روسيا : مواجهة مع الصين من البوابة الأفغانية
ــ عملية مشتركة مع أمريكا فى مجال المخدرات تصلح كمقدمة لتفاهم استراتيجى فى آسيا .
ــ لماذا إنزعج كرزاى من عملية روسيا مع قوات الإحتلال ضد معامل الهيرويين الخاصة ؟؟.
ــ لماذا تغافلت روسيا عن خطر معامل الهيرويين على حدود طاجيكستان التى تستهدف أراضيها وذهبت بعيدا فى عملية مع أمريكا على حدود باكستان؟؟.
ــ عودة روسيا إلى أفغانستان وآسيا الوسطى يحفز عودة صينية مضادة .
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
بقلم : مصطفي حامد ابو الوليد المصري (9-11-2010)
المصدر :موقع الصمود (امارة افغانستان الاسلامية) / موقع مافا السياسي
www.mafa.asia
منذ الهزيمة الكبرى التى منى بها السوفييت فى أفغانستان ، فهذه هى المرة الأولى التى تعود فيها القوات الروسية إلى ذلك البلد فى عملية عسكرية يشوبها الغموض . لقد أذاع الأمريكيون أنها كانت موجهة ضد معامل لتصنيع الهيروين . وقبل ذلك كانت القوات الروسية قد دخلت كابول فى أعقاب إحتلال الأمريكيون لها فى عملية رمزية تدل على تأييد روسيا لعملية الغزو وإظهار الإبتهاج بإسقاط نظام الإمارة الإسلامية ، وكنوع من إستعادة الهيبة الروسية التى تبخرت بعد هزيمتها السوفيتية فى أفغانستان .
وكان الأمريكيون فى حاجة إلى حشد أكبر دعم ممكن لعملية الغزو سواء فى مجال العمل العسكرى المباشر أو الدعم السياسى للعدوان أو الدعم المالى له تحت غطاء تمويل عملية ” إعادة الإعمار” التى هى فى حقيقتها مجهود غير مباشر لتشييد بنية تحتية للعمل العسكرى لجيوش الإحتلال لتسهيل سيطرتها المسلحة .
العديد من كبار المسئولين السياسيين والعسكريين والكتاب والصحفيين فى روسيا ، أعربوا عن حرصهم على عدم إنجرار بلادهم إلى التورط مرة أخرى فى “المستنقع” الأفغانى الذى غرق فيه السوفييت ، وبالتالى عدم الإنجرار وراء عمليات الغواية الأمريكية لإستدراجهم إلى هناك .
ولكن يظهر من التحرك الأخير فى عملية مشتركة ، هى فى ظاهرها لمقاومة “صناعة” المخدرات إلا أنها يمكن ان تتطور فيما بعد إلى ما هو أكبر خاصة فى ظل شئ من التوافق النسبى للرؤية الإستراتيجية للطرفين الأمريكى والروسى للوضع فى وسط وجنوب آسيا وفى أجمالى قارة آسيا، ومع التحول الضخم الحادث فى التوازن الدولى ، وهبوط أمريكا عن عرش السيادة الإنفرادية على العالم والتخلى عن وضع لم يستمر لها طويلا وهو الآن آخذ فى التحول التدريجى نحو وضع تنتقل فيه قيادة العالم من أمريكا إلى الصين التى يمكن أن تهيمن على آسيا فتشكل مركز ثقل للعالم إقتصاديا وعسكريا وسياسيا .
أمريكا تدق طبول الخطر من ذلك التحول التاريخى القادم ، وحلول آسيا ” الصينية” محل أوروبا “الأمريكية” فى قيادة الحضارة فى طورها الوشيك . وتعمل أمريكا على تأخير ذلك التحول التاريخى ، إلى أن تفرغ من تشكيله بصورة تكون هى فى مكان أقرب ما يكون من المركز.
