كابول : مؤتمر للمانحين .. أم مؤتمر للمتواطئين ؟؟
كابول : مؤتمر للمانحين .. أم مؤتمر للمتواطئين ؟؟
ـ وفود ” ستر العورة” ماذا منحت فى مؤتمر المانحين ؟.
ـ ما هو دور إسرائيل فى منع القرار الأمريكى بالإنسحاب من أفغانستان ؟.
ـ الخوف من إنهيار مفاجئ لقدرة التحمل الأمريكية فى حرب أفغانستان قد يدفع إسرائيل إلى التعجيل بشن حروبها على حماس وحزب الله وإيران .
ـ جهاد أفغانستان الحالى بدأ يعطى ثماره فى تحرير أوروبا من الإحتلال الأنجلوساكسونى.
ـ التلوث النفطى للشواطئ الأمريكية يشبه حادث شيرنوبل الذى عجل بالإنسحاب السوفيتى من أفغانستان .
ـ أهم الدول الحليفة لأمريكا بدأت بالفعل التجهيز للإنسحاب من أفغانستان تحت ستار إعادة توزيع القوات.
بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world
المؤتمرالذى عقد فى كابول (الثلاثاء 20يوليو 2010) تحت إسم مؤتمر المانحين تبدوأهدافه غاية الغموض ومتناقضه ، فليس من الواضح منح ماذا.. ولمن ؟.
فهل المنح مالى ؟.. لكن الرئيس كرزاى يقول أن حكومته تمتلك الأموال الكافيه للسنوات الثلاثه القادمة . وكلامه صحيح بل أن الأموال لدى الحكومة/ بل عصابات كابول الحاكمة/ كافية لدرجة تسمح بتهريب مليارات الدولارات فى حقائب عبر مطار كابول بلا أى مضايقات .
كابول نفسها قدرت تلك التهريبات بأربعة مليارات ومئتى مليون دولار خلال ثلاث سنوات. ولنا أن نتخيل هول المبلغ الحقيقى الذى نهب فى فترة الثلاث سنوات التى تم رصدها .
إذن كرزاى “ونظامه”غير محتاجين إلى أموال هؤلاء السبعين دوله ومنظمة ، والذين مثلهم أربعين وزيرخاجية فى مؤتمر المانحين . فهل يحتاج كرزاى إلى الدعم السياسى من هؤلاء ؟
ذلك أيضا مستبعد لأن تلك المجموعة التى حضرت، لا وزن لها فى الحدث الأفغانى لا سياسيا ولا عسكريا ولا ماليا ، فكل ذلك مفوض بالكامل للأمريكى المسيطر على كل شئ والمدبر لكل ما يحدث منذ بدايه الغزو وإلى الآن . والذين منحتهم أمريكا لقب “مانحين” ، بدءوا مسيرتهم كموكب “مهرجين” ، يوفر الدعم المعنوى للأمريكى لإبعاد شبهة العزلة عنه، وإظهاره بأنه يمثل مشيئة دولية ومجتمع دولى .
بإختصار إنهم سبعون شاهد زور جاءوا لتقديم القليل من الرشاوى المالية لمافيات كابل ، والأهم هو تقديم الدعم السياسى والمعنوى للإحتلال الأمريكى ، على الرغم من هزائمه وفشله الذى إعترف به كبار الجنرالات وعدد من الساسة الأمريكيين . ولكن هؤلاء السبعون إنما جاءوا لستر عورة الإحتلال الذى إنكشفت فى أفغانستان وإفتضح معها ضعفة ومكامن الإنهيار فى صميم بنيانة الداخلى .
لذلك يمكن تسمية مؤتمر كابول هذا بأنه مؤتمر “ستر العورة الأمريكية فى أفغانستان”.
لقد صنع الإحتلال الأمريكى “إزارا” يلتف به ويستر حاله ، إزارا مكونا من سبعين خرقة بالية .
