أجرت الإذاعة البريطانية (BBC)حديثا مع الباحثة الإسترالية السيدة “ليا فارال” حول دور الإنترنت فى إعلام (المتشددين) . وقد طلبت منى السيدة “فارال” مشكورة أن أكتب شيئا حول ذلك الموضوع حتى تقدم بعضا منه خلال حديثها مع الإذاعة المذكورة، ثم كتبت لى أسئلة تغطى محاور ذلك اللقاء.
فكرت فى البداية أن أعتذر نظرا لإنقطاعى وعزلتى لسنوات عن التيار الإعلامى. ولكن فى الأخير قررت أن أكتب شيئا طبقا لتجربتى القليلة خلال السنوات الماضية . فربما شجع ذلك الآخرين على كتابة ما هو أفضل وأشمل.
وتلك هى مساهمتى المتواضعة جدا فى ذلك الموضوع الهام .
( مصطفى حامد) مارس-2010
إن لهذا الموضوع صورة مجسمة ذات ثلاث أبعاد :
إيجابى ، وسلبى ، ومخفى .
الجانب الإيجابى يقول :
بأن الإنترنت هو الوسيلة الأهم على الإطلاق بالنسبة إلى تلك المجموعات كما هى لباقى العالم . فقد وفر الإنترنت قدرة على الإتصال المتنوع بالصورة كما بالكلمة المكتوبة أو المسموعة.
فإذا أضفنا إلى ذلك سرعة الإتصال وإمتداده الأفقى الواسع مع رخص تكلفته نسبيا ، لتوصلنا إلى نتيجة تقول بأنه وسيلة إتصال ثورية زادت من قدرة تلك المجموعات على التواصل ونقل الأفكار، متخطين الكثير من الحواجز القديمة التى كانت تعرقلهم .
الجانب السلبى يقول :
أن قدرة الدول المعادية لتلك المجموعات قد زادت هى الأخرى فى مجالات الإختراق والتتبع والتصنت على الإنترنت والحصول منه على معلومات حساسة . وأصبح لإمكانات الدول المضادة ، مزايا الدقة والسرعة والإنتشار الواسع إضافة إلى التمتع غالبا بميزة التعاون الدولى الذى هو ميزة تفتقدها عادة حركات المقاومة.إضافة إلى أن منابع خدمات الإنترنت الأساسية تأتى جميعا من مصادر العدو.
طبيعى أن تتمتع أجهزة الدول المعادية بإمكانات تقنية أكثر تطورا وعناصر بشرية أكثر خبرة وتدريبا. وبالتالى فإن إستخدام حركات المقاومة لشبكة الإنترنت تحت تلك الظروف قد يعرضها إلى دفع أثمان باهظة من سلامة أفرادها وسلامة الحركة فى النهاية. وهى أثمان أعلى بكثير مما كانت تدفعه سابقا فى ظل إستخدام الوسائل القديمة الأقل تطورا.
وهنا تنتقل المعركة إلى مجال السيطرة على المقدرة الإنترنتية.
وهى معركة تبدو محسومة لصالح الدول المعادية لحركات المقاومة.
ولا سبيل أمام تلك الحركات سوى الإرتقاء بالمستوى العلمى والفنى والتقنى لخبرائها ومعداتها على السواء ، إضافة إلى التعاون الأوثق مع الحركات الشبيهة والمعارضة والمتمردة فيما يشبه التحالف الإنترنتى الدولى المضاد لأعداء البشرية من المستعمرين.
الجانب المخفى يقول :
والمقصود هنا هو التأثيرات غير المرئية على جماعات المقاومة المسلحة لإستخدام شبكة الإنترنت . وأرى أن هذا الجانب هو الأخطر على المدى المتوسط . والذى يهمنى هنا هو التأثير الفكرى على الجماعات العقائدية المسلحة وغير المسلحة.
1 ـ فالإنترنت قد إخترق أسوار العزلة الثقافية التى كانت تلك الجماعات تفرضها على أتباعها بغرض الحفاظ على ولائهم وعدم إنجذابهم إلى تيارات أخرى . والآن أصبح فى مقدور هؤلاء الأتباع أن يطلعوا على الكثير جدا من الأفكار المضادة أو الشبيهة أو المنافسة. فالحصار الذى كان قائما منذ سنوات قليلة لم يعد فى الإمكان إستمراره.
2 ـ على الإنترنت أصبحت أفكار تلك الجماعات معروضة على الرأى العام لإبداء رأيه فيها، فأصبحت عرضة للمجادلة أو المعارضة . وبالتالى لم تعد أفكار تلك الجماعات ذات قدسية لاهوتية ، بل خضعت أكثر للبحث العقلى والمنطقى والعلمى . وسيكون لذلك تأثير كبير جدا فى المستقبل . وأعتقد أن الإنترنت سيكون عاملا مؤثرا بقوة فى تشكيل العقلية المقاومة فى المستقبل . وبالتالى ستسقط أقانيم كانت فى السابق مقدسة ، بدون وجه حق، وسوف تتخطاها الأجيال الجديدة وتتركها خلفها .
