تعتبر الحرب بالنسبة للولايات المتحدة عملا استثماريا لجني الأرباح .
لذا يشرف على تحديد أهدافها كبار الرأسماليين البنكيين (في الوقت الراهن) أو الرأسماليين الصناعيين قبل ذلك، ولربما إلى نهاية الحرب الباردة (1989) .
بل أن حكم الولايات المتحدة وقع في النهاية في يد حفنة من كبار أصحاب البنوك الذين يسيرون بقوة المال كل مؤسسات الحكم وأدوات تشكيل الرأي العام.
(عددهم في أحد التقديرات لعالم اجتماع 200 شخص من المحافظين الجدد).
المرجعية في الحكم هناك تنحصر فقط في جمع المال. ولا وزن أو قيمة لأي شيء آخر أو لقيم أخرى سماوية أو وضعية.. ديناً كانت أم ديمقراطية.
وبعد أن رفع قساوسة كبار شعار (المسيح ليس هو الحل) مخرجين بذلك الدين نهائيا من ساحة الحكم والعمل العام الآن ومستقبلا، فإنه حتى أهم الأصنام الوضعية وهو الديمقراطية قد أجهزوا عليها في مهد الديمقراطية “بريطانيا” وأقوى الديمقراطيات (الولايات المتحدة) وذلك بعد حادثة 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب التي كانت في أحد أهم جوانبها حرب على ما تبقى من ديمقراطية في الغرب، فلم يبـــــقوا منها سوى على قشور لا تسمن ولا تشبع من جوع .
فحادثة “منهاتن” شكلت انقلابا عسكريا بكل معنى الكلمة في الكيان العسكري للولايات المتحدة, حيث وضع “المحافظين الجدد” ـ أبناء النازية الأوفياء ـ في مفاصل الحكم في الولايات المتحدة بشكل يستحيل العبث به، وأقصى ما يمكن أن يتاح للشعب الأمريكي من ديمقراطية هو أن يقترع على لون بشرة الرئيس وعلى شعار فارغ لا يخدع سوى الأغبياء.
وها هو شعار (التغيير) الذي رفعه أوباما يتحول واقعيا إلى “تجذير” لنهج المحافظين الجدد ، أو إن شئت النازيون الجدد ـ أو فاشست القرن الواحد والعشرين .
# لا يوجد مواطن في العالم ـ وحتى في أحط أنظمة العالم الثالث ـ موضوع تحت المراقبة الدائمة على مدار الساعة وبأرقى أدوات التكنولوجيا الحديثة مثلما هو المواطن في الغرب ـ وبالتحديد في الولايات المتحدة وبريطانيا .
إنه المواطن الوحيد في العالم الذي يمكن في نهاية اليوم تقديم كشف حساب عن كافة تحركاته في الشارع والعمل والبنك والمستشفي، فمخالفاته المرورية تسجلها الأقمار الصناعية ورسائله ومكالماته وتحركاته في وسائل النقل كلها مسجلة ومصورة، وكأنه سوف يقدم إلى يوم الحساب العظيم في أي لحظة، ولكن أمام أجهزة الأمن في بلاده.
ذلك هو ما تبقى من ديمقراطية عندهم، لقد لحقها ما لحق بالدين ولم يتبق لهم من معبود أو مقدس سوى الدولار.. ولا شريك له .
بعد نهاية الحرب الباردة في (1989) حول الرأسماليون في الولايات المتحدة جيش البلاد إلى ملكية خاصة تشارك فيها عدة كيانات مالية وصناعية عملاقة.
وكشأن قانون التطور الرأسمالي سيصل الأمر إن عاجلا أو آجلا إلى طرد الشركاء الصغار، واندماج الشركاء الكبار في مؤسسة عملاقة تسيطر وتحتكر مؤسسة الجيش فتستثمرها في مجال الحروب المربحة على نطاق العالم ـ وحتى في الداخل الأمريكي كما هو متوقع في مستقبل ليس شديد البعد.
