زيارة سرية في ظلام الليل، وخطاب في جنود نصف نائمين في قاعدة بجرام الجوية شديدة التحصين والتي هي سجن سيء السمعة أكثر منها قاعدة عسكرية ذات قيمة في الحرب.
إنه أداء سيء جدا للرئيس “أوباما ” يعبر عن الفشل أكثر مما يعبر عن النجاح أو الإبداع في حل مشكلة يدرك الجميع أن 99% من أوراقها موجودة في يد الإمارة الإسلامية.
وحتى نظام كابول وعلى رأسه ” كرزاى” البائس ساهمت الزيارة (الظلامية) في إبراز صورته الضعيفة كرئيس خاوي من صلاحيات الرئاسة وهيبتها.
كرزاي لم يكن يعلم شيئا عن الزيارة، ولا حتى عن هبوط طائرة الرئيس الأمريكي في مطار بجرام، أو أن رئيس الولايات المتحدة وصل سرا ويخطب في جنوده بدون علم أحد في كابول، خاصة رئيس الجمهورية الذي كان نائما في ذلك الوقت، ولم يوقظه أحد من نومه إلا بعد أن ركب ” أوباما” طائرة هيلكوبتر عسكرية متوجها إلى القصر الجمهوري ليجري مباحثات ليلية مع الرئيس النائم.
سبب الزيارة مازال مجهولا، فما أعلن عن مواضيع بحثت في ظلام الليل بين رئيس متورط (أوباما) ورئيس نائم (كرزاي)، هي من ذلك الطراز الثقيل الذي بحث آلاف المرات وطبقت في حلها آلاف المقترحات طول تسع سنوات، ولكن الأمور تتفاقم بدلا أن تحل، فهل كانت الزيارة الليلية القصيرة تهدف إلى حل تلك المشاكل فعلا؟.
إذا كان للزيارة ارتباط فعلي بما يحدث في أفغانستان، فلا بد أن يكون للزيارة صلة بمغامرة عسكرية تفكر فيها القيادة الأمريكية وتقول أن هدفها قندهار، مع مغامرة أخرى سياسية هدفها تلفيق مصالحة سياسية تعارضها الإمارة الإسلامية بشكل مبدئي وتوافق عليها فئات هامشية وانتهازية.
ولكن بما أن أوراق اللعبة كلها تقريبا في يد الإمارة، فكل الطرق نحو الحل السياسي ستظل مغلقة ما لم يتم ذلك الحل وفقا لشروط الإمارة.
ومن جهتها تستخدم الولايات المتحدة أساليب شتى لتطويع موقف الإمارة وفي مقدمتها الأسلوب العسكري، الذي يتأكد فشله بعد كل حملة، وكلما كبرت الحملة العسكرية كان فشلها أكبر والإحباط النفسي للعدو وقواته أكبر، وفي الأخير كانت معركة قرية “مارجه” التي نجح العدو في أن يضع قواته داخل فخ قاتل داخل قرية صغيرة يحاصرها المجاهدون، ويقتلون الجنود ويدمرون الآليات بشكل يومي.
لم يكن ليحدث ذلك أبدا بهذه الصورة لولا حماقة القيادات العسكرية للعدو أو بمعنى أصح حماقة قياداته السياسية التي تريد أن تتعلق بأي انتصار تافه من أجل الإيهام بأن الحل العسكري يتقدم وأن الإمارة الإسلامية لابد أن تنصاع في النهاية للشروط الأمريكية، وأيضا من أجل تشجيع العناصر العميلة التي كانت تعمل من وراء ستار، أن تخرج إلى العلن وتنضم إلى ركب الخيانة، على أمل أن يؤدى ذلك إلى إحباط معنويات المجاهدين والشعب الأفغاني كله.
العلاقة بين الإمارة والشعب
السبب الأساسي لقوة موقف الإمارة الإسلامية هو ارتباطها الوثيق بالشعب الأفغاني الذي يمدها بكافة مستلزمات الجهاد، بداية من إمدادها بالشباب المجاهدين مرورا بالاحتياجات المادية بأنواعها، فكان في ذلك المدد الشعبي خير بديل عن المدد الخارجي المقطوع بفعل الحصار الدولي ـ بل التآمر الدولي ـ على شعب أفغانستان ودينه وثقافته وتاريخه.
تلك العلاقة بين الإمارة الإسلامية وشعبها هي المستهدف الأول في المرحلة الراهنة، وحتى النهاية الطبيعية لهذه الحرب باندحار المعتدين.
فهناك حرب نفسية متكاملة تستهدف تلك العلاقة الوثيقة بين قيادة الجهاد والشعب المجاهد.
