هكذا تستقبل أمريكا عام الهزيمة فى أفغانستان
صراع بين الجيش والإستخبارات وفشل مزدوج على الجبهتين
بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية) عدد 44
http://124.217.252.55/~alsomo2
ودعت وكالة المخابرات المركزية الأميركية العام الميلادى المنصرم وداعا جنائزيا.
إذ تلقت ضربة موجعة فى مدينة خوست . وكانت الضربة من القوة بحيث صنفوها على أنها ثانى أعنف الضربات التى تلقتها الوكالة منذ إنشائها عام 1947 .
فى ضربة خوست فقدت الوكالة “حسب روايتها الرسمية ” سبعة من القتلى بما فيهم ” قائدة” القاعدة العسكرية للوكالة ، وإثنان من الشركات الأمنية التى تزود طائرات الوكالة منزوعة الطيار بالذخائر(!!) وذلك إضافة إلى ستة من الجرحى.
وحسب سجل الوكالة فإن الضربة الأعنف فى تاريخها كانت فى بيروت عام 1983.
ورغم أن أول الأرقام التى أذيعت عن عملية خوست قالت بأن القتلى الأمريكين كانوا ثمانية إلا أنه ولأسباب نفسية تحرص السلطات الأمريكية دوما على التقليل كثيرا من عدد خسائرها فى أفغانستان . كما أن وكالة المخابرات الأمريكية لا ترغب ـ وأيضا لأسباب نفسية ـ فى أن تكون أكبر خسائرها التاريخية قد حدثت فى أفغانستان تحديدا .
ـ عملية خوست غنية جدا بالدلالات والعبر فى شتى المجالات ، مثلا:
ـ دلالة المكان : ” خوست” .
ـ دلالة الهدف : ” قاعدة عسكرية لوكالة الإستخبارات الأمريكية”
ـ منفذ العملية : ” وهو ضابط أفغانى حسب رواية الإمارة الإسلامية ” .
ثم العلاقة التى تكشفت مرة أخرى بين المخابرات الأمريكية وشركات القتلة الدولين من شركات المرتزقة مثل شركة “بلاك ووتر” ذات السمعة البشعة .
أولا ـ دلالة المكان : ” خوست” .
مدينة خوست هى عاصمة لإقليم يحمل نفس الإسم ـ ويتمتع ذلك الإقليم بميزة إستراتيجية فريدة لاينافسه فيها إقليم أفغانى آخر . ذلك لأنه أقليم يمر به أكبر عدد من الممرات الطبيعية التى تربط أفغانستان بجارتها باكستان . وفى السابق كانت خوست مدينة صغيرة جدا شبه منسية وكانت تدعى “متون بابا” . ومع توتر العلاقات بين الدولتين الجارتين تحولت خوست إلى ثكنة عسكرية كبيرة ، و ثكنة إستخبارية أكبر .
وفى حقبة الحكم الشيوعى ثم الإحتلال السوفيتى زادت القيمة “الإستخبارية ” لمدينة خوست ـ والإقليم كله بالطبع ـ ومن المدينة أدير عمل إستخبارى قل نظيره فى أفغانستان ، وكان موجها فى معظمه نحو المناطق القبليه من باكستان وبالتحديد منطقة شمال وزير ستان .
وما يحدث حاليا ويقوم به الإحتلال الأمريكى يكاد يكون تطبيقا حرفيا لما فعله الشيوعيون والسوفييت من قبل . والفارق الأساسى هو فى نوع التكنولوجيا المستخدمة.
ـ وعند فتح مدينة خوست “31 مارس 1991 ” وجد المجاهدون فى أرجاء المدينة أثنى عشر مركزا للإستخبارات . وقالوا أن ذلك يزيد بثلاث أضعاف عما هو متعارف عليه فى المدن الأخرى .