3 ـ الإنتشار الكبير أفقيا على ساحة الإنترنت لبعض الجماعات العقائدية
المعارضة لا يعنى بالضرورة إتساع قاعدتها البشرية . وربما كان العكس هو الصحيح . فإتجاه الناس هو نحو الإعراض عن البضائع الأيدلوجية الصاخبة التى لاتمثل مصالحهم ، ولا تناسب عقلياتهم التى لم تعد محدودة كما كان الأمر فى السابق . فتلك التيارات المتشددة بصخب، لم تثبت جدارة فى مجال التحديات الفكرية المطروحة على ساحة الإنترنت.
ومن هنا قد نفهم سبب إتجاه تلك التيارات إلى إستخدام المزيد من الصراخ وتصعيد الطرح الفكرى المتشدد وغير المنطقى فى محاولة منها للتعويض عن الهزائم الفكرية وإنصراف جمهور الشباب .
حركة طالبان والإنترنت :
دور الإنترنت فى العمل التنظيمى لحركة طالبان هو شئ لا أعلمه تفصيلا .
ولكن أتوقع أن يكون ذلك الدور خارج أفغانستان محدود ، و أكثر محدودية داخلها.
فإستخدام الإنترنت جاء مع الإحتلال كثقافة جديدة على المجتمع الأفغانى الفقير والمحروم فى معظمه من التعليم .
وأظن أن الوسيلة الأكثر فعالية فى عمليات الإتصال والتنظيم لدى حركة طالبان حاليا ظلت هى نفسها كما كانت وقت الجهاد ضد السوفييت ، أى الإتصال المباشر بين الأفراد، ونقل الرسائل التنظيمية أو الإعلامية شفويا أو كتابيا ، فهى الطريقة الأكثر أمنا ومصداقية فى التراث الأفغانى .
# عن سؤالكم حول رفض طالبان للتكنولوجيا أو إستخدام التلفزيون
والإنترنت:
فالمقصود هنا هو فترة حكم طالبان التى إستمرت أكثر قليلا من خمس سنوات. وهى سنوات من الحصار الدولى والحرب الأهلية المدعومة إقليميا ودوليا . وكانت ميزانية الإمارة وقتها تتراوح ما بين 70 إلى 80 مليون دولار. وهو مبلغ لايكفى لفعل شئ . فلم يكن ممكنا رعاية أى برنامج يضمن أساسيات الحياة للناس، ناهيك بترف التمتع بثمار التكنولوجيا الحديثة. فالأمر كان عدم مقدرة أكثر منه رفضا لإستخدام التكنولوجيا .
ـ أما عند عودة طالبان إلى الحكم من جديد ، فأظن أننا سنواجه (طالبان جديدة) فى كل شئ . وسوف تحافظ الحركة على أساسيات الحكم الإسلامى، مع إنفتاح كامل على إنجازات التكنولوجيا . ولكن مع عدم إتاحة المجال للفساد الأخلاقى والثقافى أن يتدفق خلال وسائل الإتصال الحديثة .
دور الإنترنت فى إعلام حركة طالبان :
العمل الإعلامى لحركة طالبان كان هو المستفيد الأكبر من إستخدام الإنترنت . وذلك رغم المطاردات الأمنية والحرب الإلكترونية التى تشنها عليهم الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما أن المجال الإنترنتى وتحدياته الأمنيه هو مجال جديد على الحركة التى لاتمتلك العدد الكافى من الكوادر المؤهلة لذلك العمل.
ومع ذلك فإذا ما قارنا بين الأداء الإعلامى لحركة طالبان وهى فى حالة إشتباك مع جيوش الإحتلال الأمريكى والأوروبى ، مع إعلام أحزاب المجاهدين وقت الإشتباك مع جيوش الإحتلال السوفييتى ، سنجد أن إعلام طالبان الآن أكثر تأثيرا وفعالية ، من ناحيتين :
الأولى هى العنصر البشرى الذى يصوغ الرسالة الإعلامية ويوجهها. وكونه محليا وأكثر فهما للواقع الذى يعالجه وأكثر أصالة وإستقلالية فى الرؤيه من الجيل الإعلامى السابق .
الثانية هى إستخدام الإنترنت الذى وفر لهم إنتشارا إعلاميا أوسع وأسهل وأقل تكلفة .
ومع ذلك فمستوى إعلام حركة طالبان مازال أقل بكثير مما ينبغى أن يكون عليه. ويرجع ذلك فى الأساس إلى إفتقارهم إلى أرض صديقة ترتكز عليها خطوطهم الخلفية للإمداد والخدمات، وهو ما توفر لهم فى باكستان وقت جهادهم ضد السوفييت .
( إنتهى)
بقلم: مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر: موقع مافا السياسي