وقد حدث مثال تجريبي على ذلك في عام 2005 عندما ضرب إعصار “كاترينا” ولاية “نيوأورليانز” فدمر ممتلكات سكانها السود، لأن البيض هناك كانوا يسكنون المناطق المرتفعة، ولديهم وسائل نقل خاصة أخذتهم بسرعة وأمان إلى مناطق آمنة في ولايات أخرى.
حكومة الولاية ـ الديمقراطية ـ كان أول ما خطر في بالها ليس إنقاذ هؤلاء التعساء بل أول ما فكرت فيه كان استخدام القتلة من شركات المرتزقة في قمع هؤلاء السود الذين تقطعت بهم السبل فلجأ بعضهم إلى السرقة.
حكومة نيوأورليانز كلفت شركة (بلاك ووتر) سيئة السمعة كي تقمع هؤلاء السود، فبادرت الشركة المملوكة لرأسماليين كبار ويديرها جنرالات كبار بإنزال قواتها “لحفظ الأمن” وليس لإنقاذ الضحايا.
وفي النهاية كانت فواتير الشركة والمقدمة إلى الحكومة الفيدرالية تطالب بدفع راتب يومي لكل قاتل محترف من جنودها مقداره 950 دولار، وحققت الشــــــــــركة
أرباحا يومية / أيضا / مقدارها240000 دولار فقط.
شركات الأمن تهدد الأمن !!
وما يحدث للجيش كمؤسسة حرب مربحة يسرى أيضا على مؤسسات الاستخبارات كمراكز تجسس مربحة وظيفتها وبضاعتها “الأمن” الذي ينبغي أن يكون دوما مهددا حتى تتمكن تلك الشركات من بيع خدماتها وخبراتها ومعداتها .
شركات المرتزقة أصبحت عنصرا يهدد أمن واستقرار دول العالم، فوجود تلك الشركات، يستلزم تصنيع أسباب التوتر والقلاقل والإرهاب والحروب، وذلك دور أجهزة الأمن الأمريكية (والأوربية)، كما أنه دور كبار راسمي الإستراتيجية وأساطين السياسة من أمثال هنري كيسنجر، ذلك اليهودي الصهيوني صانع الحروب، وراسم استراتيجيات عدم الاستقرار وإيجاد مسالك جاهزة ـ أو مصنوعة ـ أمام الشركات متعددة الجنسية العملاقة حتى تجتاح الدول الصغيرة وسرقة ثرواتها.
وهناك نجوم للمحافظين الجدد من أمثال دونالد رامسفيلد ، وريتشارد بيرل، وبول وولفوفيتز، أبطال مجازر البلقان وأندونيسيا، من أجل تصريف صفقات السلاح الكثيفة واحتلال مواقع إستراتيجية تتحكم في مواقع الثروات الحساسة أينما وجدت، وهم أيضا من نجوم العدوان على أفغانستان من أجل إقتحام أسيا الوسطى بنفطها وثروتها المعدنية، وهم من أبطال العدوان على العراق من أجل نهب البترول والتأسيس لإمبراطورية إسرائيل العظمى، ليس فقط من النيل إلى الفرات ولكن في الشرق الأوسط الكبير من شواطئ الأطلنطي إلى حدود الصين.
أي أن الاتجاه الشرقي للإمبراطورية الإسرائيلية في تخيلهم تسرح شرقا لتبتلع ليس فقط العراق ولكن أيضا إيران وباكستان وأفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وما لا تتمكن منه إسرائيل تتكفل به مؤسسات الحرب والتجسس في الولايات المتحدة.
وهى مؤسسات لم تعد وطنية، بل مؤسسات خاصة يمسك طرف الخيط فيها الجنرالات الذين يديرون تلك المؤسسات وينتهي طرف الخيط الآخر في يد حفنة من كبار المرابين الدوليين المسيطرين على “الصناعة” البنكية العملاقة التي أضحت حكرا عليهم، وقد يشاركهم في ملكية “مؤسسات الجيش والأمن” عدد من كبار المستثمرين الصناعيين إضافة إلى مافيا النفط والمخدرات.