وكانت مهام تلك المراكز متطابقة مع ما تقوم به ” المخابرات الأمريكية ” فى نفس المنطقة الآن وهى ترتيب عمليات تخريب وإغتيال وتجسس وتجنيد عملاء فى منطقة القبائل خاصة فى وزيرستان . وذلك الى جانب العمل الداخلى ضد المجاهدين فى المنطقة من جمع معلومات وتجنيد عملاء وترتيب عمليات إغتيال وتخريب . وتفريق الصفوف وزرع الفتنة بين التنظيمات المختلفة وبين القبائل بعضها البعض . وإمتد نشاط السوفييت إلى عقد إتفاقات محلية مع فصائل جهادية وشرائح قبيلية بعينها لإستقبال مراحل إنسحاب جزئى أو كلى من بعض المناطق الهامة . وذلك بهدف إشعال صراع مسلح بين فئات المجاهدين ، وبين القبائل وبعضها البعض .
ثانيا ـ دلالة استهداف ” قاعدة عسكرية ” للمخابرات الأمريكية :
وهذا موضوع كبير جدا ومتشعب
ـ فلماذا يكون للمخابرات ” قاعدة عسكرية ” ؟.
ـ وما هو تأثير ذلك على العمل العسكرى للجيش الأمريكى؟.
ـ وما تأثير ذلك على التناغم بين العمل الإستخبارى والعمل العسكرى ؟.
ـ وما هو تأثير عسكرة الإستخبارات الأمريكية على الوضع داخل الولايات المتحدة والعالم؟.
ـ وما هو تأثير ذلك على الوضع فى خوست بشكل أكثر تحديدا؟.
ـ وما هو تأثير ذلك على العلاقة بين المحيط القبلى فى وزير ستان بأحداث أفغانستان وباكستان ؟
ـ وما هو عمق العلاقة التى تكشفت بين المخابرات الأمريكية وشركات الإجرام والمرتزقة الدوليين مثل ” بلاك ووتر” ؟.
ـ وما هى أبعاد تسلل شركات المرتزقة تلك إلى المراكز الأشد حساسية فى الحياة الأمريكية مثل مجال الأمن “الدخلى والخارجى” فى الاستخبارات تحديدا ؟.
ـ ما مدى سيطرة شركات الإجرام الدولى ” مثل بلاك ووتر” على زمام الأسلحة التكنولوجية الحديثة من تصدير إلى إستيراد إلى تزويد الجيش والاستخبارات بتلك المواد سواء المصنوع منها داخل الولايات المتحدة أو داخل إسرائيل ؟.
ـ ما مدى نفوذ ” بلاك ووتر” وأخواتها إلى أسلحة الدمار الشامل خاصة النووى منها. وقد صرح قادة سياسيون فى باكستان بأن تلك الشركة قد وضعت البرنامج النووى الباكستانى
” تحت حمايتها ” ؟.
ـ ما هو دور المخابرات الأمريكية وشركات الإجرام الدولى مثل “بلاك ووتر” فى إدارة المشروع الأمريكى لزراعة الأفيون فى أفغانستان وتصنيع الهيروين وتوزيعه دوليا ؟ .
ـ وما هو دور “بلاك ووتر” وأخواتها فى حماية مشروع خط أنابيب النفط الذى يعبر باكستان قادما من تركمانستان واصلا إلى باكستان ؟ .
ـ ما هو تأثير خصخصة الجيش والإستخبارات على الوضع السياسى داخل الولايات المتحدة ومصير النظام الحاكم ؟. وهل يتحول النظام إلى نوع من الفاشية الجديدة والحكم الشمولى فى الداخل وعلى المستوى العالمى فتتحول أمريكا إلى إمبراطورية فاشية مسيطرة على العالم لصالح الرأسمالية ، والصهيونى منها تحديدا ؟.
ـ وما هو دور الرأسمال البنكى الصهيونى فى ذلك التحول ومدى سيطرته / من خلال سياسة الخصخصة/ على الجيش الأمريكى وأجهزة الإستخبارات وبالتالى على الداخل الأمريكى؟.
ـ وما تأثير كل ذلك على المسلمين بشكل عام ، وعلى العرب بشكل خاص وعلى فلسطين بشكل أشد خصوصية ؟؟ .
الميليشيات .. والشيوعيون .. والإحتلال
# إن وجود قاعدة للمخابرات المركزية الأمريكية فى خوست ينذر بالخطر الشديد على أمن المواطنين على جانبى الحدود وتعرضهم الدائم لخطر القتل وتخريب الممتلكات .