ولأن ذلك غير ممكن بالإعتماد على قدراتها منفردة ، فهى وكالعادة دوما تحيط نفسها بحشد من الحلفاء ـ أوربين وأسيويين ـ من أجل (تحديد الخيارات الإستراتيجية للصين ) حسب قول “جون لى” أحد الباحثين الإستراليين . وهو ويعنى بذلك تحجيم دور الصين فى المرحلة الوشيكه القادمة وعدم ترك الحبل لها على الغارب . أى محاولة جعلها مجرد رقم رئيسى وليس قوة مهيمنة حتى على النطاق الأسيوى . لأجل ذلك تحاول الولايات المتحدة تعميق تحالفاتها فى آسيا وإقحام نفسها هناك كعنصر أساسى ـ رغم عدم صحة ذلك جغرافيا ـ إلا أنها بسطوتها الحالية وجيش الحكومات التى تعتمد عليها فى آسيا عينت نفسها عضوا فى منظمة دول شرق آسيا ( آسيان) ، وستحضر القمة القادمة فى 2011 كعضو دائم .
وبشكل حذر للغاية تزرع الولايات المتحدة الألغام حول الصين ، وتشعل الخلافات الحدودية حولها ، بل تحشد ضدها كل ما يمكن من مشكلات بما يجعل آسيا ” الصينية” تدخل عصر صراعات وحروب وليس عصر حضارى وقيادى .
تعمل الصين من جهتها لطمأنه عمالقة آسيا الآخرين ، وتفكيك الألغام الأمريكية فى علاقاتها مع الهند واليابان وروسيا . ومباراة فك وتركيب الألغام مستمرة بلا إنقطاع بين واشنطن وبكين فوق أراضى القارة الأسيوية .
تحرك روسيا فى أفغانستان يدخل فى ذلك الإطار الإستراتيجى ، أى خشيه موسكو من تنامى العملاق الصينى الذى قد يتمكن من جمع كل الأوراق الأسيوية فى جيبه عندما يصل إلى درجة معينة من القدرة الإقتصادية التى تنمو بلا عوائق تذكر ، على ما يبدو على سطح .
روسيا ، كما العديد من دول آسيا المتهالكة ، تتعلق بالقوة الأمريكية المتقهقرة كى تقف إلى جانبها لموازنه الثقل الصينى ، خشية أن يبتلعها الطوفان إذا قرر الصينيون أن اللحظة قد حانت لحيازة نفوذ سياسى يتكافأ مع قوتهم الإقتصادية والعسكرية وثقلهم السكانى .
حتى فى داخل روسيا تجد من يحذر من أن الصين قد بدأت بالفعل ، وتحت ستار الإستثمارات الصينية المصحوبة بأيدى عاملة صينية ، بدأت فى إبتلاع سيبيريا بواسطة الملايين من الطفح السكانى الصينى.
قد يكون فى ذلك شئ من المبالغة لكن المؤكد هو أن التسارع الإقتصادى فى الصين قد تخطى مثيله الروسى ، وأن شرق روسيا بدأ يتوجه صوب الصين رغم كونه سياسيا من ممتلكات روسيا وأن الأمر يتطلب من روسيا عدم التركيز على الإستثمارات المالية الصينية ، وتنويعها بمصادر إستثمار أخرى من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوربية (وذلك حسب قول الدكتورة “إينا ميخائيلوفنا” خبيرة الإعلام السياسى الروسى ) التى تشير أيضا إلى نقطة هامة تقول فيها ” أن الكرملن الذى يتعصب من زيادة النفوذ الأمريكى فى الفضاء “الأوروـ أطلسى” ويسعى الى عرقلته ، فإنه على العكس فى آسيا يرى فى الحضور الأمريكى عنصرا مهما للتوازن” . وتلك نقطة هامه جدا خاصة إذا أضفنا إليها ملاحظتها التى يشاركها فيها الكثيرون من النافذين فى روسيا وهى “أن روسيا لا يجوز أن تسمح لنفسها بالمشاركة فى أى حلف قد تعتبره الصين موجها ضدها ، وأن الحذر واجب إزاء أفكار مثل بناء منظومة مشتركة للدفاع المضاد للصواريخ وأيضا تجاه إنضمام روسيا إلى حلف الناتو” . وترسم الخبيرة الروسية مدى العلاقة التى تربط روسيا بكل من أمريكا والصين بقولها ” لم تعد المركزية الغربية التقليدية أمرا مقبولا بإعتبارها لا تعكس الواقع الحالى ، ومن جانب آخر فإن العلاقات القوية مع الغرب تعتبر ضمانا لصمود موقف روسيا فى آسيا”.