شركات المرتزقة في أفغانستان:
يقول باحثون في التاريخ أن قوات المرتزقة الذين استخدمتهم الإمبراطوريات الغابرة، خاصة الإمبراطورية الرومانية، ساهمت في إسقاط تلك الإمبراطوريات .
وأن المرتزقة ساعدوا في تدفق عشائر “البربر” إلى داخل أراضى الإمبراطورية الرومانية فقطعوا أوصالها.
ومن دروس التاريخ أيضا أن المرتزقة أكثر وحشية في ارتكاب الجرائم ضد الأبرياء ولا يحترمون أي قوانين متعارف عليها للحرب، كما أنهم يبيعون أنفسهم مقابل أعلى سعر يقدم إليهم، بدون النظر إلى أي جانب يقاتلون، ولصالح من أو لأي هدف، فالهدف ثابت وهو المال.
ورغما عن كل ذلك فهم أشد فئات المقاتلين جبناً وفراراً من المعارك الحقيقية التي قد تهدد حياتهم، وذلك يعرض تماسك الجيوش التي تستخدمهم للخطر الجسيم، كما أنهم لا يؤتمنون على حفظ الأسرار، وذلك يوضح خطورة استخدام (شركات أمن خاصة) أو جواسيس مرتزقة محترفين، كما تفعل الولايات المتحدة، أو تستخدمهم ضمن الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية في أفغانستان .
ولو أن لدى قيادة الإمارة الإسلامية ما يكفي من المال لحققت من خلال هؤلاء المرتزقة اختراقات هائلة في الماكينة القتالية والإستخبارية للولايات المتحدة والحلفاء على أرض أفغانستان، ولأصبح الاختراق الذي تحقق في قاعدة الاستخبارات المركزية الأمريكية في خوست عملاً شبه يومي.
وعملية خوست تلك لم تكن سوى نموذج صغير لما يمكن فعله مع المرتزقة والاستفادة من عبادتهم للمال.
من الهزيمة إلى الكارثة
إذن الوجود الكثيف للمرتزقة في صفوف الجيش الأمريكي في أفغانستان وصفوف الإستخبارات المركزية هناك، وعدد من الحلفاء في “إيساف”، ليس علامة قوة على الإطلاق بل هو علامة ضعف شديد وسبيل مؤكد إلى تحويل الهزيمة العسكرية لهؤلاء إلى كارثة وجود تمس أنظمة الحكم في بلادهم.
فالمرجح هو أن أمريكا لن تلاقي في أفغانستان مجرد هزيمة كالتي تلقاها السوفييت ـ الذين لم يستخدموا المرتزقة ـ فقادتهم الهزيمة إلى تفكك الإمبراطورية فقط.
ولكن الحالة الأمريكية تختلف جذريا لسبب جوهري هو الاستخدام الكثيف لقوات المرتزقة في الجيش والاستخبارات وفي صفوف الحلفاء.
وذلك يؤخر الهزيمة ، فلا تظهر إلا في مراحل متقدمة عندما تصبح انهيارا شاملا في بنيان الدولة الأمريكية وبنيان الحلفاء الأوروبيين، وبالتالي في التركيبة الدولية كلها، لأن الانهيار سيكون انهيارا لحضارة كاملة تحكمت في مفاصل العالم الاقتصادية والسياسية والثقافية.
وسيكون الأمر شبيها بغرق قارة “أطلنطا” في الأساطير القديمة، أو طوفان نوح في القصص القرآني ـ حضارة كاملة سوف تغرق وحضارة أخرى سوف ترث الأرض لصالح الإنسان وتصالحه مع خالقه.
شركات المرتزقة في أفغانستان ـ لا تقوم بدور قتــــالي مباشر ـ حسب مصادر أمريكا والغرب ـ بل تقوم بخدمات عسكرية مثل التدريب والإمداد والتموين والأمن والاستطلاع وتقديم المشورات العسكرية لكبار القادة “حتى من الأمريكيين والحلفاء” إلى جانب ضباط الجيش الأفغاني، الذين يتلقون أوامر من المرتزقة وليس مجرد استشارات كما هو مفترض.
