والملف يؤرخ للحالة الفكريةالعربية التي عاصرت تلك الحرب.
وقت كتابة الملف, كان المجاهدون العرب في بيشاور، بل وباكستان كلها تحت ضغط شديد من المطاردة والاعتقال والإبعاد, في بدايات حملةطالبت بها الولايات المتحدة, ثم أدارتها من وراء ستائر شفافة ومواربة. وليس هذا هوالمهم, بل المهم هو أن الملف يحوى عدداً من القضايا, والمشاكل الفكرية والحركية، المتأمل فيها يلاحظ بسهولة أن جذور المأساة الحالية, لعرب أفغانستان كانت متواجدةمنذ ذلك التاريخ القديم.
• كان الملف على وشك الطباعة في ذلك الوقت, ولكن جهةإسلامية هامة تكرمت مشكورة بإحباط المشروع.
• فدُفنت الأوراق في الجبال ثم قرأهاالبعض سراً وتسرب بعضها هنا وهناك.
والمذكرة تحوى أول مشروع نقدي لظاهرة (الأفغان العرب) مع التحفظ على التسمية. ولكن العداء الإسلامي لعملية النقد حرمنامن فرصة أن نكون في مركز أفضل في مقابل حرب عالمية طويلة بدأت في عام 2001م. وهىحرب جاءت بعد ثماني سنوات عجاف من الحملة الباكستانية, على عرب بيشاور في عام 1993م. بل كانت في الحقيقة استمرارا لها..
تعددت الحملات والنكبات منذ ذلكالتاريخ.. ولكن يظل لدينا ثابتاً لا نتراجع عنه هو كراهية النقد.. ووضع مصلحة)الجماعة) فوق مصلحة ( الأمة) وتقديس (الفرد) أكثر من تقديس (الرسالة).
فهل نعجبإذن من تحالفنا الدائم مع الفشل؟
وهل نلوم العدو على هزائم نوقعها بأنفسنا.. قبلأن يقوم هو من مقعده؟
الولاء هو الولاء لله ورسوله والمؤمنين .
والبراء هو التبرؤ التام من معسكر الطاغوت بأكمله.
وعقيدة الولاء والبراءلا تعنى انقطاع التعامل بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر, بل التعامل بينهما لاينقطع لحظة من ليل أو نهار. والتعامل على أنواع.
2- تعامل جهادى يقاتلهم بالسيف عندما تستدعىالضرورة
3- تعامل في الأمور المعاشية من تجارة أو استخدام الأراضي والموانيللمرور.. إلخ
4- تعامل سياسي لاستطلاع المواقف “ذات الاهتمام المشترك “. وهوأوسع مجال من مجالات التعامل وهو ما يعنينا في هذا الحديث.
لهذا لا بد أنيخوض المسلمون المجاهدون غمار و مخاطر العمل السياسي كما يخوضون غمار المعاركالعسكرية… مدركين أنهم في مجال أشد خطورة, والخطأ فيه أشد فداحة.. وقد قالأحدهم أن خطأ سياسي واحد أوخم عاقبة من مئة خطأ عسكري, وهو قول لا يخلو من الصحة .
الأولي : إذا حقق أحد أطرافهم مكاسبكبيرة قبل الآخرين, فيسعى إلي الإستئثار بها منفرداً, وقد يتوقف عن قتالالمسلمين مؤقتاً . بل ربما يقاتل الآخرين دفاعا عن مكتسباته.
والخرائط ” سياسية أو عسكرية ” هامة جداً ” فيالعمل التكتيكي وهو عمل قوامه المناورة التي هي فن أكثر تعقيداًفي السياسة منهافي العسكرية.
والتكتيك العسكري يبدو بسيطاً بل بدائياً إذا قورن بالتكتيك السياسي, فالتكتيك العسكري قوامه المناورة بالنيران والحركة على أرض المعركة, وهي معطياتفيها قدر لا بأس به من الثبات, أما التكتيك السياسي فهو مناورة لتحقيق مصالح محددةفي وسط غابة هائلة من الخطر والمصالح المتعارضة, ومعظمها عوامل متغيرة وبعضها عواملممتدة من أعماق التاريخ.
والصفقة هي الطابعالأشمل للسياسة بل تعتبر في كثير من الأحيان دليل نجاح, لأن البديل عن الصفقاتالناجحة التي تحقق مكاسب جزئية هو الحرب المستمرة التي قد تستحق جميعالمصالح.