ومن هنا يمكن تفسير دخول روسيا إلى العمل العسكرى المباشر/ ولكن المحدود حتى الآن/ مع أمريكا والناتو فى أفغانستان ، من بوابة المخدرات .
إسرائيل .. بوابة أمريكا
لا بد من الإشارة أولا إلى أن روسيا قد خطت بتلك الجرأة إلى الساحة الأفغانية بعد أن أخذت الأذن والموافقة من بوابة الولايات المتحدة .. إسرائيل .
فقبل شهرين تقريبا وقع الروس إتفاقا عسكريا مع إسرائيل يتيح لموسكو شراء أسلحة وتكنولوجيا عسكرية متقدمة من إسرائيل .
وزير الدفاع الروسى أعرب عن سعادته بأن الإتفاق سيعطى دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين وقال ( أنه من المهم جدا ونحن فى مرحلة إنتقال إلى صورة جديدة أن تستعين القوات المسلحة لروسيا بخبرات إسرائيل . وأشار إلى التوافق فى الرؤية بين الطرفين تجاه تحديات مثل الإرهاب ( أى الإسلام) وإنتشار الأسلحة النووية ( ليست بالطبع السلاح النووى الإسرائيلى الذى هو من 200 إلى400 رأس نووى بل هو برنامج إيران للأبحاث المدنية الموضوع بعمق تحت رقابةالأمم المتحدة) .
إشترت روسيا فى تلك الصفقة 12طائرة بلا طيار وتسعى إلى إستكمال مئة طائرة من هذا النوع كما أرسلت 50 خبيرا للتدريب فى إسرائيل على تشغيل وصيانه تلك الطائرات .
وفى إطار الرؤية “المشتركة” لخطر الإرهاب تشتبك روسيا مع مسلمى القوقاز ، وفى الأخير أخذت خطوتها الكبرى ، ولكن بحرص ، بالعودة إلى والمستنقع الأفغانى ” الذى سبق وأن غرقت فيه”.
أما عن مكافحة الإنتشار النووى وهو بند يعنى إيران تحديدا / رغم أن روسيا تمتلك فيه ثانى أكبر ترسانه فى العالم / فإنها شاركت أمريكا وتجاوبت مع مطالب إسرائيل فى معاقبة إيران بوقف تسليمها منظومة صواريخ متطورة مضادة للطائرات ، وذلك حسب طلب إسرائيل ، ولكنها لم تنفذ طلبا آخر لها بوقف تسليح سوريا . وذلك يعنى أن نزع الأوراق الروسية يتم تدريجيا وأن هناك تنازلات روسية مدخرة للمستقبل .
عملية مشتركة وتفاهم مشترك
وكما كانت صفقة الطائرات منزوعة الطيار مع إسرائيل تعتبر فى نظر روسيا “مؤشرا على تدعيم العلاقات بين الطرفين” ، فإن مدير جهاز مكافحة المخدرات الروسى “فيكتور إيفانوف ” إعتبر العملية المشتركة مع أمريكا والناتو فى أفغانستان تعكس عودة العلاقات القوية بين روسيا وأمريكا .