# من الوسائل الهامة في تلك الحرب : سلاح الإشاعة وسلاح الأكاذيب، وتلك الأسلحة استخدمها العدو الأمريكي حتى قبل نشوب الحرب على أفغانستان من أجل تفكيك العلاقة بين الإمارة والشعب، لأن تلك هي عقدة الحرب وسر نجاح المجاهدين وقوة نظام الإمارة.
من وسائل فك عرى الارتباط هو بث الإشاعات الكاذبة، مثل ما يتعلق بمفاوضات سرية مع العدو والحكومة، أو قرب التوصل إلى اتفاق سياسي، أو الإيهام بـأن هناك جناحان معتدل ومتشدد داخل القيادة.
# وهناك ما هو أسوأ وهو القيام بعمليات ضد الشعب ونسبتها إلى مجاهدي الإمارة من أجل فك عرى ذلك الارتباط.
وتكون تلك الأعمال متجانسة مع نشاط المجاهدين، خاصة في بث الألغام أو التفخيخات بأنواعها، فتقوم السلطات العميلة بالتفجيرات ويقوم إعلام العدو بتضخيم أعداد القتلى والمصابين من المدنيين ونشر تلك الأخبار على أوسع نطاق في الداخل والخارج.
ولا بأس أيضا من إجراء مقابلات إذاعية أو مصورة مع ضحايا مفترضين، وغالبا ما يكونون من عناصر أمن النظام أو مستأجرين لحسابه حتى يدلوا بتصريحات تدين المجاهدين وتشيد بالحكومة أو الاحتلال.
سلاح النفاق..
# يستخدم العدو في حربه النفسية أهم الأسلحة على الإطلاق وهو “سلاح النفاق”، وذلك سلاح أثبت فعاليته منذ صدر الإسلام وحتى الآن، هؤلاء ينضمون إلى صفوف المسلمين لبث الإشاعات والفرقة والانقسام الداخلي والحرب الداخلية إن أمكن، أو ينسحبون من المعركة وقت احتدامها حتى يخذلوا المؤمنين ويحبطوا عزائم الجيش، كما حدث في غزوه أحد حين انسحب المنافقون بقيادة زعيمهم (أبي بن سلول).
ثم فعلها المنافقون مرة أخرى في غزوه الخندق بدعاوى كاذبة بأن بيوتهم عورة تستلزم وجودهم فيها للرعاية والدفاع، وهكذا دأبهم في كل المعارك وكل العصور.
وحتى في حقبة الجهاد ضد السوفييت والشيوعيين المحليين ظهرت عدة فئات من هؤلاء المنافقين وأضاعوا ثمار الجهاد من أيدي المسلمين وأوقعوا أفغانستان في فتنة الاقتتال الداخلي الذي دحرته حركة طالبان ونجحت في القضاء عليه وأقامت نظام الشريعة الإسلامية تحت مسمى الإمارة الإسلامية.
والآن تتعرض الإمارة ـ في إطار الحرب النفسية الأمريكية ـ إلى هجمات النفاق من جانب هؤلاء ذوي الوجوه المتعددة.
وجه مع المجاهدين ووجه آخر مع الميليشيات الحكومية، وهكذا يمكنهم السير على كافة الحبال الموجودة على الساحة ويضمنون بقاء مصالحهم طافية على السطح في كل الظروف.
# نجح العدو بمقدار ضئيل حتى الآن في إحياء (سلاح النفاق) ولكنه لن يستطيع أن يمضي به كثيرا، ذلك لأنه يستخدم أوراقا محترقة سبق استخدامها فاكتشف الشعب حقيقتها وأتقن المجاهدون سبل التعامل معها.
ولكن العدو فشل تماما في استخدم (سلاح الفتنة) سواء الفتنة العرقية أو الفتنة الطائفية، وذلك نجاح يحسب للإمارة الإسلامية منذ فترة حكمها الأولى قبل العدوان الأمريكي.
فلم تظهر الإمارة، وهي في أوج قوتها وسيطرتها على 95% من مساحة البلد، أنها تتحامل ظلما على أي طائفة من الشعب. بل عاملت الجميع على قدم المساواة وبالعدالة التي تمليها الشريعة الإسلامية وليست الأهواء الجاهلية والعصبيات المقيتة.
ذلك رغم أن هناك مليشيات عملت لحساب الخارج، وقاتلت الإمارة تحت شتى المسميات العرقية والطائفية، ولكن الإمارة لم ترد بالمثل، وذلك أكسبها ثقة واحتراما تجني ثماره الآن.