كما أناحترام الصفقة المعقودة أمر يتم انتهاكه في معظم الأحوال في أقرب فرصة إذا كاننتائج ذلك النقض أكبر من نتائج الالتزام بالعهد, وكذلك عقد صفقات متناقضة مع أطرافذات مصالح متعارضة وفى وقت واحد هو عمل روتيني في الغابة السياسية.
وكما ذكرنابأن معرفة خريطة المصالح السياسية هو عمل ضروري لنجاح العمل التكتيكي السياسي, الذيبدورة لا يمكنه النجاح ما لم يستند إلى خطة سياسية على المستوى الإستراتيجي.
صعوبات في المناورة السياسية:
لا يكفى أن تكونالقيادة السياسية المسلمة على مستوى عال يمكنها من العمل السياسي رفيع المستوي, بللا بد أن تكون القواعد الإسلامية على مستوى رفيع وقدر عال من الإدراك, وأيضاًالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي خاصة إذا كان على درجة من الخطورة المصيرية أوالتبعات الثقيلة.
في صلح الحديبية وفيه قبل الرسول صلى الله عليهوسلم بهدنة طويلة الأمد (10 سنوات) بدلاً من المواجهات العسكرية المستمرة وذلك فيمقابل شروط بدت في ظاهرها في صالح الكفار أكثر منها في صالح المسلمين.
التحالفات:
التحالف هو امتداد لمبدأ الحشد فيالمجال العسكري, وهو من المبادئ الرئيسية في القتال والسياسة معاً.
ولعلنا نلاحظ الأهمية الهائلة التي يوليها الجميع لمبدأالتحالف إذا نظرنا إلى المثال الأخير ولاحظنا قدرة الولايات المتحدة على كسب الحربضد العراق بسهولة. ولكنها فضلت الدخول في تحالفات لأسباب اقتصادية ودينية.
في الغابة السياسيةيسود قانون البقاء للأقوى. القوة المادية لها قيمتها ولكنها ليست كل شيء, فالأقوىمعنوياً وعقائدياً يمكنه دائماً أن ينتصر إن أحسن الاستفادة من مزاياه النوعيةالمتفوقة.
سياسة الخطوة.. خطوة:
التدرج سنة كونية. فالإنسان والكون كله يبدأبسيطاً ثم يتطور نحو الأعقد ثم ثم يتحلل وينتهي.
* الحرب كما السياسة تخضع جميعها لنفس القانون فيالبداية لابد من تحديد الهدف ثم وضع الخطة ثم تنفذ على مراحل خطوة خطوة ومع ذلكفالعراقيل والمشاكل, وربما الانتكاسات, جميعاً طوارئ عادية تعترى أي عمل بشرى..
منالنتائج الهامة لما سبق ذكره هو أن إقامة الدولة الإسلامية ليس هو النتيجة التاليةلأية معركة عسكرية مع الكفار. فليس إذن معيار النجاح أو الفشل في أي مواجهة عسكريةهو إقامة النظام الإسلامي أو عدمه إنما في مقدار التقدم الجزئي في سبيل تحقيق ذلكالهدف النهائي.. وذلك يرتبط بنقطة أخرى مفادها أن الحدود السياسية الراهنة ” للدولالوطنية الإسلامية” لا تصلح لإقامة نظام سياسي مستقل, يقوم بواجباته الإسلاميةالكاملة ويدافع عن كيانه في مقابل القوى الدولية العظمى الكافرة التي تدير العالملمصلحتها. والنجاح في السيطرة على أحد الكيانات السياسية المسماة دولا عربية أوإسلامية لا يعنى أن في إمكانهم إقامة كيان إسلامي متكامل بشكل فوري.
ولابد من تأمل ما حدثلأفغانستان بعد إسقاط النظام الشيوعي في كابول, وتلك الحرب الأهلية التي دارت رحاهافي العاصمة كابل تحت رعاية الولايات المتحدة وبواسطة الأطراف الإقليمية.
1- لابد أن يتم التحرك – في اتجاه النظام الإسلامي – من خلال كتلةبشرية وجغرافية ضخمة, لديها مؤهلات المواجهة طويلة المدى على جميعالأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية .
فى رمضان 1413هـ_مارس 1993م