ورغم ان العملية فى حد ذاتها ليست قوية بأى حال ولا مؤثرة لا من قريب ولا من بعيد على وضع مشكلة المخدرات فى أفغانستان ، إلا أن قيمتها الرمزية والسياسية كبيرة ، كما أنها تصلح مدخلا لتفاهم أوسع على نطاق إستراتيجى يطال وسط آسيا بشكل خاص . والدليل على ذلك هو أن إيفانوف طار عقب العملية إلى واشنطن لإستثمار تلك الخطوة الهامة ، والتى ضخموا فى نتائجها ، رغم أنها متواضعة للغاية لدرجة أن وقوعها بالفعل محاطا بالشكوك . ولكن روسيا تأمل بأن الوضعية الأمريكية المنهارة فى أفغانستان قد تمكنها من تحصيل عائد إسراتيجى من جراء عملية تافهة بهذا الشكل .
وكما قلنا فإن روسيا تراهن بمكانتها المستقبلية على وسط آسيا وإعادة الهيمنة عليه للوقوف بعد ذلك فى موقف أفضل إزاء الصين وباقى عمالقه آسيا خاصة اليابان والهند ، وحتى الوصول إلى موقف قريب من الشراكة مع الولايات المتحدة ولو ضمن نطاق صغير من آسيا هو الفراغ الإسلامى فى آسيا الوسطى والقوقاز. وقد تضاف أفغانستان إلى ذلك الحيز الروسى المنشود إذا ما تنازلت أمريكا والناتو عن مهام القمع والسيطرة فيها لروسيا كى تستكمل صرحا منافسا للصين يستنزف جزءا يعتد به من المجهود الصينى ويساهم فى تمزيق آسيا ، إضافة إلى ألغام سياسية أخرى تنشطها أمريكا فى علاقات عمالقة آسيا تتعلق بالحدود والثارات التاريخية .
عملية ضد شرعية كرزاى
المتضرر الحقيقى من العملية المشتركه كان كرزاى ومكانته كرئيس للدولة . فبينما تحاول أمريكا من جهة تسويقه داخليا كزعيم شعبى قوى ، فإنها تتجاهلة تماما إذا تعلق الأمر بالقضايا الجدية مع الخارج . خاصة إذا كانت القضايا ذات صلة باستراتيجيات تمس قارة آسيا.
أوضح بيان السفارة الأمريكية فى كابول بهذه “المناسبة ” أن السفير أيكنبرى هو حاكم البلاد الفعلى . فقال البيان أن شرطة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية الأفغانية قادت العملية (!!) مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية ، وحلف الناتو ، وأن ضباط روس قاموا بدور مساند .
ولكن كرزاى إستشاط غضبا من هذه الإهانة لسلطانه وقال أن العملية تمت بدون تنسيق وتعتبر إنتهاكا واضحا ، وهدد بأن أفغانستان سترد ردا جديا على أى تكرار لهذه الأعمال “!!” .
ويبدو أن وزارة الداخلية الأفغانية شأنها شأن وزارة الدفاع هناك ، تتعامل مع السفارة الأمريكية وسلطات الإحتلال بشكل مباشر وبدون العودة إلى القصر الجمهورى أو مجلس الوزراء الذى تحول بالفعل إلى مجرد متحف سياسى يضم شخصيات محنطة .
ومعلوم أنه حتى شركات الأمن الخاصة المحلى منها والأجنبى تتمتع بنفس إمكانية التعامل المباشر مع الإحتلال والخارج بدون المرور على أى سلطة وطنية .
ومعروف أن كرزاى طالب روسيا مرارا بمساعدة أفغانستان . ويبدو أنه كان يقصد نوعا آخر
من المساعدة ، فماذا أزعجه فى العملية المشتركة ؟ هل لأنها إنتهكت شيئا غير موجود بالمرة وهو “سيادة ” الرئيس ؟ أم لأنها تهدد شيئا أخطر هو “مصالح” الرئيس ؟ .