ورغم الترقيع الواضح فى تشكيل المؤتمر، وكرنفال ملابس المشتركين الذى عكس تنوع الثقافات مع وحدة إنحطاط الذين يدركون أنهم قادمون كمجرد ديكور لتجميل الإحتلال وشد أزره فى قمع شعب مظلوم ومعتدى عليه. ويكشفون مأساة مجتمع دولى لا يعانى من أزمة مالية خطيرة فقط ، بل يعانى من أزمة أخلاقية أخطر، ويتصرف كعصابة دولية يرأسها مجرم قاتل ومهرب عالمى للمخدرات.
ومع ذلك فلكل منهم تفكير مستقبلى لما بعد الهزيمة الأمريكية الحالية والإنسحاب الحتمى من أفغانستان .
# هؤلاء الذين منحوا الستر للعورة الأمريكية ، شاهدوها بوضوح منذ خطواتهم الأولى نحو أفغانستان وسط إجراءت أمن ثقيلة للغاية . فبعضهم هبطت به الطائرة فى قازخستان أولا ثم نقلته الى قاعدة باجرام الجوية شمال شرق كابول ثم نقلوا منها بالمروحيات إلى فندق “انتركونتننتال ” غرب كابول . وكان يحرس العاصمة وقتها 15ألف جندى أى ما يعادل واحد من كل عشرة جنود إحتلال .
وفود “ستر العورة” قدمت فى سنوات سابقه عدة مليارات لحكومة كرزاى ، كنوع من الجزية لإستدرار العطف الأمريكى وإيجاد ساحة إتفاق مشترك على حساب شعب أفغانستان أو لتهدئة وتيرة التنافس على ساحات دولية آخرى . والآن قلت قدرتهم على الدفع نتيجة الأزمة الإقتصادية التى ضربت الجميع “بفضل فساد السيد الأمريكى” ـ فالبتاجون بجلالة قدرة إنكشفت مؤخرا سرقته لحوالى 8 مليارات دولار من أموال إعمار العراق ـ ويعرف الجميع ويعترفون بالفساد الذى ضرب الإدارة الأفغانية ومعها عصابات الإستثمار الأمريكى فى أفغانستان . والفساد يشمل كل أنواع المافيات التى تستثمر الحرب فى أفغانستان على شكل شركات خاصة تعمل لصالح قوى إقتصادية وبنكية. وما أرقام السرقات والإختلاسات والتهريب والتى يتحدثون عنه بلغة المليارات ، ماهى إلا نماذج على الفساد وليست حجم الفساد الحقيقى .
تماما كى هى بيانات قوات الإحتلال عن خسائرهم فى أفغانستان التى تحجب الحقيقة وتصرف الأنظار عنها وهى تتظاهر بكشف أرقام الخسائر.
ورغم ذلك قررت “خرق ستر العورة” المشاركة فى المؤتمر عن دعمها الحازم (!!!) لتمرير 50 % على الأقل من مساعدات التنمية إلى حكومة كرزاى على مدى سنتين قادمتين . تلك الحكومة “المسخرة” نالت فقط 20% من المساعدات الدولية منذ إحتلال البلد والتى بلغت 40مليار دولار ذهب معظمها إلى الخارج على هيئة حسابات مصرفية شخصية أو فيلات أسطورية على شواطئ نفط الخليج الذهبى .
فالسرقات من ذلك المبلغ، جزء محترم منها ظهر على شكل فيلات سياحية على شاطئ دولة شقيقة ، لجأ إليها قبلا من أفغانستان قيادات الشيوعية الذين ذبحوا مئات الألوف فى الحرب السوفيتية على أفغانستان. وها هى تشاهد تدفق أعداد أكبر وأغنى من فئة أكثر دموية وإجراما وديموقراطية وحداثه تستثمر دماء الشعب الأفغانى وملياراته على شواطئها السياحية الجميلة التى لا يراق على رمالها غير الذهب ودماء الأفغان ودماء المجاهدين الفلسطينيين المسفوكة بأيدى أصدقاء السلام من “الموساد” المزودين بحصانة دولية وجوزات سفر من أكثر الدول ديموقراطية فى العالم .