ومع ذلك فإن هذه الشركات أصبح لها اليد الطولى في تقرير مسار الحرب سواء على المستوى العملياتي على الأرض أو على مستوى التخطيط الإستراتيجي أو في مجال تدريب الجيش الأفغاني وقوات الأمن الداخلي.
شركات المرتزقة تلك تعمل كجهاز عصبي تالف، فلا ترسل أشارات الألم إلا بعد أن يكون المرض قد دمر أجزاء الجسم الحساسة.
والآن فالهزيمة العسكرية واقعة بالفعل في صفوف أمريكا والحلفاء في أفغانستان، ولكن شركات المرتزقة التي تحصل على المليارات من دوام تلك الحرب تمنع وصول إشارات الخطر إلى مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة التي هي خاضعة بطبيعة الحال لنفس القوى المالية صاحبة شركات المرتزقة، وبالتالي لا تتخذ أي قرار يمس مصالحها أو يقلل من أرباحها.
إذن نحن أمام قرار أمريكي حتمي بالانسحاب من أفغانستان، ولكنه مؤجل وسوف يأتي في وقت متأخر للغاية بحيث يستحيل السيطرة على تداعياته في أمريكا وأوروبا والعالم.
حرب المرتزقة
# تقول الإحصاءات المتسربة من الغرب أن الجيش الأمريكي في أفغانستان يضم من المرتزقة ما نسبته ثلثي قواته البشرية العاملة في أفغانستان.
وهى النسبة الأعلى في العالم ـ وربما في تاريخ الحروب، أي أنها تكاد تكون حرب المرتزقة.
وتقول الإحصاءات أن عدد الجنود المرتزقة في أفغانستان يتراوح ما بين 130,000 إلى 160,000 جندي طبقا لدراسة أجراها قسم الخدمات في الكونجرس وأوردتها صحيفة واشنطن بوست (16ديسمبر 2009).
وقال الخبراء أنه الحشد الثاني في الحجم بعد العراق، ومعلوم أن الأمريكيين في بدأوا في النقل إلى أفغانستان قواتهم النظامية وقوات المرتزقة والمعدات.
وتقول الإحصاءات أن التعزيزات العسكرية الجديدة التي سيرسلها أوباما إلى أفغانستان وتكتمل في صيف هذا العام 2010 وعددها 30,000 جندي سوف يرافقها تقريبا حوالي 56,000 جندي مرتزق، وهكذا ستكون نسبة المرتزقة في أفغانستان هي الأعلى في أي حرب شهدها العالم.
وكما قلنا فإن الكثافة في استخدام المرتزقة ضمن إطار الجيش الأمريكي والحلفاء هو أشارة إيجابية للإمارة الإسلامية ومجاهديها لأنه يعطي كل النتائج السلبية المتصورة وغير المتصورة على المجهود العسكري والسياسي للعدو.
فتلك الشركات همها الأكبر نزح ميزانيات الحرب الضخمة وتحويلها إلى حساباتهم البنكية، وفي المقابل فإن تلك الشركات تبذل جهدها كله ليست لإنجاز واجباتها ولكن من أجل تمديد فترة العقود وعدم إنجاز المهام في وقتها ولا بالشكل المطلوب.
وبشكل عام تستغل تلك الشركات ميزة تفوقها العددي في الميدان الأفغاني وتسللها إلى مفاصل القيادة العليا للقوات الأمريكية والقوات الدولية (إيساف) وهيمنتها على الجنرالات الأفغان عديمي الصلاحية وضعاف الشخصية أمام “الخبراء المرتزقة ” وبكل ذلك تستطيع شركات المرتزقة وبتنسيق داخلي فيما بينها أن تمدد أجل الحرب وتطارد فكرة الانسحاب، وتحبط أي تفكير منطقي في تسوية سياسية تضمن انسحاب أمريكي يحفظ شيء من ماء الوجه لدولة كانت عظمى فأصبحت كسيحة في مجال الحرب كما في السياســـــة و قبلا وبعدا في مجال الاقتصاد.