إذا تفحصنا العملية بشكل أدق سنجد أن الإحتمال الثانى هو الأرجح . فمدير مكافحة المخدرات الروسى فيكتور إيفانوف قال فى مؤتمر صحفى أن العملية كانت ناجحة وتمكنت من تدمير أربعة معامل لتصنيع الهيرويين والمورفين تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود الباكستانية ، كما تم تدمير 932 كيلوجرام من الهيروين ، وتدمير 107 كيلوجرام من المورفين، وقيمة ما تم تدميره حسب إيفانوف هو 250مليون دولار . ثم سافر إيفانوف إلى واشنطن ليبحث التعاون المشترك فى مجال مكافحة “تجارة” المخدرات . ونلاحظ أن تلك تعبيرات فنية ولها معانى هامة .
فلا أحد فى العالم يتكلم الآن عن مكافحة “زراعة” المخدرات لأن الجيش الأمريكى والناتو يحتلون فعليا تلك المناطق ويمكنهم فى غضون ساعات قليلة إنهاء إنتاج أفغانستان من الأفيون الذى يتفوق على جميع إنتاج العالم بل ويزيد عن إحتياجاته .
ومعروف أن أمريكا رفضت مرارا عروض روسية تؤيدها الصين بتدمير محصول الأفيون فى الحقول بواسطة رشه بمواد بيولوجية أو كيماوية بالطائرات . وقالت أمريكا أن ذلك سوف يغضب المزارعين الأفغان فيتمكن طالبان من تجنيدهم لقتالها (!!) . بهذه الحجه المتداعية أغلقت أمريكا ملف مكافحة الزراعة وأبقت على مكافحة التجارة مفتوحا ولكن طبقا لشروطها فقط .
فما هى تلك الشروط الأمريكية ؟؟ .
أول الشروط الأمريكية هو عدم الإقتراب من مصانع الهيروين فى قواعدها الجوية فى بجرام وقندهار وغيرها .
ثانيا : عدم التعرض لمصانع الهيروين التى منحتها أمريكا لعملائها الذين يقدمون لها خدمات عسكرية أو أمنية .
ثالثا : عدم عرقلة عمليان التهريب الخاصة بالمقربين من الإحتلال .
رابعا: عدم التدخل فى قضية إستيراد المواد الكيماوية اللازمة لتحويل الأفيون إلى هيروين . وهى مادة سائلة يتخطى حجمها عشرة آلاف طن ، لم يعثر لها على أى أثر فى عمليات مكافحة التهريب عبر الحدود أو على طرقات أفغانستان جميعها ، بما يحتم فرض رقابة على الشحنات التى تأتى بها الطائرات العسكرية .
تقسيم واقعى لغنائم الأفيون
لقد تظاهرت روسيا بأنها خدعت بالعملية المشتركة التى أسفرت عن نتائج هزيلة للغاية ، رغم إحتمالات المبالغة فى التقارير الصادرة بشأنها . وذلك قد ينبئ برغبة فى التفاهم المشترك على أسس جديدة أكثر تماشيا مع الواقع العسكرى / أى واقع الورطة الأمريكية التى لا فكاك منها سوى بالإنسحاب / وتماشيا مع واقع خريطة توزيع غنائم الأفيون فى أفغانستان بعد تسع سنوات من الحرب . وأهم تغييرات فى تلك الخريطة كان إستبعاد كبير لدور المافيا الباكستانية شبه الحكومية ، التى كانت سابقا هى الوسيط الأول بين المزارع الأفغانى والمافيات الدولية .
وفى الغالب فإن العملية المشتركة ـ إن كانت صحيحة ـ وكونها تمت حسب زعمهم فى ولاية ننجرهار شرق أفغانستان قريبا من الحدود الباكستانية فإنها توجهت صوب الشئ القليل الذى تبقى للمافيا الباكستانية شبه الحكومية .