# فى مؤتمر كابول الأخير أثبتت أمريكا كفاءتها كأفضل “حائك ” تحالفات سياسية فى العالم . فهى تستخدم تلك التحالفات قبل شن الحروب كنوع من التمويه لجيوشها، كما الملابس المبرقعة للجنود وأغطية الأعشاب التى يتسترون تحتها .
وبعد الحرب يعمل أعضاء التحالف إياه فى ضخ الأموال والجنود والعون الإستخبارى والأمنى لمساندة “الحائك الأمريكى” والسير معه حتى النصر أو حتى الهاوية ـ وإذا وقف على حافة الهاوية فإنهم يعملون معه كما حدث فى كابول كتحالف من الخرق البالية “إزارا” يستر عورة الفشل الأمريكى فى آخر مراحل هزيمته التى من المفروض أن تنتهى بالإنسحاب الكامل غير المشروط وبدون تفاوض مع أحد حيث أنه دخل بدون تفاوض مع أحد .
البنتاجون وقرار الإنسحاب من أفغانستان:
الإحتلال تفاوض فقط مع هؤلاء الجالسين إلى جانبة فى كابول الذين يساومونه على نسبة العمولات والرشاوى والتهريب . وفى الأخير أقر “مؤتمر كابول” الذليل نسبة جديدة للسرقات تتمتع بها حكومة كابل من أموال المانحين مقدارها 40% بدلا من 20% كما كان الحال فى الأعوام السابقة . لقد وافقوا على رفع نسبة العمولة التى يحصل عليها كرزاى زعيم مافيات كابل .
وفى النسبة الجديدة إغراء لمافيات كابل الحاكمة بمزيد من الصمود والرضوخ لمخاطر اللحظات الأخيرة من مغامرة الحرب الفاشلة .
فمن الوضح أن إدارة أوباما غير قادرة على إتخاذ قرار الإنسحاب الذى يريده جنرالات أمريكا الحقيقيون (وليس من يديرون شركات للجنود المرتزقة ، ويستفيدون من ميزانيات الحرب فى تنمية ثرواتهم الشخصية وثروات صهاينة البنوك). أنه القرار الوحيد الصحيح ، والحتمى لإنهاء تلك الحرب.
ولكن لماذا لم يتخذ أوباما قرار الإنسحاب؟. أو بمعنى أصح ما هى الجهات التى تضغط لمنع الإنسحاب الأمريكى ، ولو كان الثمن هو التضحية بأرواح جنود الجيش الأمريكى بل وأمريكا نفسها ؟؟.
ورغم أن أمريكا تواجه هزائم يومية فى أفغانستان ، وأفق مغلق تماما أمام أى نجاح فى السيطرة على
أوضاع البلد . يضاف إلى ذلك أزمة مالية مازالت تقود أمريكا إلى مصيرمجهول حسب بعض المسئولين الإقتصاديين .
والبنتاجون يواجه ضغوطا من كل جانب تطالبه بخفض ميزانيته التى لم يعد ممكننا التجاوب مع جموحها . وذلك يعنى بالتالى تقليص الطموحات العسكرية فى الخارج وفى مقدمتها حرب أفغانستان .
معروف أن المصالح الشخصية التى تستثمر حرب أفغانستان تعرقل كل محاولة لسحب القوات الأمريكية. مصالح المافيات الأفيونية والنفطية تأتى فى المقدمة ومعها بالطبع الشركات الأمنية الخاصة التى تمتص الجزء الأكبر من النفقات العسكرية فى أفغانستان ، ولها القوة العددية الأكبر على الأرض .