فجميع فئات الشعب ومن شتى التنوعات تعرف أن نظام الإمارة الإسلامية هو المنقذ الحقيقي لأفغانستان وشعبها.
فليس هناك من يخشى الجور والإجحاف ـ ناهيك عن الانتقام ـ عند عودة الإمارة إلى الحكم مرة أخرى وهي عودة تبدو قريبة، بل ويتمنى الشعب أن تكون أقرب ما يمكن.
.. وسلاح الفتنة
# إشعال (الفتنة) وتفعيل ذلك السلاح الفتاك، فشل على النطاق المحيط بأفغانستان، مثلما فشل داخل أفغانستان نفسها.
لقد حاولت أمريكا وفشلت إلى درجة اليأس من تحويل الحرب في أفغانستان إلى حرب إقليمية، تتحد فيها الأنظمة الحاكمة على محاربة الشعب الأفغاني وإمارته الإسلامية.
وأسباب ذلك الفشل، أهمها :
ـ أن جيران أفغانستان موقنون بأن الحرب الأمريكية كانت مقررة قبل سنوات من وقوعها.
وبالتالي فإن الدعاوى الأمريكية بأن عودة الإمارة الإسلامية إنما تعنى عودة أفغانستان كمصدر للإرهاب في العالم هي دعوى كاذبة تماما لأن ذلك لم يحدث سابقا حتى تحتمل عودته لاحقا.
ـ إن نظام الإمارة الإسلامية لم يشكل أي خطر على جيرانه، بل أن العكس هو الصحيح إذ كانت الإمارة ضحية لأعمال عدائية وتدخل سافر في شئونها وعبث مريع بأمنها من جانب معظم الجيران المهمين.
ـ إن بعض الدول الإقليمية التي شاركت بعمق في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان باءت جهودها بالفشل، وكل ما حققته هو إشعال حرب داخلية على أراضيها تستنزف الاقتصاد وتهدد الوحدة السياسية لأوطانها، حتى فقد النظام السياسي المتورط كل مشروعية أمام شعبه، وأصبح مستهدفا برياح التغيير الداخلي.
ـ أيقنت دول الجوار الأفغاني أن أمنها الوطني لن يتحقق إلا عبر استقرار الأمن الأفغاني، والذي بدوره لن يتحقق إلا بعودة الإمارة الإسلامية التي يجاهد الشعب الأفغاني من أجل إقامتها مرة أخرى.
ـ الدول الإقليمية التي تماشت بشكل محدود مع الرغبات الأمريكية وقدمت ومازالت نوعا مخففا من المساعدة للمحتلين إنما فعلت ذلك تحت وطأة سياسة (العصا والجزرة) أي بمزيج من التهديد والرشوة.
وروسيا تحديدا رفضت طلبا أمريكيا بالإسهام العسكري المباشر(!!) فالروس غير راغبين في معاناة لدغة أخرى في أفغانستان تؤدي بحياة كيانهم الاتحادي كما حدث للإتحاد السوفيتي.
لذا لم توافق روسيا سوى على استخدام أراضيها لمرور الإمدادات غير العسكرية للقوات الأمريكية في أفغانستان. وتقول الكاتبة الروسية ” د. جانا برويسيفنا ” :
( إن الحقيقة التي يعرفها خبراء الإستراتيجية هي أن الأمريكيين لا يريدون مغادرة أفغانستان على الإطلاق، وذلك ليس بهدف محاربة الإرهاب، ولكن لأهداف أخرى تتصل باستراتيجيات أمريكية في القارة الأسيوية، أكبر بكثير من أفغانستان والمخططات حول هذا الشأن موجودة في أدراج البنتاجون الأمريكي حتى قبل أحداث سبتمبر 2001 ).
لا استقرار في آسيا بدون الإمارة الإسلامية
ـ وبدرجات متفاوتة من النجاح قاومت الدول الإقليمية الرئيسية سياسة التوريط الأمريكية، بل إن جميعها متفقة /سرا أو علنا/ على أن الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة هو تواجد قوات الاحتلال الأمريكي وقوات حلف الناتو في أفغانستان، وأن الضمان الأكيد لأمن أفغانستان واستقرار المنطقة هو عودة نظام الإمارة الإسلامية الذي يحظي بإجماع معظم شرائح الشعب الأفغاني المسلم.
ـ فشلت الحرب العسكرية الساخنة في إخضاع الشعب الأفغاني وإجباره على الاستسلام للمحتلين، وبالمثل فشلت أساليب الحرب النفسية على تنوع أساليبها، وليس من المتوقع أن يحقق العدو الأمريكي أي نوع من النجاح في أي منهما خاصة وأن صفوف تحالفه بدأت تتفكك، ولهجة اليأس من النجاح أصبحت هي الشائعة في الدوائر السياسية بل وحتى العسكرية.