ومن المريب أن توافق روسيا على ضرب دور الوسيط الباكستانى الضعيف ، وتتجاهل شكواها الدائمة بوجود عدد كبير من مصانع الهيروين المقامه قرب حدود طاجكيستان ويستهدف إنتاجها
القاتل الأراضى الروسية .
وقد إستخدمت روسيا تلك الورقة لإحراج أمريكا دوليا ، وكررت القول بأن 175 معملا مقامة فى تلك المنطقة عام 2008 وقفز عددها إلى 425عام 2010 وأن مليونا من مواطنيها قتلهم الهيروين الأفغانى منذ عام 2000 منهم 30 ألف فى عام 2009 فقط .
فلماذا لم تتم العملية المشتركة ضد هذا الخطر الداهم الذى تشكو منه موسكو وتؤيدها بكين فى شكواها ؟ .
قد يكون ذلك مؤشرا على إنصياع روسيا لمعايير مكافحة المخدرات كما تراها أمريكا . أى أن تلك المعامل هى بالفعل جزء من مجهود أمريكى لارجعة عنه لتدمير المجتمع الروسى كما يقول عديدون داخل روسيا.
و قد يؤشر أيضا إلى أن خطر معامل الهيرويين على نهر جيحون هو خطر وهمى تروجه الدعاية الروسية الحكومية ، ولكن الحقيقة هى أن تلك المعامل تعمل لحساب مافيا المخدرات الروسية المرتبطة بالدولة .
فمن المعلوم أن نصيب روسيا من الهيروين المنتج فى أفغانستان كان فى حدود 10% من الإنتاج إلى ما قبل الغزو الأمريكى . وأن تلك النسبة أخذت فى الإرتفاع مع إحتدام القتال حتى أوشكت أن تكون ثلث الإنتاج أو أكثر حسب بعض التقديرات . ذلك أن نوعا من المقاومة الزراعية فى أفغانستان عملت على تجنيب محصول الأفيون الوصول إلى يد المحتلين .
فخام الأفيون يهرب من شرق أفغانستان بشكل خاص ، ومن الجنوب أيضا ، صوب الشمال ثم يعبر نهر جيحون فى صورة أفيون خام ، أو بعد أن يتم تحويله إلى مسحوق الهيرويين بالقرب من ضفة النهر فى معامل بدائية يديرها تحالف الشمال الموالى لأمريكا والروس معا.
وعملية التهريب صوب روسيا تتم على شقين ـ كما هو شأن كل عمليات التهريب من أفغانستان ـ شق تقوم به مافيا مرتبطة بجهاز الدولة الروسية ويديره ضباط جيش واستخبارات سابقون ـ تماما كما هو الوضع الأمريكى ـ وقسم آخر صغير جدا قياسا بالقسم الأول ويشرف عليه مغامون وطفيلون ومافيات فرعية ، أقل أهمية .
وذلك هو القطاع المستهدف من عمليات مكافحة المخدرات عبر العالم ، لأن المافيات الرسمية أو شبه الرسمية كما فى الولايات المتحدة وروسيا والهند وباكستان والعديد من الدول الآخرى ، لا تكون مستهدفة ، بالذات داخل مناطق سيادة الدولة ـ ولكنها قد تتعرض لمضايقات عندما تعمل بشكل شبه مستقل خارج ذلك النطاق . كما تفعل مثلا مافيا المخدرات الإسرائيلية العاملة فى كولومبيا والمكسيك وباقى دول أمريكا الوسطى والجنوبية والكثير من نقاط العالم ، حيث لا تقدم لها دولتها غطاء رسميا واضحا، بل تقدم لها خدمات بنكية وإستخبارية ودعم لوجستى وسياسى غير مباشر.
وهنا نعود إلى إنزعاج كرزاى ونقول أن سبب إنزعاجه من العملية المشتركة بين روسيا وقوات الإحتلال هو قدوم الروس إلى أفغانستان ضمن إطار إستهدف قطاع المخدرات الخاص.