إسرائيل وقرار الإنسحاب الأمريكى
ولكن غالبا ما يغيب حساب العنصر الإسرائيلى كعنصر ضغط على القرار الأمريكى بالنسبة للإنسحاب من أفغانستان والعراق . ذلك أن التواجد الأمريكى فى تلك الساحات يوفر دعما دفاعيا ونفسيا وماديا لاغنى عنه للبرامج الإسرائيلية بعيدة المدى لإخضاع الشرق الأوسط الكبير . وسوف تحتاج إسرائيل ذلك التواجد الأمريكى حتى إلى ما بعد تحقيق تفتيت العراق تماما وتصفية الإسلام فى أفغانستان وتقسيمه إن أمكن.
تحتاج إسرائيل إلى تثبيت تواجد أمريكى أبدى فى هذين البلدين.
وما زالت إسرائيل بعيدة جدا عن إخضاع “الشرق الأوسط الكبير” وإن كانت سيطرتها على “الصغير” أصبحت شبه مكتملة فيما عدا جيوب صغيرة من حيث المساحة ولكنها كبيرة من حيث الخطر .
وحتى السيطرة على الثقل المركزى للمشروع الصهيونى كله ـ أى فلسطين ـ تبدوا مهتزة وغير موثوقة على المدى المتوسط . لهذا فإن حاجة الصهيونيه ” وإسرائيل ” إلى إحتلال دائم بالجيوش الأمريكية لكل من العراق وأفغانستان تبدو إستراتيجية إسرائيلية دائمة. وذلك يعارض بقوة المصالح الحقيقية للولايات المتحدة كدولة ، بل ويعرض أمنها الوطنى لأشد الأخطار.
ولكن المصالح الصهيونية / المتحالفة مع مصالح المحافظين الجدد/ تقمع الدولة الأمريكية وترغمها على السير فى عكس إتجاه مصالحها القومية . وذلك هو الخطر الحقيقى الذى سيعرض الولايات المتحدة إلى الإنهيار والزوال من الخريطة السياسية للعالم .
من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون البرنامج الصهيونى فى فلسطين أكثر تواضعا حتى لا يعرض المصالح الأمريكية للخطر، ويضطرها إلى دفع أثمان باهظة جدا لا ضرورة لها ، تدفعها فقط بضغط الصهاينة وسيطرتهم على كل شئ فى الولايات المتحدة .
وعلى ذلك يمكن أن نفسر أقوال هامة لمسئولين الأمريكين :
ـ مثل قول نائب الرئيس الأمريكى “جو بايدن” فى زيارة له لإسرائيل مخاطبا رئيس وزرائها قائلا :
( لقد بدا هذا خطيرا علينا . ما تفعله هنا يهدد أمن جنودنا الذين يقاتلون فى العراق وأفغانستان وباكستان هذا يعرضنا للخطر ويعرض الأمن الإقليمى للخطر ) .
ـ وقول الجنرال دافيد بترايوس الذى يقود الحرب الآن فى أفغانستان الذى قال فى أحد تصريحاته واصفا إحتلال إسرائيل للأراضى الفلسطنية بأنه ( عقبة فى سبيل حل النزاعين فى أفغانستان والعراق . وأن الجنود الأمريكيين يقتلون بسبب السياسة الإسرائيلية ) .
ـ يمكن إدراك أن التواجد العسكرى الأمريكى فى هذين البلدين مرهون بفراغ إسرائيل من برنامجها فى فلسطين والشرق الأوسط ـ وأن أمريكا بدأت تنفر من هذا الوضع ، وترى أن مصالحها القومية تقتضى الإنسحاب سريعا، وهى متضررة من الضغط الصهيونى لإبقاء جيوشها فى مستنقعات الدم فى أفغانستان والعراق .