مهام بالمليارات
# قالت مصادر صحفية أن ضباط أفغان ذوى رتب متوسطة، تولوا مهام جنرالات في الجيش الأفغاني كمكافأة على ولائهم للاحتلال، وتحديدا لشراكات المرتزقة التي تشرف على تدريب الجيش /وعلى رسم عقيدته القتالية/ وعلى إعداد خبراء في عمليات الإمداد والتموين.
وكل مهمة من هذه المهام تخصص لها ميزانية بملايين الدولارات، بل أن إعادة تأهيل الجيش الأفغاني رصدت لها ميزانية مقدارها 1,7 مليار دولار، أما مهمة “تحديد العقيدة القتالية للجيش” فهي أيضا مهمة ميزانيتها المرصودة تبلغ 200 مليون دولار وهى مهمة تشير كل الدلائل إلى أنها لن تنجز وليست مقيدة بأي جدول زمني!! .
ومع ذلك ورغم مرور تسع سنوات على الحرب فإن أيا من تلك المهام رغم مئات الملايين التي أنفقت، لم يكد ينجز منها شيء يذكر.
والأدهى أن أيا من تلك المهام لم تحدد لها مهلة زمنية لإنجازها، والأخطر هو أن جميع شركات المرتزقة تلك ـسواء العاملة في الجيش أو الإستخبارات ـ لا تخضع لأي معايير للمحاسبة أو المساءلة.
لأن أصحابها هم أصحاب الدولة الأمريكية، وماسكي مفاتيح النظام فيها ، ومفاتيح البنوك والاحتكارات العظمى.
فشركات المرتزقة، والعدد الهائل من جنرالاتها وضباطها الكبار والجنود ليسوا في أفغانستان لكسب الحرب، بل لاستثمارها كعمل تجاري وصفقات تحقق أرباحا بالملايين والمليارات، وتوجيهاتهم الاستشارية في مجال رسم إستراتيجية الحرب أو تحديد مجالات عمل القوات كلها مستقاة من نفس الرؤية.
ومن هنا كان هدف الحرب الأعظم هو أفيون هلمند (60% من إنتاج أفغانستان ، وأكبر من كل محصولات العالم).
وهو محصول يوفر عائدا للأمريكيين مقداره (640 مليار دولار) حسب مدير مكافحة المخدرات في روسيا الاتحادية، وأكبر من ضعف ذلك المبلغ حسب تقديرات أخرى أكثر واقعية وأقل في مراعاة للدبلوماسية والمصالح المشتركة والمتبادلة.
فشركات المرتزقة في مجال الأفيون هي ذراع تنفيذي لمافيا المخدرات الأمريكية والبريطانية.
ثم كان الهدف التالي الأعظم للحرب في أفغانستان هو تأمين خطوط نقل البترول والغاز من آسيا الوسطى إلى ميناء جوادر الباكستاني على مياه المحيط الهندي.
وهنا يرتبط عمل شركات المرتزقة بمافيا النفط الأمريكية التي يطلق عليها شركات النفط الكبرى المتحكمة عالميا في تلك السلعة الحيوية لاقتصاد العالم.
تلك الشركات نفسها أي النفطية، ومافيا المخدرات، والصناعيين الكبار من منتجي الأسلحة والذخائر وجميع وسائل الدمار الشامل هم أنفسهم مؤسسي ومالكي (شركات المرتزقة) التي تحارب لأجلهم في أفغانستان والعراق، وأفريقيا وكل مكان به ثروات تحتاج إلى من ينهبها.
لا حرب على الإرهاب!!
نزح الثروات الضخمة هو المهمة الأساسية لشركات المرتزقة في أفغانستان أما دعايتهم الكاذبة “بالحرب على الإرهاب” فليس لها ظل على أرض الواقع.
فصحيفة نيويورك تايمز (في 19 أغسطس 2009 ) قالت بأن شركة بلاك ووتر سيئة السمعة قد تعاقدت مع المخابرات المركزية الأمريكية CIA في برنامج يكلف ملايين الدولارات يحتوى على مهام تخطيط وتدريب ومراقبة ولكن البرنامج فشل في اعتقال أو اغتيال أي عنصر في تنظيم القاعدة.