وكرزاى من كبار أعمدة ذلك القطاع ومنه يستمد نفوذه المالى والسياسى بتكوين طبقة منتفعين يقوى نفسه بهم داخل أفغانستان. وليس كل نشاط نشاط كرزاى فى مجال المخدرات يتم بتنسيق مسبق مع الإحتلال ، بل يحاول تقوية نفسة بالتوسع من وراء ظهر سادته المحتلين، فالثقة بين الطرفين مهتزة تماما.
وهكذا يتقاسم اللصوص !!
إن أى قسمة “عادلة” بين الولايات المتحدة وروسيا لأفيون أفغانستان ينبغى أن تدور حول مبدأ المناصفة ، وهذا ما تحصل عليه روسيا تقريبا ، بدون رضا أمريكا أو موافقتها وإنما بحكم تطورات الوضع الأفغانى ـ أما إذا وافقت امريكا وأعلمت “فيكتور إيفانوف” أن مبدأ المناصفة مقبول لديها فقد توافق روسيا على إنغماس أوسع فى حرب أفغانستان وتتولى مسئوليات (مكافحة الإرهاب الإسلامى ) فى آسيا الوسطى ، إلى جانب توليها نفس المهمة فى القوقاز الإسلامى.
وتظن روسيا أنها بوضع مثل هذا ، توافق عليه أمريكا والناتو ، تكون قد حجزت لنفسها موضعا متميزا فى الوضع الدولى الوشيك بعد أفول السيطرة الغربية على العالم بإنسحاب أمريكا والناتو من أفغانستان . ولكنها فى الغالب تكون قد إرتكبت خطأ النهاية الذى سوف يؤدى إلى تفكيك كيانها الإتحادى المهتز .
فالإتحاد السوفيتى على جبروته لم يتمكن من (هضم) أفغانستان ، وبالتالى لن تتمكن روسيا الإتحادية الأضعف من هضم تواجد إسلامى فى المنطقة ويشكل الغالبية السكانية أو قريبا من ذلك حتى بحساب سكان روسيا غير المسلمين .
خطأ آخر يتعلق بالحسابات المتعلقة بالصين التى يظن معظم المراقبين أنها القوة المهيمنه القادمة أو التى تصفها أدبيات الحزب الشيوعى الصينى ـ على ما يقول البعض ـ بأنها ستصبح مملكة آسيا كما كانت فى القرون الوسطى .
ذلك لأن أمريكا أحكمت ربط الإقتصاد الصينى بالإقتصاد والعملة الأمريكية ، بحيث أن السقوط الأمريكى المنتظر سيصاحبة / غالبا / إنهيار صينى مماثل . وما هو منتظر من تفتت للولايات المتحدة وحروب داخلية فيها ، يتوقعه البعض للصين أيضا ، وعلى شكل أشد دمارا ودموية بما يتماشى مع تاريخ الصين .
وربما توافقت رؤية الدولتان ، أمريكا والصين، كل منهما بطريقته الخاصة فى الحساب ، فى الهروب إلى الأمام نحو حرب عالمية تهدم المعبد على رأس الجميع ، وهو ما تخطط له أيضا الصهيونية البنكية العالمية منذ زمن طويل ، فمؤلفاتها القديمة ومصالحها المقدسة تقوم على هدم العالم الحالى وإنشاء عالم جديد تحت سيطرتها المباشرة ، ومراقبة الأفراد فى الشهيق والزفير وفى أحلام الليل والنهار ، مراقبة شاملة وتامة ، مع ممارسة إرهاب الدولة كما لم يسمع به أحد من الأولين أو الآخرين .