ومعلوم أن القبائل هى نفسها على جانبى الحدود ، والتقسيم إنما جاء على يد الاحتلال البريطانى الذى رسم الحدود الفاصلة . وكانت مناطق البشتون كلها ضمن الأراضى الأفغانية إلى أن قسمها إتفاق “ديوراند” الذى رسم حدود، كان من المفروض أن تكون مؤقته لمدة محدودة ، لكن إزالة آثار الإستعمار لا تكون بالأمر السهل ما لم يطبق نظام حكم إسلامى صحيح على جانبى الحدود المصطنعة .
ولكن وجود علنى وإستفزازى إلى هذه الدرجة يؤدى إلى استثارة الشعور الدينى والوطنى ضد المحتلين ، خاصة إذا كانوا أجلافا إستفزازيين مثل الأمريكان. وتلك المنطقة مشهورة بمقاومة الغزاة على مر العصور مثل باقى مناطق أفغانستان . وفى الحقبة السوفيتية كانت إنتصارات خوست ، وإقتحام المدينة وفتحها عسكريا فى معركة طاحنة كانت تتويجا فريدا للحرب الجهادية فى أفغانستان . وهى حاليا تسطر ملحمة جديدة ضد الإحتلال الأمريكى.
وإن كان المحتلين إستطاعوا إخفاء الكثير جدا من الوقائع ، إلا أن نكستهم الأليمة بتفجير مقر إستخبارتهم فى خوست كان أكبر من أن يستطيعوا إخفاءه ، وإن كانوا كالعادة قللوا من حجم الخسائر ومداها لأسباب تتعلق بالحالة النفسية لقواتهم .
ورغم أن الشيوعيين فى السابق كانوا يعتبرون خوست أحد معاقلهم الرئيسية فى البلاد ، وإعتبروا أنهم نجحوا فى تجنيد أعداد كبيرة من الميليشيات القوية لمساندتهم فى الحرب ضد المجاهدين ـ ساعدهم فى ذلك وجود ضباط كبار من أعمدة النظام الشيوعى فى كابول من أبناء تلك المنطقة . وأشهر هؤلاء ” شاه نواز تاناى ” الذى وصل إلى رئاسة أركان الجيش .
ومع ذلك قدم عدد كبير من أعضاء وقادة ميليشيات المنطقة خدمات لا تقدر بثمن للمجاهدين خاصة فى مجال المعلومات . ثم فى ترتيب هزائم ثقيلة للقوات الشيوعية . وعند عمليات الفتح إنضمت معظم تلك الميليشيات للمجاهدين أو تركوا القتال نهائيا وفروا بعائلاتهم من المنطقة ، بينما إستعان النظام بالميليشيات التى كونها “عبد الرشيد دوستم” الرئيس الحالى لأركان الجيش فى حكومة كرزاى . ولا يكاد يوجد مجاهد فى خوست لا يشعر بالثأر الشخصى من “دوستم” وميليشياته .
يسير الإحتلال الأمريكى فوق آثار أقدام الإحتلال السوفيتى بطريقة مثيرة للعجب . سواء فى إجمالى طريقته فى إدارة المشكلة برمتها إلى طريقة إدارة الحرب فى أدق التفاصيل .
ورغم إمتلاكه لأسلحة أفضل بكثير، إلا أنه أقل مهارة فى إدارة الحرب أو ممارسة القتال الميدانى وحتى فى مجال المعلومات والأمن،وذلك واضح من ضربة خوست الأخيرة وغيرها.
ومنذ فتح خوست إندفعت هيئات الأغاثة الإنسانية” !! ” الغربية للإتصال بأفراد وقيادات الميليشيات الشيوعية فى خوست، ومن الطبيعى أن يكون ذلك قد حدث فى كل أرجاء البلد، وإفتتحت مشاريعها فى مناطقهم وإستأجرت بيوتهم بأسعار خيالية ونسجت شبكة علاقات إستفادت منها ضد الإمارة الإسلامية الأولى ـ وهى تستفيد منها الآن فى تقوية الإحتلال والدفاع عن قواته والعمل ضمن شبكة إستخباراته. كما عملت دول عديدة قريبة جدا وبعيدة جدا لإصطياد وتجنيد ضباط الإستخبارات الشيوعية السابقة، خاصة جهاز” خدمة إطلاعات دولتى /خاد ” الذى تحول إلى وزارة فى أواخر عمر النظام فتغير إسمه الى “واد” .