# شركات المرتزقة في أفغانستان تقوم بدور أكبر بكثير مما هو معلن أو مفترض، لأن تدخلهم لا يقتصر على تعاقداتهم الرسمية .
فكما قلنا فإن لهم يد طولى تمتد من توجيه العمل الميداني وحتى رسم الاستراتيجيات العامة مرورا ببرامج تدريب الجيش والاستخبارات الأفغانيين، ومساعدة الجيش والاستخبارات الأمريكية في ميادين كبرى ماعدا القتال المباشر (كون ذلك آخر ما يرغب فيه المرتزقة في أي مكان خاصة أفغانستان) .
ويدير المرتزقة سجونا خاصة بهم في أفغانستان، ويخطفون ويعذبون أشخاصا خارج نطاق القانون وأجهزة الدولة، والمعتقد أنهم يديرون تجارة مخدرات خاصة بهم أو بشركاتهم خارج نطاق المشروع الأمريكي البريطاني لتجارة المخدرات.
# ومعروف أن معظم شركات المرتزقة أنشئت منذ عام 2001 على يد وبأموال الكارتيلات الصناعية الضخمة واحتكارات النفط، ومن وراء ستار خفيف شركات النفط ومافيا المخدرات، ومرت شركات المرتزقة بسلسلة من انتقال الملكية والاندماج ، وذلك سعيا نحو الاحتكار وحصر العمل في كيانات عظمى لا يدخلها إلا الكبار فقط من عظماء الرأسماليين.
والجنرالات المؤسسون المنظمون لتلك الشركات هم من خريجي الجيش الأمريكي، الذي أصبح مؤسسة طاردة للكفاءات، والهدف العميق لذلك التحول هو أن لا يمتلك الوطن مؤسسات الدفاع عن نفسه، فيكون أمر الدفاع والاستخبارات موكولا ومملوكا للرأسماليين الكبار وحدهم يستخدمونها لاعتبارات الربح بدون اعتبار لمصالح الوطن.
وهكذا ومنذ بدأت تلك السياسة /أي خصخصة الدفاع والأمن/ تحول جنرالات الجيش الكبار نحو العمل في شركات المرتزقة برواتب عالية، مع ضمانات قانونية تحميهم من الملاحقة وتكفل لهم تخطى القوانين في وقت الحرب وفي مناطق الأزمات، كما أن تلك الشركات كفلت لهم التعامل عن قرب مع وزارة الدفاع (البنتاجون) والتعرف عن قرب بالصفوة الحاكمة للبلاد من عمالقة الرأسماليين، وبالتالي تمتعت شركات المرتزقة باستخدام عدد من الجنرالات الكبار بنسبة أعلى من تواجدهم في الجيش الأمريكي نفسه.
نهاية الحرب الباردة دشنت فترة خصخصة الحروب الأمريكية والجيش الأمريكي.
فتقرر تخفيض تعداد الجيش من أكثر من مليوني جندي إلى أقل من مليون ونصف تقريبا وسموا ذلك الجيش “القوة القاعدة ” أي القوة الأساسية.
ورسموا مهامها طبقا لمعدي المشروع وهما الجنرالان “كولن باول” و”بتلر” بأنها لتطويع ما أسموه الدول المارقة التي حددوا شروطها بحيث شملت ست دول خارجة عن طوع الولايات المتحدة، منها أربع دول إسلامية هي العراق وسوريا وليبيا وإيران، ودولتان من خارج العالم الإسلامي هما كوبا وكوريا الشمالية .
وقد لخص بشكل موجز وواضح مزايا تلك الشركات وفلسفة استخدامها الكولونيل “هاكو ورث” الحائز على عدة أوسمة في حرب فيتنام، فقال: (هؤلاء المرتزقة الجدد يعملون في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية بينما يتغاضى الكونجرس عن ذلك، وهذا يسمح لنا بدخول حروب حيث نتردد في إرسال الجيش والمخابرات المركزية .