( طبعا يمكن الإستنتاج هنا أن العجلة الأمريكية وضغوط الوطنيين فيها للإنسحاب من أفغانستان ، قد تدفع إسرائيل إلى الإستعجال فى تطبيق برامجها الخاصة فى الشرقين الأوسطين الكبير والصغير، فتضرب ضربتها قبل أن يدهمها إنعدام الصبر ونفاذ قدرة التحمل الأمريكى بإنسحاب مفاجئ من أفغانستان ، بدون سابق إنذار أو بدون تشاور مع الصهاينة. لذلك قد يكون جديا الآن خطر نشوب حرب تشنها إسرائيل فى الشرق الأوسط الصغير أى ضد حزب الله وحماس ، وربما فى الشرق الأوسط الكبير أى ضد إيران. كل ذلك أصبح أكثر إحتمالا الآن ليس نتيجة قوة إسرائيلية بل إستباقا لإنهيار أمريكى فى أفغانستان تحديدا) .
ـ وعلى أرجح الإحتمالات فإن إقالة الجنرال ماكريستال من قيادة القوات الأمريكية فى أفغانستان بعد إصداره ” تقييما مدمرا ” عن الحرب ضد حركة طالبان تسبب فى طرده من منصبه ، ليس لأن الجنرال غير كفؤ بل لأنه عرض مصالح الصهاينة الحاكمين فى أمريكا ، وصهاينه إسرائيل معهم ، لأفدح الأخطار إذا تخلت أمريكا عن تلك الحرب . لذلك طردوه بلا شفقه ودمروا سمعته من خلال أجهزة إعلامهم التى وصفته بالجنرال الهارب .
أوباما العاجز لا يمكنه سوى الإنصياع للمافيات الصهيونية المستترة بالمحافظين الجدد والمتجذرة فى البيت الأبيض والبنتاجون والإستخبارات والكونجرس، والإعلام بطبيعة الحال.
لذا قررت “إيباك ” إستمرار حرب أفغانستان لضمان مصالحها “الإجرامية /المالية” ومصالح إسرائيل فى فلسطين و “الشروق الأوسطية” بأحجامها المختلفة.
لهذا يسرب بعض الوطنيين الأمريكين من الجيش ومخططى الإستراتيجية إلى الصحافة أقوالا تشير إلى خطورة فرض المصالح الإسرائيلية على الولايات المتحدة وجعلها أولوية مطلقة تتخطى مصالح الدولة الأمريكية نفسها . فظهرت أقوالا مثل (إن إسرائيل أصبحت عبئا على الولايات المتحدة وأن علاقتهما الإستراتيجية التاريخية تواجه ” بعض” الخلل والصعوبات لأول مرة منذ إنشاء إسرائيل ) .
وكتب أستاذ أمريكى بارز إسمه “انتونى كوردسمان” يعمل فى مركز الدرسات الإستراتيجية فى واشنطن مقالا تحت عنوان ” عندما تصبح إسرائيل عبئا إستراتيجا ” .
وليس ذلك رأى الوطنيين الأمريكيين فقط بل كان أيضا رأى رئيس الموساد الإسرائيلى “مائير داجان” أمام الكنيست الإسرائيلى وهو يتحدث عن تراجع الدور الإستراتيجى لإسرائيل من منظور الولايات المتحدة بحيث لم تعد تل أبيب شريكا إستراتيجيا لواشنطن بل أصبحت خصما على قدرتها .
القبضة المالية الصهيونية على أمريكا وأوروبا والعالم:
تظهر تصريحات حلف الناتو والإنجليز العزيمة على البقاء طويلا فى أفغانستان. وليس ذلك مظهرا لقوة حقيقية بقدر ما هو جزء من الحرب النفسية على المجاهدين وحرمانهم من الشعور بالنصر الذى إنتابهم بإعلان أوباما العزم على الإنسحاب إبتداء من يوليو 2011 . وهم يريدون تقليل ذلك الشعور والتراجع عن إعلان أوباما وتفريغه من هدفه الأصلى . وهم فى ذلك يخدمون مصالح صهاينة البنوك الذين أحكموا قبضتهم على إقتصاديات أوروبا والولايات المتحدة والعالم من خلال عمليه النهب والسطو الأعظم فى التاريخ والتى يعيشها العالم حاليا، والتى يعجز أشجع شجعان العالم عن المناداة بتحقيق دولى لتحديد المتسبب فى تلك الكارثة المالية الإقتصادية التى حاقت بالعالم وما زالت تهدد بالمزيد من العواقب الوخيمة .