وأكثر الحلفاء في الناتو هم على رأي سحب قواتهم وعدم تجديد مدة بقائها، والدول الرئيسية في الناتو رفضت زيادة عدد القوات هذا العام رغما عن الضغوط الأمريكية الشرسة (أو الوقحة حسب تعبير بعض القادة الأوروبيين).
وأصبح الموعد الذي حدده أوباما للانسحاب في صيف 2011 موعدا يرى الحلفاء ـ أو المهمين منهم ـ أنه موعد حقيقي ينبغي التصرف بمقتضاه، وذلك أمر هام وخطير على مستقبل الاحتلال خاصة إذا جاء على لسان أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة والذي يقوم دوما بدور الملحق العضوي (أو ذيل الكلب كما يحلو للبعض تسميته) إنه الحليف البريطاني.
والأمر أكثر أهمية إذ جاء على لسان شخصية عسكرية رفيعة مثل قائد القوات البرية “ديفد ريتشاردز” الذي صرح قائلا:
(إن النزاع في أفغانستان سوف يتلاشى تلقائيا نحو عام 2011). وقال أيضا بأن سحب قوات بلاده من أفغانستان سوف يبدأ في ذلك العام، وذلك هو المقطع الهام من تصريح الجنرال أما المقطع الآخر الذي يبشر بالانتصار على المجاهدين الأفغان، فإن أحدا لم يأخذه مأخذ الجد، لأن أحداث الواقع لا يؤيد منها شيء ذلك الإدعاء الأجوف.
أوروبا التي تعبت من حرب أفغانستان وتريد التخلص منها في أقرب وقت، تتمرد وبصوت عال أحيانا، وعبر كبار الحلفاء مثل بريطانيا وفرنسا، على القيادة الأمريكية نفسها وتصفها علنا بعدم القدرة أو الجدارة بقيادة العالم.
وحتى الذرائع الأمريكية بأن الإرهاب سيعود إلى العالم بعودة الإمارة الإسلامية هي موضع شك عالمي وأوروبي.
وفي الأخير وصلت الثورة إلى مجلس العموم البريطاني والذي نادى وبقوة بفصل مسار السياسة البريطانية عن المسار الأمريكي، وأن مصالح بريطانيا يجب أن تكون مستقلة عن الرغبات الأمريكية، ولم تكن الدعوة إلى ذلك الموقف البريطاني المستقل يتخيلها أحد قبل الحرب الأفغانية الحالية وفشل أمريكا في إدارتها.
مشاريع العدو الأمريكي في المجال العسكري أو مجال الحرب النفسية لا تمتلك أدنى مقومات النجاح، كما أنه لا يمتلك الوقت الكافي لذلك.
فمرور تسع سنوات بمحصلة تساوى صفرا وصمود تام وكفاءة منقطعة النظير في إدارة الصراع من جانب الإمارة الإسلامية يجعل من المنطقي أن نتنبأ بأن العدو سيحصل على صفر جديد خلال الزمن القادم، سواء كان ذلك الزمن هو صيف 2011 أو أكثر من ذلك أو أقل.
من هلمند إلى مارجه
خفضت أمريكا سقف طموحاتها العسكرية إلى مجرد السيطرة العسكرية على ولاية هلمند فلما فشلت، وبعد تركيز كل قواتها المتاحة في السيطرة على قرية “مارجه” العظمى، ولم تسيطر سوى على فناء مدرسة ابتدائية للأطفال رفعت عليها علم كرزاى، وقد كلفها ذلك “النصر” المؤزر أرواح الكثير من الجنود ودمار الكثير من المعدات، فإن أملها في السيطرة على هلمند يبدو أنه تبخر إلى غير رجعة، مع العلم أن ولاية هلمند ظلت هي المجهود الرئيسي للعدو، وذلك واضح من الإحصائيات العسكرية وأرقام الخسائر التي تنشرها مجلة الصمود في كل شهر.
والآن يتكلم العدو عن قندهار، على أنها الهدف المحوري الذي بالسيطرة عليه يسيطر على كل أفغانستان (!!). وذلك تصور غير صحيح حتى مع افتراض إمكان تحقيقه، فذلك مستحيل كما اتضح ليس فقط من وقائع سنوات الحرب التسع الماضية، بل أيضا من أحداث أثني عشر عاما أو يزيد من الحرب ضد السوفييت ونظام كابول الشيوعي.