الآن جاء وقت هؤلاء لتقديم خبراتهم الإستخبارية فى المجال الداخلى الأفغانى ، وهى خبرات لا تقدر بثمن . وميزانية الحرب الأمريكية قادرة على ملء بطون هؤلاء بالذهب .
ولكن ينبغى ملاحظة تغيرات عديدة حدثت فى أوساط هؤلاء الضباط وخلفيتهم الوطنية والقبلية فمثلأ :
ـ العديد منهم توجه بالفعل إلى الإسلام عن قناعة خاصة بعد تجربة الحرب وهزيمة النظام الشيوعى وإنهيار الإمبراطورية السوفيتية .
يضاف إلى ذلك أن العديد من هؤلاء تمتع بعفو قدمه المجاهدون ، وذلك كان آخر ما يتوقعه هؤلاء. وقد أثر فيهم ذلك بشدة أكثر من أى شئ آخر .
وقد عاصرت شخصيا حادثا من هذا النوع حين أسر جنرال كبير فى النظام الشيوعى بعد فتح خوست ـ وجاءت زوجته مع أطفاله يترجون قائد المنطقة بأن يعفو عنه ولا يقتله . فإستجاب لها ووهب لها ولأطفالها ذلك الجنرال العتيد وهو ينتمى إلى أكبر قبيلة فى خوست .
جنرال آخر كان ذو مرتبة خاصة فى النظام أسره المجاهدون عند فتح خوست وأحسنوا إليه فكان عونا كبيرا لهم فى المعارك التالية ، وأثر كثيرا فى عمليات إستسلام ضخمة لقوات الجيش فى مدن أخرى .
ـ ثانيا : الخلفية الفكرية لهؤلاء الضباط هى الماركسية ، ولكنها فى الغالب مبنية على قاعدة وطنية متطرفة ومعادية للإنجليز ” بشكل تاريخى موروث” وكل ما يمت للإنجليز بصلة وفى مقدمتهم الأمريكيين .
تلك الخلفية الوطنية أشد قوة عندهم من الإنتماء الماركسى . أما الإنتماء القبلى فيأتى أولا ، وهى روح قوية جدا فى المجتمع الأفغانى ، لا يمكن أن يتخطاها شئ آخر سوى الإنتماء للإسلام . وقد تسببت الوطنية والقبلية فى خلافات عنيفة بين بعضهم وبين السوفييت تطورت إلى معارك بالسلاح بل ومحاولات إنقلاب أحيانا.
ـ ثالثا: هناك تفريعات آخرى عديدة رأينا مثالا لها فى البلاد الإسلامية الأخرى. أهمها أن قطاعا من أمثال هؤلاء إتحد قلبا وقالبا مع الموجه الأمريكية ووظف نفسه لمعداة الإسلام ، وحتى معاداة المشاعر الوطنية وصار أمريكيا أكثر من أمريكا نفسها ، وإستعماريا أكثر من الإستعمار نفسه.
فى العرض السابق يتضح أنه من الوارد جدا وجود عناصر إستخبارية وعسكرية محلية مستعدة للقيام بعمليات ضد التواجد الأمريكى على نمط عملية خوست وربما أشد منها .
دور المعلومات فى الحرب:
بدأت هيئة المخابرات المركزية الأمريكية عملها، مثل باقى الأجهزة الشبيهة حول العالم، كجهاز مهمته تجميع المعلومات وتحليلها وتقديمها لأصحاب القرار .
ثم تطور عملها فيما بعد إلى عمليات تدخل فى دول أجنبية وترتيب إنقلابات كما حدث فى إيران 1953 ضد حكومة مصدق لصالح شركات النفط الأمريكية. أو محاولات غزو بواسطة قوات مرتزقة كما حدث فى كوبا فى عملية خليج الخنازير ضد نظام فيدل كاسترو.
