، و تمنع ذلك الحق عن آخرين بذريعة أنهم إرهابيون أو يروجون لأفكار إرهابية .
وبما أن هؤلاء الشباب ينتهجون نهجا “سلميا حضاريا ينبذ العنف ” فمن واجب مؤسسات “حقوق الإنسان” ومؤسسات “العدالة الدولية ” و”الإعلام العالمى الحر!!” أن يسعى إليهم حيثما كانوا، ويكسر عنهم الحصار المفروض ، لأنهم واقعون الآن تحت رعاية أنظمة تقمع حفيف أوراق الشجر إذا رأى الحاكم أنها تزعج نومه أو تشكل خطرا أمنيا على غفوته .
المشكلة هى أن حالة غياب حقوق البشر والحريات الديمقراطية يمكن أن يلاحظها الغرب بسرعة وسهولة ، بشرط أن تكون فى مناطق بعيدة نسبيا عن السيطرة الأمريكية . ولكن غالبا ما يعشش القمع وإرهاب الدولة إلى جانب آبار وشركات النفط ، وفى حمى القواعد الأمريكية الكبرى . فى تلك المواضع الحساسة تكون أنظمة القمع آمنة من العتاب الدولى ، ولا يجرؤ العقاب الشعبى على أن يمسها بسؤ، فتستقر الأنظمة وتزدهر أجهزة الأمن .
فهل تجرؤ تلك الهيئات المدنية المتحضرة على الإقتراب من أبناء بن لادن ؟ .
أم أنهم سيصمون أذانهم ويغلقون أعيونهم تاركين فرصة وحيدة للحوار .. ولكن بالمتفجرات فقط ؟؟.
وهذا هو المطلوب أمريكيا .
بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world