وفي النهاية فإن دافع الضرائب الأمريكي يدفع لجيش المرتزقة التابع لنا، وذلك يناقض تعاليم آبائنا المؤسسين.
كذلك فإن وجود مثل هذه الشركات يسمح للإدارة الأمريكية بتنفيذ أهداف متعددة في السياسة الخارجية دون الخوف من الاهتمام الإعلامي الذي يرافق عودة جنود أمريكيين في توابيت بعد أن قتلوا في معارك خارج البلاد .
والإنكار هنا “للمهمة” أسهل على الحكومة عندما يكون هؤلاء العاملون في الخارج غير مرتدين للملابس الرسمية العسكرية).
ليس ذلك فقط، بل أنه تم إضعاف الجيش الأمريكي بشكل متعمد حتى يضعف دوره لصالح نمو سرطاني للشركات العسكرية الخاصة والمتعاقدين “المرتزقة “.
فكثير من الوظائف العسكرية الحساسة تم إلغاؤها في الجيش الأمريكي حتى يكون مجبرا على استئجار خدمات تلك الشركات، وحتى المدربين الاختصاصيين لا يكاد يظهر لهم أثر في الجيش النظامي، وأصبحت الشركات الخاصة تتولى ذلك الأمر مقابل أموال خيالية.
ومشهور أن الجيش الأمريكي “الرسمي” أصبح مجرد مستودع (لجاذبي الزناد) أي مجرد مطلقي النار من البنادق، أما الكفاءات فهي موجودة بأعلى سعر في الشركات الخاصة التي يتقاضى الموظف العسكري فيها ما يعادل ثلاثة أضعاف نظيره في الجيش الحكومي الأمريكي.
المرتزقة والتعذيب
ولما أصبح التعذيب سياسة رسمية في الجيش والاستخبارات الأمريكية وإن تحت تسميات رقيقة ومهذبة، مثل (تقنيات الاستجواب) أو (تهيئة الظروف المناسبة للسجين كي يدلى بما لديه من معلومات).
فإن الجيش الأمريكي يفتقر إلى هؤلاء (المحققين) وإلى مترجمين في البلاد التي ابتليت بالغزو الأمريكي، مثل العراق وأفغانستان ـ ودول كثيرة أقل شهرة خاصة في أفريقيا وشرق آسيا ـ فإن شركات المرتزقة تزود الجيش بهؤلاء (المحققين) المرتزقة أو المتعاقدين.
وفي مجال التعذيب والتحقيق الوحشي تكون الشركات الإسرائيلية للمرتزقة في صدارة الشركات (المتعاقدة) والتي تقدم الدعم للجيش الأمريكي، بل وتدرب عناصر شركات الأمن الأخرى.
وقد أعترف بذلك العديد ممن شاركوا في تعذيب المعتقلين في العراق خاصة ضمن فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب.
ويمكن للإسرائيليين العمل في شركات أمن غير إسرائيلية مستفيدين من تمتعهم بجنسيات متعددة في نفس الوقت.
لذا نراهم في كل مجالات التعذيب في أي حرب أو اضطرابات سياسية أو اجتماعية وفي كل أنواع الفتن حول العالم.
ويظل التعذيب هو تخصصهم المفضل إلى جانب نشاطات التجسس في صورها الحديثة: الاستطلاع وتجميع المعلومات.
وفي مناطق الأزمات لا يفوتهم تنشيط فعالياتهم التقليدية في العمل الربوي والجريمة المنظمة ومن ضمنها بالطبع تجارة المخدرات والدعارة.
وتشاهد طائرات إسرائيلية تهبط من وقت إلى آخر في مطارات أفغانية تنقل الخبرات التاريخية النادرة للقوات الأمريكية الأوروبية وخبراء حكومة كرزاى.
ويعتقد أن هناك جنرالات إسرائيليون يتابعون ويحللون ما يجري على أرض أفغانستان لأخذ العبر والدروس، والاستعداد ليوم آت لا ريب فيه.
بقلم : مصطفي حامد ابو وليد المصري
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
مجلة الصمود عدد 48
http://124.217.252.55/~alsomo2