ــ كما لايجرؤ أحد فى العالم على المناداة بتحقيق دولى مستقل فى أحداث 11 سبتمبر وتحديد المدبر الحقيقى لها والمستفيد منها.
ــ كما لايجرؤ أحد فى العالم على المناداة بتشكيل لجنة تحقيق شعبية قضائية دولية لبحث قضية الأفيون فى أفغانستان وكارثة المخدرات التى تجتاح العالم، وتحديد حجمها والمتسبب فيها والمستفيد منها.
ــ كما لايجرؤ أحد فى العالم على المناداة بهيئة تحقيق مماثلة تبحث فى أسطورة الهولوكوست وحجمها الحقيقى والمستفيد من التهويل بها وما جناه من فوائد الإتجار بها ماليا وسياسيا وثقافيا.
“شيرنوبل نفطية” تضرب الولايات المتحدة :
ومع كل ذلك ، فأوضاع دول حلف الناتو والولايات المتحدة قبلها تشير إلى أن عنصر الإقتصاد يضغط بقوة على تلك الدول من أجل التعجيل بالإنسحاب من أفغانستان تحديدا .
ثم عنصر جديد زاد موقف التحالف تأزما ، خاصة العلاقات بين أهم شريكين فى العدوان وهما الولايات المتحدة وبريطانيا . وهى أزمة التلوث النفطى فى خليج المكسيك والتى تسببت فيه شركة البترول البريطانية العملاقة (بريتش بتروليوم) , التى أنفقت حتى الآن ما يقارب الأربعة مليارات دولار فى محاولات غير مكتملة للسيطرة على التسرب النفطى الذى يعتبر الأخطر من نوعة فى التاريخ الأمريكى مسببا دمارا بيئيا غير مسبوق فى شواطئها البحرية ، بحيث يجوز مقارنة الأضرار التى ضربت الولايات المتحدة من جراء ذلك التلوث بالأضرار التى حاقت بالإتحاد السوفيتى عند إنفجار مفاعل شيرنوبل عام 1986 أثناء إحتدام المعارك النهائية فى أفغانستان. وهى كارثة زادت الموقف السوفيتى ضعفا ، وسارعت فى إتخاذهم قرار الإنسحاب و الفرار بتغطية أمريكية وصفقة ثنائية معها.
وملف التعويضات عن تلوث الشواطئ الأمريكية لم يفتح بشكل كامل بعد ، ويعتقد أنه يهدد الشركة البريطانية العملاقة بالإنهيار . وهى تبيع من الآن أصولا من ممتلكاتها فى العديد من البلدان من أجل مواجهة المطالبات الشعبية الأمريكية بالتعويض . وهو أمر يحرج الحكومتين الأمريكية والبريطانية معا ، ويضع تواطؤهما الدولى فى مواجهة مباشرة مع مصالح الشعب الأمريكى ومطالبه المعيشية ، وذلك يحدث ربما لأول مرة فى تاريخ التواطؤ المشترك لقطبى التسلط الدولى الأنجلو ساكسونى .
لقد ذهب رئيس الوزراء البريطانى كاميرون فى أول زيارة له للولايات المتحدة كى يبحث مشكلتين أساسيتين كلاهما يهدد الإقتصاد البريطانى والمكانه الاقتصادية والدولية لبريطانيا والولايات المتحدة ، وهما مشكلتى شركة النفط البريطانية “بريتش بتروليوم” ومشكلة الحرب الأفغانية الخاسرة والمكلفة .