ثم تنامى دورها فى الخارج إلى أن جاء الوضع الحالى الذى أضحت فيه جيشا كاملا يعمل فى الخارج . وقد وصف ” أوباما” ذلك الجيش الإستخبارى بأنه يعمل على الخط الأول فى الحرب ضد الأعداء . ذلك الجيش هو الذى رتب عمليات إختطاف آلاف المسلمين من كل مكان ، وأخذ معظمهم فى سجون سرية حول العالم ، وأقل القليل منهم أرسلهم إلى جوانتانامو. والمختفون يعتقد أنهم تعرضوا لما هو أكثر من التعذيب . أى خضعوا لتجارب طبية ونفسية. ولا شك أن معظمهم قد لقى حتفه فتحولوا إلى قطع غيار بشرية بعد إنتزاع إعضائهم ، تماما كما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين المختطفين والأسرى.
ويمارس ذلك ” الجيش الإستخبارى ” دورا كاملا كجيش محارب تقليدى يمتلك معسكرات علنية ، ويدير عمليات بالطيران والأقمار الصناعية والصواريخ الموجهة لإغتيال “الأعداء ” وتدمير المنشآت وبث الذعر بين الأوساط المدنية لردعهم عن مساندة أبنائهم المجاهدين .
ولكن هل أثر ذلك الإنحراف العسكرى ـ أوعسكرة وكالة الإستخبارات ـ على مهامها الرئيسية كجهاز مهمته جمع وتحليل المعلومات ؟.
لا يمكن الإجابة بدقة عن ذلك السؤال . ولكن هناك شواهد عملية تدل على تراجع الأداء الإستخبارى بدون أن يسجل الأداء العسكرى نجاحاً يستحق الإشادة. بل العكس ظهرت آراء كثيرة تنتقده بشدة ، وترى أن تأثيراته السلبية أكبر من إيجابياته .
فقد وصل فشل تلك الوكالة فى جمع المعلومات درجة أن يتعرض أحد معسكراتها الرئيسية فى أفغانستان إلى عملية إستشهادية سجلت ثانى أعلى معدل خسائر تاريخ الوكالة . أى أن ذلك الجهاز الرهيب عجز عن حماية نفسه فى بلد هو الأكثر فقرا وتخلفا والأدنى تسليحا ، وسبيله الوحيد فى الدفاع عن نفسه هو الإيمان الدينى العميق مع قيادة ذات خبرة وكفاءة عالية.
ثم زعمت الوكالة أن من مهامها فى خوست مطاردة المجاهدين وجلال الدين حقانى ورجاله.
ولكن العملية التى صعقتهم أظهرت ، من يطارد من . فمازالت خوست واحدة من أنشط الجبهات ، ويدير حقانى عملياته بجدارة فى باكتيا الكبرى ” باكتيكا ، خوست ، باكتيا “.
وحتى لا ننسى فإن باكتيكا هى الولايه التى أسر فيها أول جندى أمريكى بعد حرب فيتنام . فأين هى قدرة وكالة الإستخبارات الأسطورية فى إقتراف المعجزات كما تظهر ذلك أفلام الدعاية التى تنتجها فى “هوليوود” ؟؟.
ـ من الواضح أن عمليات تغول الإستخبارات الأمريكية وخروجها عن نطاق ” المعقول” سواء فى داخل الولايات المتحدة أو خارجها، أضعفها فى كافة المجالات سواء الأصلية ، أى العمل الإستخبارى كما أضعفها فى المجالات المضافة ـ أى العمل كجيش نظامى .
ومن الطبيعى أن تكون مثل تلك العسكرة لجهاز الإستخبارات قد أحدثت شرخاً فى العلاقة مع الجيش النظامى ، وتداخلا فى الإختصاصات ينعكس على مستوى أداء الطرفين فى ساحة العمليات الأفغانية ـ وذلك شئ واضح والدليل عليه هو الأداء العسكرى الهزيل للجيش الأمريكى ، وفقدانه السيطرة على مجريات الأمور وضياع المبادرة العسكرية منه لصالح قوات الإمارة الإسلامية .
فمجرد تدخل جهاز الإستخبارات بذلك الشكل فى ساحة العمليات العسكرية فإنه مباشرة يعطى الإنطباع بفقدان ثقة الدولة فى جيشها . كما أنه سيضر حتما بالتعاون المفترض بين الإستخبارات كجهاز مهمته تجميع وتحليل المعلومات ، وبين الجيش الذى من المفترض أن يبنى خططه ويقوم بعملياته بناء على تلك المعلومات .