عودة روسيا وكيلا إستعماريا للغرب
# عوده إلى إتفاق واشنطن مع موسكو نقول أنه تطبيق أمين لتوصيف بريجينيسكى مستشار الأمن القومى السابق للرئيس كارتر ، والذى فسر سيادة بلاده العالمية قائلا :
” السيادة الأمريكية للعالم يسندها نظام دقيق من التحالفات والإئتلافات التى تمتد بالفعل إلى كل بقاع العالم ” .
ولكن الوضع الدولى الراهن وتدهور المكانة الأمريكية وإشرافها على الزوال يستدعى الآن تغيير مقوله آخرى لبريجينسكى يقول فيها:
” لم تكن أمريكا ميالة لأن تتقاسم مع روسيا القوة العالمية ، ولا كان بإمكانها أن تفعل ذلك حتى لو كانت تنوى العمل فى ذلك الإتجاه ” .
ذلك لأن شواهد عديدة تشير إلى أن تنازل أمريكا عن جزء من نفوذها لصالح روسيا هو خيار عقلانى لا يخلو من بعد نظر . فالتنازل عن حصة من ثروتها الأفيونية فى أفغانستان مقابل أن يتولى الروس أعباء الحرب هناك ، ومقابل أن يفرضوا الهدؤ القهرى على الشعوب الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز ، هو تخفيف كبير من أعباء لم تعد أمريكا ومعها الناتو بقادرين على تحملها . كما أنه يشعل نيران العداوة بين القوتين العسكريتين الأكبر فى آسيا أى الصين وروسيا . وهناك الهند التى تركز أمريكا على (عملقتها ) أى تحويلها إلى عملاق نووى وإقتصادى يتحمل معظم أعباء مواجهة عالمية مسلحة /أو نووية/ تحركها أمريكا ضد الصين . كل ذلك هو من بعد النظر الإستعمارى الصهيونى ـ الذى يبدو أن روسيا لديها ميل لتلقفة بسرور . وهى /أى روسيا / تحاول بعث تعاونها العسكرى مع ما يسمى (كومنولت الجمهوريات السوفيتية السابقة ) وتحاول تنشيط التعاون العسكرى مع تلك الدول بهدف إحياء مكانة روسيا الدولية فى موازاة أمريكا والناتو غربا ، وفى موازاة الصين ـ واليابان أيضا ـ من طرف الشرق .
ولكن روسيا لا تؤخذ الآن مأخذ الجد من أحد لأنها عودت العالم على التراجع سريعا عن خطوطها الحمراء وعهودها الأكيدة ، مثل تلك التى أكد عليها وزير دفاعها الجنرال نيكولاى ماكاروف فى إعلانه أن إنضمام روسيا إلى الناتو موضوع سابق لأوانه لأن أهداف ومهام روسيا تختلف عنها لدى الناتو .
فمن السهل أن تتوافق أهداف روسيا مع الناتو فى أفغانستان وفى آسيا الوسطى . ولكن روسيا عندها ستكون فى خط المواجهة الأول فى الحرب ضد مسلمى آسيا الوسطى بل وضد الصين التى سترى فى موسكو مجرد جسر يعبر عليه الغرب لتحجيم دور الصين وربما لتقسيمها أيضا.
والصين التى وقفت مع أفغانستان فى حربها ضد السوفييت فى ثمانينات القرن الماضى فأغرقت ساحة الحرب بالأسلحة الصينية / وإن مقابل الدولارات الأمريكية/ إلا أنها قد تجد نفسها مرة أخرى مرغمة على فعل نفس الشئ مجانا لدفع النفوذ الروسى المدعوم من الغرب بعيدا ساحتها الخلفية فى آسيا الوسطى التى تحتوى على النفط والمواد الخام الحيوية لديمومة تفوق إستراتيجى عالمى للصين .
بقلم : مصطفي حامد ابو الوليد المصري (9-11-2010)
copyright@mustafahamed.com
المصدر :موقع الصمود (امارة افغانستان الاسلامية) / موقع مافا السياسي
www.mafa.asia