بريطانيا تهدد بأنها لن تغرق منفردة مع شركتها البترولية العملاقة ، بل أيضا أمريكا ستخسر المليارات بسبب إستثمار صناديق التقاعد الأمريكية فى تلك الشركة.
كانت بريطانيا وباقى دول الناتو كانوا يتبجحون بالبقاء طويلا فى أفغانستان أثناء مؤتمر “ستر العورة” فى كابول ، وحتى من قبل عقده بقليل . ولكن واقعهم يقول عكس ذلك تماما . فالخسائر البشرية عالية ومتزايدة والوضع الإقتصادى الداخلى متأزم بلا أى أفق للتحسن، والعلاقات بين حلفاء الأمس ليست فى أحسن أحوالها.
ومن المؤكد أن العودة إلى الماضى المزدهر أصبحت مستحيلة .. وكذلك البقاء فى أفغانستان.
الجهاد فى أفغانستان حرر أوروبا الشرقية سابقا والآن يحرر
أوروبا الغربية من الطغيان الأنجلوساكسونى والصهيونى:
عاد الكلام عن الإنسحاب من أفغانستان ليكون أكثر واقعية ، وعاد يوليو2011 ليصبح علامة فارقة على طريق الإنسحاب , مع عدم تحديد مواعيد نهائية حتى لا يعطوا مزايا إضافية للمجاهدين الأفغان وإنتعاشا معنويا يقود إلى تصعيد فى العمليات . ولكن هناك دولا بدت أكثر تلهفا لسحب قواتها مثل كندا وبولندا واستراليا . وحتى الولايات المتحدة ينتظر شعبها الفراغ من المنافسات الحزبية العقيمة للتجديد النصفى للكونجرس فى الخريف القادم، وبعدها يكون الساسة فى فسحة نسبية لإعراب عن مواقف أكثر واقعية تجاه حروبهم الخارجية الخاسرة خاصة فى أفغانستان.
* وفى أمريكا يواجه البنتاجون ضغوطا متزايدة لخفض ميزانيته الأسطورية “700 مليار دولار” فالإقتصاد لا يحتمل، والداخل الأمريكى مهدد بشدة من تداعيات الأزمة الإقتصادية .
* وفى بريطانيا وزير الدفاع يصرخ شاكيا من أن بلادة لا تمتلك أموالا كافية للدفاع عن نفسها ضد المخاطرالمحتملة . وهناك إتجاه إلى خفض ميزانية الدفاع بنسبة 25% وإلى سحب القوات البريطانية “25الف جندى ” من ألمانيا وذلك لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . وإعترف رئيس الوزراء البريطانى أن بلاده لم تكن فى الحرب العالمية الثانية سوى مجرد (شريك صغير) للقوات الأمريكية فى الحرب على ألمانيا. ويحمل التصريح دلالات خطيرة على سياسات بريطانية مستقبلية ومتمايزة عن الموقف الأمريكى . وذلك تيار يتنامى فى بريطانيا وباقى أوروبا وحتى فى ألمانيا نفسها.
وهكذا تساهم الحروب الجهادية فى أفغانستان فى تحرير أوروبا من الإستعمار.
فى الحرب ضد السوفييت تمكن الأفغان من تحرير دول شرق أوروبا من الإحتلال السوفيتى .
والأن/ وما زال الجهاد ضد الولايات المتحدة وبريطانيا دائرا فوق أرض أفغانستان/ هذه هى أوروبا الغربية وتحديدا ألمانيا فى طريقها لأن تنعتق من نير الإحتلال البريطانى . والبقية تأتى بعد الحرب الظافرة للأفغان على أمريكا والناتو ، فعندها تنعتق أوروبا الغربية / والشرقية أيضا / من الطغيان الأنجلو ساكسونى والصهيونى.