ومن الواضح تماما أن تلك الحلقة مفقودة الآن. فالجيش لا يمتلك معلومات كافية ويتحرك مثل الفيل الأعمى (أو الحمار الأعمى حسب نوع الحزب الحاكم) يتخبط من جدار إلى جدار ويضرب بطيش فيحطهم كل شيء ما عدا أعدائه . وفى الأخير سوف يسقط مغشيا عليه من الإعياء فينقض عليه من ينتظر تلك اللحظه فيذبحه ويخلص البلاد والعباد من شرة .
أهداف للجيش وأخرى للإستخبارات
مدير سابق لجهاز الإستخبارات الباكستانى قال معلقا على حادث خوست : إن هناك عدم تنسيق بين الإستخبارات المركزية والجيش الأمريكى العامل فى أفغانستان ، وأن أهداف الإستخبارات قد لا تتفق مع أهداف الجيش، وذلك مبعث للخلاف .
ونقول أن ذلك مبعث لما هو أشد من الخلاف، فهو عنصر إضطرب وفوضى فى العمل العسكرى تجر حتما إلى الهزيمة. وقد لاحظ مدير الإستخبارات المذكور أن السوفييت فى أفغانستان كانوا أكثر نجاحا من الأمريكيين نتيجة التنسيق الكبير بين الإستخبارات والجيش.
وقد وصل الصراع بين الجيش الأمريكى والإستخبارات المركزية حدا دفع بقائد المخابرات العسكرية للجيش فى افغانستان لأن يصف المخابرات المركزية بالجهل ، وذلك فى آخر وأخطر تقاريرة التى رفعها للإدارة الأمريكية .
ويبدو أن التفوق التكنولوجى المذهل قد أدار رؤوس قادة المخابرات الأمريكية وظنوا أنها قادرة على أخضاع الشعوب الإسلامية، فأرادوا حيازة ذلك “الشرف” لأنفسهم . ووضعوا أيديهم على منظومة الإغتيال الجوى . أى الطائرات منزوعة الطيار والمتصلة بالأقمار الصناعية والمزودة بصواريخ موجهة تستعصى على الخطأ أو النسيان. فماذا كانت النتيجة؟.
لقد تمكنوا من قتل بعض المستهدفين ـ ولكن إلى جانبهم أضعاف مضاعفة من الأبرياء، ومن المقدسات الدينية كالمساجد والمدارس الدينية وعلماء الدين ، وأحرقوا مع المساجد ما تحتويه من نسخ القرآن الكريم وقتلوا مئات الأطفال والشيوخ وهدموا مئات البيوت .
المحصلة هى إنتشار روح المقاومة والجهاد إنتشار النار فى الهشيم. حتى أصبح الجهاد ثورة شعبية جهادية تضم جميع فئات الشعب وليس طلاب العلوم الدينية فقط . حدث ذلك فى أفغانستان ، وأدارته بمهارة ومقدرة أجهزة الإمارة الإسلامية العسكرية والسياسية والإعلامية .
وحدث فى باكستان واليمن والصومال وفلسطين ولبنان ، وفى كل مكان أرادت فيه الإستخبارات الأمريكية إذلال المسلمين وإخضاعهم لقدرة التكنولوجيا كبديل عن خضوعهم لقدرة الله الخالق .
ونوشك على القول بأن أعداد المسلمين الذين خرجوا إلى الجهاد حاملين السلاح فى وجه الطغيان الأمريكى وبفعل عمليات الإستخبارات الأمريكية وضرباتها الجوية والبرية هم أضعاف مضاعفة من أعداد من أخراجتهم خطب ودعوات العلماء والوعاظ الدينيين.
وفى النهاية الحتمية سوف تخسر أمريكا كافة معاركها على كل الجبهات وفى مقدمتها الجبهة الأفغانية .
فشل الإستخبارات الأميركية فى حرب الأفيون
رغم النكسات الفضائحية للمخابرات الأمريكية فى أفغانستان، خاصة فضيحتهم الأخيرة فى خوست ، إلا أن كوارثهم غير المنظورة أهم وأخطر .