قندهار لها طبيعة خاصة في كل أفغانستان من حيث قوة المجاهدين وعنف المعارك، وشجاعة السكان غير المعهودة على ظهر الأرض. ويسرى ذلك على كل الجنوب وكل أفغانستان. ولكن تظل قندهار حالة خاصة جدا من حيث الاستعصاء على الإخضاع بالقوة المسلحة، فلغير الإسلام لا تذعن قندهار، وبالمثل أفغانستان كلها.. ولكن تظل قندهار أيضا حالة خاصة.
لقد أحرج وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) نفسه وأحرج بلاده كلها بهذا الالتزام مستحيل التنفيذ، فلو أنه يعرف أفغانستان، وقرأ أو سأل غيره، عن تاريخها لعرف أنه تسرع وحجز لنفسه ولبلاده مقعدا في قطار سريع ينطلق نحو الفشل المؤكد.
فحسب أداء قواته وقوات الحلفاء يمكنه، مع المجازفة الشديدة، أن يعد شعبه والعالم بأنه سيحاول استكمال السيطرة على مبنى آخر في قرية “مارجه” العظمى، أما قندهار(!!)..
فلا شك أنه يهذي، حتى أن بعض المراقبين تشكك في وجود إرادة أمريكية كافية لتحقيق نصر في قندهار، واستدلوا على ذلك بالحظر الأمني على حركة وسائل الإعلام الدولية خوفا من أن تنقل صورة الفشل الأمريكي المتصاعد في مارجه وكل أفغانستان.
المتوسلون بالاحتلال
# ولكن تظهر هنا مفارقة هي من المضحكات المبكيات، فبينما دول الناتو متلهفة على الفرار من أفغانستان في أسرع وقت، والولايات المتحدة لا تقل لهفة ولا يعرقلها سوى البحث عن مخرج “مشرف” لا يوحى بالهزيمة ويحفظ أكبر قدر من المصالح.
ولكن كل ذلك له سقف زمني ضيق بحكم المقاومة العنيفة للمجاهدين وبحكم الوضع الأمريكي المتردي داخليا بفعل الأزمة الاقتصادية وما ترتب عليها من مخاطر حقيقية على إجمالي الوضع الداخلي اجتماعيا وسياسيا، مع تراجع المحتوى الديمقراطي للنظام الأمريكي لصالح فاشستية شرسة تتوغل وتستحكم يوما بعد آخر، وتصدر خبرتها ونموذجها البشع لأوروبا المتصدعة، ولدول العالم الضائع في أزمات الكبار وتحكمهم شبه المطلق في شئون البشر والكوكب نفسه.
كل ذلك الارتباك في معسكر الأعداء ولهفتهم على الخروج والبحث عن منافذ مناسبة للهرب، أو أدوات تستر فضائح الفشل والهزيمة المنكرة، مع كل ذلك نجد العملاء في كابول والمنافقين من موردى الميليشيات، يحاولون إنقاذ العدو وإطالة حياة النظام. بل ويطالبون المحتل بعدم الانسحاب سريعا من البلاد “!!” خشية أن تعود الإمارة الإسلامية إلى الحكم مرة ثانيه “!!”.
هذا الموقف المقزز، سيجدون من يحاسبهم عليه في المستقبل. وقد سبق وأن حاسبهم الشعب سابقا ونبذهم وطاردهم في كل مكان.
وكأنهم اشتاقوا لتكرار التجربة مرة أخرى، أو أنهم أدمنوا ذلك الدور ولم يعودوا قادرين على أداء دور آخر، أو أن يعودوا لدينهم وكرامتهم المهدورة مرة أخرى.
لا يبدوا العدو الأمريكي متشجعا كثيرا بالتعامل المجدد مع موردي الميليشيات، ومحترفي الانقلابات الفاشلة. ويعرف أنهم محكومون دوما بالفشل، وأن الشعب لا يرحب بهم بأي حال وحتى قادة حكومة الخيانة التي أتى بهم العدو على ظهر الدبابات لا يشعرون بالاطمئنان لهؤلاء الانقلابيون الذين احترفوا الغدر بحلفائهم في كل مرة وتخلصوا من كل حليف بالانقلاب عليه وقتاله ثم الانتقال إلى حليف آخر.
إنهم طوق نجاة جديد للاحتلال الأمريكي. ولكنه طوق مصنوع من الأحجار والشوك سوف يهوى بهم سريعا إلى قاع الهزيمة التي باتت محتومة وقريبة الوقوع.
بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية) عدد 47
http://124.217.252.55/~alsomo2