لم يتحدث وزير الدفاع البريطانى عن إنسحاب من أفغانستان وحاول التظاهر بإمكان البقاء طويلا هناك وذلك عكس تحرك قواته فعليا على الأرض . فقد بدأت بريطانيا بالإعلان عن “إعادة توزيع القوات” وسحب قواتها من سنجين بسبب الخسائر العالية /على حد قولهم / وهو ما يقارب الإعتراف بالهزيمة .
* ومن فرنسا خرجت إشارات تذمر ونفاذ صبر من جنرالات كبار فى حجم رئيس كلية أركان حرب “فينسان دى بورت” الذى قال أن جنود فرنسا يتعرضون للهجمات بمعدل خمسة أو سبعة مرات أسبوعيا . ثم أردف قائلا أنه لن تكون هناك معركة حاسمة فى أفغانستان ، وأنها حرب طويلة الأمد كثيرة القتلى، ثم ألقى قنبلة من الحقائق التى لا يرغب الصهاينة فى نشرها حين قال (إن الإستراتيجية الأمريكية فى أفغانستان غير ناجحة وأن الوضع هناك لم يكن قط أسوأ مما هو عليه الآن).
وزير الدفاع الفرنسى “إيرفيه موران” ، وهو رجل سياسى بالطبع، أثارته صراحة ووضوح الجنرال
” دى بورت” ورأى فى ذلك خروجا عن خطة التضليل التى يتبعها الناتو للإخفاء نواياه الحقيقة عن المجاهدين الأفغان . وأن التلهف على الإنسحاب سوف يعقد المفاوضات الدائرة لإخراج الأسرى الفرنسيين لدى الإمارة الإسلامية فى أفغانستان. وهدد الوزير أن الجنرال سوف يحاسب على كلماته الصريحة.
صحيح أن فرنسا رفعت عدد قواتها لتصل إلى أربعة الآف جندى بزيادة لا تعتبر كبيرة بل بالكاد تكفى لحراسة المواقع الثابته للفرنسيين الذين يواجهون قمعا عنيفا عند كل محاولة للخروج فى دوريات فى المناطق المحيطة بهم خاصة فى ولاية كابيسا شمال كابل . وخسائرهم يتم التستر عليها طبقا لسياسة إحتلالية متفق عليها بين الجميع، فلم تعترف فرنسا بغير 54 قتيلا فى صفوف قواتها خلال مدة الحرب التى إنقضت.
ومع ذلك فإن وزير خارجية فرنسا أعرب عن إعتقاده بأن القوات الأجنبية فى أفغانستان سوف تنسحب من ذلك البلد فى 2011 .
وبالفعل فإن دولة مثل كندا بدأت فى لملمة قواتها المتناثرة فى قندهار تمهيدا لسحبها فعليا عام 2011 وذلك مشابها لما فعلته بريطانيا فى هلمند عندما عندما إنسحبت من سنجين ،وهى خطوة تحضرية للإنسحاب فى 2011 .
إن إصرار أمريكا مع أهم دول الناتو على الإنسحاب فى أقرب وقت من أفغانستان سيضع الصهاينة البنكيين أمام أحد الخيارات التالية :
ــ إما تقديم المزيد من الرشاوى المالية الضخمة للأوربيين والأمريكان حتى يقبلوا بالإستمرار فى حرب مكلفة وعقيمة فى أفغانستان .
ــ التعجيل بشن حروب إسرائيل فى الشرق الأوسط والفراغ منها بسرعة قبل وقوع ذلك الإنسحاب.
وذلك بإسناد أمريكى أوروبى كامل.
ــ إرسال قوات إسرائيل لتقاتل معركة وجود حقيقية فى أفغانستان إلى جانب أمريكا و حلف الناتو .
البديل عن ذلك كله هو الإعتراف بفشل مشروع غزو أفغانستان ثم الإنسحاب منها بدون قيد أو شرط ، وهو ما يعنى بشكل غير مباشر إعترافا رسميا من جانبهم بفشل المشروع الإسرائيلى كله .
بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world