إنهم يخسرون بإنتظام معاركهم العسكرية، ومن قبلها خسروا معظم معركتهم الأهم فى مجال “حرب الأفيون” الذى هو محور الحرب وباعثها ومحركها الأساسى.
وكان من المفترض أن يكون الحفاظ على غنيمة الأفيون وإستثمارها هو المهمة الأولى للمخابرات الأمريكية. فقد إستلمت أفغانستان ومحصول الأفيون هناك حسب “الأمم المتحدة” هو185 طن فقط ، معظمها من إنتاج مناطق تحالف الشمال الحليف الأول والأخير لأمريكا فى أفغانستان. ونتيجة لمجهودات وكالة الإستخبارات الأمريكية يعتقد أن محصول البلاد من الأفيون تخطى حاجز تسعة آلاف طن (!!) .
والنظام الحاكم ، وعلى رأسه كرزاى وشقيقه ، مهمته الأولى هى جمع الأفيون من الولايات الجنوبية خاصة هلمند التى تزرع معظم أفيون أفغانستان، متخطية حاجز 60 % وهى كمية تزيد عن ما يزرع فى كل بلاد العالم .
ـ وتستخدم المخابرات الأمريكية القواعد الجوية للجيش وأماكن سرية أخرى تحت سيطرتها لتحويل محصول الأفيون إلى هيروين. وتشرف بنفسها على نقله وتوزيعه فى أنحاء العالم بواسطة طائرات الجيش وطائراتها الخاصة، مستخدمة فى ذلك مطارات الجيش ومطاراتها السرية داخل أفغانستان ، وأيضا عبر رحلات عسكرية وأخرى سرية مثل تلك التى نقلت بها المختطفين المسلمين.
ومن المشكوك فيه أن تكون الأدارة الحاكمة فى البيت الابيض تمتلك المعلومات الكاملة والتفصيلية عن نشاط تلك الوكالة فى مجال زراعة الأفيون وإنتاج وتوزيع الهيروين. أو عن تكوين مخزون إستراتيجى منه يكفى العالم كله لسنوات حتى لو توقفت الزراعة فى أفغانستان وهو الأمر المتوقع حدوثه مع عودة الإمارة الإسلامية إلى حكم البلاد بعد الإندحار الأمريكى المتوقع فى كل لحظة .
فالإستخبارات الأمريكية متحالفة مع عمالقة البنوك من الصهاينة وكبار جنرالات الجيش وكبار الصناعيين ومافيات المخدرات والسلاح والنفط ، يشكلون القوة الحقيقية فى البلاد وليس البيت الأبيض أو الكونجرس . فكل هؤلاء مجرد موظفين مختارون بعناية، وتلك هى الفاشية الأمريكية الجديدة .
نقول أن الفشل الأمريكى الأكبر فى أفغانستان ليس هو القتال، أو ضربات المجاهدين التى صارت تصل إلى عقر قواعد الإستخبارات . بل أن الفشل الأعظم والأخطر هو كون نصف محصول الأفيون فى أفغانستان أصبح يصل إلى منافسى الولايات المتحدة وأعدائها المحتملين وبدون أن يرسلوا جنديا واحدا إلى أفغانستان أو يخسروا نقطة دم أو طلقة رصاص . ويقف الروس فى صدارة هؤلاء .
لذا فهم أسعد الناس بالورطة الأمريكية فى أفغانستان وبالمعالجات الأمريكية الخرقاء ، والإستخدام الأحمق للقوة العسكرية والطاقة التكنولوجية الكبيرة التى تديرها أغبى العقليات فى تاريخ الحروب. فكل ذلك يؤدى بسرعة إلى الإنهيار الأمريكى الشامل، ليس فقط فى أفغانستان بل على كامل المسرح الدولى .
وذلك يحمل فرصا أفضل لجميع المنافسين والأعداء كى يحتلوا مكانا أفضل فى نظام دولى قادم ، نظام ستكون الإمارة الإسلامية فى أفغانستان من كبار راسمى معالمة .
بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
copyright@mustafahamed.com
المصدر :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية) عدد 44
http://124.217.252.55/~alsomo2